ما لايصح في الصيام ( 1 )

 ( 1 ) ما لايصح في الصيام

لفضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول

حفظه الله تعالى

الحلقة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

أما بعد :

فلا يخفى على كل مسلم ومسلمة أن العبادة لا يقبلها الله تعالى إلا بشرطين : 

– الأول : الإخلاص : أي أن تقصد وتريد بعملك الثواب من الله لا رياء ولا سمعة ولا طلباً لأمر دنيوي . 

– الثاني : المتابعة : أي تعمل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل وتترك ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم تركه من المنهيات . 

والخلل والنقص في العبادة يرجع لعدة أسباب منها : 

– الجهل بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال . 

– أو البدع المحدثات بحيث يظن الظان أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو لم يفعله . 

– انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم . 

– متابعة العامة دون الرجوع للعلماء والتعلم منهم . وعامة الناس مثله في عدم العلم إلا ما رحم الله ولذلك جهل كثير من الناس أحكام دينهم فطرأ وحصل التغير .

 

وقد لاحظ هذا التغير والنقص والخلل الصحابي الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه لاحظ التغيير والنقص في الصلاة وهي تؤدى خمس مرات في اليوم والليلة كما روت ذلك أم الدرداء حيث قالت دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً.

فإذا كان هذا التغير في الصلوات الخمس المؤداة في اليوم والليلة على الدوام فكيف بغيرها من العبادات !

وإذا كان هذا في زمن كان فيه الصحابة موجودين فكيف بمن بعده !

بل فكيف بأكثر من ألف وأربعمائة سنة !!

لذلك كتبت موضوعاً بعنوان ( ما لا يصح في الصيام ) بينت فيه الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ثم أذكر السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم . 

وهذا أمر مهم : ألا وهو تعلم السنة الصحيحة مع تعلم ما يخالفها وما لا يصح فعله؛ لأن بعض الناس قد يفعل أمراً يظنه مشروعاً وهو ليس بمشروع . 

وقد قدمته في إذاعة القرآن الكريم قبل أكثر من ست سنوات، ولا زالت الحاجة لطرح هذا الموضوع موجودة بل ومُلِحَّة خاصة مع طلب الإخوة لقراءة الموضوع . 

 

فرأيت أن أنزل الموضوع في حلقات في فترة شهر رمضان المبارك – إن شاء الله تعالى – واللهَ اسأل أن ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم . 

واسأله أن ينفع به المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وأن يرزقنا إتباع سنة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأن يبعدنا عن الشرك والبدع والمعاصي والسيئات . 

وأن يحفظ بلادنا من كل سوء، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن . 

وأن يحفظ ولاة أمرنا ويوفقهم لكل خير ، وأن يبعدهم عن كل شر ، وأن يحفظ بهم البلاد والعباد إنه سميع قريب مجيب الدعاء . 

 

أخوكم المحب

د/ أحمد بن عمر بن سالم بازمول

 

 

الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار 

أما بعد: 

فقد انتشرت بين الناس أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن شهر رمضان وصيامه وقيامه وما يتعلق به بعضها ثابت مقبول والبعض الآخر ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وإن مما يجب التنبه له والتنبيه عليه تلكم الأحاديث التي لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث ضعفها أئمة الحديث وبينوا ضعفها وعدم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

كما انتشرت بين الناس بعض الأخطاء من أقوال وأفعال واعتقادات لا أصل لها إن لم تكن مخالفة للشريعة.

وفي هذه السلسلة المباركة ـ إن شاء الله تعالى ـ ( مــا لا يــصــح فــي الــصــيــام ) سنقف على جملة من الأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة المكذوبة ونبين ضعفها ونحذر منها كما سنقف ـ إن شاء الله تعالى ـ على جملة كثيرة من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين.

و لعلك   يتبادر إلى ذهنك سؤال ألا وهو ما فائدة ذكر هذه الأحاديث إذا كانت ضعيفة غير ثابتة بله موضوعة.

وما فائدة معرفة هذه الأخطاء؟

فالجواب عن هذا التساؤل المهم بما يلي :

أولاً : نذكر ونورد هذه الأحاديث الضعيفة؛ حتى لا ننسب للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يصح عنه من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.

وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه وبَيَّن أنه ليس ككذب على غيره وأن من الكذب أن يحدث المرء بكل ما سمع دون تثبت أو روية .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”

وعن سلمة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار”

وعن المغيرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن كذباً علي ليس ككذب على أحد فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار “

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع “

ثانياً : نذكر ونورد هذه الأحاديث الضعيفة؛ لأنها قد انتشرت وتفشت في مجتمعنا المسلم بصورة ملحوظة وبشكل ملموس.

وأنت ترى اليوم كل واحد أصبح محدثاً ـ إلا ما رحم ربي ـ يأتي بالأحاديث و يستشهد بها وكأنه إمام زمانه بعضها مكذوب وبعضها لا أصل له وبعضها منكر وهذا من قلة الورع فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتورعون عن ذلك فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثاً كثيراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار”

وعن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قلت للزبير إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان ؟ فقال الزبير : أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول “من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار”

 

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع”

ثالثاً : أن بعض هذه الأحاديث الضعيفة تخالف الأحاديث الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فيعمل الناس بالضعيف ويتركون الصحيح دون علم. 

من ذلك الحديث الضعيف المنكر المنسوب له صلى الله عليه وسلم أنه قال ( صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر ).

فهذا الحديث الضعيف فيه تحريم الصوم في ا لسفر كما أن الفطر في الحضر محرم وهذا يخالف ما صح عنه صلى الله عليه وسلم

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ” كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر إفطاره”

وعنه رضي الله عنه قال ” كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن”

و سئل أنس رضي الله عنه عن صوم رمضان في السفر ؟ فقال ” سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم “

فهذه الأحاديث كلها في صحيح مسلم وهي تدل على أن المسافر في رمضان له أن يصوم ـ خاصة إن قوي على الصوم ـ وله أن يفطر.

رابعاً : أن هذه الأحاديث الضعيفة قد تشتمل على أحكام لم تثبت في الأحاديث الصحيحة فلا نستطيع أن نلزم الناس ونتعبدهم بها .

من ذلك الحديث الضعيف المشتهر عند الناس المنسوب له صلى الله عليه وسلم ( إذا صمتم فاستاكوا بالغداة و لا تستاكوا بالعشي ).

فهذا الحديث الضعيف يجوز للصائم استعمال السواك بالغداة أي أول النهار و ينهاه عن التسوك بالعشي أي من زوال الشمس.

فتجد بعض الناس لا يتسوك بعد الزوال وينهى من وجده يتسوك ظناً منه أن هذا الحديث صحيح والواقع أنه ضعيف لا يثبت. 

وبالتالي نقول يشرع للصائم السواك في كل وقت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) فهذا الحديث يفيد مشروعية السواك في كل وقت. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتسوك في أول نهار رمضان وآخره.

خامساً: نورد ونُبَيِّن هذه الأخطاء لتحذرها فلا تقع فيها ـ إن شاء الله تعالى ـ

والصائم المؤمن إذا علم الضدين : الحق والباطل . وعرف الخطأ من الصواب على التفصيل كان أحرى أن تدوم له النعمة ما لم يؤثر أسباب زوالها على علم وفي مثل هذا قال القائل: 

 

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه

 

 

وهذه حال المؤمن يكون فطناً حاذقاً اعرف الناس بالشر وأبعدهم منه فإذا تكلم في الشر وأسبابه ظننته من شر الناس فإذا خالطته وعرفت طويته رأيته من أبر الناس.

سادساً : نورد ونُبَيِّن هذه الأخطاء لكي تحذر منها أهلك وجيرانك وأصدقاءك وإخوانك المسلمين لتكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فتتحقق فيك الخيرية التي ذكرها الله بقوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} .

سابعاً : نورد ونبين الأخطاء لانتشارها بين فئام وجماعات من الناس ليسوا قليلين، والواقع أن هذا سببه جهل الناس بدينهم وبعدهم عن سنة نبيهم تعلماً وتطبيقاً فهذا الصحابي الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه لاحظ التغيير والنقص في الصلاة وهي تؤدى خمس مرات في اليوم والليلة كما روت ذلك أم الدرداء حيث قالت دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبُك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً.

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ ومراد أبي الدرداء رضي الله عنه أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة وهو أمر نسبى لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان اهـ أي القرن التاسع

قلت : فكيف في هذا القرن الخامس عشر لكن لا شك أن هناك طائفة باقية على الحق متمسكة بهديه صلى الله عليه وسلم داعية إليه والله المستعان .

و لعلك   قد ظهرت لك أهمية الموضوع وخطره وما له من الإيجابيات لو سلكناه وبيناه وما له من السلبيات لو أهملناه و تركناه دون بيان و تحذير.

وفي ختام هذه الحلقة اسأل الله العلي القديرأن يجنبنا الزلل والخطأ وأن يصلح أعمالنا وأن يهدينا لسلوك سنة نبيه محمد صلى عليه وسلم على منهج سلفنا الصالح.


أخوكم المحب

د/ أحمد بن عمر بن سالم بازمول

الحلقة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

أما بعد:

فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله على خطأٍ كبير ظاهر منتشر بين الناس والوقوع فيه له أثر عظيم على الصيام هذا الخطأ هو عدم تعلم الصائم أحكام الصيام وما يتعلق به من آداب وسنن و الأمور التي يجب على الصائم تجنبها كالمفطرات والغيبة والنميمة وغير ذلك.

فتجد الواحد منهم يصوم على غير بصيرة وعلم فيقع في أمر يخالف صيامه وهو لا يشعر بسبب جهله أحكام الصيام وما يتعلق به ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:”رب صائم حظه من صيامه الجوع و العطش”(حديث صحيح:أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي).

وهذا حديث عظيم يغفل عنه كثير من الصائمين .

هذا الحديث يبين أن بعض الصائمين حظه من صيامه وأجره : العطش والجوع نفسه فقط ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والسؤال هنا : لماذا يكون حظه ونصيبه من صومه الجوع والعطش فقط ؟

والجواب عن هذا السؤال هو لأنه خالف أحكام الصيام ووقع فيما يخالفه ويضيع ثمرته فتراه يقع في الحرام من الغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والسباب ولا يحفظ جوارحه عن الآثام !

و للأسف الشديد أيها الأخوة الكرام هذا الخطأ الكبير والظاهرة الخطيرة من عدم تعلم أحكام الصيام ليست فقط في رمضان بل هي في جميع أحكام الدين في الطهارة والصلاة والزكاة والحج و النكاح و الطلاق فتجد كثيراً من الناس يجهلون أحكام دينهم فيخالفونها بدون علم ولو أنهم تعلموها لم يخالفوها.

والعجب أننا نرى هؤلاء إذا أراد أحدهم أن يشتري شيئاً من متاع الدنيا الزائل نجده يسأل عنه وعن كيفية استعماله وعن ما يحتاج إلى صيانة ولا يقبل قول أي أحد بل لا بد أن يكون خبيراً مجرباً عندها يطمئن ويرضى قبل أن يشتريه.

أما في أمور دينه وأحكامه التي يحتاج إليها فنجده يعمل بلا بصيرة ولا علم و يعمل كما يعمل عامة الناس!

فالواحد منهم للأسف في أمور الدنيا عالم فاهم وفي أمور آخرته و دينه جاهل متخبط يمشي بلا علم.

والله عز وجل أمرنا أن نسأل أهل العلم إذا جهلنا الحكم فقال تعالى{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وأهل الذكر هم أهل العلم فالله أمرنا أن نسأل أهل العلم ولم يأمرنا أن ننظر إلى ما يفعله عامة الناس.

وقال صلى الله عليه وسلم “إنما شفاء العي السؤال”

وقال صلى الله عليه و سلم “طلب العلم فريضة على كل مسلم”

و هذا حديث عظيم يدل على وجوب تعلم أمور الدين فيما يلزم المسلم في خاصة نفسه وذلك “لما تقرر و ثبت أنه لا يجوز لأحد أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه فهذه من فروض الأعيان لا يحملها أحد عن أحد”

ويدل على أن الذي لا يتعلم أمور دينه التي يحتاج إليها : آثم؛ لأنه مقصر ومفرط.

وعامة الناس مثله في عدم العلم إلا ما رحم الله ولذلك جهل كثير من الناس أحكام دينهم فطرأ و حصل التغير وقد لاحظ هذا التغير الصحابي الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه لاحظ التغيير و النقص في الصلاة وهي تؤدى خمس مرات في اليوم والليلة كما روت ذلك أم الدرداء حيث قالت دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً.

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ ومراد أبي الدرداء رضي الله عنه أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة وهو أمر نسبى لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان اهـ أي القرن التاسع

قلت : فكيف في هذا القرن الخامس عشر لكن لا شك أن هناك طائفة باقية على الحق متمسكة بهديه صلى الله عليه وسلم داعية إليه والله المستعان .

و نحن في هذه الأيام المباركة أيام رمضان نحتاج لمعرفة أحكام الصيام.

ولعلك أخي الكريم تقول كيف أتعلم أحكام الصيام ؟

فالجواب : هو أنك يمكنك أن تتعلم أحكام الصيام عن عدة طرق:

الطريقة الأولى: هي أن تجلس في حلق العلم فتسمع وتتعلم وتعمل.

الطريقة الثانية: هي عن طريق سؤال أهل العلم عن ما تحتاج إليه من أحكام الصيام.

الطريقة الثالثة:عن طريق الاستماع لأشرطة أهل العلم كالشيخ ابن باز والعثيمين رحمهما الله وكالشيخ عبدالعزيز آل الشيخ والفوزان والغديان وغيرهم حفظهم الله التي تتكلم عن الصيام وأحكامه وهي متوفرة ـ بحمد الله ـ .

الطريقة الرابعة:عن طريق المواقع السلفية في الإنترنت التي تخصص في المنتدى ركناً لما يتعلق بالصيام .

الطريقة الخامسة : عن طريق قراءة الكتب التي بينت وتكلمت عن أحكام الصيام.

لكن احرص على أخذ العلم من أهله الموثوق بهم.

أيها الإخوة الأفاضل :

كل واحد منا راعٍ وهو مسئول عن رعيته لقوله صلى الله عليه و سلم ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته”

فيجب علينا أن نعلم أبناءنا وبناتنا ونساءنا أحكام الصيام وما يحتاجون إليه فيه.

ولنعلم جميعاً أن من علم علماً كان له مثل أجر من عمل به لقوله صلى الله عليه وسلم “من علَّم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل”

بل تعليم المسلم للآخرين ينفعه بإذن الله بعد موته قال صلى الله عليه و سلم “أربع من عمل الأحياء تجري للأموات وذكر منها: و رجل علم علماً فعمل به من بعده له مثل أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجر من يعمل به شيء”

أيها المسلمون إن جهلنا بأحكام ديننا قادنا إلى الوقوع في المحرمات والمعاصي وأبعدنا عن ربنا سبحانه وتعالى فتسلط علينا أعداؤنا من اليهود والنصارى أخزاهم الله كما قال صلى الله عليه وسلم ” إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم”

فتأملوا قوله صلى الله عليه و سلم ” حتى ترجعوا إلى دينكم” ما قال حتى تعملوا جماعات أو مظاهرات إنما يرفع الله عنا الذل إذا رجعنا إلى ديننا والرجوع إلى الدين هو الرجوع إلى الكتاب و السنة على فهم الصحابة السلف الصالح رضوان الله عليهم.

أيها الصائمون إذا أردنا العزة من الله تبارك و تعالى وأردنا أن يرفع عنا الذل وينصرنا على عدونا فلا بد من العلم بأحكام الدين ولا بد من العمل بهذا العلم والعمل بالعلم هو بيت القصيد وهذا كما قال تعالى{إن تنصروا الله ينصركم} فهذا أمر من الله للمؤمنين أن ينصروا الله بالقيام بدينه والدعوة إليه وجهاد أعدائه وأن يقصدوا بذلك وجه الله فإنهم إذا فعلوا ذلك نصرهم وثبت أقدامهم أي يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات ويعينهم على أعدائهم.

فهذا وعد من كريم صادق الوعد أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه وييسر له أسباب النصر من الثبات و غيره

وفي ختام هذه الحلقة اسأل الله أن يبصرنا في أمور ديننا وأن يعيننا على صيام رمضان وقيامه وأن لا يجعلنا من الذين حظهم من صيامهم الجوع والعطش، وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الأمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

أخوكم المحب

د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول

الحلقة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد:
فعدم استشعار الصائم نعمة الله ومنته عليه بإبلاغه هذا الشهر العظيم لهو من الأخطاء التي نلاحظها و نلمسها في شهر رمضان من بعض الصائمين .
فتجد بعضهم يستثقل دخول شهر رمضان ويتضايق منه ويفرح بخروجه والبعض الآخر يدخل عليه رمضان وكأنه لا مكانة له ولا قيمة في نفسه فلا يغتنم أوقاته في الطاعات بل وقته في المباحات إن لم يكن في المحرمات.
وهذا الشعور الميت يحرم صاحبه لذة العبادة والنشاط فيها والإكثار منها.
إنَّ استشعار الصائم أهمية هذا الشهر له أثرٌ فعال في صيامه و قيامه فلا يفرط فيه ولا يلهو عنه بل يشتغل ليله ونهاره في طاعة الله ومرضاته؛ لأنَّه موسمٌ عظيمٌ جعل اللهُ فيها من الخيرات والرحمات ما الله به عليم.
وكيف يغفل المؤمن عن هذا الشهر الكريم وكيف يضيع هذه الفرصة العظيمة ولعل السبب في ذلك هو عدم علمه بما جاء في بيان فضله وخصائصه في السنة النبوية :
ففي هذا الشهر تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتسلسل و تصفد الشياطين
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين”
وأجر صيامه عظيم عند الله فهو إليه ورائحة الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من رائحة المسك :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل : كل عمل بن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه”
وهو شهر ينادي فيه المَلَك يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر وفي كل ليلة لله عتقاء من النار
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي ملك يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة”
و يغفر فيه لمن صامه وقامه إيماناً و احتساباً ما تقدم من ذنبه.
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه
و الصيام وقاية من النار”
فعن عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال”
وفي هذا الشهر ليلة خير من ألف شهر والمحروم من حرم خيرها
فعن أنس بن مالك قال دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنَّ هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم”
و هذا الشهر اختصه الله لنزول القران
فعن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان والقرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان”
أيها الصائمون هذه بعض الخصائص التي اختص بها شهر رمضان وهي دالة على فضله وأهميته ومكانته في الإسلام لذلك قال ابن قيم الجوزية ((كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليلة ونهاره على العبادة وكان ينهى أصحابه عن الوصال فيقولون له إنك تواصل فيقول لست كهيئتكم إني أبيت وفي رواية إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني)) انتهى
ولعل هؤلاء الذين لا يعلمون أهمية شهر رمضان يجهلون أيضاً المقصود من الصيام والمصالح التي فيه؟
ولابن قيم الجوزية كلام بديع في بيان المقصود من الصيام ومنافعه شرعاً وعقلاً وطباً : حيث قال رحمه الله تعالى : المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماعه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الإبرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئاً وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثار لمحبة الله ومرضاته وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة وأما كونه تركت طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطلع عليه بشر وذلك حقيقة الصوم وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذي من قبلكم لعلكم تتقون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” الصوم جنة ” وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدره له عليه بالصيام .
والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحمية لهم وجنة وكان هدي رسول الله فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة وألفت أوامر القرآن فنقت إليه بالتدريج وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة فتوفي رسول الله وقد صام تسع رمضانات .
وأما الصوم فناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين فإن النفس إذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم فإذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشيطان وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها محبة له وإيثارا لمرضاته وتقربا إليه فيدع الصائم أحب الأشياء إليه وأعظمها لصوقاً بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه فهو عبادة ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله فالصائم يدع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه وهذا معنى كون الصوم له تبارك وتعالى وبهذا فسر النبي هذه الإضافة في الحديث فقال ” يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها قال الله إلا الصوم فأنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلي ” حتى أن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضا الله وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة وتقمع النفس وتحي القلب وتفرحه وتزهد في الدنيا وشهواتها وترغب فيما عند الله 
 
وتذكر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشهم فتعطف قلوبهم 
عليهم ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا له شكراً.
وبالجملة فعون الصوم على تقوى الله أمر مشهور فما استعان أحد على تقوى الله وحفظ حدوده واجتناب محارمه بمثل الصوم فهو شاهد لمن شرعه وأمر به بأنه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأنه إنما شرعه إحساناً إلى عباده ورحمة بهم ولطفاً بهم لا بخلاً عليهم برزقه ولا مجرد تكليف وتعذيب خال من الحكمة والمصلحة بل هو غاية الحكمة والرحمة والمصلحة وإن شرع هذه العبادات لهم من تمام نعمته عليهم ورحمته بهم.
والصوم جنة من أدواء الروح والقلب والبدن منافعه تفوت الإحصاء وله تأثير عجيب في حفظ الصحة وإذابة الفضلات وحبس النفس عن تناول مؤذياتها ولا سيما إذا كان باعتدال وقصد في أفضل أوقاته شرعاً وحاجة البدن إليه طبعاً ثم إن فيه إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها وفيه خاصية تقتضي إيثاره وهي تفريحه للقلب عاجلاً وآجلاً وهو أنفع شيء لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة وله تأثير عظيم في حفظ صحتهم وهو يدخل في الأدوية الروحانية والطبيعية وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعاً وشرعاً عظم انتفاع قلبه وبدنه به وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة التي هو مستعد لها وأزال المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه ويعنيه على قيامه بمقصود الصوم وسره وعلته الغائبة فإن القصد منه أمر آخر وراء ترك الطعام والشراب وباعتبار ذلك الأمر اختص من بين الأعمال بأنه لله سبحانه ولما كان وقاية وجنة بين العبد وبين ما يؤذي قلبه وبدنه عاجلاً وآجلاً قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } فأحد مقصودي الصيام الجنة والوقاية وهي حمية عظيمة النفع والمقصود الآخر اجتماع القلب والهم على الله تعالى وتوفير قوى النفس على محابه وطاعته انتهى
وفي ختام هذه الحلقة اسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يرزقنا لذة العبادة والطاعة واستشعار عظيم نعمته علينا بإبلاغنا هذا الشهر العظيم .
وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الأمين، والحمد لله رب العالمين.
 
 
أخوكم المحب
د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول

الحلقة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين:
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين : أن بعضهم لما ينتصف شهر شعبان يبدأ في الصيام وهو لم يصم من قبله وهذا لا يجوز؛ لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال “إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان”
وفي لفظ”إذا انتصف شعبان فلا تصوموا”
فدل الحديث على النهي من ذلك فما يفعله بعض الناس اليوم هداهم الله من الصيام إذا انتصف شعبان خلاف السنة لا يجوز.
و كذا من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين: أن بعضهم يصوم قبل رمضان بيوم وهو يوم الشك أو يصوم قبل رمضان بيومين
ويوم الشك هو اليوم الثلاثون من شعبان لاحتمال أن يكون من رمضان.
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم”
ومن الأدلة ما رواه صلة قال كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه فأتي بشاة فتنحى بعض القوم فقال عمار” من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم”
أما من كان معتاداً الصيام من قبل منتصف شعبان كأن كان يداوم على صيام الاثنين والخميس أو صيام يوم و إفطار يوم أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر فله أن يصوم بعد منتصف شعبان كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم “إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم صومه”
قال عبد الله ابن الإمام أحمد قلت لأبي: إذا صام شعبان كله؟
قال لا بأس أن يصوم اليوم الذي يشك فيه إذا لم ينو أنه من رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان فقد دخل ذلك اليوم في صومه اهـ
قلت : يشير رحمه الله إلى ما روته أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان.
و قال أبو عيسى الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول شهر رمضان لمعنى رمضان (أي لتعظيمه) وإن كان رجل يصوم صوماً فوافق صيامه ذلك فلا بأس به عندهم اهـ
والعلة في تحريم صوم هذين اليومين لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه وما فيه من الطعن في رؤية الهلال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الصوم بالرؤية.
فمن صام يوم الشك قبل رؤية الهلال فوافق صومه ذلك اليوم أول دخول رمضان فلا يجزئه؛ لكونه لم يبن صومه على أساس شرعي ولأنه يوم شك وقد دلت السنة الصحيحة على تحريم صومه وعليه قضاؤه وهذا قول أكثر أهل العلم.
و من صام يوم الشك بنية صوم رمضان فقد وافق الرافضة ووقع في البدعة.
و من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين: أن بعضهم يصوم قبل صيام المسلمين ويفطر قبل إفطار المسلمين بحجة أنه رأى الهلال ولا شك أن هذا خطأ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون”
قال الترمذي: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس اهـ
وقال الخطابي في معنى الحديث:إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماضٍ لا شيء عليهم من وزر أو عنت وكذلك في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة ليس عليهم إعادة.
وقال غيره فيه الإشارة إلى أن يوم الشك لا يصام احتياطاً وإنما يصام يوم يصوم الناس.
وقيل فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم ويفطر دون من يعلم.
وقيل إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أنه لا يكون هذا له صوماً كما لم يكن للناس اهـ
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله: فيه دليل على أن المنفرد بالرؤية لا يلزمه حكمها لا في الصوم ولا في الفطر ولا في التعريف اهـ
وقال السندي : الظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس لآحاد الناس فيها مدخل وليس لهم التفرد فيها بل الأمر فيها إلى الإمام والجماعة ويجب على الآحاد إتباعهم للإمام والجماعة وعلى هذا فلو رأى أحد الهلال ورد الإمام شهادته ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك “اهـ
قلت: ويدل عليه ما جاء عن مسروق أنه دخل على عائشة رضي الله عنها يوم عرفة فقالت : اسقوا مسروقاً سويقاً وأكثروا حلواه.
قال: إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر؟
فقالت عائشة رضي الله عنها: النحر يوم ينحر الناس والفطر يوم يفطر الناس”
قال أبوعبدالرحمن ناصر الدين الألباني: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد ولو كان صواباً في نظره في عبادة جماعية كالصوم والتعييد وصلاة الجماعة اهـ
و”يخشى على هذا المتفرد بالصيام أو الإفطار من التهمة بمشابهة الرافضة الذين يصومون يوم الشك وبالتهمة بالفطر كما أن في عمله هذا خوف الاختلاف و تشتيت الكلمة وأن يجعل لكل إنسان مرتبة الحاكم وهذا من أبلغ الإفتيات على الإمام وجماعة المسلمين وفيه مشابهة أهل البدع كالرافضة و نحوهم فإنهم ينفردون عن المسلمين بالصيام والفطر وبالأعياد فلا ينبغي التشبه بهم في ذلك وقواعد الشرع تأبى ذلك”
أقول: وبهذا ندرك خطأ ما يقوله بعض الناس إن دخولنا رمضان لم يكن مضبوطاً أو وقع اختلاف ويثيرون بهذا الكلام البلبلة لدى عامة الناس فلا شك أن هذا خطأ مخالف للسنة.
فنحن في المملكة العربية السعودية – بحمد الله تعالى – خصص ولاة أمرنا لجنة لرصد دخول الشهر وخروجه وهي مسؤولة عن ذلك فلو قدر الله أنه وقع خطأ فهو مغتفر لأنهم فعلوا ما أمروا به.
وهذا أمر يستغله دعاة الفتنة والتضليل للطعن في ولاة أمرنا والتشكيك في أفعالهم!!
ولا شك أن ولاة أمرنا قد فعلوا ما أمرهم الشرع به ولم يقصروا فلا يلحقهم بإذن الله تعالى لوم ولا عتب بفضل الله عليهم فلا ينبغي الالتفات لتلك الإشاعات المغرضة.
ومن الأخطاء ما يفعله بعض الناس من رفع الأيدي إلى الهلال عند رؤيته يستقبلونه بالدعاء قائلين : هل هلالك جل جلالك شهر مبارك ثم يمسحون وجوههم.
فهذا الفعل بدعة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
قلت: والسنة الثابتة عنه صلى عليه وسلم أنه كان إذا رأى الهلال قال:اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي و ربك الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخوكم
د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 
 
 

الحلقة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
ففي هذه الحلقة إن شاء الله تعالى سنقف على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين:
فمن الأخطاء : أن بعض الناس هداهم الله للصواب إذا ثبت دخول شهر رمضان أثناء النهار في اليوم الثلاثين من شعبان لا يمسك عن المفطرات بل يستمر في فطره بحجة أنه لا بد من الإمساك قبل الفجر وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أكل وشرب يوم عاشوراء بترك الأكل والشرب وأن يتم صومه.
فعن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم عاشوراء رجلاً من أسلم فنادى في الناس : إن اليوم يوم عاشوراء فمن كان قد أكل وشرب فلا يأكل شيئاً ليُتِمَّ صومه ومن كان لم يأكل ولم يشرب فليتم صومه”
وعن الرُبَيِّع بنت مُعَوذ قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه . قالت : وكنا نصومه ونصومه صبياننا الصغار ويذهب بهم إلى المسجد ويجعل لهم اللعبة من الوهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياه”
قال ناصر الدين الألباني: في هذا الحديث فائدتان:
الأولى:أن صوم يوم عاشوراء كان في أول الأمر فرضاً و ذلك ظاهر في الاهتمام به الوارد فيه والمتمثل في إعلان الأمر بصيامه والإمساك عن الطعام لمن أكل فيه وأمره بصيام بقية يومه فإن صوم التطوع لا يتصور فيه إمساك بعد الفطر.
والأخرى:أن من وجب عليه الصوم نهاراً كالمجنون يفيق والصبي يحتلم والكافر يسلم وكمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين الوجوب ولو بعد أن أكلوا أو شربوا فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه و سلم ” من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له”
فإن قيل : الحديث وارد في صوم عاشوراء والدعوى أعم؟
قلت: نعم وذلك بجامع الاشتراك في الفرضية.
قال المحقق السندي : دل الحديث على شيئين
أحدهما وجوب صوم عاشوراء.
والثاني أن الصوم الواجب في يوم بعينه يصح بنية من نهار والمنسوخ هو الأول ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني ولا دليل على نسخه أيضاً
بقي فيه بحث وهو أن الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوماً من الليل وإنما علم من النهار وحينئذ صار اعتبار النية من النهار في حقهم ضرورياً كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة انتهى .
قلت : واختار هذا القول جمع من أهل العلم منهم ابن تيمية وابن قيم الجوزية والشوكاني وابن سعدي رحمهم الله جميعاً
وأما قضاء ذلك اليوم فلا يلزمهم قال العلامة السعدي : إذا قامت البينة في أثناء النهار برؤية هلال رمضان لزمهم الإمساك قولاً واحداً واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يلزمهم قضاء ذلك اليوم وقوله قوي جداً مبني على أصل وهو أن الأحكام لا تلزم إلا بعد بلوغها فهم أفطروا لِمَا كان في ظنهم . والحكم الظاهر لهم أنه ليس من رمضان فإذا بان أنه من رمضان لزمهم إمساك ما بان لهم ولم يلزمهم قضاء ما لم يبلغهم انتهى
و أما الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” صمتم يومكم هذا ؟ قالوا : لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه ” قال أبو داود يعني يوم عاشورا”
فهو حديث لا يصح ضعفه عبدالحق الإشبيلي وقال: لا يصح هذا الحديث في القضاء ووافقه ابن القطان وكذا ضعفه الألباني
ومن الأخطاء : أن بعض الصائمين لا يبيتون نية الصيام قبل الفجر وهذا خطأ كبير؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له “
و قال صلى الله عليه و سلم ” من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له”
فدل هذان الحديثان على وجوب تبييت نية الصيام قبل طلوع الفجر وأن من لم يبيتها فلا يصح منه الصيام .
قال الميموني قلت لأحمد بن حنبل: نحن نحتاج في رمضان أن نبيت الصيام من الليل؟
فقال الإمام أحمد: إي والله.انتهى
وهنا سؤال مهم يحتاج إليه الصائمون ألا وهو كيف تكون النية؟
فالجواب عن هذا السؤال المهم هو أن يقال: من عزم بقلبه على الصيام غداً فقد حصلت النية المطلوبة شرعاً قال ابن تيمية رحمه الله: من خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى والصائم لمَّا يتعشَ يتعشى عشاء من يريد الصيام ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان انتهى
وأما الجهر بنية الصيام كأن يقول نويت أن أصوم شهر رمضان أو نويت أن أصوم غداً الأربعاء لله ؛ فهو بدعة مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلا يجوز الجهر بالنية في الصيام بل لا يجوز الجهر بالنية في جميع العبادات إذ النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الجهر بلفظ النية ليس مشروعاً عند أحد من علماء المسلمين ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها…
بل النية الواجبة في العبادات كالوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين.
والنية هي: القصد والإرادة والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق العقلاء فلو نوى بقلبه صحت نيته عند الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين من الأولين والآخرين وليس في ذلك خلاف عند من يُقْتدى به ويفتى بقوله
ولكن بعض المتأخرين من أتباع الأئمة زعم أن اللفظ بالنية واجب ولم يقل إن الجهر بها واجب ومع هذا فهذا القول خطأ صريح مخالف لإجماع المسلمين ولما علم بالاضطرار من دين الإسلام عند من يعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه وكيف كان يصلي الصحابة والتابعون فإن كل من يعلم ذلك يعلم أنهم لم يكونوا يتلفظون بالنية ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولا علمه لأحد من الصحابة.
كما أن التلفظ بالنية فاسد في العقل فإن قول القائل: أنوي أن أفعل كذا وكذا بمنزلة قوله أنوي آكل هذا الطعام لأشبع وأنوي ألبس هذا الثوب لأستتر وأمثال ذلك من النيات الموجودة في القلب التي يستقبح النطق بها وقد قال الله تعالى{قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض}
فليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله ورسوله دون ما يشتهيه ويهواه قال الله تعالى{ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله }انتهى
ومن الأخطاء : أن بعض الصائمين ينوي بصيامه في شهر رمضان التطوع لا الفرض وهذا خطأ؛ لأن صيام رمضان فرض واجب فلا بد فيه من نية الفريضة.
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل:سألت أبي عمن صام رمضان وهو ينوي به تطوعاً؟
فقال: لا يفعل هذا إنسان من أهل الإسلام لا يجزئه حتى ينوي ـ أي الفريضة انتهى.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها وهي متعلقة بالنية وهي من المسائل الكبيرة فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
أخوكم
د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

الحلقة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين.
فمن الأخطاء : التي يقع فيها بعض الصائمين أن بعضهم يفطر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد روى أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله r يقول « بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان ، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعراً، … إلى أن قال : ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم”
وقوله (تحلة صومهم) أي يفطرون قبل وقت الإفطار.
والله عز وجل قال في كتابه الكريم{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} فأمرنا بالإمساك إلى الليل وذلك يكون بغروب الشمس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ” إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم”
وجاء عن أبي سعيد الخدري أنه أفطر حين غاب قرص الشمس
وهنا لا بد من بيان مسألة يحتاج الصائمون إليها ألا و هي أن الصائم إذا شرب وأكل قبل غروب الشمس ظناً منه أن الشمس قد غربت فهل عليه القضاء لأنه في حكم المفطر أم أنه لا قضاء عليه لأنه في حكم من شرب وأكل ناسياً ؟
من أهل العلم من قال لا يقضي مستدلاً بما رواه هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام فأمروا بالقضاء.
قال لا بد من قضاء وقال معمر سمعت هشاماً لا أدري أقضوا أم لا.
قال الحافظ ابن حجر: قوله (بُدّ من قضاء) المعنى لا بد من قضاء.
قوله( وقال معمر سمعت هشاماً يقول لا أدري اقضوا أم لا)
ظاهر هذه الرواية تعارض التي قبلها لكن يجمع بأن جزمه بالقضاء محمول على أنه استند فيه إلى دليل آخر وأما حديث أسماء فلا يحفظ فيه إثبات القضاء ولا نفيه .
قال ابن المنير في الحاشية في هذا الحديث أن المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر فإذا اجتهدوا فأخطئوا فلا حرج عليهم في ذلك انتهى .
قال ابن قيم الجوزية:اختلف الناس هل يجب القضاء في هذه الصورة فقال الأكثرون يجب وذهب إسحاق بن راهويه وأهل الظاهر إلى أنه لا قضاء عليهم وحكمهم حكم من أكل ناسياً
والقياس يقتضي سقوط القضاء ولأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم ولو أكل ناسياً لصومه لم يجب عليه قضاؤه والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي فإن كل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه وأخطأ في فعله وقد استويا في أكثر الأحكام وفي رفع الآثام فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع.
وقد يقال إنه في صورة الصوم أعذر منه فإنه مأمور بتعجيل الفطر استحباباً فقد بادر إلى أداء ما أمر به واستحبه له الشارع فكيف يفسد صومه وفساد صوم الناسي أولى منه لأن فعله غير مأذون له فيه بل غايته أنه عفو فهو دون المخطئ الجاهل في العذر .
وإن أريد أن المخطئ ذاكر لصومه مقدم على قطعه ففعله داخل تحت التكليف لخلاف الناسي فلا يصح أيضاً لأنه يعتقد خروج زمن الصوم وأنه مأمور بالفطر فهو مقدم على فعل ما يعقده جائزاً وخطؤه في بقاء اليوم كنسيان الآكل في اليوم فالفعلان سواء فكيف يتعلق التكليف بأحدهما دون الآخر
والسبب الذي دعاه إلى الفطر غير منسوب إليه في الصورتين وهو النسيان في مسألة الناسي وظهور الظلمة وخفاء النهار في صورة المخطئ فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان وهذا أطعمه الله وسقاه بإخفاء النهار ولهذا قال صهيب هي طعمة الله ولكن هذا أولى فإنها طعمة الله إذناً وإباحة وإطعام الناسي طعمته عفواً ورفع حرج فهذا مقتضى الدليل.
قال شيخنا – أي شيخ الإسلام ابن تيمية – وحجة من قال لا يفطر في الجميع أقوى ودلالة الكتاب والسنة على قولهم أظهر فإن الله سبحانه سوى بين الخطأ والنسيان في عدم المؤاخذة ولأن كل واحد منهما غير قاصد للمخالفة وقد ثبت في الصحيح أنهم أفطروا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ولم يثبت في الحديث أنهم أمروا بالقضاء ولكن هشام بن عروة سئل عن ذلك فقال لا بد من قضاء وأبوه عروة أعلم منه وكان يقول لا قضاء عليهم وثبت في الصحيحين أن بعض الصحابة أكلوا حتى ظهر لهم الخيط الأسود من الأبيض ولم يأمر أحداً منهم بقضاء وكانوا مخطئين
قال شيخنا وبالجملة فهذا القول أقوى أثرا ونظرا وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس انتهى
قلت : وهذا الذي اختاره الشيخ السعدي رحمه الله
ومن الأمور التي يقع فيها بعض الصائمين وهي خلاف السنة :
أنهم لا يعجلون الفطر بل يؤخرونه حتى يصلوا المغرب و يصلوا السنة ثم من بعد ذلك يفطرون وهذا خلاف السنة الصحيحة فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي المغرب وهو صائم حتى يفطر ولو على شربة من ماء”
وعن أبي عطية قال : دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقال لها مسروق رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلاهما لا يألو عن الخير أحدهما يعجل المغرب والإفطار والآخر يؤخر المغرب والإفطار فقالت من يعجل المغرب والإفطار قال عبد الله فقالت ” هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع “
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر”
أي مدة فعلهم ذلك امتثالاً للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها.
قال النووي:معناه لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير محافظين على هذه السنة وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه انتهى
وقال صلى الله عليه وسلم ” لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون “
وظهور الدين مستلزم لدوام الخير و تأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم انتهى .
وقال ابن دقيق العيد في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم ولعل هذا هو السبب في وجود الخير بتعجيل الفطر لأن الذي يؤخره يدخل في فعل خلاف السنة انتهى
وقال الترمذي: الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : استحبوا تعجيل الفطر انتهى
قلت يؤيده ما رواه عمرو بن ميمون أنه قال ” كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعجل الناس إفطاراً وأبطأهـم سحوراً”
قال الحافظ: اتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بأخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح انتهى
ومن الأخطاء أيضاً أن بعض المؤذنين يؤخر أذان المغرب مع أن الشمس قد غربت بحجة الاحتياط وهذا من البدع المنكرة.
قال الحافظ : من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من أن المؤذنين صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخروا الفطر وخالفوا السنة فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر والله المستعان انتهى .
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
أخوكم
د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

 

الحلقة الثامنة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين.
فمن الأمور التي تخالف السنة ويقع فيها بعض الصائمين أنهم يتعجلون السحور ولا يأخرونه إذ السنة تأخير السحور :
فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ” تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية”
وعن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذن بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كلوا واشربوا حتى يؤذن بن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر” قال القاسم : ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال ” كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم”
وعن حذيفة قال ” تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع”
فدلت هذه الأحاديث على أن السنة في السحور تأخيره لا تعجيله بعد العشاء مباشرة أو قبل الفجر بوقت طويل.
ومن الأخطاء : التي يقع فيها بعض الصائمين مخالفين سنة سيد المرسلين تركهم السحور بالكلية بعضهم يترك السحور تعبداً وهذا لاشك أنه من المبدع وهو من فعل أهل الكتاب وبعضهم يتركه لعلة واهية كمن يتركه لتخفيف الوزن ونحوه.
وهؤلاء قد حرموا أنفسهم خيراً عظيماً كبيراً فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين”
الله أكبر ما أعظمها من نعمة ويا حسرة من فاتته هذه النعمة لبدعة أو لغرض دنيوي.
كما أن من ترك السحور فقد حرم نفسه البركة الحاصلة من السحور فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” تسحروا فإن في السحور بركة”
و قد نهى صلى الله عليه و سلم من ترك السحور :
فعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فقال صلى الله عليه وسلم ” إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه”
والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي أتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام
ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالغداء المبارك
فعن العرباض بن سارية قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان فقال “هلم إلى الغداء المبارك”
ومن ترك السحور فقد شابه اليهود و النصارى لأنهم لا يتسحرون
فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر”
ولعل قائلاً يقول : وكيف يحصل السحور؟
والجواب هو أن السحور يحصل بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب بل لو شرب ماءاً بنية السحور أجزأه وليس الأكل الكثير شرطاً في السحور:
فعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين”
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” نعم سحور المؤمن التمر”
ومن الأخطاء التي نراها من بعض الصائمين إذا سمعوا الأذان وفي فم أحدهم لقمة أو في يد أحدهم ماء إخراجهم ما في فمهم من طعام أو ماء ظناً منهم أنه لا يجوز لهم ذلك وهذا لا شك أنه ظن خاطئ مخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه “
فدل هذا الحديث على جواز هذا الأمر وأنه لا يضر فعله الصيام.
ومن الخطأ أيضاً أن بعضهم يمسك الماء إلى حين يؤذن المؤذن عندها يشرب، فلا شك أن هذا ليس موافقاً للحديث السابق، وإنما الحديث السابق فيمن يشرب الماء مع الأذان دون تعمد تأخيره إلى الآذان .
كما دلنا هذا الحديث على خطأ آخر أشنع منه ألا وهو أن بعض الصائمين يمسك قبل وقت الإمساك بما يقارب عشر دقائق احتياطاً منهم للصيام فيما زعموا وكذا ما في بعض التقاويم من تحديد وقت احتياطي للإمساك قبل الفجر بما يقارب ثلث ساعة وهذا لاشك أنه تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام فالإمساك قبل الوقت هو بدعة مخالف لفعله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه رضوان الله عليهم جميعاً .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخَّروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة فلذلك قَلَّ عنهم الخير وكثر فيهم الشر انتهى
وقال ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى : الإمساك عن الطعام قبل أذان الصبح بدعة انتهى
وهذا الخطأ جرَّ بعض المؤذنين إلى أن يؤذنوا الأذان الثاني قبل دخول الوقت فإذا أذنوا قبل دخول الوقت وصلى النساء أو المعذورون عن الجماعة صلاة الفجر عند سماع أذانه فقد صلوا قبل الوقت وهذا خطأ عظيم جرهم إليه مخالفتهم للسنة ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وأما التقاويم فهي من باب الحساب الفلكي ولا يجوز الاعتماد على الحساب الفلكي؛ لأن الحساب يخطئ كثيراً.
ولم يأمرنا الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم بالرجوع إليه بل أمرنا بالرجوع إلى رؤية الفجر الصادق كما قال تعالى{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}
وعن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذن بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كلوا واشربوا حتى يؤذن بن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر”
وهنا مسألة لا بد من بيانها وهي إذا أكل و شرب يظنه ليلاً ثم تبين أن الفجر قد طلع فما حكمه؟
فالجواب أن صيامه صحيح و لا يلزمه القضاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر كما كان بلال يؤذن قبل طلوع الفجر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم “إن بلالاً يؤذن بليل” فلا بأس بالأكل والشرب بعد ذلك بزمن يسير
وإن شك هل طلع الفجر أو لم يطلع فله أن يأكل ويشرب حتى يتبين الطلوع ولو علم بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر ففي وجوب القضاء نزاع والأظهر أنه لا قضاء عليه وهو الثابت عن عمر وقال به طائفة من السلف والخلف .
وهذا القول أشبهها بأصول الشريعة ودلالة الكتاب والسنة وهو قياس أصول أحمد وغيره فإن الله رفع المؤاخذة عن الناسي والمخطئ وهذا مخطئ وقد أباح الله الأكل والوطء حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر واستحب تأخير السحور ومن فعل ما ندب إليه وأبيح له لم يفرط فهذا أولى بالعذر من الناسي والشاك في طلوع الفجر يجوز له الأكل والشرب والجماع بالاتفاق ولا قضاء عليه إذا استمر الشك والله أعلم انتهى .
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .

أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

 

الحلقة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا افطر بدأ بالشرب والأكل قبل التسمية فهؤلاء خالفوا السنة وأكل الشيطان معهم والتسمية على الطعام هي أن يقول “بسم الله” فقط دون زيادة “الرحمن الرحيم”
فعن عمر بن أبي سلمة يقول كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك” فما زالت تلك طعمتي بعد.
وعن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء”
وعن حذيفة قال كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها”
ومن الأمور التي يقع فيها بعض الصائمين وهي تخالف السنة أنهم لا يبدؤون فطورهم بالرطب أو التمر أو الماء بل ببعض الأطعمة الدسمة الثقيلة على المعدة.
فعن أنس رضي الله عنه قال ” كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء “
وعن أنس رضي الله عنه ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدأ إذا أفطر بالتمر”
قال الألباني : وهذه السنة أهملها أكثر الصائمين وبخاصة في الدعوات العامة التي يهيأ فيها ما لذ وطاب من الطعام والشراب أما الرطب أو التمر على الأقل فليس له ذكر وأنكر من ذلك إهمالهم الإفطار على حسوات من ماء انتهى
ولعل قائلاً يقول ما فائدة البدء بالرطب أو التمر والماء؟
فالجواب عن هذا التساؤل أن هذا هو المناسب لخلق الإنسان قال ابن قيم الجوزية : كان صلى الله عليه وسلم يحض على الفطر بالتمر فإن لم يجد فعلى الماء هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعي إلى قبوله وانتفاع القوى به ولا سليمان القوة الباصرة فإنها تقوى به وحلاوة المدينة التمر ومرباهم عليه وهو عندهم قوت وأدم ورطبه فاكهة وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي له تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب انتهى
ومن الأمور التي تخالف السنة أن بعض الصائمين إذا افطر لا يقول الذكر الوارد عند الفطور ” ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله” فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افطر قال ” ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله “
قلت: وهذا هو الثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
أما ما يقوله بعضهم عند فطره ” اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل منا إنك أنت السميع العليم” فهذا جاء في حديث ضعيف جداً رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة وفي إسناده راوٍ متروك وقال ابن قيم الجوزية في هذا الحديث :لا يثبت انتهى
وكذا قولهم ” اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت” فهذا جاء في حديث ضعيف لا يصح لإرساله رواه أبوداود وغيره.
وكذا قولهم “الحمدلله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت” فهذا جاء في حديث ضعيف لا يصح رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة
قلت: وهذا من الأمور العجيبة الغريبة يعمل الناس بالأحاديث الضعيفة ويتركون الأحاديث الصحيحة ولقد صدق القائل : في الحديث الصحيحة ما يغني عن الضعيف ألا فليعتبر أولئك الذين يروون الأحاديث الضعيفة ويتركون الأحاديث الصحيحة وهي كثيرة بحمد الله ويقولون يعمل بها في فضائل الأعمال ألا فليتقوا الله حتى لا يدخلوا تحت قوله صلى الله عليه وسلم ” من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار”
ومن الأخطاء ظن بعض الناس أن الدعاء بقول: أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون خاص بمن يفطر عند الناس وهذا الظن الخاطئ جرهم إليه الزيادة الضعيفة التي أخرجها أحمد في المسند وابن ماجه في سننه ولفظها عن عبد الله بن الزبير قال أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال ” أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم وأفطر عندكم الصائمون الملائكة”
فهذا حديث صحيح دون قوله “أفطر عند سعد” فهي ضعيفة لا تصح.
قال الألباني رحمه الله: اعلم أن هذا الذكر ليس مقيداً بالصائم بعد إفطاره بل هو مطلق وقوله (أفطر عندكم الصائمون ) ليس إخباراً بل هو دعاء لصاحب الطعام بالتوفيق حتى يفطر الصائمون عنده وينال أجر إفطارهم.
وليس في الحديث التصريح بأنه كان صلى الله عليه وسلم صائماً فلا يجوز تخصيصه بالصائم وقوله(افطر رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا يحتج به لضعف السند إليه.
ومن الأخطاء ظن بعض الناس أن من أفطر على تمر حلال زيد في صلاته أربعمائة صلاة
وهذا الظن بدعة قد يؤدي بالجهلة إلى أنه يجوز له أن يترك الصلاة و يأكل التمر الحلال فيزاد في صلاته أربعمائة صلاة.
وأصل هذا الظن المبتدع حديث موضوع رواه ابن عدي في الكامل وتمام في الفوائد بلفظ ” من أفطر على تمرة من حلال زيد في صلاته أربعمائة صلاة”
وهذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: لا يصح وأورده الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة وقال في إسناده موسى الطويل وكان يضع الحديث.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

 

الحلقة العاشرة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين:
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أن بعضهم يواصل في صيامه فلا يشرب ولا يأكل شيئاً وذلك بحجة واهية كالتعبد للوصال بترك الشراب والطعام لمدة يومين وكمن يترك الشراب والطعام تخفيفاً للوزن وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال وجَوَّز لمن أراد الوصال أن يواصل إلى السحر فقط لا إلى اليوم الثاني.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنك تواصل قال “إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين”
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” لا تواصلوا فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر” قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال “إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقين”
قال ابن قيم الجوزية: أعدل الأقوال أن الوصال يجوز من سحر إلى سحر وهذا هو المحفوظ عن أحمد وإسحاق لحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر وهو أعدل الوصال وأسهله على الصائم وهو في الحقيقة بمنزلة عشائه إلا أنه تأخر فالصائم له في اليوم والليلة أكلة فإذا أكلها في السحر كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين : المواصلة للسحر من باب الجائز وليست من باب المشروع والرسول صلى الله عليه وسلم حث على تعجيل الفطر وقال ” لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” لكنه أباح لهم أن يواصلوا إلى السحر فقط فلما قالوا يا رسول الله : إنك تواصل فقال”إني لست كهيئتكم ” انتهى
ومن الأخطاء قول بعض الصائمين لا يجوز أن تقول رمضان بل لا بد أن تقدم كلمة شهر فتقول شهر رمضان وبعضهم يقول إن رمضان من أسماء الله تعالى وترتب على هذا تسمية أولادهم بعبد رمضان وهذا خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال “رمضان ” وقال “شهر رمضان” فالأمر واسع ولذلك بَوَّب البخاري رحمه الله في الصحيح باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعاً وقال النبي صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان” وقال “لا تقدموا رمضان”
ثم أورد البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة …” وأورد بعده حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء…”
قال النووي : فيه دليل للمذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه البخاري والمحققون أنه يجوز أن يقال رمضان من غير ذكر الشهر بلا كراهة وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب قالت طائفة لا يقال رمضان على انفراده بحال وإنما يقال شهر رمضان هذا قول أصحاب مالك وزعم هؤلاء أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى فلا يطلق على غيره إلا بقيد وقال أكثر أصحابنا وابن الباقلاني إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة وإلا فيكره قالوا فيقال صمنا رمضان قمنا رمضان ورمضان أفضل الأشهر ويندب طلب ليلة القدر في أواخر رمضان وأشباه ذلك ولا كراهة في هذا كله وإنما يكره أن يقال جاء رمضان ودخل وحضر رمضان وأحب رمضان ونحو ذلك والمذهب الثالث مذهب البخاري والمحققين أنه لا كراهة في إطلاق رمضان بقرينة وبغير قرينة وهذا المذهب هو الصواب والمذهبان الأولان فاسدان؛ لأن الكراهة إنما تثبت بنهى الشرع ولم يثبت فيه نهى انتهى
وقال ابن قيم الجوزية : لا يكره أن يقال رمضان للشهر خلافاً لمن كره ذلك وقال لا يقال إلا شهر رمضان وفي الصحيحين من صام رمضان إيماناً و احتساباً انتهى
وأما قولهم إنه اسم من أسماء الله تعالى فهذا ليس بصحيح ولم يصح في شيء وإن كان قد جاء فيه أثر ضعيف وأسماء الله تعالى توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح وعليه فلا تجوز التسمية بعبد رمضان.
و حجة من كره أن يقال رمضان وأنه من أسماء الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان” أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير وابن عدي في الكامل والبيهقي في السنن الكبرى.
وهذا حديث ضعيف لا يصح ضعفه أبو حاتم في العلل وقال:هذا خطأ إنما هو من قول أبي هريرة انتهى وضعفه البيهقي وقال: وقيل عن محمد بن كعب من قوله وهو أشبه انتهى وقال ابن الجوزي في الموضوعات هذا حديث موضوع لا أصل له انتهى وضعفه النووي وكذا ابن كثير وقال : قد وهم في رفع هذا الحديث انتهى وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح
ومثله في الضعف ما جاء في الحديث من رواية ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا يقولن أحدكم صمت رمضان وقمت رمضان ولا صنعت في رمضان كذا وكذا فإن رمضان اسم من أسماء الله العظام ولكن قولوا شهر رمضان كما قال ربكم عز وجل في كتابه ” أخرجه تمام في فوائده
وهذا حديث ضعيف جداً لا يصح ضعفه ابن عراق في تنزيه الشريعة وضعفه محقق فوائد تمام.
ومثله في الضعف ما جاء في الحديث من رواية عائشة رضي الله عنها ” قالت قلت يا رسول الله ما معنى رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا حميراء لا تقولي رمضان فإنه اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولي شهر رمضان فإن رمضان أرمض فيه ذنوب عباده فغفرها قالت عائشة فقلت يا رسول الله شوال ؟ فقال : شوال شالت لهم ذنوبهم فذهبت”
أخرجه ابن النجار كما في اللآلي المصنوعة للسيوطي.
وهذا أيضاً حديث ضعيف منكر فيه ركاكة في اللفظ لا يصح و آثار الوضع عليه بادية وضعفه ابن عراق في تنزيه الشريعة وقال : في إسناده من لم أعرفهم انتهى
قلت : وهذا الحديث فيه يا حميراء قال ابن قيم الجوزية في المنار المنيف : كل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق انتهى
قلت : و قد استدرك عليه أهل العلم ثلاثة أحاديث وحديثنا ليس منها فهو داخل في الكلية التي ذكرها ابن قيم الجوزية رحمه الله.
 
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

 

الحلقة الحادية عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء العظيمة الكبيرة التي يقع فيها بعض المسلمين هداهم الله الفطر في نهار رمضان من غير عذر شرعي كمرض أو سفر أو حيض أو نفاس ونحوه.
فمن أفطر متعمداً متهاوناً فقد ارتكب إثماً عظيماً وذنباً كبيراً بانتهاكه حرمة رمضان وهو على خطر كبير بتركه الصيام فإن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام لقوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} وقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان”
ومما يدل على تحريم الفطر لمن لا عذر له الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا لي اصعد حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا أنا بصوت شديد فقلت ما هذه الأصوات قال هذا عواء أهل النار ثم انطلق بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً فقلت من هؤلاء ؟ فقيل هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم”
وقوله (تحلة صومهم) أي يفطرون قبل وقت الإفطار
فإذا كان من أمسك نهار رمضان ثم أفطر قبل موعد الفطر توعد بهذا العذاب فقل لي بربك كيف يكون عذاب وعقاب من أفطر كل اليوم أو من لم ينوِ الصوم أصلاً فيا ويل من أفطر في رمضان بلا عذر شرعي .
وليس على من أفطر في نهار رمضان بغير عذر شرعي قضاء في أصح قولي العلماء لأن جريمة فطره أكبر من أن يجبرها القضاء ولأن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها بدون عذر فإن الله لا يقبلها منه وعلى هذا فلا فائدة من قضائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولا يقضي متعمد بلا عذر صوماً ولا صلاة وتصح منه انتهى
ويجب على من أفطر متعمداً أن يستغفر الله ويتوب إليه توبة نصوحاً والإكثار من الأعمال الصالحة من النوافل وعليه أن يحافظ على شرائع الدين من صلاة وصوم وحج وزكاة وغير ذلك ويجب عليه العزم الصادق على أن لا يفطر في رمضان مرة أخرى.
وأما الحديث الضعيف المشتهر بين الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه ” أخرجه أبوداود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن خزيمة والبيهقي
فهو حديث ضعيف لا يصح ضعفه البخاري وابن خزيمة وقال”إن صح الخبر” والحديث ضعفه البغوي والمنذري وأبوالحسن القرطبي والذهبي و ابن حجر .
ومن الأمور التي يقصر فيها بعض الأولياء أنهم لا يعودون أولادهم الصغار على الصيام إذا كان لا يضره.
وهذا خلاف ما كان يفعله الصحابة زمن النبي صلى الله عليه وسلم
فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياه عند الإفطار
وفي لفظٍ : ونصنع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم
قال النووي ” في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ولكنهم ليسوا مكلفين قال القاضي وقد روى عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم وهذا غلط مردود بالحديث الصحيح “رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يحتلم وفي رواية يبلغ” والله أعلم انتهى
قال ابن حجر : في الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام لأن من كان في مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف وإنما صنع لهم ذلك للتمرين و هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فما فعلوه إلا بتوقيف والله أعلم انتهى
أما إذا كان الصيام يضره فإنه يمنع من الصيام برفق ولين لا بقسوة.
وتقييده بالصغار لا يخرج الكبار بل يدخلهم من باب الأولى.
ورفع إلى عمر بن الخطاب رجل سكران شرب الخمر في رمضان فلما دنا منه جعل يقول “للمنخرين والفم ويحك وصبياننا صيام” ثم أمر به فجلد ثمانين سوطاً ثم سيره إلى الشام”
ويزداد الأمر خطورة عندما يبلغ الصغير والصغيرة ويلزمهما أهلهما بترك الصلاة وبعدم الصيام في رمضان بحجة المشقة وأنه لا يطيق ذلك لصغره ونحو ذلك ولا شك أن هذا ناشئ من جهلهم بدينهم إذ كيف يليق بأولياء أمورهم وهم مسلمون أن يلزموهم بترك الصلاة والصيام إذا بلغوا وهم قادرون على الصيام.
ولا يجوز لولي أمر الأولاد إذا بلغوا أن يتركهم يستمرون على ترك الصلاة والصيام لقوله صلى الله عليه وسلم ” مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع” وقال صلى الله عليه وسلم ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” وقال تعالى{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} وقال تعالى {وأمر أهلك بالصلاة}
فيجب على والدي الأولاد الصغار إذا بلغوا أن يأمروهم ويلزموهم بالصلاة والصيام وغير ذلك من الواجبات كما يجب عليهم أن ينهوهم ويمنعوهم من المحرمات ويرغبوهم في الأعمال الصالحة .
أما إذا كان البالغ الصغير لا يستطيع الصوم ويشق عليه وأفطر خشية الضرر فله أن يفطر وعليه قضاء ما أفطر؛ لأن البالغ مكلف وكذا البالغة مكلفة.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

 

الحلقة الثانية عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أن بلع الريق واللعاب لا يجوز وأنه يجب عليهم أن يتفلوه وهذا خطأ فابتلاع الريق واللعاب لا يفسد الصوم ولو كثر ذلك وتتابع ولكن إذا كان بلغماً غليظاً وهو المعروف بالنخامة فيجب تفله في منديل ونحوه.
وهنا مسألة يحتاج إليها ألا وهي ما الحكم إذا بلع ريقه وبين الأسنان شيء من الطعام؟
والجواب أنه لا يضر إن شاء الله قال ابن المنذر رحمه الله : أجمعوا على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على إخراجه انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أن بعضهم إذا توضأ بالغ في استنشاق الماء والاستنشاق هو إدخال الماء إلى الأنف وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصائم إذا توضأ أن لا يبالغ في الاستنشاق فعنلقيط بن صبرة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً”
ومن الأخطاء المترتبة على ما سبق أن بعض الصائمين إذا توضأ لا يدخل الماء في أنفه خوفاً من دخوله في حلقه زعموا فتراه يكتفي بغسل مقدم أنفه فيخل في وضوئه وهذا لا شك أنه خطأ كبير إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المبالغة في الاستنشاق لا عن الاستنشاق ولذلك قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باب قول النبي صلى الله عليه وسلم “إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء ولم يميز بين الصائم انتهى .
ومراده في أصل الاستنشاق أما المبالغة فمنهي عنها للصائم كما سبق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المضمضة والاستنشاق مشروعان للصائم باتفاق العلماء وكان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يتمضمضون ويستنشقون مع الصوم لكن قال للقيط بن صبرة “وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً” فنهاه عن المبالغة لا عن الاستنشاق انتهى
ومن الأخطاء أن بعضهم إذا يبس ونشف فمه وهو صائم يتحرج من المضمضة من غير الوضوء وهذا التحرج خطأ فالمضمضة لا تفسد الصوم؛ لأن الفم في حكم الظاهر بدليل أننا نتمضمض في الوضوء وجوباً فالمضمضة بالماء إذا يبس الفم من شدة الحر مما ييسر الصوم ويسهله قال الإمام البخاري في صحيحه قال عطاء إن تمضمض ثم أفرغ ما في فيه من الماء لا يضيره إن لم يزدرد – يبلع – ريقه وماذا بقي في فيه فإن استنثر فدخل الماء حلقه لا بأس إن لم يملك.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المضمضة والاستنشاق مشروعان للصائم باتفاق العلماء.
وهنا مسألة يحتاج إليها الصائمون : ألا وهي ما حكم الصائم إذا دخل الماء في جوفه وهو يتوضأ أو يغتسل أو يتمضمض من غير وضوء وما حكمه إذا دخل الذباب في حلقه ؟
والجواب هو أن من اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء في حلقه من غير اختياره لم يفسد صومه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” رفع عن أمتي الخطأ و النسيان وما استكرهوا عليه”
و إذا استنثر فدخل الماء في حلقه دون إرادته فلا يضر إن شاء الله تعالى.
فعن ابن جريج قلت لعطاء إنسان يستنثر فدخل الماء في حلقه قال لا بأس بذلك وقال عطاء أيضاً : إن استنثر فدخل الماء في حلقة لا بأس إن لم يملك .
قال الحافظ : أي دفع الماء بأن غلبه فإن ملك دفع الماء فلم يدفعه حتى دخل حلقه أفطر
وعن ابن جريج قلت لعطاء الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم قال لا يضره وما بقي في فيه.
قال ابن بطال : ظاهره إباحة الازدراد لما بقي في الفم من ماء المضمضة وليس كذلك لأن عبد الرزاق رواه بلفظ وماذا بقي في فيه وكان ذا سقطت من رواية البخاري انتهى كلامه رحمه الله.
قال الحافظ : ما على ظاهر ما أورده البخاري موصولة أي والذي بقي في فيه وعلى ما وقع من رواية ابن جريج استفهامية وكأنه قال وأي شيء يبقى في فيه بعد أن يمج الماء إلا أثر الماء فإذا بلع ريقه لا يضره انتهى
وقال ابن قيم الجوزية: من تمام الاعتدال في الصوم التفريق بين ما يمكن الاحتراز منه وبين ما لا يمكن الاحتراز منه فلم يفطر بالاحتلام ولا بالقيء الذارع كما لا يفطر بغبار الطحين وما يسبق من الماء إلى الجوف عند الوضوء والغسل انتهى
وأما الذباب فدخوله في الحلق لا يضر أيضاً قال الحسن:إن دخل في حلقه الذباب فلا شيء عليه .
وقال الزين ابن المنير دخول الذباب أقعد بالغلبة وعدم الاختيار من دخول الماء لأن الذباب يدخل بنفسه بخلاف الاستنشاق والمضمضة انتهى
ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يتحرج من استعمال السواك في نهار رمضان و هذا لا شك أنه خطأ منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم ولم يجعل السواك من القسم المكروه وهو يعلم أنهم يفعلونه وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مراراً كثيرة تفوت الإحصاء ويعلم أنهم يقتدون به ولم يقل لهم يوماً من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع والله أعلم
ولو احتج عليه بعموم قوله صلى الله عليه وسلم “لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة” لكانت حجة وبقوله صلى الله عليه وسلم “السواك مطهرة للفم مرضاة للرب” وسائر الأحاديث المرغبة في السواك من غير تفصيل ولم يجيء في منع الصائم منه حديث صحيح
وعن زياد بن حدير الأسدي قال ما رأيت رجلاً أدأب للسواك من عمر بن الخطاب وهو صائم ولكن بعود قد ذوي يعني يابس.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يرى بأساً بالسواك للصائم .
وقال ابن عمر: يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه.
وقال ابن سيرين لا بأس بالسواك الرطب قيل له طعم قال والماء له طعم وأنت تمضمض به.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:السواك جائز بلا نزاع لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك وقياسه على دم الشهيد ونحوه ضعيف من وجوه انتهى
وقال ابن قيم الجوزية : صح أنه كان يستاك وهو صائم و لم يصح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار ولا آخره بل قد روي عنه خلافه انتهى
قلت : استدل بعضهم بأحاديث تدل على النهي عن السواك للصائم لكنها ضعيفة لا تصح كما قاله ابن تيمية وابن قيم الجوزية رحمهما الله و سأذكرها إن شاء الله في حلقة قادمة.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .

أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

 

الحلقة الثالثة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين امتناع بعض الصائمين عن استعمال الفرشة والمعجون ظناً منهم أنه لا يجوز لهم ذلك وهذا خطأ لأن الفرشة في حكم السواك إلا أنه يجب عليه أن يتحفظ من دخول شيء إلى حلقه من محلوله . فإن دخل شيء في حلقه مع تحرزه فلا يضره إن شاء الله تعالى إلا إذا كان المعجون قوياً لا يستطيع مستعمله أن يتحفظ منه بحيث يصل إلى المعدة فهذا لا يجوز استعماله لأنه يؤدي إلى إفساد الصوم وما أدى إلى محرم فهو محرم.
ولكن أريد أن أذكر الذين يستعملون الفرشة ولا يستعملون السواك بأن السواك أفضل من الفرشة بكثير لمنافعه الجمة وأنا اشعر أن كثيراً من الناس لا يعلمون فوائد السواك
لذلك أسوق لهم كلاماً قيماً لابن قيم الجوزية يبين فيه أهميته: قال رحمه الله : قال صلى الله عليه وسلم ” لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة”
وقال صلى الله عليه وسلم ” السواك مطهرة للفم مرضاة للرب “
وقال صلى الله عليه وسلم “أكثرت عليكم في السواك”
و”كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك”
و”كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك”
وصح عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر
وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه
ومتى استعمل باعتدال جلا الأسنان وقوى العمود وأطلق اللسان ومنع الحفر وطيب النكهة ونقى الدماغ وشهى الطعام.
وفي السواك عدة منافع :
– يطيب الفم .
– ويشد اللثة .
– ويقطع البلغم .
– ويجلو البصر .
– ويذهب بالحفر .
– ويصح المعدة .
– ويصفي الصوت .
– ويعين على هضم الطعام .
– ويسهل مجاري الكلام .
– وينشط للقراءة والذكر والصلاة .
– ويطرد النوم .
– ويرضي الرب .
– ويعجب الملائكة .
– ويكثر الحسنات
ويستحب كل وقت ويتأكد عند الصلاة والوضوء والانتباه من النوم وتغيير رائحة الفم ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ولحاجة الصائم إليه.
ولأنه مرضاة للرب ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم من أفضل أعماله انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أن الاغتسال لا يجوز في نهار رمضان وهذا خطأ لأن النبي صلى عليه وسلم لم ينهَ عن الاغتسال للصائم بل اغتسل صلى الله عليه وسلم وهو صائم.
فعن عائشة رضي الله عنها “كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان من غير حلم فيغتسل ويصوم”
وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر”
وبَلَّ ابن عمر رضي الله عنهما ثوباً فألقاه عليه وهو صائم.
فيه جواز الدلك للمغتسل من جهة أن بلل الثوب إذا طالت إقامته على الجسد حتى جف ينزل ذلك منزلة الدلك
وقال أنس : إن لي أَبْزَن أتقحم فيه وأنا صائم .
والأَبزن : حجر منقور شبه الحوض .
واتقحم فيه أي أدخل فيه .
وكأن الأبزن كان ملآن ماء فكان أنس إذا وجد الحر دخل فيه يتبرد بذلك.
ودخل الشعبي الحمام.
وقال الحسن : لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم
وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب اغتسال الصائم .
أي بيان جوازه وأطلق الاغتسال ليشمل الأغسال المسنونة والواجبة والمباحة.
والشيعة يعتقدون أن من انغمس في الماء فسد صومه وهذا خطأ بين ظاهر كما سبق بيانه لأن الانغماس في الماء والسباحة في حكم الغسل لكن ينبغي له أن يتحفظ من دخول الماء إلى جوفه.
ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يظن أنه لا يجوز استعمال الصابون مع الاغتسال ويتحرجون من استعماله وهذا خطأ فلا حرج من الاغتسال بالماء والصابون في نهار رمضان.
ومن الأخطاء قول بعضهم غسل الشعر في نهار رمضان يفطر لأن الماء يدخل عن طريق مسام الرأس فلا يجوز غسله وهذا قول باطل فغسل الشعر في نهار رمضان لا يفطر ولا يدخل الماء في مسام شعر الرأس وقد كان صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو صائم.
ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يتحرج من الدم الخارج من الأنف أو الخارج من اللثة عند مسحها أو عند السواك ويظن أن عليه القضاء
وهذا لاشك أنه خطأ لأن خروج الدم قَلَّ أو كثر هو ناشئي بغير اختياره فلا يترتب عليه الحكم بالفطر قال تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}.
وكذا لا يضر خروج الدم لو كان ناشئاً عن قلع ضرس أو ضربة في الأنف أو الفم لكن ينبغي له أن لا يبلع الدم فإن بلعه دون اختياره فلا شيء عليه.
قال شيخ الإسلام: خروج الدم الذي لا يمكن الاحتراز منه كدم المستحاضة والجروح والذي يرعف ونحوه لا يفطر انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا تضايق من طعام وشراب أدخل يده في حلقه ليستفرغ أو يعمل ما يجعله يستفرغ لأن تعمد القيء أي الاستفراغ من المفطرات.
وأما إذا خرج القيء من تلقاء نفسه دون عمل منه فلا شيء عليه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن استقاء فليقض”
فقوله “ذرعه” أي غلبه فخرج دون إرادته .
وقوله “استقاء” أي طلبه فتعمد إخراجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إذا استقاء أفطر وإن غلبه القيء لم يفطر انتهى
وقال ابن قيم الجوزية: من تمام الاعتدال في الصوم التفريق بين ما يمكن الاحتراز منه و بين ما لا يمكن الاحتراز منه فلم يفطر بالاحتلام ولا بالقيء الذارع كما لا يفطر بغبار الطحين وما يسبق من الماء إلى الجوف عند الوضوء والغسل انتهى
وهنا لا بد من بيان مسألة يحتاج إليها وهي إذا أحس بأن معدته تموج وأنها سيخرج ما فيها فهل يجب على الصائم أن يمنع خروجه أم لا ؟
والجواب هو أن الصائم لا يمنعه و لا يفعل شيئاً بل يتركه فإن خرج من تلقاء نفسه فلا شيء عليه.
و مما يحتاج إليه الصائم إذا قاء أي خرج القيء ثم بعد خروجه دخل شيء من القيء في جوفه دون إرادته فلا يضره إن شاء الله تعالى .
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .

أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 
 
 

الحلقة الرابعة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء أن بعض الصائمين يظن أنه لا يجوز له التدهن وهو صائم وهذا خطأ فمن دهن رأسه أو جسده وهو صائم فهذا أمر لا يفسد الصيام سواء لعلاج أو لغير علاج.
قال ابن مسعود : إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهيناً مترجلاً.
وقال شيخ الإسلام : الادهان لا يفطر بلا ريب انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أن الكحل لا يجوز استعماله في نهار رمضان وهذا خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَ الصائم عن استعماله ولم ينقل عنه فيه شيء إلا أحاديث ضعيف لا يصح منها شيء بل جاء عن السلف ما يدل على جوازه فعن أنس بن مالك أنه كان يكتحل وهو صائم.
وقال الحسن: لا بأس بالكحل للصائم.
وقال الأعمش : ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر.
وقال البخاري : لم يرَ أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأساً .
واختار شيخ الإسلام أن الكحل لا يفطر الصائم.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنهم أنه لا يجوز وضع الحناء للصائم وأن من وضع الحناء فقد أفطر وهذا خطأ فإن وضع الحناء في نهار رمضان لا يفطر ولا يؤثر على الصائم شيئاً كالكحل والطيب.
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أن استعمال الطيب وشم الروائح الجميلة لا يجوز للصائم وهذا خطأ؛ لأن الطيب لا خلاف في جوازه وإنما اختلفوا في كراهته للصائم والصواب أنه لا يكره للصائم لأنه لم يأتِ دليل يحرمه على الصائم والأصل الجواز.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : شم الروائح الطيبة لا بأس به للصائم انتهى .
ومما ينبغي أن يعرف أن المتطيب يكون عنده من النشاط وسمو النفس ما لا يخفى وهذا يؤثر في نشاط الصائم.
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أن البخور لا يجوز للصائم والصواب أنه يجوز استعمال البخور للصائم ولا حرج عليه لكن الأفضل أن لا يتسعط به أو يستنشقه لأن له جِرماً .
قال شيخ الإسلام :الأحكام التي تعم بها البلوى لابد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً ولابد أن تنقل الأمة ذلك فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تَعُم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره فلما لم يبين ذلك علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد أجساماً والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وإدهانه وكذلك اكتحاله انتهى
ومما يتعلق بما سبق قول بعض المدخنين إذا كان البخور يجوز شمه وهو دخان فيجوز لي أن أدخن السيجارة في نهار رمضان!
وهذا كلام من قائله خطير جداً والعياذ بالله فأقول مناقشاً هذا المدخن الذي أصدر هذه الفتوى :
أولاً : أنت لا تخلو من حالتين إما أن تكون من طلاب العلم وقد ابتليت بالتدخين نسأل الله السلامة والعافية وإما أن تكون عامياً لا تفقه شيئاً .
فإن كنت من المشتغلين بالعلم الشرعي وأنت تدخن فأقول لك اتقِ الله و استتر في بيتك ولا تفضح نفسك ولا تكن من المجاهرين بالمعاصي وتب إلى الله منه واستغل شهر رمضان لتتخلص منه واستعن بالله في تركه.
فوا أسفي على حالك أيها الهالك لا تكتفي بارتكابك للمعصية حتى تزينها للناس ثم تجوزها في نهار رمضان و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإن المصاب ليعظم إذا كان هذا القائل من العلماء أو من أئمة المساجد وإني بهذه المناسبة أنبه القائمين على شئون المساجد أن يتقوا الله في تعيينهم للأئمة والمؤذنين أن يكونوا من أصحاب المعاصي أو من أهل البدع والخرافات لأنهم يدعون بحالهم ومقالهم إلى المعاصي والبدع والأمر خطير جداً فتأملوا هذا لأنكم مسئولون أمام الله يوم القيامة عن هذه الأمانة .
واعلم أيها المبيح للتدخين في نهار رمضان أن قولك إن الدخان مثل البخور لا يفطر باطل من وجوه:
أولاً : البخور حلال بالإجماع وأما الدخان فهو حرام على الصواب من قول أهل العلم.
ثانياً : أن البخور القصد منه التطيب لطيب رائحته وأما الدخان فشاربه يقصد الشرب له والتلذذ به وتطعمه. فهل يصح منك أن تقيس الخبيث على الطيب وهل رائحة الدخان العفنة المستقذرة عندك بمنزلة رائحة البخور الطيبة.
ثالثاً : أن جرم الدخان ثقيل بخلاف جرم البخور فإنه خفيف.
وإن كان هذا القائل عامياً جاهلاً فأقول له اتقِ الله في نفسك ولا تحشر نفسك فيما لا يخصك ولا تقف ما ليس لك به علم.
أنت عليك أن تسكت وتأخذ بفتوى أهل العلم الموثوق بهم أما أن تتكلم في دين الله وأنت جاهل فأنت حينها داخل في من تقول على الله الكذب هذا حلال وهذا حرام. فأنت مسئول ومحاسب على ما تقول فقد كان كبار الصحابة يتورعون عن الفتوى ويخافون منها وأنت أسهل ما عليك الفتوى لا شك أن هذا فعل من لا خلاق له والعياذ بالله فأقصر عما أنت عليه وتب إلى الله واستغفره وإن استطعت أن تتبرأ من كل فتوى فافعل لعلك تنجو من التبعة والمسئولية يوم القيامة.
وإني بهذه المناسبة أنبه على ما نراه اليوم من بعض المسلمين هداهم الله للصواب من قبولهم الفتوى من كل أحد فمن لم يقرأ القرآن ويدرس الحديث ويأخذ العلم عن أهله لا يُقتدى به في علمنا فمن تكلم على شيء من هذا مع جهله بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو داخل فيمن يفتري على الله الكذب وفيمن يقول على الله ما لا يعلم .
قال ابن رجب الحنبلي : يا لله العجب لو ادعى رجل معرفة صناعة من صنائع الدنيا ولم يعرفه الناس بها ولا شاهدوا عنده آلاتها لكذبوه في دعواه ولم يأمنوه على أموالهم ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما شوهد قط يكتب علم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجالس أهله ولا يدارسه ؟
فيالله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه ويحكمونه في دينهم يفسده عليهم بدعواه الكاذبة فلا يقبل مدعٍ بلا برهان انتهى
و مما يحتاج إليه الصائمون أن يعلموا أن الغبار لا يضر صومهم قال ابن قيم الجوزية: من تمام الاعتدال في الصوم التفريق بين ما يمكن الاحتراز منه وبين ما لا يمكن الاحتراز منه فلم يفطر بالاحتلام ولا بالقيء الذارع كما لا يفطر بغبار الطحين وما يسبق من الماء إلى الجوف عند الوضوء والغسل انتهى
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .

أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

 

الحلقة الخامسة عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله منشرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهدأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكلمحدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أنهلا يجوز لهم أن يقصوا ظفراً أو يحلقوا شعراً في نهار رمضان وهذا خطأ فحلق الشعر وقصالأظافر ونتف الإبط وحلق العانة كل ذلك لا يفطر الصائم ولا يؤثر في صيامه بإذن الله؛ لأن الشارع لم ينهَ عن ذلك.
ومن الأخطاء التي يقع فيهابعض الصائمين أنهم يظنون أنه يحرم عليهم أن يتذوقوا الطعام لمعرفة ما يحتاج إليه منملح وسكر وبهارات و نحوها وهذا خطأ؛ لأنه يجوز لهم أن يتذوقوه بطرف لسانهم ثميلفظوه ولا يدخل في حلقهم .
قال ابن عباس : لا بأس أنيذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : إذا ذاق طعاماً ولفظه أو وضع في فيه ـ أي فمه ـ عسلاً و مجه فلا بأس به للحاجة كالمضمضة والاستنشاق ويكره ذوق الطعام لغير حاجة لكن لايفطره.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنهم أن الصائم ينبغي له أن يكون متقشفاً غير مُتَرَفّه ومتنعم ومتجمل وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن السلف كانوا يستحبون للصائم الترفه والتجمل بالترجل والادهان والكحل ونحوذلك.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين المصابين بالربو نسأل الله لنا و لهم ولجميع المسلمين الشفاء العاجل والصحة والعافية أنهم يتحرجون من استعمال بخاخ ضيق النفس ظناً منهم أنه يفطر وهذا خطأ؛ لأن هذا البخاخ الذي يستعمله يتبخر ولا يصل إلى الحلق فلا بأس باستعماله للصائم.
وكذا البخاخ المعطر للفم لا بأس به إذا كان يتبخر ولايصل إلى الحلق.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنهم عدم جوازاستعمال القطرة وهذا خطأ ليس على إطلاقه.
فالقطرة أنواع قطرة للأنف وقطرة للأذن وقطرة للعين
فأما قطرة الأنف فإذا كانت تصل إلى المعدة فلا تجوز أو إلى الحلق فإنها تفطر وإذا كانت لا تصل إلى الحلق والمعدة فإنها لا تفطر.
قال الحسن لا بأس بالسعوط للصائم إن لم يصل إلى حلقه .
قال ابن الأثير: السَّعوط هو ما يجعل من الدواء في الأنف انتهى
وأما قطرة الأذن والعين فهي لا تفطر الصائم؛ لأن العين والأذن ليستا منفذاً للشرب والأكل فهما كغيرهما من مسام الجسد.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنهم أنه لايجوز ضرب الحقن وهي الإبر مطلقاً وهذا خطأ؛ لأن الإبر على نوعين
النوع الأول: إبر يقصد بها التغذية .
والنوع الثاني: إبر تقصد للعلاج .
فالنوع الأول – وهي الإبر المغذية – هي التي إذا استعملها الإنسان لم يحتج معها إلى طعام وشراب كالجلوكوز فهذه لو استعملها الصائم أفطرته لأنها في معنى الأكل والشرب.
وأما النوع الثاني – وهي الإبر العلاجية – مثل الإبر التي تسكن الألم أو إبر الأنسولين وكذا إبر البنج فهذه لا تفطر الصائم سواء استعملها في الوريد أو العضل؛ لأن هذا النوع ليس بشرب و لا أكل ولا في معنى الشرب والأكل.
ومن الأخطاء التي يقع فيهابعض الصائمين ظنهم أن الصائم لا يجوز له استعمال التحاميل وهذا خطأ ؛ لأن التحاميل ليست من الشرب والأكل ولا في معنى الشرب والأكل.
ومن الأخطاء التي يقع فيهابعض الصائمين أنه إذا أصبح محتلماً – أي خرج منه المني وهو نائم دون شعور – ظن أنه مفطر أو أنه يجب عليه القضاء وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن المني خرج دون إرادته واختياره وقد رفع القلم عنه في حال نومه فلا شيء عليه ولا قضاء سوى أنه يجب عليه أن يغتسل للجنابة إذا أنزل.
ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يظن أنه لا يجوز للصائم أن يأتي عليه الفجر وهو جنب من جماع أهله أو احتلام وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من أهله وهوصائم ثم يغتسل
فعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً جاء إلى النبي صلى اللهعليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب فقال : يا رسول الله تدركني الصلاة وأناجنب أفأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم”وأنا تدركني الصلاةوأنا جنب فأصوم”فقال الرجل : لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر فقال صلى الله عليه وسلم”والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي”
وعن عبد الله بن كعب الحميري أن أبا بكر حدثهأن مروان أرسله إلى أم سلمة رضي الله عنها يسأل عن الرجل يصبح جنباً أيصوم ؟ فقالت”كان رسولالله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع لا من حلم ثم لا يفطر ولايقضي”
فدل هذان الحديثان على أنهلا حرج على الصائم إذا أصبح جنباً.
قال ابن تيمية : يصح صوم الجنب باتفاق الأئمة انتهى
قلت : وكذا المرأة الحائض لو طهرت قبل الفجر تصوم ذلك اليوم وتغتسل ولو بعد طلوع الفجر وتأخير الاغتسال إلىما بعد طلوع الفجر لا يؤثر على صيامها إن شاء الله.
وفي الختام : هذا بعضالأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعدعن البدعة . 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . 
والحمد لله رب العالمين . 
 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
 

 

الحلقة السادسة عشرة


بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يدخل في فمه شيء يمضغه ويظن أنه لا يضر وهذا خطأ؛ لأن هذا الشيء الذي يمضغه لا يخلو من حالتين :
إما أن يكون فيه طعم أو لا
فإن كان فيه طعم فهذا لا يجوز مضغه .
وإن لم يكن فيه طعم فهو مكروه.
قال عطاء : لا يمضغ العلك فإن ازدرد – أي بلع – ريق العلك لا أقول إنه يفطر ولكن ينهى عنه .
وهذا محله في العلك الذي لا طعم فيه؛ قال ابن المنذر : رخص في مضغ العلك أكثر العلماء إن كان لا يتحلب منه شيء فإن تحلب منه شيء فازدرده فالجمهور على أنه يفطر انتهى
وقال الحافظ : العلك : هو كل ما يمضغ ويبقى في الفم كالمصطكى واللبان فإن كان يتحلب منه شيء في الفم فيدخل الجوف فهو مفطر وإلا فهو مجفف ومعطش فيكره من هذه الحيثية انتهى .
ومن الأمور التي يخطئ فيها بعض الصائمين ظنهم أن القُبْلة مطلقاً محرمة وبالعكس يوجد من الصائمين من يظن أن القبلة مطلقاً مباحة ولا شك أن كلا الفريقين على خطأ والصواب أن يقال يختلف حكم القُبلة باختلاف حال المُقَبِّل فلو كان ممن تثير وتحرك شهوته فلا تجوز له وإن كان ممن لا تحرك ولا تثير شهوته فلا حرج عليه.
وكذا الحال بالنسبة للمباشرة دون الفرج فإلى الفريقين أسوق هذه الأدلة مع تعليق أهل العلم عليها:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة”
وعن جابر بن عبد الله قال : قال عمر بن الخطاب ” هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيما قبلت وأنا صائم ؟ قال صلى الله عليه وسلم ” أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم” قلت لا بأس به ! قال صلى الله عليه وسلم “فمه”
أي لا فرق بينهما
وعن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل هذه – لأم سلمة – فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له”
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يقبلني وهو صائم وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه”
قال أبو عيسى : اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في القبلة للصائم فرخص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للشيخ ولم يرخصوا للشاب مخافة أن لا يسلم له صومه والمباشرة عندهم أشد وقد قال بعض أهل العلم القبلة تنقص الأجر ولا تفطر الصائم ورأوا أن الصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإذا لم يأمن على نفسه ترك القبلة ليسلم له صومه وهو قول سفيان الثوري والشافعي انتهى
وقال المازري : ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه … وأن لم تؤدِ القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة قال ومن بديع ما روى في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عنها ” أرأيت لو تمضمضت” فأشار إلى فقه بديع وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع انتهى
وقال النووي : القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه انتهى
وقال الحافظ: النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشاب والشيخ؛ لأن عائشة كانت شابة نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق انتهى
وقال الألباني : الحديث دليل على جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان.
وقد اختلف العلماء في ذلك على أكثر من أربعة أقوال أرجحها الجواز على أن يراعى حال المُقَبِّل بحيث إنه إذا كان شاباً يخشى على نفسه أن يقع في الجماع الذي يفسد عليه صومه امتنع من ذلك وإلى هذا أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها في الرواية الآتية ” .. وأيكم يملك إربه “
ولكن ينبغي أن يعلم أن ذكر الشيخ ليس على سبيل التحديد بل المراد التمثيل بما هو الغالب على الشيوخ من ضعف الشهوة وإلا فالضابط في ذلك قوة الشهوة وضعفها أو ضعف الإرادة وقوتها.
هذا ما يتعلق بالقُبلة .
وأما المباشرة : فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه
وعن الأسود قال انطلقت أنا ومسروق إلى عائشة رضي الله عنها فقلنا لها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم قالت نعم ولكنه كان أملككم لإربه أو من أملككم لإربه
وعن أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم ؟ فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب.
وعن ابن عباس قال : رخص للكبير الصائم في المباشرة وكره للشاب.
قال الألباني : في الحديث جواز المباشرة من الصائم وقد اختلفوا في المراد منها :قال القاري :قيل هي مس الزوج المرأة فيما دون الفرج.
وقيل : هي القبلة واللمس باليد.
قال الألباني: لا شك أن القبلة ليست مرادة بالمباشرة هنا لأن الواو تفيد المغايرة فلم يبق إلا أن يكون المراد بها إما القول الأول أو اللمس باليد والأول هو الأرجح لأمرين:
الأول حديث عائشة الآخر قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت : وأيكم يملك إربه
فإن المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام فإن اللفظ واحد والدلالة واحدة والرواية واحدة أيضاً.
والأمر الآخر أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد فسرت المباشرة بما يدل على هذا المعنى وهو قولها في رواية عنها:كان يباشر وهو صائم ثم يجعل بينه وبينها ثوباً يعني الفرج .
وفي هذا الحديث فائدة هامة وهو تفسير المباشرة بأنه مس المرأة فيما دون الفرج فهو يؤيد التفسير الذي سبق نقله عن القاري وإن كان حكاه بصيغة التمريض قيل فهذا الحديث يدل على أنه قول معتمد وليس في أدلة الشريعة ما ينافيه بل قد وجدنا في أقوال السلف ما يزيده قوة فمنهم راوية الحديث عائشة نفسها رضي الله عنها روى الطحاوي بسند صحيح عن حكيم قال سألت عائشة : ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم ؟ قالت : فرجها.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول