ما لايصح في الصيام | الحلقة الثامنة عشرة ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله


 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنهم أن الصوم من الأكل والشرب فقط وهذا خطأ لأن الصائم مطلوب منه حفظ جوارحه يده ورجله وعينه ولسانه وأذنه عن المحرمات لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم ” ليس الصيام من الأكل و الشرب إنما الصيام من اللغو و الرفث”
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وإن جهل عليه أحد فليقل إني امرؤ صائم”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر”
قال ابن قيم الجوزية : الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور وبطنه عن الطعام والشراب وفرجه عن الرفث فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب كما قال صلى الله عليه وسلم ” من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه” وقال صلى الله عليه وسلم ” رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش”
فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم انتهى
وقال ابن رجب ” اعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم . و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم ” ليس الصيام من الأكل و الشرب إنما الصيام من اللغو و الرفث “
قال بعض السلف : أهون الصيام ترك الشراب و الطعام .
و قال جابر : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء .
وسر هذا : أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل وإن كان صومه مجزئاً عند الجمهور بحيث لا يؤمر بإعادته لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوصه دون ارتكاب ما نهي عنه لغير معنى يختص به ، هذا هو قول جمهور العلماء انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم ينامون نهار رمضان ولا يصلون الصلاة في وقتها ولا يوأدونها في جماعة إن كان ممن تجب عليه الجماعة.
فمن نام نهار رمضان كله فصيامه صحيح إذا نوى الصيام قبل طلوع الفجر ولكن يحرم عليه ترك أداء الصلوات في مواقيتها وترك صلاة الجماعة إن كان ممن تجب عليه صلاة الجماعة فيكون قد ترك واجبين :
أحدهما الصلاة في وقتها
وثانيهما الصلاة في جماعة .
فيأثم عليهما أشد الإثم فهو جانٍ على نفسه وعاصٍ لله عز و جل بتركه الصلاة في أوقاتها في جماعة وهو منقص لصومه إلا إذا كان ذلك ليس من عادته و إنما حصل منه نادراً مع نيته القيام للصلاة.
وبالمناسبة فإنه من المؤسف جداً أن كثيراً من الناس اعتادوا السهر في رمضان فإذا أقبل الفجر تسحروا وناموا جميع النهار أو معظمه وتركوا الصلوات مع أن الصلوات آكد من الصيام وألزم والأمر خطير جداً والسهر الذي يسبب النوم عن أداء الصلاة سهر محرم وإذا كان سهراً على لهو ولعب أو فعل محرمات فإن الأمر أخطر والمعاصي يعظم إثمها ويشتد خطرها في رمضان وفي الأزمنة والأمكنة الفاضلة أشد من غيرها.
ومن الناس من ينام نهار رمضان كله ولكنه يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة فهذا ليس بآثم لكنه فوت على نفسه خيراً كثيراً لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القران حتى يجمع في صيامه عبادات شتى.
والإنسان إذا عود نفسه و مرنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك وإذا عود نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك وصعبت عليه العبادات والأعمال حال الصيام.
فليحرص الصائم على هذا الوقت العظيم ولا يضيعه بالنوم لا سيما وشهر رمضان زمن شريف ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من الأجر والثواب .
وينبغي للصائم أن يصون نفسه عن اللهو واللعب وأن يتقرب إلى الله بفعل أوامره واجتناب مناهيه ويجتنب كل ما من شأنه أن يبعده عن الله وعن عبادته سواء كان غاية أو وسيلة .
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يشربون الدخان ولا يتركونه مع قدرتهم على تركه وإن كانوا يزعمون أنهم لا يستطيعون تركه.
فأنت أيها المدخن كنت – قبل رمضان – تزعم أنك لا تستطيع ترك الدخان للحظة واحدة أو أكثر من ساعة فإذا بك الآن في شهر رمضان تترك الدخان ساعات طوال لله رب العالمين فاتركه أبداً وجاهد نفسك في تركه واستغل هذه الفرصة العظيمة فكم سمعنا وعرفنا أناساً وفقهم الله لترك الدخان في رمضان فكن منهم ومعهم وفيهم .
وإني أذكر لك أموراً علها أن تساعدك في تركه:
أولاً : أن تتوجه إلى الله بالدعاء أن يعينك على تركه ثم تجاهد نفسك على تركه.
ثانياً : أن تعلم أنه يؤدي إلى قتلك إذ هو كما وصفه الأطباء سم بطيء. وأنت تعلم أن قتل النفس محرم فكيف بقتل نفسك.
ثالثاً : أن تعلم أنك تنفق أموالاً طائلة في شيء لا منفعة فيه بل أنت مسئول عن مالك فيما أنفقته ولو تأملت قليلاً لعلمت أنك أنفقت أموالاً يقتل بها الكفارُ المسلمين ولو تأملت أيضاً في هذه الأموال لو أن المدخنين أنفقوا أموالهم للفقراء والمساكين والأيتام هل يبقى فقير ومسكين ويتيم محتاج ؟
اترك الجواب لك.
رابعاً : أن تعلم أنك تغرس في نفس ولدك وهو من أعز وأحب الناس إليك – بعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم – حب الدخان وكيف تقول له هذا الدخان سيء وهو يراك تحمله وتشربه فأوقعته في التناقض.
وكم رأينا أولاداً صغاراً في السن يحملون الدخان ويشربونه و يقولون آباؤنا يدخنون فلِمَ تنكرون .
خامساً : أن تعلم أنك برائحة الدخان الصادرة من سيجارتك تؤذي المسلمين خاصة إذا دخلت المسجد ورائحتك رائحة الدخان .
ووالله لرائحة الدخان أشد عفونة ونتانة من رائحة البصل وقد نهى صلى الله عليه و سلم من أكل بصلاً أن يقرب المسجد فعن جابر قال “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث” فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال صلى الله عليه وسلم ” من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس”
و بهذه المناسبة أحببت أن أنبه على خطأ يقع فيه المدخنون ذلك أنهم يدخلون للصلاة والدخان في جيبهم وهذا خطأ إذ كيف يقف بين يدي الله ويدخل بيت الله وهذا المحرم الخبيث معه فيا عبد الله لا تدخل المسجد ومعك هذا الخبيث.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول