درر الجواهر والتحف من رسالة بيان فضل علم السلف على علم الخلف لابن رجب الحنبلي رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾
إن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أما بعد 
فهذه مجموعة من الفوائد والدرر المستخرجة والمستنبطة من رسالة بيان فضل علم السلف على علم الخلف للحافظ ابن رجب الحنبلي ت795هـ كتبتها لنفسي ولإخواني طلاب العلم بعد أن منَّ الله عليَّ بتدريس هذه الرسالة عدة مرات في مكة والكويت في عدة مجالس علمية . 
وسميتها بــ درر الجواهر والتحف من رسالة بيان فضل علم السلف على علم الخلف 
وإليك هذه الدرر المستخرجة من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى 
1- ليس كل علم نافع؛ فالعلم ينقسم إلى علم نافع وعلم غير نافع . 
2- تفضيل علم السلف على علم الخلف مهما بلغوا من المحفوظات . 
3- إذا أتى العلم في القرآن في مقام المدح فهو العلم النافع. 
4- إذا أتى العلم في القرآن في مقام الذم فهو العلم الذي لا ينفع. 
5- العلم الذي لا ينفع له صورتان 
أ‌- أن يكون العلم نافعاً في نفسه ولكن صاحبه لا ينتفع به . 
ب‌- أن يكون العلم ضاراً في نفسه كالسحر وكل ما صد عن الحق. 
6- جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وإلى غير نافع. والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع. وسؤال العلم النافع . 
7- من العلم ما هو جهل وله صورتان 
أ‌- أن يتكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهله ذلك. 
ب‌- أن العلم الذي يضر ولا ينفع جهل؛ لأن الجهل به خير من العلم به. 
فإذا كان الجهل به خيراً منه فهو شر من الجهل. 
وهذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين أو في الدنيا.
8- من العلوم التي لا ينفع التعمق فيها أنساب الناس والشعر إذ هما لطالب العلم الشرعي علم لا ينفع وجهالة لا تضر. 
9- ومن العلوم التي لا ينفع التعمق فيها العربية .
10- ومن العلوم التي لا ينفع التعمق فيها النجوم . 
11- كل علم سوى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة لا يتعمق فيه ولا يكثر من الاشتغال به وإلا كان من العلم الذي لا ينفع . 
12- أمر الشرع بأن يُتعلم من الأنساب ما توصل به الأرحام . 
13- ما ورد عن السلف في ذم علم النجوم فهو محمول على علم التأثير لا علم التسيير.
14- علم التأثير باطل محرم . 
15- والعيافة زجر الطير
16- والطرق الخط في الأرض.
17- علم تأثير النجوم باطل محرم. والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم وتقريب القرابين لها كفر 
18- وأما علم التسيير فإذا تعلم منه ما يحتاج إليه للإهتداء ومعرفة القبلة والطرق كان جائزاً عند الجمهور وما زاد عليه فلا حاجة إليه وهو يشغل عما هو أهم منه. 
19- وربما أدى التدقيق فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين في أمصارهم .وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ الصحابة والتابعين في صلاتهم في كثير من الأمصار وهو باطل.
20- يكفي في تحديد القبلة أن تكون ما بين المشرق والمغرب ولا يبالغ في ذلك عن طريق النجوم. 
21- إنما أنكر بعض أهل العلم على المشتغلين بعلم النجوم التسيري وإن كان أهله يقطعون به ؛ لأمرين 
أ‌- أن الرسل لم تتكلم في هذا . 
ب‌- وأن الاشتغال به ربما أدى إلى فساد عريض كمن أنكر حديث النزول ثلث الليل الآخر؛ لاختلاف الليل باختلاف البلدان.
22- فالله عز وجل لا يقاس على خلقه، وله المثل الأعلى سبحانه وتعالى. 
23- لا يضرب لله الأمثال. 
24- من رد السنة أو اعترض عليها ففعله قبيح. 
25- المعترض على الحق المعلوم من الدين بالضرورة يستحق العقوبة وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين . 
26- ذم السلف كل علم أشغل عن تدبر الكتاب والسنة وفهمهما . 
27- العلوم التي يتعلمها طالب العلم ولكن لا يتوسع فيها 
أ‌- علم الأنساب.
ب‌- علم العربية لغة ونحواً هو مما يشغل عن العلم الأهم والوقوف معه يحرم علماً نافعاً. 
ومعنى قولهم العربية في الكلام كالملح في الطعام أي أنه يؤخذ منها ما يصلح الكلام كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام وما زاد على ذلك فإنه يفسده .
ت‌- علم الحساب يحتاج منه إلى ما يعرف به حساب ما يقع من قسمة الفرائض والوصايا. والأموال التي تقسم بين المستحقين لها والزائد على ذلك مما لا ينتفع به إلا في مجرد رياضة الأذهان وصقالها لا حاجة إليه ويشغل عما هو أهم منه .
28- لا خير في علم لم يكن عليه السلف، بل هو من المحدثات والبدع والضلالات المنهي عنها. 
29- من انحراف وضلال أصحاب العلوم المحدثة أنهم اعتبروها هي العلم وما سواه جهل وضلال . 
30- فمن العلوم المحدثة ما أحدثته المعتزلة من الكلام في القدر وضرب الأمثال لله. 
31- وقد ورد النهي عن الخوض في القدر. والنهي عن الخوض في القدر يكون على وجوه 
أ‌- منها ضرب كتاب اللَه بعضه ببعض فينزع المثبت للقدر بآية والنافي له بأخرى. ويقع التجادل في ذلك. وهو من جملة الاختلاف في القرآن والمراء فيه المنهي عنه.
ب‌- ومنها الخوض في القدر إثباتاً ونفياً بالأقيسة العقلية.
ت‌- ومنها الخوض في سر القدر؛ فإن العباد لا يطلعون على حقيقة ذلك. 
32- ومن العلوم المحدثة ما أحدثه المعتزلة ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله تعالى وصفاته بأدلة العقول. 
33- الكلام في الصفات أشد خطراً من الكلام في القدر لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله وهذا كلام في ذاته وصفاته.
34- وينقسم هؤلاء المبتدعة إلى قسمين 
أ‌- أحدهما من نفى كثيراً مما ورد به الكتاب والسنة من ذلك لاستلزامه عنده للتشبيه بالمخلوقين . 
وهذا طريق المعتزلة والجهمية وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم. 
وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين.
ب‌- والثاني من رام إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر ورد على أولئك مقالتهم . ومنهم من أثبت للَّه صفات لم يأت بها الكتاب والسنة كالحركة وغير ذلك مما هي عنده لازم الصفات الثابتة. وقد أنكر السلف ذلك وبالغوا في الطعن على من فعله. 
35- طريقة السلف الصالح في آيات وأحاديث الصفات إمرارها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل ! 
وهذا هو الحق والصواب، وما سواه باطل وانحراف وضلال.
36- ولا يصح عن من السلف خلاف ذلك البتة خصوصاً الإمام أحمد ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها بل يؤمنون بها ويسلمون للنصوص. 
37- إنما الإقتداء بأئمة الإسلام الذين ساروا على ما كان عليه الصحابة كابن المبارك. ومالك. والثوري والأوزاعي. والشافعي. وأحمد. واسحق. وأبي عبيد. ونحوهم.
38- ومن خالف طريقة السلف الصالح لا يقبل قوله ولا يقتدى به ولو كان قريباً من زمنهم. 
39- لا يوجد في كلام أئمة الإسلام شيء من جنس كلام المتكلمين فضلاً عن كلام الفلاسفة.
40- وكذا لم يدخل كلام المتكلمين وكلام الفلاسفة على من سلم من قدح وجرح. 
41- لابد لطالب الحق أن يصون علمه من البدع والمحدثات . 
42- من خالط علمه بالبدع والمحدثات ولم يصنه فلا يؤخذ منه العلم. 
43- ومن العلوم المحدثة ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية ورد فروع الفقه إليها. 
44- سواء أخالفت السنن أم وافقتها طرداً لتلك القواعد المقررة وإن كان أصلها مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيها وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام على من أنكروه من فقهاء أهل الرأي بالحجاز والعراق وبالغوا في ذمه وإنكاره.
45- لابد من سلوك الطريقة الشرعية في العلم الشرعي، وعدم تدخل الآراء والعقول في الدين . 
46- القواعد والضوابط العقلية قد تكون مبنية على نصوص لكن اطرادها قد يخالف نصوصاً أخرى ومنهجاً سلفياً. 
47- فطريقة الأئمة وفقهاء أهل الحديث 
أ‌- أنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولاً به عند الصحابة، ومن بعدهم، أو عند طائفة منهم. 
ب‌- وإذا اتفق على عدم العمل بالحديث وتركه لناسخ ونحوه؛ فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به.
ت‌- وإذا خالف عملُ أهل المدينة الحديثَ فالأكثرون على الأخذ والعمل بالحديث، وكان مالك يرى الأخذ بعمل أهل المدينة؛ لملحظ أنهم يسيرون على ما جرى به العمل.
48- ومن العلوم المحدثة الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام أيضاً ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام بل قد أنكره أئمة السلف الصالح ! وإنما أحدث ذلك بعدهم .
49- من ما أحدثه فقهاء العراقين في مسائل الخلاف بين الشافعية والحنفية وصنفوا كتب الخلاف ووسعوا البحث والجدال فيها وكل ذلك محدث لا أصل له وصار ذلك علمهم حتى شغلهم ذلك عن العلم النافع. 
وقد أنكر ذلك السلف . 
50- فالجدال والمراء باب شر وترك للعمل ويذهب بنور العلم ولا يفتح على صاحبه الحق، بل يقسي القلب ويورث الحقد والحسد.
51- وكان السلف يكرهون الإكثار من المسائل الخلافية ويعيبون كثرة الكلام والفتيا وأغلوطات المسائل والمسائل قبل وقوع الحوادث .
52- وكان السلف يقولون أخبر بالسنة ولا تجادل عنه فإن جادلك فاسكت؛ فإنه لو كان يريد الحق فالحق في السنة ! وإذا لم يسلم للسنة فلن يسلم لك من باب أولى .
53- ومع هذا ففي كلام السلف والأئمة التنبيه على مأخذ الفقه ومدارك الأحكام بكلام وجيز مختصر يفهم به المقصود من غير إطالة ولا إسهاب . 
54- وفي كلامهم من رد الأقوال المخالفة للسنة بألطف إشارة وأحسن عبارة بحيث يغني ذلك من فهمه عن إطالة المتكلمين في ذلك بعدهم .
55- بل ربما لم يتضمن تطويل كلام من بعدهم من الصواب في ذلك ما تضمنه كلام السلف والأئمة مع اختصاره وإيجازه .
56- فمن عرف قدر السلف عرف أن سكوتهم عما سكتوا عنه من ضروب الكلام وكثرة الجدال والخصام والزيادة في البيان على مقدار الحاجة لم يكن عياً ولا جهلا ولا قصوراً وإنما كان ورعاً وخشية للَّه واشتغالاً عما لا ينفع بما ينفع. 
57- وسواء في ذلك كلامهم في أصول الدين وفروعه. وفي تفسير القرآن والحديث. وفي الزهد والرقائق. والحكم والمواعظ. وغير ذلك مما تكلموا فيه .
58- فالخصومات في الدين تشغل القلب، وتورث النفاق، فمن جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر التنقل.
59- وما تكلم من تكلم وتوسع من توسع بعدهم لاختصاصه بعلم دونهم ولكن حباً للكلام وقلة ورع.
60- وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا فظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم ممن ليس كذلك. وهذا جهل محض.
61- فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال ولكنه نور يقذف في القلب يفهم به العبد الحق ويميز به بينه وبين الباطل ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد.
فأكابر الصحابة كأبي بكر كلامهم أقل من كلام ابن عباس وهم أعلم منه.
وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة والصحابة أعلم منهم .
وكذلك تابعوا التابعين كلامهم أكثر من كلام التابعين والتابعون أعلم منهم. 
62- وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين انه أعلم ممن تقدم 
أ‌- فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله. 
ب‌- ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين. 
وهذا يلزم منه ما قبله لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولاً ممن كان قبلهم فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله كان أعلم ممن كان أقل منهم قولاً بطريق الأولى؛ فهم أقل كلاماً ممن جاء بعدهم !
وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظن بهم ونسبته لهم إلى الجهل وقصور العلم ولا حول ولا قوة إلا باللَه 
63- فيجب أن يعتقد أنه ليس كل من كثر بسطة للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك.
ت‌- فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام والتوسع في القيل والقال .
ث‌- النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردنا كان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه ! وأما كثرة القول وتشقيق الكلام فإنه مذموم. 
ج‌- وحديث إن من البيان سحراً ؛ إنما قاله في ذم ذلك لا مدحاً له .
64- وُصِف الصحابة بأنهم أبر الأمة قلوباً، وأعمقها علوماً، وأقلها تكلفاً؛ وفي هذا إشارة إلى أن من بعدهم أقل علوماً وأكثر تكلفاً.
65- من كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح ومن كان بالعكس فهو مذموم. 
66- أهل اليمن أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك؛ وهذا هو الفقه والعلم النافع .
67- أفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم.
68- ضبط ما روي عن السلف الصالح في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق من كلامهم . 
69- وفي كلام السلف الصالح في ذلك كفاية وزيادة فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة .
70- ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم به.
71- والعلوم المحدثة المخالفة لما كان عليه السلف الصالح؛ فأكثرها باطل أو لا منفعة فيه. 
72- ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله .
73- من لم يأخذ العلم من كلام السلف الصالح فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم. 
74- ويحتاج من أراد جمع كلامهم إلى معرفة صحيحه من سقيمه لئلا يلتبس عليه حقه بباطله. 
75- من لا يعرف الصحيح من السقيم يلتبس عليه الأمر فلا يثق بما يروى من الأحاديث والآثار ويجوز أن يكون كله باطلاً .
76- فالعلم ما جاء به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما كان غير ذلك فليس بعلم . 
77- وما جاء عن التابعين فأنت مخير في كتابته وتركه.
78- وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد .
79- احذر يا طالب العلم مما حدث بعدهم فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم وهو أشد مخالفة لها لشذوذه عن الأئمة وانفراده عنهم بفهم يفهمه أو يأخذ ما لم يأخذ به الأئمة من قبله.
80- إذا دخل طالب العلم فيما أحدث مع اشتغاله بكلام المتكلمين أو الفلاسفة فقد وقع في شر محض .
81- قلَّ من دخل في شيء من ذلك إلا وتلطخ ببعض أوضارهم وضلالهم. 
82- حذر أئمة السلف من أهل الكلام وأن ذبوا عن السنة. 
83- ما يوجد في كلام من أحب الكلام المحدث واتبع أهله من ذم من لا يتوسع في الخصومات والجدال ونسبته إلى الجهل أو إلى الحشو أو إلى أنه غير عارف باللَه أو غير عارف بدينه فكل ذلك من خطوات الشيطان نعوذ باللَه منه. 
84- ومن العلوم المحدثة الكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب وتوابع ذلك بمجرد الرأي والذوق أو الكشف وفيه خطر عظيم . وقد أنكره أعيان الأئمة .
85- وقد اتسع الخرق في هذا الباب ودخل فيه قوم إلى أنواع الزندقة والنفاق من ذلك 
أ‌- دعوى أن أولياء اللَه أفضل من الأنبياء. 
ب‌- أو أنهم مستغنون عنهم .
ت‌- وإلى التنقص بما جاءت به الرسل من الشرائع .
ث‌- وإلى دعوى الحلول والاتحاد أو القول بوحدة الوجود. 
ج‌- وغير ذلك من أصول الكفر والفسوق والعصيان كدعوى الإباحة. وحل محظورات الشرائع. 
ح‌- وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرة ليست من الدين في شيء 
– فبعضها زعموا أنه يحصل به ترقيق القلوب كالغناء والرقص. 
– وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة النفوس لعشق الصور المحرمة ونظرها.
– وبعضها زعموا أنه لكسر النفوس والتواضع كشهرة اللباس وغير ذلك مما لم تأت به الشريعة. بل يصد عن ذكر اللَه وعن الصلاة كالغناء والنظر إلى المحرم. وشابهوا بذلك الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً.
86- يتحقق العلم النافع بالأمور التالية 
أ‌- ضبط نصوص الكتاب والسنة .
ب‌- وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث. وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام. والزهد. والرقائق. والمعارف. وغير ذلك .
ت‌- والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولاً .
ث‌- ثم الاجتهاد على الوقوف في معانيه وتفهمه ثانياً .
وفي ذلك كفاية لمن عقل. وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل.
87- ومن وقف على هذا وأخلص القصد فيه لوجه الله عز وجل واستعان عليه أعانه وهداه ووفقه وسدده وفهمه وألهمه. وحينئذ يثمر له هذا العلم ثمرته الخاصة به وهي خشية اللَه ؛ فكفى بخشية اللَه علماً وكفى بالاغترار باللَه جهلاً .
88- وسبب ذلك أن هذا العلم النافع يدل على أمرين 
أ‌- أحدهما على معرفة اللَه وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة. وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته ومحبته ورجاءه والتوكل عليه والرضى بقضائه والصبر على بلائه .
ب‌- والأمر الثاني المعرفة بما يحبه ويرضاه وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة اللَه ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه . 
89- من ثمرات وعلامات العلم النافع 
– خشوع القلب لله وانكساره له وذله هيبة وإجلالاً وخشية ومحبة وتعظيماً. 
– قناعة النفس بيسير الحلال من الدنيا والزهد في الدنيا وكل ما هو فانٍ.
– أن يكون بين العبد وبين ربه عز وجل معرفة خاصة بقلبه بحيث يجده قريباً منه يستأنس به في خلوته ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته. واستحى من قربه. وعبده كأنه يراه. ولا يجد ذلك إلا من أطاعه في سره وعلانيته. وبهذا يحقق قوله صلى الله عليه وسلم تعرف إلى اللَه في الرخاء يعرفك في الشدة 
90- من قرأ القرآن لا يجاوز تراقيه لا ينتفع به ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع.
91- ومن علامة العلم النافع 
– أن صاحبه يحتقر نفسه ويزدريها باطناً وظاهراً . 
– أن صاحبه لا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً ويكره بقلبه التزكية والمدح ولا يتكبر على أحد .
– كلما ازداد في هذا العلم ازداد تواضعاً للَّه وخشية وانكساراً وذلا.
– وأنه يدل صاحبه على الهرب من الدنيا وأعظمها الرئاسة والشهرة والمدح فإذا وقع شيء من ذلك من غير قصد واختيار كان صاحبه في خوف شديد من عاقبته بحيث أنه يخشى أن يكون مكراً واستدراجاً .
– وأن صاحبه لا يدعي العلم ولا يفخر به على أحد ولا ينسب غيره إلى الجهل إلا من خالف السنة وأهلها فإنه يتكلم فيه غضباً للَّه لا غضباً لنفسه ولا قصداً لرفعتها على أحد.
– وأهل العلم النافع يسيؤون الظن بأنفسهم ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها . 
– فمن سلك سبيلهم فقد اهتدى .
92- العلم علمان 
أ‌- علم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم. 
ب‌- وعلم في القلب فذلك العلم النافع .
93- كان السلف يقولون إن العلماء ثلاثة 
أ‌- عالم باللَه عالم بأمر اللَه. 
ب‌- وعالم باللَه ليس بعالم بأمره. 
ت‌- وعالم بأمر اللَه ليس بعالم باللَه 
وأكملهم الأول وهو الذي يخشى الله ويعرف أحكامه.
94- أصل العلم خشية اللَه ثم يتلوه العلم بأحكام اللَه وما يحبه ويرضاه من العبد من قول أو عمل أو حال أو اعتقاد فمن تحقق بهذين العلمين كان علمه علماً نافعاً وحصل له العلم النافع والقلب الخاشع والنفس القانعة والدعاء المسموع.
95- أول علم يرفع من الناس الخشوع .
96- ومن فاته هذا العلم النافع وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي صلي الله عليه وسلم وصار علمه وبالاً وحجة عليه فلم ينتفع به لأنه لم يخشع قلبه لربه. ولم تشبع نفسه من الدنيا بل ازداد عليها حرصاً ولها طلباً. ولم يسمع دعاؤه لعدم امتثاله لأوامر ربه. وعدم اجتنابه لما يسخطه ويكرهه.
97- ومن كان علمه غير متلقى عن الكتاب والسنة فهو غير نافع في نفسه ولا يمكن الانتفاع به بل ضره أكثر من نفعه. 
98- من علامات وثمرات العلم الذي لا ينفع 
– أن يكسب صاحبه الزهو والفخر والخيلاء .
– وطلب العلو والرفعة في الدنيا. والمنافسة فيها. 
– وطلب مباهاة العلماء ومماراة السفهاء وصرف وجوه الناس إليه.
– وربما ادعى بعض أصحاب هذه العلوم معرفة الله وطلبه والإعراض عما سواه وليس غرضهم بذلك إلا طلب التقدم في قلوب الناس من الملوك وغرهم وإحسان ظنهم بهم وكثرة اتباعهم. والتعظم بذلك على الناس.
– وعلامة ذلك إظهار دعوى الولاية كما كان يدعيه أهل الكتاب. وكما ادعاه القرامطة والباطنية ونحوهم. 
– عدم قبول الحق والانقياد إليه والتكبر على من يقول الحق خصوصاً إن كان دونهم في أعين الناس. 
– والإصرار على الباطل خشية تفرق قلوب الناس عنهم بإظهار الرجوع إلى الحق.
– وربما أظهروا بألسنتهم ذم أنفسهم واحتقارها على رؤوس الأشهاد ليعتقد الناس فيهم أنهم عند أنفسهم متواضعون فيمدحون بذلك وهو من دقائق أبواب الرياء 
– ويظهر منهم من قبول المدح واستجلابه مما ينافي الصدق والإخلاص فإن الصادق يخاف النفاق على نفسه ويخشى على نفسه من سوء الخاتمة فهو في شغل شاغل عن قبول المدح واستحسانه.
– ليس لهم شغل سوى التكبر بعلمهم على الناس وإظهار فضل علمهم عليهم ونسبتهم إلى الجهل وتَنَقُّصهم ليرتفعوا بذلك عليهم وهذا من أقبح الخصال وأرداها.
– وربما نسبوا من كان قبلهم من العلماء إلى الجهل والغفلة والسهو فيوجب لهم حب نفسهم وحب ظهورها إحسان ظنهم بها وإساءة ظنهم بمن سلف .
– وإذا رأوا لنفسهم فضلاً على من تقدمهم في المقال وتشقق الكلام ظنوا لنفسهم عليهم فضلاً في العلوم أو الدرجة عند اللَه لفضل خصهم به عمن سبق فاحتقروا من تقدمهم واجترؤوا عليهم بقلة العلم ولا يعلمون المساكين أن قلة كلام من سلف إنما كان ورعا وخشية للَّه ولو أراد الكلام وإطالته لما عجز عن ذلك. 
99- من سلك غير سبيل السلف ودخل في كثرة السؤال والبحث والجدال والقيل والقال. فإن اعترف لهم بالفضل. وعلى نفسه بالنقص كان حاله قريباً .
100- وإن ادعى لنفسه الفضل ولمن سبقه النقص والجهل فقد ضل ضلالاً مبيناً وخسر خسراناً عظيماً.
101- وإذا فسدت الأحوال فالعالم يكتفي بعلم الله فيه وبمعرفة الله فيه . 
102- ومن لا يرضى إلا بأن يكون عند أهل الزمان عالماً دخل فيمن طلب العلم للمباهاة أو المماراة أو لصرف وجوه الناس إليه ويخشى عليه أن يكون من أول من تسعر به النار . 
103- ومن لم تقنع نفسه حتى تصل إلى درجة الحكم بين الناس حيث كان أهل الزمان لا يعظمون من لم يكن كذلك ولا يلتفتون إليه فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير وانتقل من درجة العلماء إلى درجة الظلمة.
104- لا بد للمؤمن من صبر قليل حتى يصل به إلى راحة طويلة. 
105- ومن جزع فلم يصبر فتمتعه قليل .
106- أهل الكتاب خالفوا أمرا لله وارتكبوا ما نهى عنه مع علمهم وأخذ الميثاق عليهم؛ فعاقبهم الله بقسوة قلوبهم؛ فلا ينتفعون بالحق. 
107- نهى الشرع عن التشبه بأهل الكتاب في مخالفتهم للحق. 
108- قسوة قلوب أهل الكتاب أوجبت لهم خصلتين مذمومتين 
أ‌- إحداهما تحريف الكلم من بعد مواضعه .
ب‌- والثانية نسيانهم حظاً مما ذكروا به. 
109- ومعنى نسيانهم تركهم وإهمالهم نصيباً مما ذكروا به من الحكمة. والموعظة الحسنة. فنسوا ذلك وتركوا العمل به وأهملوه.
110- وهذان الأمران موجودان في الذين فسدوا من علمائنا لمشابهتهم لأهل الكتاب في وجهين 
أ‌- أحدهما تحريف الكلم فإن من تفقه لغير العمل يقسو قلبه فلا يشتغل بالعمل بل بتحريف الكلم وصرف ألفاظ الكتاب والسنة عن مواضعها. والتلطف في ذلك بأنواع الحيل اللطيفة من حملها على مجازات اللغة المستبعدة ونحو ذلك. والطعن في ألفاظ السنن حيث لم يمكنهم الطعن في ألفاظ الكتاب. ويذمون من تمسك بالنصوص وأجراها على ما يفهم منها ويسمونه جاهلا أو حسوداً. وهذا يوجد في المتكلمين في أصول الديانات وفي فقهاء الرأي. وفي صوفية الفلاسفة والمتكلمين .
ب‌- والثاني نسيان حظ مما ذكروا به من العلم النافع فلا تتعظ قلوبهم بل يذمون من تعلم ما يبكيه وبرق به قلبه ويسمونه قاصاً.
111- من ذلك أن بعض أهل الرأي يزعم أن من اشتغل بالتفسير فغايته أن يقص على الناس ويذكرهم ، وأن من اشتغل برأيهم وعلمهم فإنه يفتي ويقضي ويحكم ويدرس.
112- وهؤلاء لهم نصيب من قوله تعالى (يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَنِ الآخِرَةِ غافِلونَ) . 
113- وأهل الرأي ومن لم يتمسك بالكتاب والسنة إنما ولدوا فروعا باطلة. وحيلاً محرمة بسببها فتحت أبواب الرياء وغيره من المحرمات واستحلت محارم اللَه بأدنى الحيل كما فعل أهل الكتاب. 
114- والحامل لهم على هذا شدة محبتهم للدنيا والعلو فيها. 
115- ثمرات العلوم تدل على شرفها . 
116- ولو أن أهل الرأي وغيرهم تمسكوا بنصوص الكتاب والسنة وألزموا الناس بذلك لكفتهم ولزهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ونصحوا أنفسهم وعباد الله. 
117- ولحصلت التقوى لكثير من الناس إلا من لم يتمسك بالكتاب والسنة . 
118- ولو تمسكوا بالكتاب والسنة لقيض الله من يفهم من معاني النصوص ما يرد بها الخارج عنها إلى الرجوع إليها ويستغنى بذلك عما وقعوا فيه من الباطل .(وَهَدى اللَهُ الَّذينَ آمَنوا لِما اِختَلَفوا فيهِ مِن الحَقِّ بِإِذنِهِ وَاللَهُ يَهدي مِن يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُستَقيم)
كتبه
أخوكم المحب
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الاثنين 50 10 ضحى
4 شوال 1436 هجري