ما لايصح في الصيام ( 2 )
لفضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول
حفظه الله تعالى
الحلقة السابعة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله على خطأ يقع فيها بعض الصائمين ألا وهو أنهم لا يستغلون هذا الشهر الذي تسلسل فيه الشياطين في التوبة والرجوع إلى الله والإقلاع عن المحرمات والمعاصي بل للأسف الشديد نراهم يزدادون في المعاصي والمحرمات وكأن شياطينهم لم تسلسل وهؤلاء ما أبعدهم عن رحمة الله وأخشى أن يدخلوا تحت قول جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم لما صعد صلى الله عليه وسلم المنبر فلما رقي عتبة قال آمين ثم رقي عتبة أخرى فقال آمين ثم رقي عتبة ثالثة فقال آمين ثم قال أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قلت آمين قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله قلت آمين فقال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين فقلت آمين “
وقوله صلى الله عليه وسلم ” رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر “
وهؤلاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه من الصلاة والصيام فكثير من هؤلاء الجهال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام، و كثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان فيطول عليه ويشق على نفسه مفارقتها لمألوفها فهو يعد الأيام والليالي ليعودوا إلى المعصية، ومنهم من لا يصبر على المعاصي فهو يواقعها في رمضان .
ومتى يتوب من لم يتب في رمضان ومتى يعود إلى الله من لم يعد في رمضان.
والتوبة تعني صلاح الحال من الإقلاع عن الذنب وصلاح الماضي من الندم على فعل الذنب وصلاح المآل من العزم على عدم العودة إلى الذنب ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له والله يتوب على من تاب .
فبلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه قال ابن رجب ” كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ، و مؤمل غداً لا يدركه إنكم لو أبصرتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل و غروره.
من رحم في رمضان فهو المرحوم ، ومن حرم خيره فهو المحروم ، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم .
كم ينادي حي على الفلاح وأنت خاسر، كم تدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر
فمن أراد الله به خيراً حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان فصار من الراشدين ، ومن أراد به شر خلى بينه وبين نفسه فاتبعه الشيطان فحبب إليه الكفر والفسوق والعصيان فكان من الغاوين .
فالحذر الحذر من المعاصي فكم سلبت من نعم، وكم جلبت من نقم ، وكم خربت من ديار ، وكم أخلت دياراً من أهلها فما بقي منهم ديار،كم أخذت من العصاة بالثار ، كم محت لهم من آثار .
أين حال هؤلاء الحمقى من قوم كان دهرهم كله رمضان ليلهم قيام و نهارهم صيام .
قال بعض السلف : صم الدنيا ـ أي عن المعاصي ـ واجعل فطرك الموت.
فالدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم و استهلوا عيد فطرهم .
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته ، ومن تعجل ما حرم عليه قبل وفاته عوقب بحرمانه في الآخرة و فواته ، و شاهد ذلك قوله تعالى ” أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ” الآية ، و قول النبي صلى الله عليه و سلم ” من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ” انتهى
الله أكبر يا لها من مصيبة لمن يدركه شهر رمضان وهو شاغل وقته بالمعاصي مضيع ليله ونهاره أمام التلفاز أمام الصور الخليعة والمشاهد الخبيثة أمام كلمات الفحش والحرام مضيع نفسه بسماع الأغاني الشبابية الداعية للاختلاط والإباحية.
وإني بهذه المناسبة أذكر إخواني المسلمين وأخواتي المسلمات أن الطبق الفضائي المعروف بالدش يخشى أن ضيع أجر كثير من المسلمين وجعل شهر الصيام والطاعة شهر معصية .
نعم يا مسلمون أفيقوا من غفلتكم هذه !
متى كان شهر الصيام شهر مسلسلات وتمثيليات وشهر حفلات وشهر أغاني !
متى كان شهر رمضان شهر حرب لله ولدين رسول الله صلى الله عليه وسلم !
أيها المسلمون يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كيف تشاهدون في هذا الطبق الفضائي من يدعي أنه يعلم الغيب يعلم مستقبلكم يعلم أسعداء أم أشقياء وما سيحصل لهم!
وكيف تقرؤون في الجرائد تلك الأبراج التي يدعي أصحابها أن مواليد كل برج يستطيع أن يعلم مستقبله منها !
وهذه والله إحدى المصائب التي انطلت وسرت على كثير من المسلمين لبعدهم عن دينهم لأن ادعاء علم الغيب كفر بالله وتكذيب بالقران أما قال الله تعالى {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} ثم يأتي بعض المسلمين ويسألون هذا العراف الكاهن عن مستقبلهم وما سيحصل لهم.
فهذا الرجل الذي يأتي في الدش ويتصل به الناس بل للأسف يتصل به المسلمون من البقاع الإسلامية ويسألونه ما سيحصل لهم ! هو في الحقيقة دجال مشعوذ كاهن عراف مدعٍ لعلم الغيب قال صلى الله عليه وسلم ” من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ” و في رواية ” من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم “
و هذا الحديث عظيم جداً خالفه أولئك الذين يتصلون بذاك العراف.
فإن قال قائل : نحن نتصل ولا نصدقه فلا ندخل في الوعيد الذي في الحديث ؟
فالجواب أن هذا خطأ لأن الوعيد في الحديث مرتب على مجيئه وسؤاله سواء صدقه أو شك في خبره فإن في بعض روايات الصحيح ” من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة”
والعراف : هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل والذي يخبر عما في الضمير.
فقل لي بربك هذا الرجل الذي يأتي في الدش أما يفعل هذا !
أما يدعي معرفة الغيبيات ويخبر بما في الضمائر !
ألا فلنتقِ الله في أنفسنا ونبعد ونحترس ونحارب هؤلاء الكذابين العرافين .
كيف يا أمة الإسلام نشاهد في الدش البرامج التي تتكلم عن المسيحية أو النصرانية والرسول صلى الله عليه وسلم غضب من عمر – الفاروق الرجل الصلب في إيمانه صاحب الموافقات القرآنية – فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر لما رآه حاملاً لكتاب لبني إسرائيل .
فعن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال صلى الله عليه وسلم “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني”
أيها الناس : إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى ، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم جنة عرضها السموات والأرض ، ألا ترون إنكم في أسلاب الهالكين وسيرثها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، و في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله فتودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد ، قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب ، غنياً عما خلف فقيراً إلى ما أسلف!
فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته ، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي ولكن أستغفر الله وأتوب إليه .
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الحلقة الثامنة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنهم أن الصوم من الأكل والشرب فقط وهذا خطأ لأن الصائم مطلوب منه حفظ جوارحه يده ورجله وعينه ولسانه وأذنه عن المحرمات لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم ” ليس الصيام من الأكل و الشرب إنما الصيام من اللغو و الرفث”
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وإن جهل عليه أحد فليقل إني امرؤ صائم”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر”
قال ابن قيم الجوزية : الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور وبطنه عن الطعام والشراب وفرجه عن الرفث فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب كما قال صلى الله عليه وسلم ” من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه” وقال صلى الله عليه وسلم ” رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش”
فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم انتهى
وقال ابن رجب ” اعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم . و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم ” ليس الصيام من الأكل و الشرب إنما الصيام من اللغو و الرفث “
قال بعض السلف : أهون الصيام ترك الشراب و الطعام .
و قال جابر : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء .
وسر هذا : أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل وإن كان صومه مجزئاً عند الجمهور بحيث لا يؤمر بإعادته لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوصه دون ارتكاب ما نهي عنه لغير معنى يختص به ، هذا هو قول جمهور العلماء انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم ينامون نهار رمضان ولا يصلون الصلاة في وقتها ولا يوأدونها في جماعة إن كان ممن تجب عليه الجماعة.
فمن نام نهار رمضان كله فصيامه صحيح إذا نوى الصيام قبل طلوع الفجر ولكن يحرم عليه ترك أداء الصلوات في مواقيتها وترك صلاة الجماعة إن كان ممن تجب عليه صلاة الجماعة فيكون قد ترك واجبين :
أحدهما الصلاة في وقتها
وثانيهما الصلاة في جماعة .
فيأثم عليهما أشد الإثم فهو جانٍ على نفسه وعاصٍ لله عز و جل بتركه الصلاة في أوقاتها في جماعة وهو منقص لصومه إلا إذا كان ذلك ليس من عادته و إنما حصل منه نادراً مع نيته القيام للصلاة.
وبالمناسبة فإنه من المؤسف جداً أن كثيراً من الناس اعتادوا السهر في رمضان فإذا أقبل الفجر تسحروا وناموا جميع النهار أو معظمه وتركوا الصلوات مع أن الصلوات آكد من الصيام وألزم والأمر خطير جداً والسهر الذي يسبب النوم عن أداء الصلاة سهر محرم وإذا كان سهراً على لهو ولعب أو فعل محرمات فإن الأمر أخطر والمعاصي يعظم إثمها ويشتد خطرها في رمضان وفي الأزمنة والأمكنة الفاضلة أشد من غيرها.
ومن الناس من ينام نهار رمضان كله ولكنه يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة فهذا ليس بآثم لكنه فوت على نفسه خيراً كثيراً لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القران حتى يجمع في صيامه عبادات شتى.
والإنسان إذا عود نفسه و مرنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك وإذا عود نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك وصعبت عليه العبادات والأعمال حال الصيام.
فليحرص الصائم على هذا الوقت العظيم ولا يضيعه بالنوم لا سيما وشهر رمضان زمن شريف ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من الأجر والثواب .
وينبغي للصائم أن يصون نفسه عن اللهو واللعب وأن يتقرب إلى الله بفعل أوامره واجتناب مناهيه ويجتنب كل ما من شأنه أن يبعده عن الله وعن عبادته سواء كان غاية أو وسيلة .
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يشربون الدخان ولا يتركونه مع قدرتهم على تركه وإن كانوا يزعمون أنهم لا يستطيعون تركه.
فأنت أيها المدخن كنت – قبل رمضان – تزعم أنك لا تستطيع ترك الدخان للحظة واحدة أو أكثر من ساعة فإذا بك الآن في شهر رمضان تترك الدخان ساعات طوال لله رب العالمين فاتركه أبداً وجاهد نفسك في تركه واستغل هذه الفرصة العظيمة فكم سمعنا وعرفنا أناساً وفقهم الله لترك الدخان في رمضان فكن منهم ومعهم وفيهم .
وإني أذكر لك أموراً علها أن تساعدك في تركه:
أولاً : أن تتوجه إلى الله بالدعاء أن يعينك على تركه ثم تجاهد نفسك على تركه.
ثانياً : أن تعلم أنه يؤدي إلى قتلك إذ هو كما وصفه الأطباء سم بطيء. وأنت تعلم أن قتل النفس محرم فكيف بقتل نفسك.
ثالثاً : أن تعلم أنك تنفق أموالاً طائلة في شيء لا منفعة فيه بل أنت مسئول عن مالك فيما أنفقته ولو تأملت قليلاً لعلمت أنك أنفقت أموالاً يقتل بها الكفارُ المسلمين ولو تأملت أيضاً في هذه الأموال لو أن المدخنين أنفقوا أموالهم للفقراء والمساكين والأيتام هل يبقى فقير ومسكين ويتيم محتاج ؟
اترك الجواب لك.
رابعاً : أن تعلم أنك تغرس في نفس ولدك وهو من أعز وأحب الناس إليك – بعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم – حب الدخان وكيف تقول له هذا الدخان سيء وهو يراك تحمله وتشربه فأوقعته في التناقض.
وكم رأينا أولاداً صغاراً في السن يحملون الدخان ويشربونه و يقولون آباؤنا يدخنون فلِمَ تنكرون .
خامساً : أن تعلم أنك برائحة الدخان الصادرة من سيجارتك تؤذي المسلمين خاصة إذا دخلت المسجد ورائحتك رائحة الدخان .
ووالله لرائحة الدخان أشد عفونة ونتانة من رائحة البصل وقد نهى صلى الله عليه و سلم من أكل بصلاً أن يقرب المسجد فعن جابر قال “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث” فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال صلى الله عليه وسلم ” من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس”
و بهذه المناسبة أحببت أن أنبه على خطأ يقع فيه المدخنون ذلك أنهم يدخلون للصلاة والدخان في جيبهم وهذا خطأ إذ كيف يقف بين يدي الله ويدخل بيت الله وهذا المحرم الخبيث معه فيا عبد الله لا تدخل المسجد ومعك هذا الخبيث.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الحلقة التاسعة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فأحببت أن أقدم بين يدي هذه الحلقة قول عَائِشَة رضي الله عنها ” نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لم يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّينِ”
فلا حياء في تعلم أحكام الشرع، ولا استحياء فلا بد للمسلم أن يتفقه في دين الله تعالى
وسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا أكل وشرب وهو صائم في نهار رمضان ظن أن عليه القضاء أو تحرج من أكله وشربه وظن أنه ليس كمن لم يأكل ولم يشرب وهذا خطأ لأن من أكل وشرب ناسياً لا قضاء عليه ولا كفارة بل هو رزق من الله عليه لقوله صلى الله عليه و سلم ” من نسي وهو صائم فأكل و شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه “
وقال صلى الله عليه وسلم ” من أفطر ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة “
وقال صلى الله عليه وسلم ” من أكل أو شرب ناسياً فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله”
وعن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم فقال صلى الله عليه وسلم “أطعمك الله وسقاك”
ومن المستظرفات ما رواه عمرو بن دينار ” أن رجلاً جاء إلى أبي هريرة فقال أصبحت صائماً فنسيت فطعمت قال لا بأس قال ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت قال لا بأس الله أطعمك وسقاك ثم قال دخلت على آخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة أنت إنسان لم تتعود الصيام”
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أن من جامع في نهار رمضان ناسياً أن عليه القضاء والكفارة وهذا خطأ؛ لأن من جامع ناسياً فهو في حكم من أكل وشرب ناسياً لا فرق قال الشيخ السعدي رحمه الله : الصحيح أن المجامع ناسياً أو مكرهاً أنه لا فطر عليه ولا كفارة؛ لأنه إذا كان الأكل الذي هو أصل المفطرات قد عفي فيه عن النسيان فالجماع كذلك و لأن الله عفا عن الناسي والمخطئ مطلقاً ولأن فعل المحظور في العبادة نسياناً لا يؤثر في إبطالها انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : جميع المفطرات لا يفطر بها الإنسان إلا بشروط ثلاثة : الأول: أن يكون عالماً أي أنه مفطر .
الثاني : أن يكون ذاكراً أي لصومه .
الثالث : أن يكون مختاراً أي غير مكره انتهى .
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية واللجنة الدائمة برئاسة علم الأمة العلامة البصير السلفي ابن باز رحمهم الله جميعاً .
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا أراد أن يجامع زوجته في نهار رمضان أفطر قبله بأكل أو شرب ثم يجامع أو يجامع ثم يسافر ويظن بهذا أنه لا كفارة له وهذا خطأ بل تجب عليه الكفارة؛ لأن أكله و شربه حيلة غير شرعية.
قال ابن قيم الجوزية المجامع في نهار رمضان إذا تغدى أو شرب الخمر أولاً ثم جامع قال بعض أهل العلم لا تجب عليه الكفارة ! وهذا ليس بصحيح فإن إضمامه إلى إثم الجماع إثم الأكل والشرب لا يناسب التخفيف عنه بل يناسب تغليظ الكفارة عليه ولو كان هذا يسقط الكفارة لم تجب كفارة على واطئ اهتدى لجرعة ماء أو ابتلاع لبابة أو أكل زبيبة فسبحان الله هل أوجب الشارع الكفارة لكون الوطء لم يتقدمه مفطر قبله أو للجناية على زمن الصوم الذي لم يجعله الله محلاً للوطء أفترى بالأكل والشرب قبله صار الزمان محلاً للوطء فانقلبت كراهة الشارع له محبة ومنعه إذناً هذا من المحال وأفسد من هذا قولهم الحيلة في إسقاط الكفارة أن ينوي قبل الجماع قطع الصوم فإذا أتى بهذه النية فليجامع آمناً من وجوب الكفارة ولازم هذا القول الباطل أنه لا تجب كفارة على مجامع أبداً وإبطال هذه الشريعة رأساً فإن المجامع لا بد أن يعزم على الجماع قبل فعله وإذا عزم على الجماع فقد تضمنت نيته قطع الصوم فأفطر قبل الفعل بالنية الجازمة للإفطار فصادفه الجماع وهو مفطر بنية الإفطار السابقة على الفعل فلم يفطر به فلا تجب الكفارة فتأمل كيف تضمن الحيل المحرمة مناقضة الدين وإبطال الشرائع انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا أفطر بجماع في نهار رمضان لا يكفر عن ذلك الفعل وهذا خطأ إذ الواجب عليه أن يكفر :
– بعتق رقبة .
– فإن لم يستطع فبصيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما بفطر .
– فإن لم يستطع فبإطعام ستين مسكيناً .
كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال صلى الله عليه وسلم ما لك ؟
قال وقعت على امرأتي وأنا صائم !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها ؟
قال لا
قال صلى الله عليه وسلم فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟
قال لا
فقال صلى الله عليه وسلم فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟
قال لا .
قال فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر – والعَرَق المكتل – .
قال صلى الله عليه وسلم أين السائل ؟
فقال أنا .
قال صلى الله عليه وسلم خذ هذا فتصدق به
فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها – يريد الحرتين – أهل بيت أفقر من أهل بيتي
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال صلى الله عليه وسلم أطعمه أهلك”
و الحكمة من إيجاب الكفارة على من وطئ في نهار رمضان لما فيها من مصلحة جبر وهن الصوم وزجر الواطئ وتكفير جرمه واستدراك فرطه وغير ذلك من المصالح التي علمها من شرع الكفارة وأحبها ورضيها.
وهنا لا بد من التنبيه على الأمور التالية:
أولاً : إذا جامع زوجته نهاراً في رمضان مرة أو مرات في يوم واحد و لم يكفر عن الأولى فعليه كفارة واحدة .
وإذا جامع في أيام من رمضان نهاراً فعليه كفارات على عدد الأيام التي جامع فيها.
ثانياً : يجب على المجامع في نهار رمضان القضاء والكفارة ولو كان جاهلاً.
ثالثاً : لا يجوز دفع الفلوس بدلاً عن الإطعام ولا يجزئه ذلك.
رابعاً : الكفارة الإطعام هي نصف صاع لكل مسكين من بر أو تمر أو غيرهما من قوت البلد.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا طلع الفجر عليه وهو يجامع استمر في فعله حتى يقضي غرضه وهذا خطأ بل الواجب عليه أن يمسك عن فعله.
قال الإمام البيهقي في الكبرى :باب من طلع الفجر وهو مجامع أخرجه من ساعته وأتم صومه ثم أورد بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول : لو نودي بالصلاة والرجل على امرأته لم يمنعه ذلك أن يصوم إذا أراد الصيام قام واغتسل ثم أتم صيامه.
وقال ابن قيم الجوزية : من طلع عليه الفجر وهو مجامع الواجب عليه النزع عيناً ويحرم عليه استدامة الجماع واللبث وإنما اختلف في وجوب القضاء والكفارة عليه على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره :
أحدها عليه القضاء والكفارة وهذا اختيار القاضي أبي يعلي .
والثاني لا شيء عليه وهذا اختيار شيخنا وهو الصحيح .
والثالث عليه القضاء دون الكفارة .
وعلى الأقوال كلها فالحكم في حقه وجوب النزع فلو طلع الفجر على الصائم وهو مجامع وأخرجه مكانه كان على صومه فإن مكث بغير إخراجه أفطر ويكفر والمفسدة التي في حركة النزع مفسدة مغمورة في مصلحة إقلاعه ونزعه انتهى
وهنا مسألة لا بد من بيانها وهي أن الصائم إذا كان يشكو من خروج السائل المنوي أثناء الصيام بدون احتلام أو ممارسة للعادة السرية وكذا إذا خرج من بعد البول سائل غليظ يشبه المني وهو المعروف بالودي فصومه صحيح إن شاء الله ولا قضاء عليه.
قلت : ولو قبل أو لمس أو تكرر النظر فأمذى فهل يفطر ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يفطر واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يفطر فقال : ولا يفطر بمذي بسبب قبلة أو لمس أو تكرار نظر وهو قول أبي حنيفة و الشافعي وبعض أصحابنا انتهى
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الحلقة العشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يظن أن له الفطر مع عدم العذر وأن الواجب عليه فقط الإطعام لقوله تعالى {و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}
وكذا من يفتي الأغنياء بقوله : افطر وأطعم فإن الله ليس بحاجة إلى صيامك وهذا خطأ عظيم؛ لأن هذه الآية منسوخة في حق المستطيع وثابتة في حق الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذين لا يطيقان الصيام والمرضع والحامل إذا خافتا على ولديهما فعن سلمة بن الأكوع قال لما نزلت هذه الآية وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها ـ أي فمن شهد منكم الشهر فليصمه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أثبتت للحبلى والمرضع.
وأما من أفتى الغني بجواز الإطعام عن الصوم فقد أساء وهو إما جاهل و إما مغرور مفتون مخالف لإجماع الأمة وعليه التوبة مما قال.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمات أنها إذا كانت حاملاً أو مرضعاً وخافت على نفسها أو ولدها تظن أنها لا يجوز لها الفطر لهذا السبب ! وهذا خطأ؛ لأنه يشرع لها أن تفطر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصيام “
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكيناً.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان تفطران وتطعمان مكان كل يوم مسكيناً ولا يقضيان صوماً”
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمات أنها إذا كانت حائضاً تصوم ولا تفطر وهذا أدَّى ببعض النساء أنها لا تقضي ذلك اليوم وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن الحيض مبطل للصيام فالواجب عليها الفطر وقضاء الأيام التي أفطرتها.
قال صلى الله عليه وسلم ” أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم “
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة.
قال الترمذي : العمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة انتهى
وقال النووي : لا يصح صوم الحائض والنفساء، ولا يجب عليهما ويحرم عليهما ويجب قضاؤه، وهذا كله مجمع عليه انتهى
وقال ابن قدامة:أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم وأنهما يفطران رمضان ويقضيان وأنهما إذاصامتا لم يجزئهما الصوم .
والحائض والنفساء سواء لأن دم النفاس هو دم الحيض وحكمه حكمه .
ومتى وجد الحيض في جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم سواء وجد في أوله أو في آخره ومتى نوت الحائض الصوم وأمسكت مع علمها بتحريم ذلك أتمت ولم يجزئها انتهى
قلت : وقد نص العلماء على أن من البدع المحدثة صيام النساء وهن حيض مع تركهن للصلاة وقبيل الإفطار يأخذن جرعة من ماء.
فإن قيل لِمَ تقضي المرأة الصوم ولا تقضي الصلاة؟
فالجواب أولاً ينبغي للمسلم أن يسلم لأوامر الله وأحكامه ولا يعترض عليها .
وقد أجاب عن هذا السؤال الإمام ابن قيم الجوزية بقوله : أما إيجاب الصوم على الحائض دون الصلاة فمن تمام محاسن الشريعة وحكمتها ورعايتها لمصالح المكلفين فإن الحيض لما كان منافياً للعبادة لم يشرع فيه فعلها وكان في صلاتها أيام الطهر ما يغنيها عن صلاة أيام الحيض فيحصل لها مصلحة الصلاة في زمن الطهر لتكررها كل يوم بخلاف الصوم فإنه لا يتكرر وهو شهر واحد في العام فلو سقط عنها فعله بالحيض لم يكن لها سبيل إلى تدارك نظيره وفاتت عليها مصلحته فوجب عليها أن تصوم شهراً في طهرها لتحصل مصلحة الصوم التي هي من تمام رحمة الله بعبده وإحسانه إليه بشرعه وبالله التوفيق انتهى.
وهنا مسألة تحتاج إليها الحائض ألا وهي هل لها أن تأكل وتشرب وهي حائض أم تمسك عن الطعام والشراب في نهار رمضان لحرمته وإن كانت حائضاً ؟
فالجواب : أنها لها أن تأكل وتشرب ولا يلزمها الإمساك لأنها مفطرة بدليل من الشرع فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حقها .
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض النساء استعمالهن حبوباً تمنع خروج الحيض في موعده وهذا لاشك أنه خطأ لأن فيه ضرراً على المرأة قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الذي أرى أن المرأة لا تستعمل هذه الحبوب لا في رمضان ولا في غيره لأنه ثبت عندي من تقرير الأطباء أنها مضرة جداً على المرأة على الرحم والأعصاب والدم .
وكل شيء مضر فإنه منهي عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ” لا ضرر و لا ضرار”
وقد علمنا عن كثير من النساء اللآتي يستعملن هذه الحبوب أن العادة عندهن تضطرب وتتغير ويتعبن ! ويتعبن العلماء في كيفية جلوسهن.
الذي أنصح به أن لا تستعمل المرأة هذه الحبوب أبداً لا في رمضان ولا في غيره انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ممارستهم للعادة السرية المعروفة بالاستمناء باليد في نهار رمضان وهذا خطأ لا شك فيه و قد أفتت اللجنة الدائمة أن من استمنى في نهار رمضان فقد أفطر.
والعجيب أن هذا المستمني صائم والرسول صلى الله عليه وسلم جعل الصيام دواء لهذه الشهوة كما قال صلى الله عليه وسلم ” يا معشر الشباب ! عليكم بالباءة فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له و جاء “
قال صلى الله عليه و سلم ” خصاء أمتي الصيام “.
قال العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله : في الحديث توجيه نبوي كريم لمعالجة الشبق وعرامة الشهوة في الشباب الذين لا يجدون زواجاً ألا وهو الصيام فلا يجوز لهم أن يتعاطوا العادة السرية : المعروف بالاستمناء باليد لأنه قاعدة من قيل لهم {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} ولأن الاستمناء في ذاته ليس من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله في القرآن الكريم {و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} قالت عائشة رضي الله عنها في تفسيرها : فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا ” انتهى
والسؤال هنا لماذا يقع في الاستمناء وهو صائم ؟
والجواب هو بسبب تفكيره في أمور تثير شهوته أو بسبب عدم غض بصره في الطريق أو بسبب النظر إلى النساء العاريات في وسائل الإعلام.
وعليه نقول له يحرم عليك أن تفعل هذه الأمور ويجب عليك تجنبها في رمضان وفي غيره لأن الاستمناء حرام في رمضان وفي غيره لا يجوز فعله.
وهنا مسألة مهمة إذا استمنى فهل عليه الكفارة؟
والجواب : أن الواجب عليه التوبة والإقلاع عن هذا الفعل ولا كفارة عليه.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الحلقة الحادية والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يظن إن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم أنه لا يجوز له الفطر إلا إذا دخل عليه رمضان وهو مسافر وهذا لا شك أنه خطأ مخالف لفعل النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضوان الله عليهم جميعاً فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهاراً ليراه الناس ثم أفطر حتى دخل مكة قال ابن عباس رضي الله عنهما فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر”
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله : في المسألة قول شاذ جداً لا يلتفت إليه وهو إنه إن دخل عليه الشهر وهو مقيم ثم سافر في أثنائه لم يجز له الفطر ولا يفطر حتى يدخل عليه رمضان مسافراً وهذا قول عبيدة السلماني وأبى مجلز وسويد بن غفلة وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الفتح في رمضان فصام وأفطر انتهى
وقال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله : إذا نوى حاضر ـ أي مقيم ـ صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر على الصحيح ولا يلزمه إتمام ذلك اليوم في السفر انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يظن أن السفر المبيح للفطر هو السفر الشاق وأننا في هذه الأيام مع نعمة المواصلات برية وبحرية وجوية وسهولة الطر ق لا يجوز لنا الفطر لأنه لا توجد مشقة علينا وأنه ما دام مستطيعاً للصوم فيجب عليه أن يصوم ! وهذا خطأ؛ لأن الشارع أباح الفطر في السفر مطلقاً ولم يقيد ذلك بنوع من المركوب ولا بخشية التعب أو الجوع أو العطش فيجوز للمسافر سفر قصر أن يفطر في سفره سواء كان ماشياً أو راكباً وسواء كان ركوبه بالسيارة أو الطائرة وغيرهما وسواء تعب في سفره تعباً لا يتحمل معه الصوم أم لم يتعب وسواء اعتراه جوع أو عطش أم لم يصبه شيء من ذلك.
قال شيخ الإسلام العلامة الفهامة ابن تيمية رحمه الله :الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين سواء كان سفر حج أو جهاد أو تجارة أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله ورسوله
فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة.
ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة سواء كان قادراً على الصيام أو عاجزاً وسواء شق عليه الصوم أو لم يشق بحيث لو كان مسافراً في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر ومن قال إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وكذلك من أنكر على المفطر فإنه يستتاب من ذلك.
ومن قال إن المفطر عليه إثم فانه يستتاب من ذلك فان هذه الأحوال خلاف كتاب الله وخلاف سنة رسول الله وخلاف إجماع الأمة انتهى
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أنه لا يجوز له الفطر إلا إذا كان خارج البنيان في طريق السفر وهذا خطأ؛ لأنه يجوز له إذا نوى السفر أن يفطر وهو في المدينة فعن محمد بن كعب أنه قال أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة قال سنة ثم ركب.
وعن جعفر بن جبر قال كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداه قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال اقترب قلت ألست ترى البيوت قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعفر في حديثه فأكل.
قال الترمذي : قد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج وليس له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية وهو قول إسحاق بن إبراهيم الحنظلي انتهى
وقال إسحاق بن منصور للإمام أحمد بن حنبل : إذا خرج مسافراً متى يفطر؟
فقال الإمام أحمد : إذا برز عن البيوت .
فقال إسحاق بن راهويه : بل حين يضع رجله فله الإفطار كما فعل أنس بن مالك وسن النبي صلى الله عليه و سلم وإذا جاوز البيوت قصر انتهى
وقال ابن قيم الجوزية : كان الصحابة رضوان الله عليهم حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت ويخبرون أن ذلك من سنته وهديه صلى الله عليه و سلم وهي آثار صريحة في أن من أنشأ السفر في أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنه أن الصوم في السفر أفضل من الفطر وبعض الصائمين يظن أن الفطر في السفر أفضل من الصوم فيعيب المفطر على الصائم والصائم على المفطر وهذا خطأ فكلٌ مصيب له أجره ولم يخالف السنة
فعن حميد قال سئل أنس رضي الله عنه عن صوم رمضان في السفر فقال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تَعِب على من صام ولا على من أفطر قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر
وعن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم قالا سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصوم الصائم ويفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض.
وعن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم “صم إن شئت وأفطر إن شئت”
و الفطر أفضل من السفر خاصة لمن به ضعف والصوم أفضل لمن وجد قوة :عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه”
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال “كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن”
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يصوم في السفر والصوم عليه شاق فيتضرر منه ! وهذا لا شك أنه خطأ وفي مثل حاله يكون صومه في السفر ليس من البر إذ الفطر في السفر جائز لكنه يتأكد إذ شق عليه الصوم لشدة حر أو وعورة طريق أو بعد شقة وتتابع سير
فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ناساً مجتمعين على رجل فسأل فقالوا رجل أجهده الصوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليس من البر الصيام في السفر”
وفي لفظ جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء فقال صلى الله عليه وسلم ما بال صاحبكم هذا ؟ قالوا يا رسول الله صائم فقال صلى الله عليه وسلم “إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها “
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الحلقة الثانية والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يفطر لأقل مرض وإن كان لا يضره وبالعكس من الصائمين من يصاب بمرض يشق عليه الصيام معه ويحتاج إلى الفطر ولا يفطر فهذا لا شك أنه خطأ والصواب أن المرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه ومن كان هذا حاله فالأصل أن يأخذ بالرخصة ولا يكلف نفسه ما لا تطيقه .
قال الإمام مالك : الأمر الذي سمعت من أهل العلم أن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه ويبلغ ذلك منه فإن له أن يفطر ودين الله يسر وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر وهو أقوى على الصيام من المريض قال الله تعالى في كتابه {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر وهو أقوى على الصوم من المريض فهذا أحب ما سمعت إلي و هو الأمر المجتمع عليه انتهى
وقال الإمام الشافعي : إن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر وإن كانت زيادته محتملة لم يفطر انتهى
وقال ابن قدامة : أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة والأصل فيه قوله تعالى {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}
والمرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه.
قيل لأحمد متى يفطر المريض؟قال: إذا لم يستطع.
قيل: مثل الحمى؟قال وأي مرض أشد من الحمى .
والمرض لا ضابط له فإن الأمراض تختلف منها ما يضر صاحبه الصوم ومنها ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس وجرح في الأصبع والدمل والقرحة اليسيرة والجرب وأشباه ذلك فلم يصلح المرض ضابطاً وأمكن اعتبار الحكمة وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره فإذا ثبت هذا فإن تحمل المريض وصام مع هذا فقد فعل مكروهاً لما يتضمنه من الإضرار بنفسه وتركه تخفيف الله تعالى وقبول رخصته ويصح صومه ويجزئه؛ لأنه عزيمة تركها رخصة فإذا تحمله أجزأه كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة إذا حضرها والذي يباح له ترك القيام في الصلاة إذا قام فيها انتهى
وقال ابن مفلح : المريض إذا خاف الضرر استحب له الفطر لقوله تعالى {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} أي فأفطر ولقوله صلى الله عليه وسلم ” إن الله وضع عن المسافر الصوم “
ويشترط له أن يخاف زيادة المرض أو بطء برئه فإن لم يتضرر به لم يفطر وجزم به في الرعاية في وجع رأس وحمى ثم قال إلا أن ينضر قيل لأحمد متى يفطر المريض قال إذا لم يستطع قيل مثل الحمى قال وأي مرض أشد من الحمى فلو خاف تلفاً بصومه كره وجزم جماعة بأنه يحرم ولم يذكروا خلافاً في الإجزاء وإن صاما أجزأهما نقله الجماعة انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين المرضى شافاهم الله أنه يصوم دون استشارة الطبيب المسلم ومراجعته وهل يمكنه أن يصوم أم لا كمرضى القلب والسكر والضغط وهذا لا شك أنه خطأ فالواجب على المريض مراجعة الطبيب واستشارته لأنه بذلك يحفظ نفسه أو بدنه من التلف وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن الأخطاء التي يقع فيها من أفطر بسبب مرض أنه لا يشرب ولا يأكل ويتحرج من ذلك ظناً منه أنه وإن أفطر إلا أنه يجب عليه الإمساك بقية اليوم حرمة لنهار رمضان وهذا خطأ لأنه استباح هذا اليوم برخصة من الشرع فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حقه وعليه فلا يلزمه الإمساك.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يفطر بدعوى مشقة الصوم عليه فقط كالعامل الذي يعمل في نهار رمضان أو الطالب الذي عليه اختبار أو دراسة في نهار رمضان.
وهذا لا شك أنه خطأ إذ الواجب على المكلف الإمساك إلى غروب الشمس وأما مجرد المشقة فهي ليست عذراً شرعياً يباح معها الفطر فعليه الإمساك حتى يحس بمبادئ الحرج وشدة المشقة وعدم القدرة على مواصلة الصيام فله الفطر حينها تنزيلاً له منزلة المريض.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين عدم استغلال العشر الأواخر في الزيادة من الطاعات والنوافل والقربات فعن عائشة رضي الله عنها قالت ” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره و أحيا ليله و أيقظ أهله “
وعن عائشة رضي الله عنها قالت ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره”
وعن علي رضي الله عنه قال ” إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان”
قال النووي : في هذا الحديث أنه يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان واستحباب إحياء لياليه بالعبادات انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة فإن فيها ليلة القدر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في تلك الليالي ما لايجتهد في غيرها من الليالي انتهى
وإني بهذه المناسبة أنبه على ما نراه من خروج النساء بصفة ملحوظة إلى الأسواق وما يتبع ذلك من تبرج وسفور وتكسر في المشي وتغنج في الكلام وما فيه من اختلاط وهذا لا شك أنه خطأ لأنه يخالف ما أمر الله به المرأة في قوله {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}
قال مجاهد كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية .
وقال قتادة ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى يقول : إذا خرجتن من بيوتكن وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك.
وقال مقاتل بن حيان: التبرج أنها تلقى الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها وذلك التبرج ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج.
وإن مما يندى له الجبين خروجهن متعطرات متجملات فهذا من الزنى قال صلى الله عليه وسلم ” أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية “
قلت : الله أكبر في وسائل الإعلام في الدعايات يقولون للمرأة هذا العطر يجذب الرجال إليك ويلفت الأنظار عليك فتشتريه المرأة مغترة بذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول “استعطرت ليجدوا ريحها ” أي لكي تلفت الأنظار فهي زانية إذن فهذه الدعاية دعاية إلى الزنى.
ولا شك أن العطر والطيب يحرك الشهوة لدى الرجال ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة من حضور المسجد ومن شهود الجماعة إذا تطيبت أو تبخرت فقال صلى الله عليه وسلم ” أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة “
وقال صلى الله عليه وسلم ” أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل “
أيتها المرأة المسلمة اتقي الله في نفسك تحجبي ولا تختلطي بالرجال واشكري الله على ما آتاك من نعمة ولا تغتري واحذري من دعاة الضلالة ومن سبل الغواية فالدنيا فانية وهي دار عمل والآخرة دار جزاء بلا عمل فاحذري أن تكوني من أصحاب النار.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بازمول
الحلقة الثالثة والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأمور التي يقع فيها بعض الصائمين تركهم لصلاة التراويح وهذا تفريط منهم في أجر كبير فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة ثم يقول” من قام رمضان إيماناً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه “
وعن عمرو الجهني رضي الله عنه قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال يا رسول الله : أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وصمت الشهر وقمت رمضان وآتيت الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء”
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين في صلاة التراويح أنه لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة أو عن ثلاث عشرة ركعة وهذا خطأ؛ لأن السنة الثابتة في صلاة التراويح جاءت بإحدى عشرة ركعة فعن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟فقالت “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة”
وأما حديث أنه كان يصلي ثلاث عشر ركعة فهو بحساب ركعتي العشاء أو الفجر قال الألباني رحمه الله : في رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت “كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشرة ركعة بالليل منها ركعتا الفجر” لكن جاء في رواية أخرى عند مالك وعنه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت “كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين” قال الحافظ : ظاهره يخالف ما تقدم فيحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتحها أي صلاة الليل بركعتين خفيفتين انتهى
وكذا من الخطأ ظن بعض الصائمين أنه لا يجوز أن يصلي أقل من إحدى عشرة ركعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ” الوتر حق فمن شاء فليوتر بخمس ومن شاء فليوتر بثلاث ومن شاء فليوتر بواحدة”
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أن قراءة سورة الأعلى والكافرون والإخلاص واجبة في الثلاث ركعات الأخيرة وهذا خطأ لأن قراءتها سنة وعليه فيجوز قراءتها و يجوز تركها في بعض الأحيان.
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أنه لا بد من الدعاء والقنوت في التراويح وأنه واجب وظنهم أن الدعاء فقط بعد الركوع وهذا خطأ لأن الدعاء مستحب وليس بواجب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع وبعد الركوع فكل جائز.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يصلون التراويح فيوترون ثم يصلون التهجد فيوترون وهذا خطأ لأنه اجتمع وتران في ليلة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ” لا وتران في ليلة ” فمن صلى التراويح فلا يوتر أو يصلي ركعة لتصبح شفعاً ثم يوتر في التهجد.
ومن الأخطاء ظن بعضهم أن التهجد غير التراويح وهذا خطأ لأن التهجد هي التراويح إلا أنها أخرت إلى وقت السكون وهجدت الناس.
ومن الأمور التي تفوت على بعض الصائمين الأجر أنهم ينصرفون قبل انتهاء الإمام من الصلاة والرسول صلى الله عليه وسلم قال ” إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة”
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض أئمة التراويح أنه يطيل الصلاة بالناس وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة فإن فيهم الصغير والكبير وفيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء”
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض أئمة المساجد في صلاة التراويح أنهم يسرعون في الصلاة والقراءة والركوع والسجود وهذا خطأ قد يبطل الصلاة لأن الاطمئنان ركن من أركان الصلاة قال الشيخ ابن باز رحمه الله : المشروع للأئمة في التراويح وفي صلاة الفرائض الطمأنينة والترتيل في القراءة والخشوع في الركوع والسجود والاعتدال الكامل بعد الركوع وبين السجدتين في جميع الصلوات فرضها ونفلها والطمأنينة فرض لا بد منه ومن أَخَلَّ بها بطلت صلاته لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يصلي و لم يطمئن في صلاته فأمره أن يعيد الصلاة وأرشده إلى وجوب الطمأنينة في ركوعه وسجوده واعتداله بعد الركوع وبين السجدتين.
والمشروع للأئمة أن يرتلوا القراءة و يتخشعوا فيها حتى يستفيدوا ويستفيد المصلون خلفهم من قراءتهم وحتى يحركوا القلوب فتخشع لربها و تنيب إليه انتهى
ومن الأمور التي تخالف السنة قيام بعض الصائمين كل الليل أو قراءة القران في ليلة لأن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت “لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القران كله في ليلة وقام ليلة حتى الصباح و لا صام شهراً كاملاً غير رمضان”
ومن الأمور التي ينبغي تجنبها ما نراه من تتبع أصوات الأئمة في صلاة التراويح وغيرها لأنه يؤدي إلى أمور غير محمودة قال الشيخ الفوزان : ينبغي لجماعة لكل مسجد أن يعمروا مسجدهم بطاعة الله والصلاة فيه ولا ينبغي التنقل بين المساجد وإضاعة الوقت في التذوق لأصوات الأئمة لا سيما النساء فإن في تجوالها وذهابها بعيداً عن بيوتها مخاطرة شديدة لأنه مطلوب من المرأة أن تصلي في بيتها وإن أرادت الخروج للمسجد فإنها تخرج لأقرب مسجد تقليلاً للخطر.
وهذه الظاهرة من تجمهر الناس في بعض المساجد هي ظاهرة غير مرغوب فيها لأن فيها تعطيلاً للمساجد الأخرى وهي مدعاة للرياء وفيها تكلفات غير مشروعة ومبالغات انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين في صلاة التراويح كثرة النظر إلى النساء أو التأخر في الصف وهذا لا شك أنه خطأ قال الله عز وجل {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين}”
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : جائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصف لشأن النساء والمستأخرين فيه لذلك ثم يكون الله عز وجل عم بالمعنى المراد منه جميع الخلق فقال جل ثناؤه لهم قد علمنا ما مضى من الخلق وأحصيناهم وما كانوا يعملون ومن هو حي منكم ومن هو حادث بعدكم أيها الناس وأعمال جميعكم خيرها وشرها وأحصينا جميع ذلك ونحن نحشر جميعهم فنجازي كلاً بأعماله إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً فيكون ذلك تهديداً ووعيداً للمستأخرين في الصفوف لشأن النساء ولكل من تعدى حد الله وعمل بغير ما أذن له به ووعداً لمن تقدم في الصفوف لسبب النساء وسارع إلى محبة الله ورضوانه في أفعاله كلها وقوله وإن ربك هو يحشرهم يعني بذلك جل ثناؤه وإن ربك يا محمد هو يجمع جميع الأولين انتهى
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بازمول
الحلقة الرابعة والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يتخذون اليوم الرابع عشر والسابع والعشرين من ليالي رمضان عيدين وهذا خطأ أما اليوم الرابع عشر فلا نعلم له أصلاً من جهة تخصيصه دون بقية ليالي شهر رمضان وكذا ليلة السابع والعشرين تخصيصها بعيد لا نعلم له أصلاً وهذا من البدع لكن من اجتهد في ليلة السابع والعشرين متحرٍ ليلة القدر فلا ينكر عليه ولكن المسلم يتحرى ليلة القدر في ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان فإن لها فضلاً.
قلت : وكذلك ما يفعله بعض الناس من تخصيص بعض ليالي رمضان للاحتفال فيها كمن يحتفل بمعركة بدر فهذا من البدع ولا نعلم له أصلاً فاتخاذ موسم غير المواسم الشرعية هو من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين إمساكهم عن الكلام مطلقاً وهذا لا شك أنه لا يجوز قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الصمت عن الكلام مطلقا في الصوم أو الاعتكاف أو غيرهما فبدعة مكروهة باتفاق أهل العلم لكن هل ذلك محرم أو مكروه فيه قولان في مذهبه وغيره
وفى صحيح البخاري أن أبا بكر الصديق دخل على امرأة من أحمس فوجدها مصمتة لا تتكلم فقال لها أبو بكر” إن هذا لا يحل إن هذا من عمل الجاهلية “
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال صلى الله عليه وسلم ” من هذا” ؟ فقالوا هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال صلى الله عليه وسلم ” مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه” فأمره صلى الله عليه وسلم مع نذره للصمت أن يتكلم كما أمره مع نذره للقيام أن يجلس ومع نذره أن لا يستظل أن يستظل وإنما أمره بأن يوفى بالصوم فقط .
ومن فعلها على وجه التعبد بها والتقرب واتخاذ ذلك ديناً وطريقاً إلى الله تعالى فهو ضال جاهل مخالف لأمر الله ورسوله ومعلوم أن من يفعل ذلك من نذر اعتكافاً ونحو ذلك إنما يفعله تديناً ولا ريب أن فعله على وجه التدين حرام فإنه يعتقد ما ليس بقربة قربة ويتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه الله وهذا حرام لكن من فعل ذلك قبل بلوغ العلم إليه فقد يكون معذوراً بجهله إذا لم تقم عليه الحجة فإذا بلغه العلم فعليه التوبة
وجماع الأمر في الكلام قوله صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” فقول الخير – وهو الواجب أو المستحب – خير من السكوت عنه وما ليس بواجب ولا مستحب فالسكوت عنه خير من قوله ولهذا قال بعض السلف لصاحبه “السكوت عن الشر خير من التكلم به” فقال له الآخر “التكلم بالخير خير من السكوت عنه”
ويجب أن تحب ما أحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتبغض ما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتبيح ما أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحرم ما حرمه الله ورسوله انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً : التحقيق في الصمت أنه إذا طال حتى يتضمن ترك الكلام الواجب صار حراماً كما قال الصديق وكذا إن بعد بالصمت عن الكلام المستحب والكلام الحرام يجب الصمت عنه وفضول الكلام ينبغي الصمت عنه انتهى
وكذا من الأخطاء ظن بعضهم أنه إن أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا عذر أن عليه صيام ثلاثين يوماً بدلاً عنه ومن أفطر يومين فعليه أن يصوم ستين يوماً وهكذا يعوض عن كل يوم بصيام ثلاثين يوماً ! و هذا من البدع .
قلت : وأصل هذه البدعة حديث مكذوب موضوع لا يصح أخرجه الدارقطني في السنن ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يوماً ومن أفطر يومين كان عليه ستون ومن أفطر ثلاثاً كان عليه تسعون يوماً”
وفي لفظ ” من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر فعليه صيام شهر “
قال الدارقطني : لا يثبت هذا الإسناد ولا يصح انتهى
وقال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.
وموضوع أي مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم
قلت : ومن الأحاديث الضعيفة المكذوبة ما أخرجه الدارقطني في السنن ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات من حديث جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أفطر يوماً من شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعاً من تمر للمساكين “
قال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
وقال الذهبي : هذا حديث باطل انتهى
وقال الألباني : موضوع انتهى
قلت ومن الأحاديث الضعيفة المنكرة ما أخرجه الدارقطني في السنن من حديث أبي هريرة “أن رجلاً أكل في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً”
وهذا حديث لا يصح في إسناده راوٍ ضعيف والمتن فيه نكارة قال الحافظ في الدراية : فيه أبومعشر وهو ضعيف انتهى
ومن الأخطاء ظن بعضهم أنه إذا صام ثلاثة أيام بلياليها تكون بدلاً عن ثلاثين يوماً وهذا خطأ لم يقل به أحد من أهل العلم ولأن الليل ليس محلاً للصوم ومن فعله يعتبر مخالفاً للشرع المطهر وآتياً بما لم يشرعه الله ومفطراً في رمضان بغير عذر في بقية الأيام من رمضان ولأن الله أوجب على المكلفين أن يصوموا رمضان كله فلا بجزيء صوم بعضه.
ومن الأخطاء ظن بعضهم أن الشهر لا بد أن يكون ثلاثين يوماً وهذا خطأ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً وقد يكون ثلاثين يوماً فقال صلى الله عليه وسلم “الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين فإذا رأيتموه فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة”
وقال صلى الله عليه وسلم ” أتاني جبريل عليه السلام فقال : الشهر تسع وعشرون يوماً”
وقال ابن مسعود رضي الله عنه ” لَـمَا صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين”
فإن قيل: إذا كان تسعة وعشرين يوماً فهو ناقص في الأجر ؟
فالجواب أن أهل العلم ذكروا من معاني قوله صلى الله عليه وسلم ” شهرا عيد لا ينقصان” أنهما لا ينقصان في الأجر والثواب وإن كان رمضان تسعاً وعشرين فهو كامل في الأجر.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بازمول
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين في طوافه عند أداء العمرة أنه يرفع صوته بالدعاء والذكر وقراءة القران ومنهم من يتكلم كلاماً لا يليق بالطواف من كلام الدنيا أو كلام محرم كغيبة ونحو ذلك وقد يكونون جماعة كلهم يرفعون أصواتهم وهذا لا شك أنه من الأخطاء المنتشرة الظاهرة بين المسلمين إذ الواجب عليهم أن لا يشوشوا على إخوانهم ولا يؤذوهم وأن يدعوا بصوت يسمع نفسه لا من حوله.
فعن أبي موسى قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم “أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم ليس تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم”
وعن البياضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال صلى الله عليه وسلم “إن المصلي يناجي ربه فلينظر ماذا يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن”
وعن أبي سعيد الخدري قال : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبة فكشف الستور وقال صلى الله عليه وسلم “ألا إن كلكم يناجي ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة”
وسئل الآجري عن قوم يطوفون ويقرؤون القرآن في طوافهم ويجهرون بقراءتهم حتى يغلطوا من يليهم في الطواف ممن يدرس القرآن أو ممن يذكر الله عز وجل بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل فيتأذى بهم كثير من الطائفين بما يجهرون بقراءتهم فإذا قيل لهم لا تجهرون بقراءتكم فجوابهم لمن ينكر عليهم الجهر أن يقولوا نتلو كتاب الله عز وجل فلم تنكر علينا؟
فقال : الجواب يجب على من سمعهم يجهرون بالقراءة في الطواف أن ينكر عليهم ويعظهم ويأمرهم بأن يقرؤوا قراءة يسمعون أنفسهم ويتدبروا ما يتلون من كتاب الله.
فإن قال قائل : ما الحجة لك في نهيك إيانا عن الجهر بالقرآن في طوافنا ؟
قيل له : دخل النبي صلى الله عليه و سلم المسجد والناس يصلون في رمضان ويجهر بعضهم على بعض فقال : لا يجهر بعضكم على بعض فإن ذلك يؤذي المصلي.
فإن قال قائل : هذا في الصلاة لا يجهر بعضكم على بعض ونحن في الطواف؟
قيل له : يا غافل اعلم أن الصلاة عبادة والطواف عبادة ولا تحسن العبادة إلا بعلم وعقل.
ثم اعلم رحمنا الله و إياك أن الناس في الطواف على وجوه :
منهم من يقرأ القرآن يسمع نفسه و يتدبر ما يقرأ
ومنهم من يذكر الله عز وجل بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير يعظم الله عز وجل بقلبه ولسانه.
ومنهم من يتفكر في نعم الله الكريم عليه فيشكره عليها
ومنهم من يتفكر في ذنوب بينه وبين الله عز وجل فيستغفر الله عز وجل عن ذلك
فإذا سمعوا من يجهر بالقراءة أذاهم و يغلط عليهم ما هم فيه فنهوا عن ذلك
فينبغي لمن عبد الله عز وجل في صلاة أو طواف أو أي عمل من أعمال البر أن يتعلم كيف يعبد الله عز وجل حتى يحسن عمله ويحبه الله عز وجل ويحبه المؤمنون
ثم أقول ينبغي لمن كان في المسجد الحرام بقرب الطواف وهو يدرس أن لا يجهر بقراءته إذا كانوا يسمعونه كراهية أن يشق عليهم أو يغلطهم بل يخفي قراءته ويسمع نفسه فإن لم يفعل فقد أخطأ.
فإن تباعد عن الطواف إلى موضع إذا جهر بقراءته لم يتأذَ به أهل الطواف فلا بأس فإن كان يعلم أن بقربه قوم يصلون النوافل لم يجهر بقراءته خشية أن يغلطهم .
والذين يتحدثون في الطواف ويقبل بعضهم على بعض الإقبال الشافي حتى يشغلوا قلوب الطائفين هذا كله خطأ منهم وغفلة عظيمة .
فإن قيل : أبيح لنا الكلام في الطواف ؟
قيل له قال النبي صلى الله عليه وسلم ” الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله عز وجل أحل لكم فيه الكلام فمن نطق فلا ينطق إلا بخير “
وقيل له من الخير أن يسلم الرجل على الرجل ويسأله عن حاله وأهله أو يأمر الرجل الرجل بمعروف أو ينهاه عن المنكر أو أشباه ذلك مما يعلمه ما قد جهله في طوافه ثم هو بعد ذلك مقبل على الله عز وجل في طوافه خاشع بقلبه ذاكر بلسانه متواضع في مسألته يطلب فضل مولاه و يعتذر إليه .
ومن كان في طوافه بغير هذا النعت ساهي القلب مشغول بذكر الدنيا مقبل على من يحادثه مصغي إليه قد آثر محادثة المخلوق على ذكر الخالق إذا طاف فبغير تمييز وإن ذكر الله عز وجل فبغير تدبر قد غلب على قلبه ولسانه الخوض فيما لا يعني ساهي غافل لاهي جسمه حاضر وقلبه غائب ولعله يرضي محادثه بغيبة الناس والوقيعة في أعراضهم فمثل هذا هو إلى الخسران أقرب منه إلى الإرباح لعل البيت الحرام يضج منه إلى الله عز وجل ولعل الملائكة تتأذى به و كثير من الطائفين يتبرمون به فقد اكتسب من هذا نعته ذنوباً و جب عليه التوبة منها انتهى
قال أحمد العدوي : اعلم أن رفع الصوت في المسجد الحرام بذكر أو بتلاوة أو غير ذلك منهي عنه والجهر بالذكر والأدعية بدعة والتشويش على المصلين على الطائفين والمصلين وغيرهم حرام دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف الصالح واتفق الأئمة الأربعة و أصحابهم انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المعتمرين أنهم إذا أحرموا وطافوا كشفوا عن كتفهم الأيمن وهو المعروف بالإضطباع وهذا خطأ لأن هذا الكشف المعروف بالإضطباع مشروع فقط في طواف القدوم دون غيره من الطواف وأعمال الحج والعمرة قال الألباني : الإضطباع أن يدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على يساره ويبدي منكبه الأيمن ويغطي الأيسر وهو بدعة قبل هذا الطواف أي القدوم و بعده انتهى
ويزداد الأمر سواءً إذا صلى وهو كاشف لكتفه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ” لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء “
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المعتمرين في الطواف أنهم يرملون أي يسرعون في المشي والرمل هو المشي مع تقارب الخطى وبعضهم يجري وهذا لا شك أنه خطأ غير مشروع في طواف العمرة إنما هو مشروع في طواف القدوم في الأشواط الثلاثة الأول فقط فهو من البدع المحدثة المنتشرة بين الناس فالزم السنة ولا تغتر بفعل الجهلة و لو كثروا.
وأسوق لكم الآن ما ذكره أهل العلم من البدع التي يقع فيها بعض الطائفين بالبيت فمن بدع الطواف : صلاة المحرم إذا دخل المسجد الحرام تحية المسجد وإنما تحيته الطواف ثم الصلاة خلف المقام كما فعل صلى الله عليه وسلم.
ومن البدع: قوله نويت بطوافي كذا و كذا
ومن البدع رفع اليدين عند استلام الحجر كما يرفع للصلاة وإنما المشروع استلامه بيد واحدة والإشارة بيد واحدة إن لم يمكن استلامه
ومن البدع المزاحمة على تقبيل الحجر الأسود ومسابقة الإمام بالتسليم في الصلاة لتقبيله
ومن البدع قول الطائف عند استلام الحجر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك
ومن البدع وضع اليمنى على اليسرى حال الطواف
ومن البدع القول قبالة باب الكعبة اللهم إن البيت بيتك والحرم حرمك والأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار مشيراً إلى مقام إبراهيم عليه السلام
ومن البدع قولهم اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور
ومن البدع تقبيل الركن اليماني
ومن البدع تقبيل الركنين الشاميين والمقام و استلامهما
ومن البدع ما يفعله بعضهم من كشف سرته ووضعها على مسمار في وسط البيت ويتبطح بها على ذلك الموضع حتى يكون واضعاً سرته على سرة الدنيا.
ومن البدع التزام قراءة القران في الطواف
ومن البدع ربط الخرق بالمقام أو المنبر أو في ستارة الكعبة لقضاء الحاجات
ومن البدع التزامهم بذلك الكتاب الذي يقرؤونه في الأشواط السبعة و في السعي.
ومن البدع : دعاؤهم في الطواف بأدعية متكلفة ملحونة محرفة غير مأثورة برفع أصواتهم
ومن البدع : طواف النساء مختلطين بالرجال خصوصاً أيام الموسم فتقع الزحمة بينهم ويكثر رفع الصوت
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بازمول