فوائد
من مقال الإمام ربيع بن هادي عمير المدخلي
** عماد فراج الغالي في تكفير أهل السنة
إنما هو ثمرة من ثمار فتنة الحدادية وتأصيلاتهم الباطلة **
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد :
فالحدادية التكفيرية من أسوأ أهل البدع مسلكاً وأسلطهم لساناً وأقبحهم حالاً فقد شابهوا الخوارج في تكفيرهم لأهل السنة وجرأتهم عليهم، وشابهوا الروافض في كذبهم وفجورهم وطعنهم في أئمة السنة والدين وإفكهم وبهتانهم على عباد الله الموحدين .
وها هو عماد فراج المصري التكفيري الظلوم الجهول أحد ثمار الحدادية النتنة السامة يضرب لنا مثلاً لهذا المسلك المشين ! بل ما خفي كان أعظم فإن ما أظهر لا يمثل كل ما أبطن كما هي عادة أهل البدع في الوقت الذي لا يستطيعون فيه إظهار كل ما يبطنونه فالله حسيبهم .
وقد رد عليه شيخنا الإمام حامل راية الجرح والتعديل بحق ربيع بن هادي عمير المدخلي بمقاله الذي سماه بــ (( عماد فراج الغالي في تكفير أهل السنة إنما هو ثمرة من ثمار فتنة الحدادية وتأصيلاتهم الباطلة )) فأبطل باطله وبين ضلاله وانحرافه الخطير عن المنهج السلفي وأنه غال في التكفير نسأل الله السلامة .
وفي مقال شيخنا الإمام ربيع المدخلي – حفظه الله تعالى – قواعد وضوابط وفوائد كثيرة – وكل مقالاته كذلك – !
فأحببت اقتناص هذه الفوائد وتقريبها لإخواني السلفيين في مشارق الأرض ومغاربها، وبعض هذه الفوائد مستنبطة من كلامه حفظه الله تعالى .
وإليك جملة من هذه القواعد والضوابط والفوائد :
1- أن أهل البدع وتأصيلاتهم الباطلة لها ثمار باطلة منحرفة على الحق وأهله.
2- وثمارهم هذه دليل على بطلان ما هم فيه وضلال ما يسيرون عليه .
3- عماد فراج غال في تكفير أهل السنة السلفيين .
4- عماد فراج ثمرة فتنة الحدادية وتأصيلاتهم الباطلة .
5- أن الإمام ابن تيمية سيف مسلول على البدع وأهلها.
6- لا يبدع ابن تيمية إلا ضال حقود على السنة وأهلها ومنهم عماد فراج .
7- أن أهل السنة السلفيين لم يدعوا في أحد من العلماء أنه نبي .
8- أن أهل الباطل يفترون على أهل الحق بالكذب ليوهموا العامة أنهم على باطل.
9- لا تزال الطائفة المنصورة ظاهرة بالحق وأهلها مشهورون بنصرة الحق ورد الباطل .
10- لا يضر الطائفة المنصورة من خالفهم أو خذلهم .
11- لا يستطيع أهل البدع ومنهم عماد فراج أن يخبروا من هي الطائفة المنصورة التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بها .
12- يعتقد أهل السنة أن شيخ الإسلام ابن تيمية – الذي يكفره الحدادية ومنهم الظالم الجهول الكذاب عماد فراج المصري التكفيري – ومن سار على نهجه إلى يومنا هذا هم الطائفة المنصورة الذين ينطبق عليهم الحديث، وأنه لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة.
13- ويعتقدون أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو حامل لواء التوحيد والسنة، وحامل لواء الحرب على الشركيات والبدع والضلالات، وعلى أهلها .
14- وحجة السلفيين في ثنائهم على ابن تيمية هي : جهاده العظيم طول حياته، ومؤلفاته الكثيرة والعظيمة في ميادين التوحيد والسنة تشهد له بذلك أعظم الشهادات، وأهل السنة والتوحيد يشهدون له بذلك، وهم شهداء الله في أرضه.
15- عماد فراج الجهول الكذوب يكفِّر ابن تيمية ويكفِّر من يسير على نهجه الصحيح، فجمع بين منهجي الروافض والخوارج في حرب أهل التوحيد والسنة .
16- عماد فراج الحدادي من أفجر من يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.
17- عماد فراج يوهم القراء أن موقف ابن تيمية من ابن مخلوف ليس صواباً ..
18- ابن تيمية يطعن في ابن مخلوف حيث قال : ذَاكَ رَجُلٌ كَذَّابٌ فَاجِرٌ قَلِيلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ”. وقال مرة :”ابْنُ مَخْلُوفٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَلَا التَّقْوَى فِيهِ “.
19- عماد فراج لا يبعد أن يكون أجهل وأكذب من ابن مخلوف، وأبعد عن التقوى منه.
20- يزعم عماد فراج الجهول الظلوم أن القول بأن أحمد لم يُكفِّر الجهمية قول ابتدعه ابن تيمية. وهذا زعم باطل ومن أعظم الكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية .
21- لم ينقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد إنه لا يُكفِّر الجهمية بهذا الإطلاق، وإنما ينقل عنه أنه يُفرِّق بين علماء الجهمية فإنه يكفرهم، وبين جهالهم فلا يكفرهم.
22- العلماء يعتقدون أن القول بخلق القرآن كفر. والإمام أحمد يعتقد أن هذا القول كفر، وموقفه الصارم منه مشهور، لكنه مع ذلك لا يرى أن الخليفة الواثق كافر وكذا أمثاله ممن يعذرهم الإمام أحمد لجهلهم، ويرى أن هذا الخليفة مسلم لا يجوز خلعه، ولا الخروج عليه، ويرى أن المجتمع الذي فشا فيه القول بخلق القرآن مجتمع مسلم لا يجوز سفك دمائهم لجهلهم.
23- ويرى الإمام أحمد الصبر على هذا البلاء والاقتصار على إنكاره بالقلوب حتى يأتي الفرج من الله، فسمع هؤلاء العلماء نصيحة الإمام أحمد وتقبّلوها، وحقق الله أمل الإمام أحمد وآمالهم بموت الواثق ومجيء الخليفة المتوكل الذي نصر الله به الحق والسنة، وكبح به جماح الجهمية الضلال، وأطفأ الله فتنتهم، وأعلى راية السنة.
24- موقف الإمام أحمد هذا فيه براهين واضحة على أمانة وصدق شيخ الإسلام فيما ينقله عن الإمام أحمد من أنه يعذر من دان بالتجهم من الجهال، ويحكم بإسلامهم.
25- وموقف الإمام أحمد فيه إدانة للحدادية، -ومنهم عماد فراج- بمروقهم عن منهج السلف أهل السنة والجماعة، لا سيما وهم يكفرون من يعذر بالجهل، فحكمهم هذا يدخل فيه السلف الصالح دخولاً أولياً، فليعتبر أولوا الأبصار بما في هذا الأصل من الدمار.
26- وقد تتابع العلماء ومنهم عبد الله بن أحمد والسجزي وابن قدامة وابن رجب على نقل موقف الإمام أحمد من قبل ابن تيمية ومن بعده مما يدل على شدة فرية عماد فراج الظالم الكذوب الجهول على شيخ الإسلام .
27- موقف الإمام أحمد ممن لم يكفرهم قائم على العذر بالجهل.
28- مسألة العذر بالجهل مبنية على الأدلة من الكتاب والسنة والآثار السلفية.
29- الحدادية يبدعون بل ويكفرون من يعذر بالجهل !
30- وعلى قول الحدادية فأئمة الإسلام ومنهم الإمام أحمد والإمام الشافعي وغيرهم عندهم كفار؛ لأنهم يعذرون بالجهل.
31- ومن أدلة شيخ الإسلام على العذر بالجهل الحديث الصحيح في الرجل الذي شكَّ في قدرة الله على إحيائه.
32- قال ابن تيمية -رحمه الله- في “مجموع الفتاوى” (3/231) : (فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لا يُعَادُ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلاً لا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ. وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا).
33- قال إمام الجرح والتعديل : انظر إلى قول شيخ الإسلام !!
فهذا الرجل ارتكب كفراً واضحاً بإجماع المسلمين، لكن الله عذره لجهله، فغفر له ما ارتكبه من كفر من أجل هذا الجهل. وهذا النص وما جرى مجراه لا يُسلِّم بها عماد الحدادي التكفيري وكذا الحدادية التكفيريون، ويحاربون من يؤمن بها ويُسلِّم بمقتضاها في أهل الجهل من ضُلال المسلمين، الذين يشهدون (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ويؤمنون بالرسل والكتب والجنة والنار…الخ. ولكن يقعون بجهلهم في بعض الكفريات تقليداً لعلماء الضلال الذين يقررون ذلك الكفر أو الشرك، ويحرفون له النصوص القرآنية والنبوية، ويأخذون بالأقوال الكفرية والأحاديث المكذوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تزيين الضلال. فعلماء السوء والضلال الذين يقررون الكفر أو الشرك كفار، لا يشك في كفرهم. وكذا لا يشك في كفر غير الجهال. وأما المخدوعون بهم من الجهلاء إذا وقعوا في شرك أو كفر فإنه يبين لهم بالأدلة والبراهين أن هذا القول أو العمل شرك، وهذا كفر، فإن تابوا منه فالحمد لله، وإن أصروا على هذا الكفر أو ذاك الشرك فحينئذ يحكم بكفرهم؛ لأنهم قامت عليهم الحجة الشرعية.
34- السلفيون يقولون بالعذر بالجهل لدلالة الكتاب والسنة وآثار سلف الأمة وما سار عليه العلماء.
فمن أدلة القرآن :
35- قول الله تعالى : {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
ووجه الدلالة : أن الله لحكمته وعدله إنما يبعث الرسل لإقامة الحجة على الناس.
36- وقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}.
ووجه الدلالة : أن الله ما حكم عليهم بالردة إلا لأنهم أطاعوا الكفار من بعد ما تبين لهم الهدى.
37- وقول تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
ووجه الدلالة : أن الله رتب على عمل المشاق للرسول الخلود في النار؛ لأنه وقع منه المشاقة للرسول واتباع غير سبيل المؤمنين بعد ما تبين له الهدى، والمفهوم من الآية أن هذا الذم وهذا الوعيد لا يتناولان الجاهل الذي لم يتبين له الهدى، وأن مخالفته لا تعتبر مشاقة للرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وعليه : فهذه النصوص من القرآن فيها دلالة أنه لا يكفر إلا من عرف الحق فعانده واختار الكفر، وفيها دلالة واضحة على أن الله يعذر بالجهل.
ومن أدلة السنة :
38- الْحَدِيث الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ: (إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت. قَالَ خَشْيَتُك: فَغَفَرَ لَهُ).
وهو في غاية الوضوح في إعذار الجاهل ! قال ابن الوزير في (إيثار الحق على الخلق) (ص393-395) عند كلامه في العفو عن الخطأ: (ومن أوضحها حجة حديث الذي أوصى لإسرافه أن يحرق ثم يذري في يوم شديد الرياح نصفه في البر ونصفه في البحر حتي لا يقدر الله عليه ثم يعذبه ثم أدركته الرحمة لخوفه، وهو حديث متفق على صحته عن جماعة من الصحابة منهم حذيفة وأبو سعيد وأبو هريرة بل رواته منهم قد بلغوا عدد التواتر كما في جامع الاصول ومجمع الزوائد وفي حديث حذيفة أنه كان نباشا وإنما أدركته الرحمة لجهله وإيمانه بالله والمعاد لذلك خاف العقاب، وأما جهله بقدرة الله تعالى على ما ظنه محالا فلا يكون كفرا إلا لو علم أن الأنبياء جاؤوا بذلك وأنه ممكن مقدور ثم كذبهم أو أحدا منهم لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وهذا أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل )
39- وحديث الأسود بن سريع وأبي هريرة، رواهما الإمام أحمد في “مسنده” (4/24). قال -رحمه الله-: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ هَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا).
ووجه الاستدلال : أن هؤلاء الأصناف الأربعة يعتذرون إلى الله يوم القيامة بجهلهم بالإسلام، فيمتحنهم في الآخرة بدخول النار، فمن جد في دخولها فدخلها كانت عليه برداً وسلاما، ومن لم يدخلها فقد عصى الله، فيسحب إليها.
وفي لفظ حديث أنس: (فيقول الرب تعالى: قد عاندتموني وعصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية).
قال هذا القول لمن عصاه فلم يدخل النار.
ومن آثار السلف :
40- ومن مواقف الصحابة في هذا الباب ما رواه الطحاوي عنهم في كتابه “شرح معاني الآثار” (3/45-46 رقم 4798): قال -رحمه الله-: (حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يومئذ يزيد بن أبي سفيان وقالوا: هي حلال وتأولوا: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا…) الآية، فكتب فيهم إلى عمر، فكتب عمر أن ابعث بهم إلي قبل أن يفسدوا من قبلك، فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين نرى أنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله فاضرب أعناقهم، وعلي ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أرى أن تستتيبهم، فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم فإنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين).
ووجه الاستدلال : أن هؤلاء القوم استحلوا شرب الخمر متأولين للآية المذكورة، فلم يبادر عمر والصحابة -رضي الله عنهم- إلى تكفيرهم بهذا الاستحلال، بل تأنوا ورأوا استتابتهم، فإن تابوا أقاموا عليهم الحد ثمانين ثمانين، وإن أصروا على استحلال الخمر قُتلوا مرتدين؛ لأنهم قامت عليهم الحجة.
ومن أقوال أئمة السنة في العذر بالجهل:
41- قول الإمام الشافعي -رحمه الله- : ( لله أسماء وصفات لا يسع أحدًا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر فنُثبت هذه الصفات ونَنفي عنها التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: {ليس كمثله شيء}).
وقال الإمام البغوي -رحمه الله- في “شرح السنة” (1/228) : (وأجاز الشافعي شهادة أهل البدع، والصلاة خلفهم مع الكراهية على الإطلاق، فهذا القول منه دليل على أنه إن أطلق على بعضهم اسم الكفر في موضع أراد به كفراً دون كفر، كما قال الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}).
42- مواقف الإمام أحمد من المعتصم وغيره ممن ظلمه في المحنة بخلق القرآن وعدم تكفيره لهم وإعذاره لجهلهم.
43- وقال الإمام البخاري -رحمه الله- في “خلق أفعال العباد” (ص526) : (نَظَرْتُ فِي كَلامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْتُ قوماً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ، وَإِنِّي لأَسْتَجْهِلُ مَنْ لا يُكَفِّرُهُمْ إِلا مَنْ لا يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ).
ووجهه : أن الإمام البخاري مع شدته في تكفير الجهمية لم يبدع من لم يكفر الجهمية من أهل العلم، وإنما استجهلهم واستثنى من لا يعرف كفرهم، فلم يطعن فيهم، ولم يبدعهم، بل عذرهم بسبب جهلهم.
وقال -رحمه الله- في (ص627): (وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ -عز وجل- بِكَلامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ, فَإِنَّهُ يُعَلَّم، وَيُرَدُّ جَهْلُهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمَنْ أَبَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ كَانَ مُعَانِدًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}، وَلِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}).
ووجهه : أن الإمام البخاري -رحمه الله- يعذر بالجهل وأنه لا يُكفر الجاهل إلا بعد أن يُعلَّم بنصوص الكتاب والسنة وأنه إن أبى وعاند وأصرَّ على هذا الاعتقاد الكفري فحينئذ يُكفر لأنه أُقيمت عليه الحجة، ولقد ساق الآيتين الكريمتين لبيان أنهما تضمنتا الإعذار بالجهل، وهذا التقرير العلمي الصحيح من هذا الإمام لا يقبله هذا الجهول المتهور ولا إخوانه الحدادية الجهلاء.
44- جاء في اعتقاد أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم وأبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازيين وجماعة من السلف ممن نقل عنهم -رحمهم الله- : …. ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة، ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر، ومن شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكاً فيه يقول: لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي، ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع ولم يكفر. ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي).
انظر إلى تفريق هؤلاء الأئمة بين العالم وبين الجاهل، فكفّروا من يعلم ومن لم يُكفره ممن يفهم، ثم قالوا: (ومن وقف في القرآن جاهلا عُلِّم وبُدِّع ولم يُكفَّر).
فما رأي عماد فراج والحدادية في هؤلاء الأئمة الذين يعذرون بالجهل فلم يُكفِّروا من يجهل أن القرآن كلام الله غير مخلوق؟!
45- وقال الإمام الحافظ قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد في كتابه “الحجة في بيان المحجة” (2/511): (ومن تعمد خلاف أصل من هذه الأصول وكان جاهلاً لم يقصد إليه من طريق العناد فإنه لا يكفر، لأنه لم يقصد اختيار الكفر ولا رضي به وقد بلغ جهده فلم يقع له غير ذلك، وقد أعلم الله سبحانه أنه لا يؤاخذ إلا بعد البيان، ولا يعاقب إلا بعد الإنذار فقال تعالى: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم} فكل من هداه الله عز وجل ودخل في عقد الإسلام فإنه لا يخرج إلى الكفر إلا بعد البيان).
أ- مراده بالأصول الكتاب والسنة والإجماع التي يقطع بها العذر. وقد ذكر قبل هذا النص تكفير من تعمّد مخالفة واحد منها.
ب- فانظر إلى هذا الإمام كيف يعذر بالجهل، مستدلاً بالآية الكريمة وأن المسلم لا يخرج من الإسلام إلا بعد البيان، يريد إقامة الحجة عليه.
وقال الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في كتابه “المغني” (12/276-277): (فصل: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر لما ذكرنا في تارك الصلاة، وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك، وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم وفعلهم لذلك متقربين به إلى الله تعالى) .
وعلي -رضي الله عنه- لم يُكفِّر الخوارج مع أنهم خرجوا عليه، وكفروه وغيره من الصحابة وغيرهم. قال ابن الوزير في (إيثار الحق على الخلق) (ص393-395) عند كلامه في العفو عن الخطأ: ( قد يشهد لهم بذلك كلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو الصادق المصدوق في المشهور عنه حيث سئل عن كفر الخوارج فقال: من الكفر فروا، فكذلك جميع أهل التأويل من أهل الملة وإن وقعوا في أفحش البدع والجهل فقد علم منهم أن حالهم في ذلك هي حال الخوارج).
1- انظر إلى قوله: (وقد يشهد لهم بذلك كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه وهو الصادق المصدوق…) إلى قوله: (هي حال الخوارج).
46- قال ابن الوزير في (إيثار الحق على الخلق) (ص393-395) عند كلامه في العفو عن الخطأ: (الوجه الثالث: أنها قد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ والظاهر أن أهل التأويل أخطاؤوا ولا سبيل إلى العلم بتعمدهم لأنه من علم الباطن الذي لا يعلمه إلا الله تعالى قال الله تعالى في خطاب أهل الاسلام خاصة: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} وقال تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وصح في تفسيرها أن الله تعالى قال: قد فعلت في حديثين صحيحين، أحدهما عن ابن عباس والآخر عن أبي هريرة وقال تعالى: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فقيد ذمهم بعلمهم وقال في قتل المؤمن مع التغليط العظيم فيه: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} فقيد الوعيد فيه بالتعمد وقال في الصيد {ومن قتله منكم متعمدا} وجاءت الأحاديث الكثيرة بهذا المعنى كحديث سعد وأبي ذر وأبي بكرة متفق على صحتها فيمن ادعى أبا غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فشرط العلم في الوعيد …)
2- تأمل قول ابن الوزير: (الوجه الثالث أنها قد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ…)الخ، واستدلاله مرة أخرى بالآيتين، والأحاديث بعدهما.
3- وانظر إلى قوله: (فشرط العلم في الوعيد)، يشير إلى العذر بالجهل.
عود على بدء :
47- الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومواقف الصحابة ولاسيما الخليفة الراشد علي رضي الله عنه في عدم تكفير الخوارج الذين كفروه وكفروا الكثير من الصحابة والتابعين في عصره.
وكذا مواقف علماء الأمة وأئمتهم في العذر بالجهل والخطأ في التأويل.
كل هذا وذاك في واد وعماد وغلاة الحدَّادية في واد.
فتراهم يكفرون أهل السنة؛ لأنهم يعذرون بالجهل.
ألا يرى القارئ المنصف أن هذا الأصل الحدادي (تكفير من يعذر بالجهل) ينطبق على الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام وقد ينطبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو عمدة الصحابة فمن بعدهم.
فهؤلاء الغلاة شر من الخوارج لأنهم يزيدون عليهم بالكذب والحقد الشديد على أهل السنة والحق.((اللهم إنا نبرأ إليك من هذا المنهج الباطل وأهله أهل الفتن والشغب على أهل السنة.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد :
فالحدادية التكفيرية من أسوأ أهل البدع مسلكاً وأسلطهم لساناً وأقبحهم حالاً فقد شابهوا الخوارج في تكفيرهم لأهل السنة وجرأتهم عليهم، وشابهوا الروافض في كذبهم وفجورهم وطعنهم في أئمة السنة والدين وإفكهم وبهتانهم على عباد الله الموحدين .
وها هو عماد فراج المصري التكفيري الظلوم الجهول أحد ثمار الحدادية النتنة السامة يضرب لنا مثلاً لهذا المسلك المشين ! بل ما خفي كان أعظم فإن ما أظهر لا يمثل كل ما أبطن كما هي عادة أهل البدع في الوقت الذي لا يستطيعون فيه إظهار كل ما يبطنونه فالله حسيبهم .
وقد رد عليه شيخنا الإمام حامل راية الجرح والتعديل بحق ربيع بن هادي عمير المدخلي بمقاله الذي سماه بــ (( عماد فراج الغالي في تكفير أهل السنة إنما هو ثمرة من ثمار فتنة الحدادية وتأصيلاتهم الباطلة )) فأبطل باطله وبين ضلاله وانحرافه الخطير عن المنهج السلفي وأنه غال في التكفير نسأل الله السلامة .
وفي مقال شيخنا الإمام ربيع المدخلي – حفظه الله تعالى – قواعد وضوابط وفوائد كثيرة – وكل مقالاته كذلك – !
فأحببت اقتناص هذه الفوائد وتقريبها لإخواني السلفيين في مشارق الأرض ومغاربها، وبعض هذه الفوائد مستنبطة من كلامه حفظه الله تعالى .
وإليك جملة من هذه القواعد والضوابط والفوائد :
1- أن أهل البدع وتأصيلاتهم الباطلة لها ثمار باطلة منحرفة على الحق وأهله.
2- وثمارهم هذه دليل على بطلان ما هم فيه وضلال ما يسيرون عليه .
3- عماد فراج غال في تكفير أهل السنة السلفيين .
4- عماد فراج ثمرة فتنة الحدادية وتأصيلاتهم الباطلة .
5- أن الإمام ابن تيمية سيف مسلول على البدع وأهلها.
6- لا يبدع ابن تيمية إلا ضال حقود على السنة وأهلها ومنهم عماد فراج .
7- أن أهل السنة السلفيين لم يدعوا في أحد من العلماء أنه نبي .
8- أن أهل الباطل يفترون على أهل الحق بالكذب ليوهموا العامة أنهم على باطل.
9- لا تزال الطائفة المنصورة ظاهرة بالحق وأهلها مشهورون بنصرة الحق ورد الباطل .
10- لا يضر الطائفة المنصورة من خالفهم أو خذلهم .
11- لا يستطيع أهل البدع ومنهم عماد فراج أن يخبروا من هي الطائفة المنصورة التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بها .
12- يعتقد أهل السنة أن شيخ الإسلام ابن تيمية – الذي يكفره الحدادية ومنهم الظالم الجهول الكذاب عماد فراج المصري التكفيري – ومن سار على نهجه إلى يومنا هذا هم الطائفة المنصورة الذين ينطبق عليهم الحديث، وأنه لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة.
13- ويعتقدون أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو حامل لواء التوحيد والسنة، وحامل لواء الحرب على الشركيات والبدع والضلالات، وعلى أهلها .
14- وحجة السلفيين في ثنائهم على ابن تيمية هي : جهاده العظيم طول حياته، ومؤلفاته الكثيرة والعظيمة في ميادين التوحيد والسنة تشهد له بذلك أعظم الشهادات، وأهل السنة والتوحيد يشهدون له بذلك، وهم شهداء الله في أرضه.
15- عماد فراج الجهول الكذوب يكفِّر ابن تيمية ويكفِّر من يسير على نهجه الصحيح، فجمع بين منهجي الروافض والخوارج في حرب أهل التوحيد والسنة .
16- عماد فراج الحدادي من أفجر من يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.
17- عماد فراج يوهم القراء أن موقف ابن تيمية من ابن مخلوف ليس صواباً ..
18- ابن تيمية يطعن في ابن مخلوف حيث قال : ذَاكَ رَجُلٌ كَذَّابٌ فَاجِرٌ قَلِيلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ”. وقال مرة :”ابْنُ مَخْلُوفٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَلَا التَّقْوَى فِيهِ “.
19- عماد فراج لا يبعد أن يكون أجهل وأكذب من ابن مخلوف، وأبعد عن التقوى منه.
20- يزعم عماد فراج الجهول الظلوم أن القول بأن أحمد لم يُكفِّر الجهمية قول ابتدعه ابن تيمية. وهذا زعم باطل ومن أعظم الكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية .
21- لم ينقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد إنه لا يُكفِّر الجهمية بهذا الإطلاق، وإنما ينقل عنه أنه يُفرِّق بين علماء الجهمية فإنه يكفرهم، وبين جهالهم فلا يكفرهم.
22- العلماء يعتقدون أن القول بخلق القرآن كفر. والإمام أحمد يعتقد أن هذا القول كفر، وموقفه الصارم منه مشهور، لكنه مع ذلك لا يرى أن الخليفة الواثق كافر وكذا أمثاله ممن يعذرهم الإمام أحمد لجهلهم، ويرى أن هذا الخليفة مسلم لا يجوز خلعه، ولا الخروج عليه، ويرى أن المجتمع الذي فشا فيه القول بخلق القرآن مجتمع مسلم لا يجوز سفك دمائهم لجهلهم.
23- ويرى الإمام أحمد الصبر على هذا البلاء والاقتصار على إنكاره بالقلوب حتى يأتي الفرج من الله، فسمع هؤلاء العلماء نصيحة الإمام أحمد وتقبّلوها، وحقق الله أمل الإمام أحمد وآمالهم بموت الواثق ومجيء الخليفة المتوكل الذي نصر الله به الحق والسنة، وكبح به جماح الجهمية الضلال، وأطفأ الله فتنتهم، وأعلى راية السنة.
24- موقف الإمام أحمد هذا فيه براهين واضحة على أمانة وصدق شيخ الإسلام فيما ينقله عن الإمام أحمد من أنه يعذر من دان بالتجهم من الجهال، ويحكم بإسلامهم.
25- وموقف الإمام أحمد فيه إدانة للحدادية، -ومنهم عماد فراج- بمروقهم عن منهج السلف أهل السنة والجماعة، لا سيما وهم يكفرون من يعذر بالجهل، فحكمهم هذا يدخل فيه السلف الصالح دخولاً أولياً، فليعتبر أولوا الأبصار بما في هذا الأصل من الدمار.
26- وقد تتابع العلماء ومنهم عبد الله بن أحمد والسجزي وابن قدامة وابن رجب على نقل موقف الإمام أحمد من قبل ابن تيمية ومن بعده مما يدل على شدة فرية عماد فراج الظالم الكذوب الجهول على شيخ الإسلام .
27- موقف الإمام أحمد ممن لم يكفرهم قائم على العذر بالجهل.
28- مسألة العذر بالجهل مبنية على الأدلة من الكتاب والسنة والآثار السلفية.
29- الحدادية يبدعون بل ويكفرون من يعذر بالجهل !
30- وعلى قول الحدادية فأئمة الإسلام ومنهم الإمام أحمد والإمام الشافعي وغيرهم عندهم كفار؛ لأنهم يعذرون بالجهل.
31- ومن أدلة شيخ الإسلام على العذر بالجهل الحديث الصحيح في الرجل الذي شكَّ في قدرة الله على إحيائه.
32- قال ابن تيمية -رحمه الله- في “مجموع الفتاوى” (3/231) : (فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لا يُعَادُ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلاً لا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ. وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا).
33- قال إمام الجرح والتعديل : انظر إلى قول شيخ الإسلام !!
فهذا الرجل ارتكب كفراً واضحاً بإجماع المسلمين، لكن الله عذره لجهله، فغفر له ما ارتكبه من كفر من أجل هذا الجهل. وهذا النص وما جرى مجراه لا يُسلِّم بها عماد الحدادي التكفيري وكذا الحدادية التكفيريون، ويحاربون من يؤمن بها ويُسلِّم بمقتضاها في أهل الجهل من ضُلال المسلمين، الذين يشهدون (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ويؤمنون بالرسل والكتب والجنة والنار…الخ. ولكن يقعون بجهلهم في بعض الكفريات تقليداً لعلماء الضلال الذين يقررون ذلك الكفر أو الشرك، ويحرفون له النصوص القرآنية والنبوية، ويأخذون بالأقوال الكفرية والأحاديث المكذوبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تزيين الضلال. فعلماء السوء والضلال الذين يقررون الكفر أو الشرك كفار، لا يشك في كفرهم. وكذا لا يشك في كفر غير الجهال. وأما المخدوعون بهم من الجهلاء إذا وقعوا في شرك أو كفر فإنه يبين لهم بالأدلة والبراهين أن هذا القول أو العمل شرك، وهذا كفر، فإن تابوا منه فالحمد لله، وإن أصروا على هذا الكفر أو ذاك الشرك فحينئذ يحكم بكفرهم؛ لأنهم قامت عليهم الحجة الشرعية.
34- السلفيون يقولون بالعذر بالجهل لدلالة الكتاب والسنة وآثار سلف الأمة وما سار عليه العلماء.
فمن أدلة القرآن :
35- قول الله تعالى : {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
ووجه الدلالة : أن الله لحكمته وعدله إنما يبعث الرسل لإقامة الحجة على الناس.
36- وقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}.
ووجه الدلالة : أن الله ما حكم عليهم بالردة إلا لأنهم أطاعوا الكفار من بعد ما تبين لهم الهدى.
37- وقول تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
ووجه الدلالة : أن الله رتب على عمل المشاق للرسول الخلود في النار؛ لأنه وقع منه المشاقة للرسول واتباع غير سبيل المؤمنين بعد ما تبين له الهدى، والمفهوم من الآية أن هذا الذم وهذا الوعيد لا يتناولان الجاهل الذي لم يتبين له الهدى، وأن مخالفته لا تعتبر مشاقة للرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وعليه : فهذه النصوص من القرآن فيها دلالة أنه لا يكفر إلا من عرف الحق فعانده واختار الكفر، وفيها دلالة واضحة على أن الله يعذر بالجهل.
ومن أدلة السنة :
38- الْحَدِيث الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ: (إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت. قَالَ خَشْيَتُك: فَغَفَرَ لَهُ).
وهو في غاية الوضوح في إعذار الجاهل ! قال ابن الوزير في (إيثار الحق على الخلق) (ص393-395) عند كلامه في العفو عن الخطأ: (ومن أوضحها حجة حديث الذي أوصى لإسرافه أن يحرق ثم يذري في يوم شديد الرياح نصفه في البر ونصفه في البحر حتي لا يقدر الله عليه ثم يعذبه ثم أدركته الرحمة لخوفه، وهو حديث متفق على صحته عن جماعة من الصحابة منهم حذيفة وأبو سعيد وأبو هريرة بل رواته منهم قد بلغوا عدد التواتر كما في جامع الاصول ومجمع الزوائد وفي حديث حذيفة أنه كان نباشا وإنما أدركته الرحمة لجهله وإيمانه بالله والمعاد لذلك خاف العقاب، وأما جهله بقدرة الله تعالى على ما ظنه محالا فلا يكون كفرا إلا لو علم أن الأنبياء جاؤوا بذلك وأنه ممكن مقدور ثم كذبهم أو أحدا منهم لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وهذا أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل )
39- وحديث الأسود بن سريع وأبي هريرة، رواهما الإمام أحمد في “مسنده” (4/24). قال -رحمه الله-: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ هَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا).
ووجه الاستدلال : أن هؤلاء الأصناف الأربعة يعتذرون إلى الله يوم القيامة بجهلهم بالإسلام، فيمتحنهم في الآخرة بدخول النار، فمن جد في دخولها فدخلها كانت عليه برداً وسلاما، ومن لم يدخلها فقد عصى الله، فيسحب إليها.
وفي لفظ حديث أنس: (فيقول الرب تعالى: قد عاندتموني وعصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية).
قال هذا القول لمن عصاه فلم يدخل النار.
ومن آثار السلف :
40- ومن مواقف الصحابة في هذا الباب ما رواه الطحاوي عنهم في كتابه “شرح معاني الآثار” (3/45-46 رقم 4798): قال -رحمه الله-: (حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يومئذ يزيد بن أبي سفيان وقالوا: هي حلال وتأولوا: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا…) الآية، فكتب فيهم إلى عمر، فكتب عمر أن ابعث بهم إلي قبل أن يفسدوا من قبلك، فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين نرى أنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله فاضرب أعناقهم، وعلي ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أرى أن تستتيبهم، فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم فإنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين).
ووجه الاستدلال : أن هؤلاء القوم استحلوا شرب الخمر متأولين للآية المذكورة، فلم يبادر عمر والصحابة -رضي الله عنهم- إلى تكفيرهم بهذا الاستحلال، بل تأنوا ورأوا استتابتهم، فإن تابوا أقاموا عليهم الحد ثمانين ثمانين، وإن أصروا على استحلال الخمر قُتلوا مرتدين؛ لأنهم قامت عليهم الحجة.
ومن أقوال أئمة السنة في العذر بالجهل:
41- قول الإمام الشافعي -رحمه الله- : ( لله أسماء وصفات لا يسع أحدًا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر فنُثبت هذه الصفات ونَنفي عنها التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: {ليس كمثله شيء}).
وقال الإمام البغوي -رحمه الله- في “شرح السنة” (1/228) : (وأجاز الشافعي شهادة أهل البدع، والصلاة خلفهم مع الكراهية على الإطلاق، فهذا القول منه دليل على أنه إن أطلق على بعضهم اسم الكفر في موضع أراد به كفراً دون كفر، كما قال الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}).
42- مواقف الإمام أحمد من المعتصم وغيره ممن ظلمه في المحنة بخلق القرآن وعدم تكفيره لهم وإعذاره لجهلهم.
43- وقال الإمام البخاري -رحمه الله- في “خلق أفعال العباد” (ص526) : (نَظَرْتُ فِي كَلامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْتُ قوماً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ، وَإِنِّي لأَسْتَجْهِلُ مَنْ لا يُكَفِّرُهُمْ إِلا مَنْ لا يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ).
ووجهه : أن الإمام البخاري مع شدته في تكفير الجهمية لم يبدع من لم يكفر الجهمية من أهل العلم، وإنما استجهلهم واستثنى من لا يعرف كفرهم، فلم يطعن فيهم، ولم يبدعهم، بل عذرهم بسبب جهلهم.
وقال -رحمه الله- في (ص627): (وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ -عز وجل- بِكَلامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ, فَإِنَّهُ يُعَلَّم، وَيُرَدُّ جَهْلُهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمَنْ أَبَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ كَانَ مُعَانِدًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}، وَلِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}).
ووجهه : أن الإمام البخاري -رحمه الله- يعذر بالجهل وأنه لا يُكفر الجاهل إلا بعد أن يُعلَّم بنصوص الكتاب والسنة وأنه إن أبى وعاند وأصرَّ على هذا الاعتقاد الكفري فحينئذ يُكفر لأنه أُقيمت عليه الحجة، ولقد ساق الآيتين الكريمتين لبيان أنهما تضمنتا الإعذار بالجهل، وهذا التقرير العلمي الصحيح من هذا الإمام لا يقبله هذا الجهول المتهور ولا إخوانه الحدادية الجهلاء.
44- جاء في اعتقاد أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم وأبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازيين وجماعة من السلف ممن نقل عنهم -رحمهم الله- : …. ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة، ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر، ومن شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكاً فيه يقول: لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي، ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع ولم يكفر. ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي).
انظر إلى تفريق هؤلاء الأئمة بين العالم وبين الجاهل، فكفّروا من يعلم ومن لم يُكفره ممن يفهم، ثم قالوا: (ومن وقف في القرآن جاهلا عُلِّم وبُدِّع ولم يُكفَّر).
فما رأي عماد فراج والحدادية في هؤلاء الأئمة الذين يعذرون بالجهل فلم يُكفِّروا من يجهل أن القرآن كلام الله غير مخلوق؟!
45- وقال الإمام الحافظ قوام السنة أبو القاسم إسماعيل بن محمد في كتابه “الحجة في بيان المحجة” (2/511): (ومن تعمد خلاف أصل من هذه الأصول وكان جاهلاً لم يقصد إليه من طريق العناد فإنه لا يكفر، لأنه لم يقصد اختيار الكفر ولا رضي به وقد بلغ جهده فلم يقع له غير ذلك، وقد أعلم الله سبحانه أنه لا يؤاخذ إلا بعد البيان، ولا يعاقب إلا بعد الإنذار فقال تعالى: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم} فكل من هداه الله عز وجل ودخل في عقد الإسلام فإنه لا يخرج إلى الكفر إلا بعد البيان).
أ- مراده بالأصول الكتاب والسنة والإجماع التي يقطع بها العذر. وقد ذكر قبل هذا النص تكفير من تعمّد مخالفة واحد منها.
ب- فانظر إلى هذا الإمام كيف يعذر بالجهل، مستدلاً بالآية الكريمة وأن المسلم لا يخرج من الإسلام إلا بعد البيان، يريد إقامة الحجة عليه.
وقال الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في كتابه “المغني” (12/276-277): (فصل: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر لما ذكرنا في تارك الصلاة، وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك، وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم وفعلهم لذلك متقربين به إلى الله تعالى) .
وعلي -رضي الله عنه- لم يُكفِّر الخوارج مع أنهم خرجوا عليه، وكفروه وغيره من الصحابة وغيرهم. قال ابن الوزير في (إيثار الحق على الخلق) (ص393-395) عند كلامه في العفو عن الخطأ: ( قد يشهد لهم بذلك كلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو الصادق المصدوق في المشهور عنه حيث سئل عن كفر الخوارج فقال: من الكفر فروا، فكذلك جميع أهل التأويل من أهل الملة وإن وقعوا في أفحش البدع والجهل فقد علم منهم أن حالهم في ذلك هي حال الخوارج).
1- انظر إلى قوله: (وقد يشهد لهم بذلك كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه وهو الصادق المصدوق…) إلى قوله: (هي حال الخوارج).
46- قال ابن الوزير في (إيثار الحق على الخلق) (ص393-395) عند كلامه في العفو عن الخطأ: (الوجه الثالث: أنها قد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ والظاهر أن أهل التأويل أخطاؤوا ولا سبيل إلى العلم بتعمدهم لأنه من علم الباطن الذي لا يعلمه إلا الله تعالى قال الله تعالى في خطاب أهل الاسلام خاصة: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} وقال تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وصح في تفسيرها أن الله تعالى قال: قد فعلت في حديثين صحيحين، أحدهما عن ابن عباس والآخر عن أبي هريرة وقال تعالى: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فقيد ذمهم بعلمهم وقال في قتل المؤمن مع التغليط العظيم فيه: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} فقيد الوعيد فيه بالتعمد وقال في الصيد {ومن قتله منكم متعمدا} وجاءت الأحاديث الكثيرة بهذا المعنى كحديث سعد وأبي ذر وأبي بكرة متفق على صحتها فيمن ادعى أبا غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فشرط العلم في الوعيد …)
2- تأمل قول ابن الوزير: (الوجه الثالث أنها قد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ…)الخ، واستدلاله مرة أخرى بالآيتين، والأحاديث بعدهما.
3- وانظر إلى قوله: (فشرط العلم في الوعيد)، يشير إلى العذر بالجهل.
عود على بدء :
47- الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومواقف الصحابة ولاسيما الخليفة الراشد علي رضي الله عنه في عدم تكفير الخوارج الذين كفروه وكفروا الكثير من الصحابة والتابعين في عصره.
وكذا مواقف علماء الأمة وأئمتهم في العذر بالجهل والخطأ في التأويل.
كل هذا وذاك في واد وعماد وغلاة الحدَّادية في واد.
فتراهم يكفرون أهل السنة؛ لأنهم يعذرون بالجهل.
ألا يرى القارئ المنصف أن هذا الأصل الحدادي (تكفير من يعذر بالجهل) ينطبق على الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام وقد ينطبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو عمدة الصحابة فمن بعدهم.
فهؤلاء الغلاة شر من الخوارج لأنهم يزيدون عليهم بالكذب والحقد الشديد على أهل السنة والحق.((اللهم إنا نبرأ إليك من هذا المنهج الباطل وأهله أهل الفتن والشغب على أهل السنة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم))
لخصها
أخوكم المحب
أبو عمر
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الجمعــ 2 ــ رمضان ــــ 1436هـ ــــة
الســ 49 : 8 ــــاعـــ مساءً ــــــة