من شبه أهل الجهل والضلال ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
 
 
أما بعد
 
 
فكثيراً ما يستدل الجهال من التبلغيين الأحباب وغيرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
 
” بلغوا عني ولو آية”.
 
أخرجه البخاري في الصحيح (3/1275رقم3274) ؛
 
لغرض أن الكلام في دين الله ودعوة الناس للجميع.
 
ووجه استدلالهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر جميع الأمة أن يقوموا بتبليغ الناس الدين، ولو بقراءة آية عليهم.
 
 
وهذه كلمة حق أريد بها باطل، وذلك لما يلي:
 
 
– الأول: فرق بين تبليغ الحق من آية أو حديث أو علم سمعه من أهل العلم، وبين التكلم في دين الله بلا علم، كما هو حال كثير من الجهال وأهل الأهواء الضلال،
 
 
قال الشيخ صالح الفوزان :
 
” الجهل داء وبيل والعياذ بالله، وهذه آفة كثيراً من الدعاة اليوم، الذين يدعون إلى الله على جهل؛ يتساهلون في أمور التوحيد؟ !”.
 
 
– الثاني: أن العبرة في الدعوة أن يدعو إلى الله على بصيرة،
 
 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
 
“لا بد أن يكون عند الإنسان بصيرة بما يدعو إليه، وليس بلازم أن يكون بحراً في العلم، نفرض أنه صار عنده علم في مسألة الصلاة فجعل يدعو الناس إلى إتقان الصلاة وإحسانها وأدائها على حسب ما جاء في السنة، لا بأس أن يدعو إلى الله تعالى بهذا العلم، أما أن نقول: كن عالماً بحراً وإلا فلا تدعو الناس! فهذا خطأ؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :” بلغوا عني ولو آية”.
 
 
– الثالث: لا مانع أن يبلغ المسلم ما تعلمه ويعلمه من الخير، لكن لا يعني هذا أن يجعل نفسه مفتياً وعالماً يفيد الناس إلا إن كان أهلاً لذلك،
 
 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
 
” الإنسان مأمور أن يبلغ ما علمه من شريعة الله، ولو كان قليلاً، ولكن يجب أن يحذر من أن يجعل نفسه مفتياً كبيراً؛ لأن بعض الناس إذا تكلم بموعظة ثم قام الحاضرون يسألونه صار يفتي بما هو صواب ما هو خطأ، وتقول له نفسه: إنك إذا قلت: لا أدري؛ نزلت مرتبتك عند الناس، وهذا والله خطأ، إن الإنسان إذا قال فيما لا يدري عنه: أنا لا أدري، فإن منزلته عند الناس ترتفع، كما أن منزلته عند الله ترتفع”.
 
 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
 
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
الحمد لله نحمده، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
 
 
أما بعد :
 
 
فقد كتبت موضوعاً بعنوان (من شبه أهل الجهل والضلال)
 
 
وطلب مني الكاتب أحمد الحاج مسعود أن أبين له كيف نرد على جماعة التبليغ الذين يستدلون على خروجهم وتركهم أولادَهم ونساءهم بقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما تبرع بكل ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا تركت لهم ؟ فقال رضي الله عنه : تركت لهم الله ورسوله “.
 
 
فجواباً عليه أقول:
 
 
تخريج الحديث : أخرج أبو داود في السنن (2/129رقم1678) والترمذي في السنن (5/614رقم3675) والبزار في المسند (1/394رقم270) وابن أبي عاصم في السنة (2/579رقم1240) والحاكم في المستدرك (1/574) واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (7/1280رقم2429)
 
 
من طرق عن الْفَضْلُ بن دُكَيْنٍ ثنا هِشَامُ بن سَعْدٍ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ عن أبيه قال سمعت عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه يقول أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذلك مَالًا عِنْدِي فقلت الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إن سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي
 
 
فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :” ما أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ”
 
 
قلت: مثله
 
 
قال: وَأَتَى أبو بَكْرٍ رضي الله عنه بِكُلِّ ما عِنْدَهُ
 
 
فقال له رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :”ما أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ “.
 
 
قال أَبْقَيْتُ لهم اللَّهَ وَرَسُولَهُ
 
 
قلت: لَا أُسَابِقُكَ إلى شَيْءٍ أَبَدًا”.
 
 
والحديث حسنه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود (رقم1678).
 
 
ووجه الاستدلال :
 
 
أن أبا بكر خرج من جميع ماله وترك أهله وعياله بلا مال ولا نفقة توكلاً على الله، فهم كذلك يجوز لهم أن يخرجوا في سبيل الله ويتركوا عيالهم وأهاليهم بلا نفقة وبلا رعاية توكلاً على الله.
 
 
وهذه شبهة باطلة من وجوه:
 
 
الأول: أن عمر رضي الله عنه لم يستطع أن يبلغ لدرجة أبي بكر رضي الله عنه، وقال كما في الرواية قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً، وعمر: عمر، فهل يستطيع هؤلاء الجهلة والمرتزقة من التبلغيين أن يصلوا لدرجة أبي بكر، التي عجز عنها الرجل المحدث الذي يهرب منه الشيطان، فضلاً أن يقاربوها.
 
 
قال ملا علي قاري : شارحاً قول عمر : (قلت) : أي في باطني واعتقدت (لا أسبقه إلى شيء) أي من الفضائل (أبداً) ؛ لأنه إذا لم يقدر على مغالبته حين كثرة ماله وقلة مال أبي بكر ففي غير هذا الحال أولى أن لا يسبقه اهـ .
 
 
الثاني: أن الحديث وارد في مسألة الصدقة والنفقة في سبيل الله بجميع المال، لا في الخروج للدعوة وتضييع الأهل والأولاد وجعلهم يتكففون الناس. ولذلك بوب عليه أهل العلم كالدارمي في السنن بقوله بَاب الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ ما عِنْدَهُ .
 
 
الثالث: أن أبا بكر لم يترك أولاده وأهله يتكففون الناس، بل قام على حاجتهم، ولم يقصر فيما يحتاجونه، وأخذ بالأسباب متوكلاً على الله،
 
 
بخلاف هؤلاء التبلغيين الذين يخرجون ويتركون أولادهم وأهاليهم ويضيعونهم زماناً طويلاً يتجاوز الشهر إلى عدة أشهر، دون أخذٍ للأسباب، فهذا يسميه أهل العلم تواكل لا توكل،
 
 
قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: إنك أن تدع أهلك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس.
 
 
الرابع: أن المسلم لو أراد أن يخرج من جميع ماله وينفقه في سبيل الله، ويكون في ذلك تضييع لحقوق الآخرين لم يجز له فعل ذلك ، قال البخاري في الصحيح: بَاب لَا صَدَقَةَ إلا عن ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ تَصَدَّقَ وهو مُحْتَاجٌ أو أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أو عليه دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى من الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وهو رَدٌّ عليه ليس له أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ الناس إلا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ على نَفْسِهِ وَلَوْ كان بِهِ خَصَاصَةٌ كَفِعْلِ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه حين تَصَدَّقَ بِمَالِهِ.
 
 
قال الحافظ : كأنه أراد تفسير الحديث المذكور بأن شرط المتصدق أن لا يكون محتاجاً لنفسه أو لمن تلزمه نفقته ويلتحق بالتصدق سائر التبرعات اهـ .
 
 
وقال ابن قدامة : من عليه دين لا يجوز أن يتصدق صدقة تمنع قضاءها؛ لأنه واجب فلم يجز تركه ولا يجوز تقديمها على نفقة العيال؛ لأنها واجبة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت.
 
 
فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل
 
 
ومن أراد الصدقة بكل ماله وكان يعلم من نفسه حسن التوكل وقوة اليقين والصبر عن المسألة أو كان له مكسب يقوم به فذلك أفضل له وأولى به؛ لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه تصدق بكل ماله
 
 
وإن لم يثق من نفسه بهذا كره له
 
 
ويكره لمن لا صبر له على الإضاقة أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة اهـ .
 
 
الخامس : أن الآثار الناتجة عن ترك الأهل والأولاد من تعرض الزوجة للفتن، وتعرض الأولاد ذكوراً وإناثاً للفتن والانحرافات يترتب عليه تحريم خروجه في سبيل الله (زعموا، وإنما هو في سبيل التبليغيين)، لأنه مسئول عن رعيته؛ فكلنا راعٍ وكل ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :” ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ الرَّجُلُ رَاعٍ على أَهْلِ بَيْتِهِ وهو مسؤول عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ على بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ “.
 
 
السادس: أنك تخرج تدعو غيرك إلى الله، وتارك دعوة أهلك وأولادك ومجتمعك هذا إن كان عندك علم، فإن كنت جاهلاً وهذا حال جميع التبليغيين أنهم أهل جهل وضلال فالواجب عليك أن تدعو نفسك إلى طلب العلم من أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم.
 
 
السابع : أن ما قام به أبو بكر أمرٌ مشروع وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وما تقوم به جماعة التبليغ أمرٌ محدث مبتدع، قد حكم أهل العلم بضلاله وانحرافه عن الصراط المستقيم.
 
 
فكيف يقاس أمر مشروع على أمر ممنوع.
 
 
فاعتبروا يا أولي الأبصار
 
 
هذا ما ظهر لي من الرد عليهم
 
 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
 
والحمد لله رب العالمين.