بسم الله الرّحمن الرّحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فقد وقفت على شر مستطير، ومزلق عن الحق خطير، وقع فيه من يدَّعي السلفية والتمسك بالسنة النبوية، وأنه داعٍ لتحصيل المصالح وتطويح القبائح، ذلك المدعو بعلي بن حسن الحلبي الأثري.
حيث سئل عمن يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالغثاء، فلم يستنكر، ويؤلف المؤلفات في ردها ! بل أقره !؟ وزاد – الحلبي الطين بله – باستدلاله على جواز الوصف بكلام النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قاله إلا أن الحلبي تورع عن أمر أقر بأنه وقع من النبي صلى الله عليه وسلم فوقع في عجيب التناقض، وفي دنيء التباغض، فلا للصحابة نصر، ولا للرافضة قهر، بل خاب بموافقة الباطل وخسر.
وغثاء السيل :” مَا يَحْمِلهُ السَّيْل مِنْ زَبَد وَوَسَخ”(1).
وحتى لا أطيل عليك أخي القارئ، أوقفك أولاً على نص كلامه الواقع في مكالمة هاتفية قد تمَّ تفريغها بواسطة أحد طلاب العلم، ثم مراجعتها على نفس التسجيل.
وثانياً : أسوق التعقيب والإبطال لكلام الحلبي .
أولاً: تفريغ المكالمة المُسجّلة بصوت عليٍّ الحلبيّ
الّتي يقول فيها الحلبي أنّ لفظة غثاء بالنّسبة
للصّحابة ليست سبًّا ( !!! ) ؛
يقول : لأنّ النّبيّ قال لهم : (( أنتم غثاء )) !!!
(( الحلبيّ : نعم !
السّائل : السّلام عليكم .
الحلبيّ : و عليكم السّلام و رحمة الله و بركاته .
السّائل : الشّيخ عليّ ؟
الحلبيّ : تفضّل !
السّائل : يعطيك العافية – شيخنا ! – .
الحلبيّ : حيّاك الله !
السّائل : كيف الحال – يا شيخ ! – ؟
الحلبيّ : الحمد لله .
السّائل : تقبّل الله منّا و منكم !
الحلبيّ : نحن و إيّاك !
السّائل : كيف الحال – يا شيخ ! – ؟
الحلبيّ : بارك الله فيك !
السّائل : شيخنا ! أنا من سكّان ( المفرق ) ؛ من
( بلديّة الباسليّة ) .
الحلبيّ : و نِعِم !
السّائل : الله يبارك فيك – يا شيخ ! – !
فيه شابّ نسمع ( عنّو ) في ( إربد ) ( إسمو ) معاذ الشّمّريّ .
الحلبيّ : أيوه ؟!
السّائل : يتكلّم في كلام ، يعني ، يكون غريب قليلاً .
يعني : ما ما استوعبناه قليلاً .
يقول : ( أنّو ) الشّيخ سليم يقول عن الصّحابة أنّهم غثاء في كتاب ” الجماعات الإسلاميّة ” .
فهل كَلِـــ
الحلبيّ – مقاطعًا – : هذا رجل ، هذا رجلٌ أحمق ؛ فإيّاكم و إيّاه؛ باختصارٍ شديد(2).
السّائل : صحيح .
الحلبيّ : هذا الشّيخ سليم موجود ، روح اسألو ؛ بشرح لك ، وبفرجيك الصّحّ ، وبيبيّن لك إيّاه ، وإذا فيه غلط بستغفر منه؛ مثلو مثل أيّ واحد ثاني .
أمّا هذا معاذ رجل ٌ أحمق ؛ إيّاك و إيّاه ؛ باختصارٍ شديد ؛ لا تُتعب نفسك معه .
السّائل : صحيح ؛ شيخنا ! صحيح ؛ بس إحنا – أنا – حابّ أسأل عن شغْلة ؛ يعني : اشتبكت عالشّباب عِنَّا بـ ( المفرق ) .
الحلبيّ : أنا أجبتك ، أجبتك .
الشّيخ سليم موجود ، و اسألو . . . ؛ لا تشغل راسك بهذا
الإنسان الأحمق في الموضوع ؛ باختصارٍ شديد(3).
السّائل : أنا فاهم – شيخنا ! – ؛ بس فيه سؤال بسيط ؛ إنّو كلمة ( غُثاء ) تُعتبر سبّ أم لا ؟!
الحلبيّ : لا ؛ ما تعتبر سبّ ( كذا ) .
هذه . . . خطأٌ لفظيّ . . .
و أمّا السّبّ ؛ فهو الشّتم و التّحقير ( !!! ) .
السّائل : إيش معناها ؛ يعني : إيش معنى كلمة ( غُثاءٍ !!! ) ؟!
الحلبيّ : ألا ترى أنّ النّبيّ – عليه الصّلاةُ و السّلامُ – قال : (( أنتم غُثاء ؛ و لكن كغُثاء السّيل ))(4)؟!
السّائل : طيّب ( ! ) ؛ و الدّليل – يا شيخنا – ؟!
الحلبيّ : هل سمعت الحديث ؟!
السّائل : إيه ؛ سمعناه !
الحلبيّ : هذا هو .
لكن هذا لا نستعملُه نحنُ.
هذا لا نستعملُه ؛ لأنّو ( كذا ) جنابُ الصّحابةِ عظيم(5).
لكن؛ لو ورد على لسان واحدٍ – متأوّلاً – ؛ فلا نقول له :
أنت تسبّ الصّحابة !!!
هذه – يعني – معزوفةٌ باردةٌ، ووافدة، و بعيدةٌ عن الحقّ والصّواب.
السّائل : شكرًا – يا شيخ ! – .
الحلبيّ : السّلام عليكم .
السّائل : شُكرًا ))
انتهى بحروفه ؛ و موضع النّقاط كلماتٌ قليلةٌ غير مفهومة .
ثانياً: التعقيب والإبطال لكلام الحلبي واستدلاله
موقف علي الحلبي ممن يطلق كلمة غثاء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحلبي يَرى أنَّ كلمةّ غُثاء التي أطلقها بعضُ النَّاسِ على أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ليستْ سبَّاً !!! ويدافع عمن يطلقها عليهم ويطعن فيمن يعتبرها سَبَّاً. ويستدل على رأيه بحديث ثَوْبَانَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ : “يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا” فقال قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قال :” بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ” فقال قَائِلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ ،وما الْوَهْنُ ؟ قال :”حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”(6).
والغثاء :” مَا يَحْمِلهُ السَّيْل مِنْ زَبَد وَوَسَخ شَبَّهَهُمْ بِهِ لِقِلَّةِ شَجَاعَتهمْ وَدَنَاءَة قَدْرهمْ”(7).
الجواب على استدلال الحلبي من وجوه:
أولاً – من دلالة هذا الحديث نفسه :
1- وقوع تداعي الأمم على المسلمين الذي دل عليه هذا الحديث إنما وقع في الأزمنة المتأخرة لا في عهد الصحابة، حاشاهم.
ولا في عهد الدولة الأموية ولا في عهد الدولة العباسية.
بل عهد الصحابة كان عهد فتوحات منها:
القضاء على فتنة الردة ثم فتوحات الشام ومصر وإفريقيا والعراق إلى أجزاء من خراسان.
والعهد الأموي كان من أعظم عهود عزة الإسلام، وكان من عهود الفتوحات الواسعة العظيمة حيث وصلت جنود الإسلام شرقاً إلى الصين وغرباً إلى الأندلس بل إلى حدود فرنسا.
ويدل على ذلك ما رواه جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :” أَلا إِنَّ الإِسْلامَ لا يَزَالُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً”، قال جابر: ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا ، فَقُلْتُ لأَبِي : مَا قَالَ ؟ قَالَ : كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ “(8)
وفي العهد العباسي الأول كانت السيادة للمسلمين.
فهذه العهود كلها لم يكن فيها هذا التداعي على المسلمين، ولم يكن فيها الغثائية التي يدل عليها الحديث.
وبدايتها: بسقوط الأندلس، ثم بعد سقوط الدولة العثمانية حيث ظهر هذا التداعي بشكل واضح والذي تداعت فيه أمم الكفر على الشعوب الإسلامية وبلدانهم حيث استولت بريطانيا على مصر والسودان وغيرها، وتقاسمت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام، وأسقطت الدولة الإسلامية في القارة الهندية، واستولت هولندا على إندونيسيا، واستولت فرنسا على العديد من دول إفريقيا.
2- من قول القائل من الصحابة: “وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟”.
3- ومن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- :” بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ”؛ إذ المراد بـ”يومئذٍ” في هذين القولين: الزمن الذي تحصل فيه الغثائية؛ بسبب تفرق هذه الأمة إلى فرق كثيرة غالبها يقوم على التجهم والرفض والتصوف الغالي وغير ذلك من الأمور التي أدت بهذه الأمة إلى الغثائية.
4- ومن قوله صلى الله عليه وسلم :” وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ”، وهذا الوصف إنما حصل فيمن بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- ومن قوله صلى الله عليه وسلم :”وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ”، وهذا الوصف إنما حصل لآخر هذه الأمة، أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان الرعب كفيل بقلوب أعدائهم؛ تحقيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :”نصرت بالرعب مسيرة شهر”(9).
6- ومن قوله صلى الله عليه وسلم في بيان الْوَهْنِ :”حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”، وهذا الداء إنما حصل لآخر هذه الأمة؛ فهل يرى الحلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد بهذه الصفات الذميمة أصحابه الكرام الذين زكاهم الله، وزكاهم رسوله صلى الله عليه وسلم! أولئك الصحابة الكرام الذين بذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله والذين ما كان ولا يكون مثلهم، والذين فتحوا الدنيا بسيوفهم، والقلوب بكتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وحكمتهم.
والمصيبة: أن الحلبي يرى فواقره وفواقر أنصاره كلها أخطاء لفظية وهذا منهج يسير عليه.
ثانياً – هذا الحديث من نوع حديث: ” لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتى لو دَخَلُوا في جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ”. قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ؟ قال :” فَمَنْ”(10)
فالمراد بهذا الحديث – قطعاً – غير الصحابة ممن وقع في متابعة اليهود والنصارى من فرق الضلال.
ثالثاً – هذا الحديث من نوع حديث: ” إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حتى تَرْجِعُوا إلى دِينِكُمْ “(11).
رابعاً – يمنع حمل هذا الحديث على الصحابة؛ بل والتابعين وتابعيهم قول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- :” إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ”. قال عِمْرَانُ :فلا أَدْرِي أَقَالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثَةً، :”ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ ولا يتمنون وَيَنْذِرُونَ ولا يُوفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ”(12)
كما أن آخر هذه الأمة هم المرادون في حديث ثوبان في تداعي الأمم الذي نـزله علي الحلبي على الصحابة الكرام أفضل البشر بعد الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام- الذين بذلوا مهجهم وأموالهم في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله، فأعزّ الله بهم الإسلام وأظهره بهم على الأديان كلها، فسادوا العالم.
الصحابة الكرام الذين تحقق لهم ما وعدهم الله به من الاستخلاف في الأرض، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }
(13).
ولقد زكى الله أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم- في كتابه العزيز في آيات كثيرة، منها قول الله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
(14)….الآية.
وقد رضي الله عنهم وعمّن اتبعهم بإحسان، قال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(15).
وزكاهم رسول الله على وجه الخصوص لكثير من أفرادهم وعلى وجه العموم -رضي الله عنهم -، وزكاهم أهل السنة وعلماؤهم في كل زمان ومكان، وألّفوا في فضائلهم ومزاياهم المؤلفات؛ بل فرق الأمة تجلهم وتثني عليهم إلا الروافض والخوارج.
خامساً – ومما يدفع باطل الحلبي ما رواه الْحَسَنُ أَنَّ عَائِذَ بن عَمْرٍو – وكان من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – : دخل على عُبَيْدِ اللَّهِ بن زِيَادٍ فقال: أَيْ بُنَيَّ إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول :” إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ منهم”. فقال له : اجْلِسْ فَإِنَّمَا أنت من نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فقال : وَهَلْ كانت لهم نُخَالَةٌ إنما كانت النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وفي غَيْرِهِمْ”(16).
قال النووي – رحمه الله – وهذا من جزل الكلام وفصيحه وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم، فإن الصحابة – رضي الله عنه – صفوة الناس وسادات الأمة وأفضل ممن بعدهم وفيمن بعدهم كانت النخالة”(17).
ومعلوم أن النخالة هي نخالة الدقيق، رفض هذا الصحابي النبيل ويرفض المسلمون أن يشبه أحد من الصحابة بهذه النخالة، فكيف يرضى الله ثم المسلمون تشبيه الصحابة كلهم بالغثاء وهو ما يحتمله السيل من الزبد والوسخ وغيره.
سادساً : ومما يدفع باطل الحلبي ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بقوله :” صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُلْنَا: لو جَلَسْنَا حتى نصلى معه الْعِشَاءَ قال فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فقال ما زِلْتُمْ ها هنا قُلْنَا : يا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حتى نصلى مَعَكَ الْعِشَاءَ قال :” أَحْسَنْتُمْ أو أَصَبْتُمْ” قال :”فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ” -وكان كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ – فقال :” النُّجُومُ آمنة لِلسَّمَاءِ فإذا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أتى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ وأنا آمنة لِأَصْحَابِي فإذا ذَهَبْتُ أتى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي آمنة لِأُمَّتِي فإذا ذَهَبَ أَصْحَابِي أتى أُمَّتِي ما يُوعَدُونَ”(18).
سابعاً : ومما يدفع باطل الحلبي ما رواه أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :” يَأْتِي على الناس زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ من الناس فَيُقَالُ لهم فِيكُمْ من رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ نعم فَيُفْتَحُ لهم ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ من الناس فَيُقَالُ لهم فِيكُمْ من رَأَى من صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ نعم فَيُفْتَحُ لهم ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ من الناس فَيُقَالُ لهم هل فِيكُمْ من رَأَى من صَحِبَ من صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ نعم فَيُفْتَحُ لهم”(19).
والملاحظ أن الحلبي عمم هذا التشبيه في جميع الصحابة، فيدخل فيهم أبو بكر وعمر وبقية الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرون بالجنة والبدريون والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وهذه من بلايا هذا الحلبي الكثيرة.
مع أن أئمة السلف الصالح قد نصوا على أن رتبة الصحابي يدخل فيها :” كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحب، وكانت سابقته معه، وسمع منه ونظر إليه نظرة.
فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال.
كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير “(20)فأين دعاواه العريضة للسلفية وأين تعظيمه للصحابة؟
وإذا كانت هذه نظرته إلى الصحابة الكرام فكيف تكون نظرته إلى غيرهم من أتباعهم؟ وهذا منه محاماة عن أبي الحسن المصري ومتابعة له، فلم تدفعه سلفيته المزعومة إلى الذب عن الصحابة الكرام والمحاماة عنهم ولا إلى المحاماة عن المنهج السلفي وأهله، وإنما دفعته إلى نصرة أبي الحسن وأباطيله، وإن الطيور على أشكالها تقع.
بل جاء الحلبي بأسوأ مما جاء به أبو الحسن المأربي حيث ذهب يستدل لباطله وسفسطته ومخالفته للكتاب والسنة بحديث ثوبان الذي ساء فهمه له وحمله على ما لم يقصده رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ولا فهمه الصحابة ولا غيرهم من أصناف علماء الأمة من محدِّثين وفقهاء وغيرهم .
ومن المدهش أن الحلبي يصف استنكار أهل السنة لإطلاق هذا اللفظ القذر على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه معزوفة باردة ووافدة وبعيدة عن الحق والصواب فيا له من أدب ويا له من إنصاف لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يذب عنهم .
محبكم
أحمد بن عمر بازمول
الحواشي : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عون المعبود (11/273).
(2) ما هذا الجرح الشديد غير السديد في معاذ الشمري بينما تصف أهل البدع والطاعنين في السنة أيها الحلبي كمحمد حسان والمغراوي والمأربي بدعاة السنة والسلفية، وتدعي أنك تخاف الله فيهم، فأين خوف الله في معاذ الشمري الداعي إلى منهج السلف والناصر له.
ولينظر القراء الكرام : إلى أدب الحلبي الجم، وإلى جمال ألفاظه.
وتأمل أخي القارئ كيف أن الحلبي غضب من معاذ الشمري؛ لأن معاذ الشمري يفضح حال الحلبي ويكشف أوراقه. لكن لم يغضب الحلبي لإطلاق كلمة الغثاء في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) ما أدري لمَ الغضب أيها الحلبي. ولمَ هذه الأوصاف السوقية، مع دعاة السلفية.
(4) ليلاحظ القارئ الكريم أن الحلبي فرَّ من الجواب عن معنى كلمة (غثاء) حتى لا يتناقض في قوله بأن الغثاء ليست سباً ولا شتماً.
(5)ما هذا التناقض: هل نحن أشد أدباً من النبي صلى الله عليه وسلم
أم أنه التلاعب بدين الله عز وجل والتدليس والتلبيس والضحك على عقول الضعفاء والذين يظنون الثقة بأمثالك ممن لا يراقب الله عز وجل في ألفاظه.
(6) أخرجه أحمد في المسند (5/278) وأبو داود في السنن كتاب الملاحم باب في تَدَاعِى الأُمَمِ عَلَى الإِسْلاَمِ (4/111رقم4297) ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة باب إخباره بتداعي الأمم على من شاء الله من أمته إذا ضعفت نيتهم (6/534) وأخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات (21رقم5) وابن أبي عاصم في الزهد (132رقم268، 269) والطبراني في مسند الشاميين (1/344رقم600) من طرق عن ثوبان .
والحديث صححه لغيره ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة (2/647رقم958).
(7) عون المعبود (11/273).
(8) أخرجه البخاري في الصحيح (6/2640رقم6796) ومسلم في الصحيح (3/1452رقم1821) والطيالسي في المسند (180رقم1278) واللفظ له والطبراني في المعجم الكبير (2/232رقم1964).
(9) أخرجه البخاري في الصحيح (1/168رقم427) ومسلم في الصحيح (1/370رقم521) من حديث جَابِر بن عبد اللَّهِ.
(10) أخرجه البخاري في الصحيح (3/1274رقم3269) ومسلم في الصحيح (4/2054رقم2669) من حديث أبي سعيد الخدري.
(11)أخرجه أبو داود في السنن (3/274رقم3462) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (5/316) وأخرجه ابن جرير في تهذيب الاثار (1/108رقم180) والطبراني في المعجم الكبير (12/432رقم13583) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
والحديث صححه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة (1/1/42رقم11).
(12) أخرجه البخاري في الصحيح (2/938رقم2508) ومسلم في الصحيح (4/1964رقم2535) من حديث عمران بن الحصين.
(13) (النور: 55).
(14) (آل عمران:110).
(15) (التوبة100).
(16) أخرجه أحمد في المسند (5/64) ومسلم في الصحيح (3/1461رقم1830).
(17) المنهاج (12/216).
(18) أخرجه مسلم في الصحيح (4/1961رقم2531) وبوب له النووي “بَاب بَيَانِ أَنَّ بَقَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم أَمَانٌ لِأَصْحَابِهِ وَبَقَاءَ أَصْحَابِهِ أَمَانٌ لِلْأُمَّةِ”.
(19) أخرجه البخاري في الصحيح (3/1061رقم2740) ومسلم في الصحيح (4/1962رقم2532) وبوب له النووي :” بَاب فَضْلِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
(20) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة
(1/180، 188) لأبي القاسم هبة الله اللالكائي.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فجواب من أراد الحق واضح من قولي في المقال :” والملاحظ أنالحلبي عمم هذا التشبيه في جميع الصحابة، فيدخل فيهم أبو بكر وعمر وبقية الخلفاءالراشدين والعشرة المبشرون بالجنة والبدريون والسابقون الأولون من المهاجرينوالأنصار، وهذه من بلايا هذا الحلبي الكثيرة”. انتهى
ولاحظ أخي القارئ:
أني تعاملت مع ظاهر كلام الحلبي الذي نطق به.
ولاحظ أيضاً : أن الظاهر أن السائل عامي أو طالب علم مبتدئ .
فما ينفع معه مثل هذا الجواب :
فالسّائل يقول: إيش معناها ؛ يعني : إيش معنى كلمة ( غُثاءٍ !!! ) ؟!
فقال له الحلبيّ : ألا ترى أنّ النّبيّ – عليه الصّلاةُ و السّلامُ – قال : (( أنتم غُثاء ؛ و لكن كغُثاء السّيل )) ؟!
فقال السّائل : طيّب ( ! ) ؛و الدّليل – يا شيخنا – ؟!
الحلبيّ : هل سمعت الحديث ؟!
السّائل : إيه ؛ سمعناه !
الحلبيّ : هذا هو.
لكن هذا لا نستعملُه نحنُ.
هذا لا نستعملُه ؛ لأنّو ( كذا ) جنابُ الصّحابةِ عظيم” انتهى
إذن الحلبي يقول: إن هذه الكلمة مجرد خطأ لفظي في حق الصحابة؛ وليست سباً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها في الصحابة !!
لكن لا يجوز إطلاقها في الصحابة؛ لأن الصحابة لهم جناب عظيم!!
فيقال للحلبي : هل أنت ونحن أشد غيرة على الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم
ما هذا التناقض أيها الحلبي :
تدعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلقها في الصحابة (أنتم يؤمئذٍ غثاء)
ثم تزعم أننا لا نستعملها حفظاً لجناب الصحابي وأنها خطأ لفظي لا تتضمن معنى السب والشتم للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
ولذلك قلت للحلبي في الحاشية رقم (5) (( ما هذا التناقض: هل نحن أشد أدباً من النبي صلى الله عليه وسلم
أم أنه التلاعب بدين الله عز وجل والتدليس والتلبيس والضحك على عقول الضعفاء والذين يظنون الثقة بأمثالك ممن لا يراقب الله عز وجل في ألفاظه)).انتهى
وسيتبع بيان ما يتعلق ببعض ما أثاره الحلبيون في تعليقهم على المقال هنا إن شاء الله تعالى
محبكم
أحمد بازمول