بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدأن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةبدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهذه هي الحلقة السابعة عشرة من سلسلة صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات الحلبي والتي سأكمل فيها بإذن الله تعالى مناقشة الحلبي في الملاحظة الخامسة وهي (( الثناء والتمجيد لأهل البدعويصفهم بالموحدين فهو وإن لم يذكرهم بأسمائهم إلا أنه معروف عنه الدفاع عنهم والثناء عليهم في مجالسه وفي أشرطته من أمثال محمد حسان والمأربي والمغراوي وغيرهم )) .
ولا أطيل عليك أخي القارئ فإليك البيان من كلام الحلبي مع مناقشته بالحجة والبرهان :
قال الحلبي فيما سماه بـمنهج السلف الصالح (ص28) :
بَلْ مَاذَا سَيُجيبُ هؤلاءِ -هَدَاهُم الله- في موضوع (الزِّيارة) -ذاك- وَالَّذِي هُوَ سَبَبُ فِتْنَتِهِم (الظَّاهِرُ!)- عَلَى مَا رَوَاهُ الخَطِيبُ فِي «تَارِيخ بَغْدَاد» (10/262) عَنْ يَعْقُوبَ بِن يُوسفَ المُطَّوِّعِيُّ، قال: «كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن صَالحٍ الأَزْدِيُّ رافِضِيًّا، وَكَانَ يَغْشَى أَحْمَدَ بن حَنْبَل، فَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيه، فَقِيلَ لَه: يَا أَبا عَبْدِ الله! عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ صَالِح رافِضِيٌّ؟!
فَقَال: سُبْحَانَ الله! رَجُلٌ أَحَبَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- نَقُولُ لَهُ: لاَ تُحِبَّهُم! هُوَ ثِقَة» )) انتهى
أقول مستعيناً بالله تعالى :
– الحلبي يطالب السلفيين بالجواب عن القصة التي أوردها عن الإمام أحمد في مجالسته للرافضي، ضارباً لآثار السلف ومنهجهم الأمين الرصين في هجر أهل البدع خصوصاً الرافضة، مناقضاً لنفسه في القاعدة التي أصلها في منهجه من عدم إقامة منهج على أفراد الآثار، حيث قال (ص64-65) في معرض رده على من استدل ببعض الآثار السلفية (( وَإِذ الأَمْرُ فِي هَذا الاسْتِدْلاَل -الَّذِي يُرادُ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ تَأْصِيلٌ- هكذا؛ فالواجبُ أَنْ يُرَدَّ بِمَا قَالَهُ شَيْخُنا الإِمَامُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ الله- فِي بَعْضِ «تَوْجِيهَاتِهِ»- وَهُوَ مَنْ هُوَ! -مُؤَصِّلاً، وَمُفَصِّلاً-: «الآثَارُ السَّلَفِيَّةُ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُتَضَافِرَةً مُتَواتِرَةً؛ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَنْ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا مَنْهَجٌ…. ))
ثم قال الحلبي (( فَأَنْ يُجْعَلَ مَا هُوَ خِلافُ (الأَصْلِ) أَصْلاً : فَهُوَ خَلَل – وَأَيُّ خَلَل …)) .
أقول: هذا من رد الحلبي على الحلبي .
فإذا كان هذا من باب الاستدلال بأفراد الآثار مما لا يعلم لها مخالف، فكيف يصح الاستدلال بمثل هذه القصة مع أن ظاهرها يخالف المنقول المتواتر عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في معاملة أهل البدع خاصة الروافض من الهجر والتشنيع والتحذير والتنفير منهم؛ فلا شك أن استدلالك فيه فساد عريض وضلال مبين !!
– وقد أورد الحلبي هذه القصة ليدافع بها عن نفسه دون النظر لما تتضمنه لجملة من المفاسد من مراعاة للمصالح ولا درء للمفاسد! فمن مفاسدها :
ما تضمنته من مجالسة أهل البدع .
وما تضمنته من الطعن في إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وأنه لا يعادي من يبغض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل يدافع عنه .
وما تضمنته من تزكية الرافضة وأنهم قوم يحبون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإن طعنوا في غيرهم من الصحابة .
فهذه مفاسد عظيمة لا أدري أين عقل الحلبي وأمانته العلمية والدينية حين يستدل بهذه القصة دون بيان منه لحقيقة أمرها .
وهذا ما يوضحه الأمر التالي :
فأقول : هذه القصة عن الإمام أحمد لا يصح الاستدلال بها على أن الإمام أحمد يجالس أهل البدع خصوصاً الرافضة لما روى الخلال في السنة (1/501 رقم 799) تحت باب : ” التغليظ على من كتب الأحاديث التي فيها طعن على أصحاب رسول الله” : أخبرنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبدالله يقول إن قوماً يكتبون هذه الأحاديث الرديئة في أصحاب رسول الله وقد حكوا عنك أنك قلت: أنا لا أنكر أن يكون صاحب حديث يكتب هذه الأحاديث يعرفها, فغضب وأنكره إنكاراً شديداً وقال: باطل معاذ الله, أنا لا أنكر هذا, لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته فكيف في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!!! وقال: أنا لم أكتب هذه الأحاديث.
قلت لأبي عبد الله : فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث الرديئة ويجمعها أيهجر؟
قال: نعم يستاهل صاحب هذه الأحاديث الرديئة الرجم!!!
وقال أبو عبدالله: جاءني عبدالرحمن بن صالح فقلت له: تحدث بهذه الأحاديث؟ فجعل يقول: قد حدث بها فلان, وحدث بها فلان, وأنا أرفق به وهو يحتج فرأيته بعد, فأعرضت عنه ولم أكلمه”
فظهر بهذا النقل عن الإمام أحمد أنه لم يكن يعلم بحقيقة حاله، وأنه كان يظنه على خيرٍ؛ فلما تبين له حاله هجره وتركه وأعرض عنه .
والعجيب المستنكر أخي القارئ الكريم أن الحلبي الذي لبس بهذه القصة عن الإمام أحمد، وقف على النقل السابق من كتاب السنة للخلال، فقد حدثني الشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى ” أنه أوقف الحلبي على ما في السنة للخلال مرتين ” .
فلا شك أن ما فعله الحلبي بنقله لما في تاريخ بغداد للخطيب دون بيان لما في السنة للخلال من الخيانة وعدم الأمانة ومن التلاعب بدين الله تعالى والتحايل والمكر والخديعة التي لا تليق بطالب علم فضلاً عمن يدعي العلم .
ولم يكتفِ الحلبي بهذه القصة حتى شكك في حاشية الكتاب بقصة هجر الإمام أحمد لداود الظاهري !! وستأتي مناقشته فيها .
فالله وحده حسيبه في تلبيسه وتدليسه وخيانته للأمانة !
– ومع ذلك فلو لم نقف على ما في السنة للخلال ما كان لسلفي صادق أمين أن يلبس ويدلس على العامة بهذه القصة المتشابهة !
فموقف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يمكن أن يجاب عنه من وجوه منها :
الوجه الأول : الظاهر أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى ما ثبت عنده أنه رافضي، فلم يعرف حاله، وإنما بلغه عنه حبه لآل البيت ؟ ولذلك لما قيل له عنه إنه رافضي ؟
كان جوابه إن حب آل البيت ليس رفضاً .
وهذا ظاهر جداً من سياق القصة .
ويدل عليه الوجه الثاني : وهو أن هذا الرجل نقل عنه كلام يوافق أهل السنة لعله بلغ الإمام أحمد عنه ففي تاريخ بغداد (10/261) عن أبي القاسم البغوي أنه قال سمعت عبدالرحمن بن صالح الأزدي يقول :” أفضل أو خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر”.
وهذا قاله هذا الرجل – مع تشيعه – .
ويدل عليه الوجه الثالث : أن أهل العلم وصفوه بالتشيع الغالي :
قال عنه ابن معين كما في تاريخ بغداد (10/261) : ” كان شيعياً”
وقال موسى بن هارون كما في الكامل (4/320):” شيعي محترق حرقت عامة ما سمعت منه يروي أحاديث سوء في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وقال أبو داود كما في تاريخ بغداد (10/261) (2/302-سؤالات الآجري) :” لم أرَ أن أكتب عنه وضع كتاب مثالب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”. وذكره مرة أخرى فقال : كان رجل سوء .
وقال ابن عدي في الكامل (4/320) : ” عبد الرحمن بن صالح معروف مشهور في الكوفيين لم يذكر بالضعف في الحديث ولا اتهم فيه إلا أنه كان محترقاً فيما كان فيه من التشيع”
الوجه الرابع : أن المعروف عن الإمام أحمد شدته على أهل البدع وعلى الرافضة بالأخص، وحبه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعدم رضاه انتقاصهم أو سبهم أو التعرض لهم .
فمما جاء عن الإمام أحمد في أهل البدع أنه قال : ” أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم، ولا يخالطهم، ولا يأنس بهم”
وسأل أَبُو دَاوُد الإمام أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : ” أَرَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَتْرُكُ كَلَامَهُ ؟
فقَالَ : لَا أَوْ تُعْلِمُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْته مَعَهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَإِنْ تَرَكَ كَلَامَهُ فَكَلِّمْهُ، وَإِلَّا فَأَلْحِقْهُ بِهِ”
ومما جاء عن الإمام أحمد في شأن من سب أو انتقص أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في مسائل عبدالله بن الإمام أحمد(99رقم349) أنه قال: سألت أبي عن الرجل يصلي خلف من يقنت ؟
قال : لا بأس بالصلاة خلفه إذا كان يقنت على فعل رسول صلى الله عليه وسلم يدعو على المشركين إلا أن يكون رافضياً فلا يصلي خلفه .
قال قلت لأبي : من الرافضي ؟
قال : الذي يسب أبا بكر وعمر “.
وقال الإمام أحمد – رحمه الله – في السنة (78) وانظر طبقات الحنابلة (1/30) : ” … من الحجة الواضحة الثابتة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين والكف عن ذكر مساويهم والخلاف الذي شجر بينهم فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدا منهم أو تنقصه أو طعن عليهم أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والاقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة
وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يتراجع “
وقال الإمام أحمد عن عبيد الله بن موسى العبسي كما في السنة للخلال (3/504رقم807) :” لا يعجبني أن أحدث عنه؛ يحدث بأحاديث فيها تنقص لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ” .
وقال الخلال في السنة (3/511رقم822) أخبرنا الحسن بن عبدالوهاب قال ثنا الفضل بن زياد قال سمعت أبا عبدالله ودفع إليه رجل كتاباً فيه أحاديث مجتمعة ما ينكر في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه فنظر فيه ثم قال ما يجمع هذه إلا رجل سوء وسمعت أبا عبدالله يقول بلغني عن سلام بن أبي مطيع أنه جاء إلى أبي عوانة فاستعار منه كتاباً كان عنده فيه بلايا مما رواه الأعمش فدفعه إلى أبي عوانة فذهب سلام به فأحرقه فقال رجل لأبي عبدالله أرجو أن لا يضره ذاك شيئاً إن شاء الله فقال أبو عبدالله يضره بل يؤجر عليه إن شاء الله ” .
سادساً : قال الحلبي فيما سماه بـمنهج السلف الصالح (ص29) :
بَلْ مَاذا سَيَقُولُونَ -أَصْلَحَهُم الله- فِيمَا ذَكَرَهُ فَضِيلَةُ الشَّيْخ ربيع بن هادي -حَفِظَهُ الله- فِي بَعْضِ «أَجْوِبَتِهِ» – فِي (مَسْأَلَةِ نَصِيحَةِ أَهْلِ البِدَعِ، وَالجُلُوسِ مَعَهُم لِلنُّصْح)-؛ لَـمَّا قَال:
«… فَأَنَا لاَ أَذْهَبُ إِلى بُيُوتِهِم وَمَجَالِسِهِم، فَإِذَا جَاءَنِي أَحَدٌ مِنْهُم إِلَى بَيْتِي: نَاصَحْتُه، وَبَيَّنْتُ لَهُ الحَقّ.
وَهَذا لَيْسَ بِعَيب؛ فَقَدْ كَانَ المُنافِقُون يَحْضُرُونَ مَجَالِسَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَيُناصِحُهُم، وَيُبَيِّنُ لَهُم الإِسْلاَمَ وَالحَقّ.
وَهَذا الشَّيْخُ ابْنُ بَاز-رَحِمَهُ الله- يَأْتِيهِ أَهْلُ البِدَعِ، وَأَهْلُ التَّحَزُّبِ إِلَى مَجْلِسِه، فَيُنَاصِحُهُم، وَيُبَيِّنُ لَهُم الحَقّ.
وَهَذا المُفْتِي، وَ(هَيْئَةُ كِبارِ العُلَماء) يَأْتِيهِم أَهْلُ البِدَع فِي (رَابِطَةِ العَالَم الإِسْلاَمي)، وَفِي مَجَالِسِهِم-أَيْضاً-، وَيَنْصَحُونَهُم -فِيما أَعْتَقِد-.
وَلاَ أَعْرِفُ أَحَداً مِنَ العُلَماءِ قَالَ لِي: أَنْتَ تُجَالِسُ أَهْلَ البِدَع! وَلاَ أَحَدٌ رَدَّ عَلَيَّ مِنَ العُلَمَاءِ فِي هَذا الأَمْر!». انتهى
أقول مستعيناً بالله تعالى :
– سبحان الله ما أشد تلبيسك وتلاعبك بالحقائق، فلم تكتف بما اقترفته في حق الإمام أحمد ورميه بمجالسة أهل البدع حتى ثنيت بالعلامة حامل الجرح والتعديل ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله تعالى، وأخذت ترميه من طرف خفي بمجالسة أهل البدع، بل يصرح بذلك .
– ولا أدري هل يعتبر الحلبي السلفيين حدادية فيطعنون في الشيخ ربيع المدخلي بقوله هذا كما فعل فوزي البحريني الأشري ! ففي البيان لما اشتمل عليه البركان وما في معناه من زخارف وتزيين الشيطان للعلامة ربيع المدخلي وهو (رد على فوزي البحريني المنعوت زوراً بالأثري) (الحلقة الأولى) (ص20) : قال البحريني في (ص2) من بركانه : “ومسألة نصيحة أهل البدع، والجلوس معهم للنصح -زعم-، … مما بينه أهل العلم بالأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال السلف في تبيين خطئه ومع هذا كله ما زال يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير ليضل عن سبيل الله سبحانه وتعالى”
فرد عليهم الشيخ ربيع بقوله أقول: مسألة نصيحة أهل البدع والجلوس معهم للنصح فأنا لا أذهب إلى بيوتهم ومجالسهم …..
– إلى أن قال : ولا أحد رد عليَّ من العلماء في هذا الأمر، فهذا من كيسك المشحون بالأكاذيب. ولعل هذا من عادتك تخالط أهل البدع لجمع الأموال؛ لتأكلها باسم الإسلام أو باسم غيره… ” انتهى
أقول : ما أدري لماذا حذف الحلبي ما تحته خط من كلام الشيخ ربيع المدخلي …
– والحلبي يحاول أن يشبه حاله في مجالسة أهل البدع بحال الشيخ العلامة ربيع المدخلي، وفرق كبير سحيق عميق بينهما فمجالسة الشيخ العلامة ربيع المدخلي لنصحهم وتوجيههم للخير إذا جاؤه إلى بيته، ولا يمدحهم ولا يدافع عنهم ولا يؤانسهم! بخلاف حالك في ذلك جميعه أيها الحلبي !!
سئل الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي في الفتاوى الجلية (2/141رقم79): رجلٌ يزعم أنَّه سلفي، ولكنه يجالس الحزبيين، ونوصح في ذلك فقال إنَّني أقوم بتوجيههم، ونصيحتهم، فكيف نحكم على هذا الشخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى بقوله : المناصحة ليس من لازمها أن تمشي معهم، والمناصحة في أوقات محدودة؛ أمَّا كونك تمشي معهم بحجة أنَّك تنصحهم، فلو كنت تنصحهم لرؤي في عملهم تغيير، واختلاف عما كانوا عليه، فإن قلت مثلاً أنَّك تنصحهم ولا يسمعون أو لا يقبلون منك؛ إذن فلِمَ تجلس معهم أو تسير معهم، وتذهب، وتجيء معهم، فإذا كانوا لا يسمعون منك لا تذهب، ولا تجيء معهم ولا تجلس معهم؛ لكن لما رأينا أنَّك تذهب وتجيء معهم، وتجالسهم عرفنا بأنَّك منهم انتهى .
– وهذا التفريق بين مجالسة أهل البدع للمناصحة هو ما عليه أهل العلم وإليك شيئاً من كلامهم:
قال الآجري في الشريعة (1/451) : ” إن قال قائل فإن كان رجل قد علمه الله – تعالى – علماً فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين ينازعه فيها ويخاصمه ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة ويرد عليه قوله ؟
قيل له هذا الذي نهينا عنه وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين !
فإن قال فماذا نصنع ؟
قيل له إن كان الذي يسألك مسألته مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة فأرشده بألطف ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة وقول الصحابة وقول أئمة المسلمين رضي الله عنهم
وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك فهذا الذي كره لك العلماء فلا تناظره واحذره على دينك كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعاً
فإن قال فندعهم يتكلمون بالباطل ونسكت عنهم ؟
قيل له سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين ” انتهى .
وقال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله تعالى : زيارة أهل العلم والإيمان من أهل السنة والجماعة وزيارة الإخوان في الله قربة وطاعة، أما زيارة أهل البدع فلا تجوز زيارتهم على سبيل المؤانسة والمحبة ونحو ذلك. أما إذا زارهم طالب العلم للموعظةوالتذكير والتحذير من البدعة هذا مشكور ومأجور، لأن هذا من باب الدعوة إلى الله، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا زرت هؤلاء الذين عندهم شيء من البدع،زرتهم للدعوة إلى الله والنصيحة والتوجيه فأنت مأجور وينبغي أن لا تدع ذلك، إذا كانفيه فائدة، أما إذا أصروا ولم يستجيبوا فدعهم انتهى
وقال ابن عثيمين في شرح لمعة الاعتقاد (159) : ” المراد بهجران أهل البدع: الابتعاد عنهم، و ترك محبتهم، وموالاتهم، والسلام عليهم، و زيارتهم، وعيادتهم، ونحو ذلك .
وهجران أهل البدع واجب؛ لقوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماًيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَوَرَسُولَه) (266). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك.
لكن إن كان في مجالستهم مصلحة لتبيين الحق لهم وتحذيرهم من البدعة فلا بأس بذلك، وربما يكون ذلك مطلوباً؛ لقوله تعالى: (ادْعُإِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْبِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(267) . وهذا قد يكون بالمجالسة، والمشافهة، وقد يكونبالمراسلة،والمكاتبة … ” انتهى
وسئل العلامة الفوزان حفظه الله كما في الأجوبة المفيدة (29رقم8) : هل تخالط الجماعات أم تهجر؟
فأجاب حفظه الله : المخالطة إذا كان القصد منها دعوتهم -ممن عندهم علم وبصيرة – إلى التمسك بالسنة وترك الخطأ فهذا طيب, وهو من الدعوة إلى الله, أماإذا كان الاختلاط معهم من أجل المؤانسة معهم, والمصاحبة لهم, بدون دعوة, و بدون بيان, فهذا لا يجوز .
فلا يجوز للإنسان أن يخالط المخالفين إلا على وجه فيه فائدة شرعية, من دعوتهم إلى الإسلام الصحيح, وتوضيح الحق لهم لعلهم يرجعون, كما ذهب ابن مسعود رضي الله عنه إلى المبتدعة الذين في المسجد, ووقف عليهم وأنكرعليهم بدعتهم.
وابن عباس -رضي الله عنهما- ذهب إلى الخوارج وناظرهم ودحض شبههم, ورجع من رجع.
فالمخالطة لهم إذا كانت على هذا الوجه فهي مطلوبة, وإن أصروا على باطلهم وجب اعتزالهم ومنابذتهم, وجهادهم في الله . انتهى
وعلق الحلبي على قول العلامة ربيع المدخلي (فإن جاءني أحد منهم إلى بيتي : نَاصَحْتُه، وَبَيَّنْتُ لَهُ الحَقّ)
بقوله في حاشية رقم (1) ( مَعَ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ بن حَنْبَل -رَحِمَهُ الله- رَفَضَ زِيارَةَ داوُد بن عَلِي الظَّاهِرِيِّ لَهُ، وَدُخُولَهُ عَلَيْه!
كَمَا فِي «تَارِيخ بَغْدَاد» (8/373) -فِي خَبَرٍ يُكَرِّرُهُ الكَثِيرُونَ دُونَ حُسْنِ فَهْم!-.
… وَلَكِنَّهُ تَغَيُّر الزَّمَان، وَالنَّظَرُ فِي المَصَالِح…
وَهُمَا أَصْلاَن مُهِمَّان؛ يَغِيبَانِ عَنِ الكَثِيرِين؛ مِن الـمُتَحَمِّسِين بِالبَاطِل!) انتهى
أقول مستعيناً بالله تعالى :
– الحلبي يعلم أن استدلاله بقصة الإمام أحمد مع الرافضي منقوض مردود، بموقف الإمام أحمد من رفض دخول داود الظاهري عليه، فحاول التشكيك بالاستدلال بموقف الإمام أحمد مع داود الظاهري، ورمى بعض المشايخ السلفيين بعدم حسن الفهم، محاولاً تصويرهم في صورة التناقض والتخالف مع منهج السلف الصالح .
– واستنتج الحلبي من قصة الإمام أحمد ومجالسته للرافضي، ومنع الإمام أحمد لداود الظاهري من الدخول عليه : أن ذلك من الإمام أحمد بسبب تغير الزمان والنظر في المصالح !
أقول : وهو استنتاج باطل لوجوه منها :
الأول : أن النصوص الشرعية عامة وواضحة وظاهرة في هجر أهل البدع والتحذير منهم، دون استثناء زمان أو ربطها بمصلحة كما يدعيه الحلبي فزعمه أن ذلك بسبب تغير الزمان والنظر في المصالح يعتبر تحكماً وتدخلاً في النصوص الشرعية . بل حكى الإجماع جماعة من أهل العلم كالصابوني والبغوي على هجر أهل البدع والأهواء .
ثم ما الذي أدرى الحلبي أي الموقفين من الإمام أحمد كان أولاً !
موقفه من مجالسة الرافضي أم موقفه من هجر داود الظاهري !
قال الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى كما في الفتاوى الجلية (2/52رقم17) في المبتدعة بدع مفسقة : هؤلاء ينظر في المصلحة بين كونِهم يهجرون أو لايهجرون، ولاشك أنَّ الهجر أولى، ولو كان الهجر بعدم الانبساط إليهم، والكلام معهم وهو ما يسمَّى بالهجر الجميل؛ هذا الذي يظهر لي في هذه المسألة.
وأهل العلم يرجحون بين المصالح والمفاسد المترتبة على الهجر وعدمه، فإذا كانت المصالح المترتبة على عدم الهجر أحسن بحيث يتمكن من الدعوة لهم، والنصيحة وبيان المساوئ لما هم عليه من العقيدة الباطلة، وكل هذا بشرط أن يأمن الانخداع بِهم، فإن لَم يأمن الانخداع بِهم وجب عليه أن يهجرهم، ويبتعد عنهم، ومعنى الانخداع بأن تنطلي عليك بعض أفكارهم فتستحسنها وهي قبيحة، وتبيحها وهي محرمة، وبالله التوفيق انتهى .
وقال الشيخ صالح الفوزان في ظاهرة التبديع والتفسيق (74) : ” كون عنده شيء من الحق، فهذا لا يبرر الثناء عليه أكثر من المصلحة، ومعلوم أن قاعدة الدين ” إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، وفي معاداة المبتدع درء مفسدة عن الأمة ترجح على ما عنده من المصلحة المزعومة إن كانت ولو أخذنا بهذا المبدأ لم يضلل أحد، ولم يبدع أحد؛ لأنه ما من مبتدع إلا وعنده شيء من الحق، وعنده شيء من الالتزام”
وسئل الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى في رد شبهات المائعين والذب عن السلفيين (رقم7) : هل هجر أهل البدع والتضييق عليهم وعدم مخالطتهم بإطلاق كما نقل السلف ودوّن الأئمة في كتبهم ؟ أم هو على التفصيل وينظر كل شخص إلى المصلحة والمفسدة وكل يرجع إلى عقله مما يؤدي إلى التمييع؟
فأجاب الشيخ حفظه الله تعالى: لقد قال شيخ الإسلام رحمه الله ينظر إلى المصلحة فيها، والسلف ما قالوا هذا وشيخ الإسلام جزاه الله خيراً قال هذا وهو اجتهاد منه فإذا أخذنا بقوله، فمن هو الذي يميز المصالح من المفاسد ؟
فهل الشباب وصلوا إلى هذا المستوى ؟ الشباب إذا راعى المصلحة فليبدأ بمراعات مصلحة نفسه وليحافظ على ما عنده من الخير ويتبع منهج السلف ولا يعرض عقيدته ومنهجه للضياع كما حصل لكثير من الشباب الذين تلاعب بهم الإخوان المسلمون والقطبيون وأهل البدع وقالوانراعي المصالح والمفاسد ثم كل هذه الأمور تهدر ولا يوجد عندهم مراعاة المصالح والمفاسد، وعلى رأس المصالح التي يجب مراعاتها المحافظة على الشباب من أن يتخطفهم أهل البدع بشبهاتهم. فالشاب الناشئ عليه أن لا يخالط أهل البدع وأن يحافظ على عقيدته والعالم الناصح له أن يدعو هؤلاء وأن ينصحهم وأن يبين لهم الحق ويقيم عليهم الحجة ليرجعوا إلى دين الله الحق، وأما الجاهل الذي قد يتعرض للضياع فيقذفون بالشبهة عليه فيتغير قلبه ويزيغ ثم يرتمي في أحضانهم وقد عرفنا هذا من كثير وكثيرممن كانوا مساكين بادئين بالسير في طريق السلف فاعترضهم هؤلاء بشباكهم فاجتاحوهم واجتالوهم عن منهج السلف الصالح والعاقل من اعتبر بغيره فلنأخذ عبرة من هؤلاء انتهى.
وسئل الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى في رد شبهات المائعين والذب عن السلفيين (رقم8) : يا شيخ إذا الواجب علينا أن نعمل بقول السلف وليس بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله خاصة في زماننا هذا الذي صار فيه الجلوس لأهل البدع شعاراً للعلم والله المستعان ؟
فأجاب حفظه الله : الذي يقوله السلف هو الأحوط بالتجربة والواقع، والمصلحة والمفسدة إذا أدركها العالم فليستخدمها، أما الصغير مايستطيع , إذا أدركها العالم المحصن لا بعض العلماء قد يكون ضعيف الشخصية فتخطفه البدع كما حصل لعدد كثير من الأكابر خطفتهم البدع بسهولة فهناك صنفان من العلماءعالم تأكد من نفسه أن عنده قوة حجة وقوة شخصية وأنه يستطيع أن يؤثر في أهل البدعولا يؤثرون فيه فهذا يخالطهم على أي أساس يأكل ويشرب ويضحك معهم ؟ لا . يخالطهم للنصيحة يأتي إلى مساجدهم إلى مدارسهم يأتي إلى أسواقهم ويعطيهم الحق ويناظرهم إن كان يستطيع المناظرة ويقيم عليهم الحجة .أما الضعيف المسكين من العلماء لا، وكذلك الشاب الناشئ المعرض للضياع . لا بارك الله فيكم فهذا ما يمكن أن يجمع به ما بين مايقوله شيخ الاسلام بن تيمية وما يقوله السلف رضي الله عنهم جميعاً انتهى
وقال العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى : .. ثم إني أقول إنهذه المصلحة التي يتحدثون عنها وأسرفوا في الحديث عنها , و حرفوا المصالح بارك الله فيكم ولبسوا فيها حتى أهملوا مصلحة الشاب , الذي يخاف عليه من مخالطة أهل البدع , أهملوا مصلحته , وقذفوا به في أوساط أهل البدع , فضل كثير من الشباب , المغرورالمخدوع , بمثل هذه الشبهات أوقعوا كثيراً ممن كان في دائرة السلفيةأوقعوهم بمثل هذه الترهات في حبائل ومصائد أهل البدع, فانحرف الكثير والكثيرمنهم , لاسيما من انحرف بواسطة الأحزاب العصرية الضالة التي سبق وصفها , على كل حال من يميز بين السنة و البدعة فليأمر بالمعروف ولينهَ عن المنكر وليحذر من البدع هذا أولاً .
وثانياً قضية الهجران في صالحك فاهجر لأنك تخاف على نفسك من مخالطة أهل البدع يفسدونك, ويحرفونك, عن منهج الله الحق, فالمصلحة الواضحة هنا أن تحتفظ بدينك, و تحتفظ بعقيدتك, وتحافظ على سلامة دينك ؛ هذه المصلحة يجب أن توضع في الاعتبار, وأن يعرفها الشباب فقد كان يراعيها كبار الأئمة , من أمثال أيوب وابن سيرين ؛ فكان أحدهم لا يطيق مخالطة أهل البدع , ولا سماع كلامهم , حتى إن أهل البدع ليأتونهم ويقولون لهم ” اسمعوا منا ولو كلمة ” فيقولون “لا ! ” فيعتب عليهم” لماذا لا تسمعون ؟ فيقول أحدهم ” إن قلبي بيد الله و ليس بيدي فإني أخاف أن يقذف هذا في قلبي شراً فلا أستطيع الخلاص منه ” .
فإذا قلنا بالمصالح و المفاسد , فيجب ان نراعي المصالح و المفاسد المتعلقة بالشباب أنفسهم و الذين يخاف عليهم من الاختلاط بأهل البدع أن يوقعوهم في الشر , فيجب أن ننتبه لهذا والتي يدندنون حولها , ولعلها مصالح أهل البدع أنفسهم ومفاسدهم في حد تصورهم هم ! فالمصلحة عندهم ما يخدم دعوتهم , والمفسدة ما يهدم دعوتهم ولو كان حقاً, فقد يريدون بالمصالح و المفاسد هذا ما يرونه هو مصالح يخدم دعوتهم , وما يرونه من مفاسد ولو كان حقاً إذاكان يعود على دعوتهم بالهدم, ونحن نقول إن المصالح والمفاسديجب أن يراعى فيها جانب الشباب , فهل من مصلحته الاختلاط بأهل البدع؟ أو من مصلحتهم الحذر منهم و هجرانهم والابتعاد عنهم و ترك المخالطة للأقوياء الأشداء الذين ثبتت جدارتهم و قدرتهم على زلزلة أهل البدع ودحض شبهاتهم ! فتبقى المخالطة لهؤلاء ويبقى من يخاف عليه بعيداً بعيداً بعيداً عنهم , حذراً منهم أشدالحذر …, إذا كان يحترم عقيدته , ومنهجه , فالمصلحة في الدرجة الأولى , يجب أن تراعى فيها جانب الشباب الذي يخاف عليه من الانحراف , فلما نسيت هذا المصلحة , وأنساهم إياها دعاة الضلال , وأهدروا هذه المصلحة , جر ذلك كثيراً من الشباب إلى الارتماء في أحضان البدع , أرجو أن تدركوا هذا , فإذا قيل لكم مصالح مفاسد , قولوا لهم يجب أن نراعي في هذا جانب الشباب الذييخاف عليه من مخالطة أهل البدع فإننا قد استفدنا من تجاربطويلة ومريرة وقعت من شباب كانوا على منهج السلف فضلوا بمثل هذا الدعايات الظالمة التي لا يميز فيها المصلحة من المفسدة, وقد يراد من المفسدة والمصلحة ما يفسد دعوتهم أو يصلحها على حسب ما يعتقدونه هم لا على حسب شرع الله تبارك وتعالى انتهى.
وقال الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى في الجليس الصالح والجليس السوء (26-محاضرة مفرغة) : بعض الناس يكرر أن الهجر لأجل مصلحة المهجور فإذا لم يكن صلاح للمهجور فلا هجر ! هذا غير صحيح أبداً !!! فإن الهجر ينظر فيه إلى الجانبين, ينظر فيه إلى صلاح المهجور وإلى صلاح الهاجر, صلاح المهجور بعودته واستقامته على الحق ورجوعه إليه, وصلاح الهاجر, إذا لم يستطع إعادة هذا الإنسان إلى الحق فلا أقل من أن يسلم هو, وإذا لم يستطع عُذِرَ, أما إن هجر لمصلحة نفسه يكون ضعيفاً ويخشى أنه إن خالط هذا الشخص يأتيه بالشبه والتلبيسات التي يضل بسببها؛ فهو يريد السلامة لنفسه, فالسلامة رأس مال لا يعدلها شيء , فكيف يقال إنه فقط لأجل المهجور وإذا لم يكن يستفيد المهجور فلا هجر !!!! هذا غير صحيح ! وكتب السلف واضحة كلها بهذا , ترد على هذا القول وعلى صاحب هذه المقالة , فلا إفراط ولا تفريط .. انتهى .
وقد وقفت على كلمة جيدة في الرد على من يخصص الهجر بمصلحة المهجور فقط دون النظر لمصلحة الهاجر للشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم البخاري، وقد اختصرتها ما بين القوسين مع زيادة يسيرة جداً (( فالهجر عبادة دينية شرعية، والشرع كله مبني على المصالح ودرء المفاسد، والمصالح في هجر المبتدع متعددة الجوانب فهناك :
مصلحة دينية عامة من تحقيق العبودية لله ومن تحقيق الولاء للإيمان والمؤمنين والبراء من الكفر والكافرين والبدعة والمبتدعين . وتحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مصلحة خاصة : وهي على قسمين :
مصلحة تعلق بالمهجور ومصلحة تتعلقبالهاجر
المصلحة المتعلقة بالهاجر : إن خشي على نفسه الفتنة فله أن يهجر كل من يخشى على نفسه من مخالطه وهذا الذي يسمي ماذا بالهجر الوقائي .
والمصلحة المتعلق بالمهجور : أن يهجره ليردعه عن باطله ولينفر الناس عنه حتى لا يتابعوه على ضلاله وليرجع للحق .
فالحلبي وأمثاله من التراثيين يدندن فقط على مصلحة المهجور ونسي أو تناسى وجهل أو تجاهل بقية أنواع الهجر .
ثم لو تأملت كلام العلماء في هجر أهل البدع ومراعاة مصلحته في الهجر تجد أن مرادهم إذا كان المهجور ينتفع بالنصيحة ويرجى قبوله للحق وإلا لو كان معانداً داعياً إلى ضلاله فهم يرون الهجر وجوباً .
فالقاعدة الشرعية ” أنه إذا تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة قدمت المصلحة العامة”
وقد يسقط الهجر للعجز عنه لكن ليس من كل الوجوه لا يسقط من كل الوجوه إنكارك بقلبك وهجرانك لبدعته هذه لازم ليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان وهذا من الهجر يجب أن تقوم به ديانةً ولا يجوز لك أن يتخلف عنك هذا ومعلوم أن الأمر يسقط مع العجزوعدم القدرة .
فالهجر الكلي يكون بالتحذير والانفصال التامين .
والهجر الجزئي يكون بترك الكلام والسلام ولا يشترط فيه التحذير
ويستخدم الهجر الجزئي عند الضعف أو عند عدم القدرة أو عند وجود مانع شرعي ما هو مانع دنيوي مادي أعطوك صاروا سلفيين تركوك صاروا خلفيين
لابد أننفرق بين الإيقاع وبين الأمر : الإيقاع لا يشترط فيه القوة ومن شرط ذلك فقط غلط
وهذا المعنى يستعمل في أهل البدع وأهل الفسق والفجور )) انتهى .
الثاني : أن موقف السلف من قبل الإمام أحمد : من الصحابة ومن بعدهم ممن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا : ثابتٌ في هجر أهل البدع والتحذير والتنفير منهم مع اختلاف الأزمنة .
قال الشيخ العلامة زيد المدخلي حفظه الله في العقد المنضد الجديد في الإجابة على مسائل في الفقه والمناهج و التوحيد (1/209) : الحذرمن مجالسة أهل البدع أو مجالستهم ومدافع عنهم …وهكذا يتعين الحذر من كل صاحب فسق مجاهر و مبتدع داع إلى بدعته. ورحم الله الفضيل بن عياض حيث قال :لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة.
و قال أيضا : ” من جلس مع صاحب بدعة فاحذره , آكل عند اليهود و النصارى أحب إلي من أن آكل عند صاحب بدعة .
قلت :و ما ذلك إلا لشدة خطر البدع و المبتدعين في كل زمان ومكان أعاذنا الله من زيغهم وانحرافهم و هدى الله الجميع إلى سواء السبيل… انتهى
الثالث : أن موقف الإمام أحمد من هجر أهل البدع وبالأخص الرافضة واحد ثابت لم يتغير، وأقواله وأفعاله مشهورة متواترة عنه .
بل كانت له مواقف مع من خالف الحق ولو كان من العلماء المحدثين والفقهاء، وقد سبق نقل موقفه من الكرابيسي كما نقله ابن هانئ النيسابوري في مسائله (2/154رقم1865) عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال : ” أخزى الله الكرابيسي لا يجالس ولا يكلم ولا تكتب كتبه ولا نجالس من جالسه، وذكره بكلام كثير ” انتهى
والكرابيسي كان من العلماء الفقهاء المحدثين لكنه خالف منهج السلف في مسألة اللفظ فحذر منه الإمام أحمد مباشرة ونهى عن مجالسته ومجالسة من يجالسه .
وموقفه من الإمام علي بن المديني معروف مشهور .
وبهذا يظهر أن الهجر كله مصالح وأن الإمام أحمد لم يجامل ويداهن على حساب دينه كصنيع الحلبي .
وأما رمي الحلبي لبعض المشايخ السلفيين بعدم حسن الفهم لموقف الإمام أحمد مع داود الظاهري، ومحاولته لتصويرهم في صورة التناقض والتخالف مع منهج السلف الصالح فهذا من سوء أدبه الذي تعودنا عليه، ولا يستغرب من مثله، وقد ظهر أن أقوال العلماء وأفعالهم متمشية متوافقة مع منهج السلف الصالح .
ولكن نقول للحلبي أنت وقعت في أمرين معاً :
الأول : سوء الفهم للنصوص الشرعية والآثار السلفية .
والثاني: سوء القصد حيث لويت أعناق النصوص؛ لتخرج منها بنتيجة تجويز مجالسة أهل البدع والأهواء فالله وحده حسيبك .
وسيأتي إن شاء الله بيان فقه قصة الإمام أحمد مع داود الظاهري .
علق الحلبي على قول العلامة ربيع المدخلي (وَلاَ أَعْرِفُ أَحَداً مِنَ العُلَماءِ قَالَ لِي: أَنْتَ تُجَالِسُ أَهْلَ البِدَع! وَلاَ أَحَدٌ رَدَّ عَلَيَّ مِنَ العُلَمَاءِ فِي هَذا الأَمْر)
بقوله (ص30) في الحاشية رقم (1) (( مع أن الشيخ عبيد الجابري سدده الله ذكر في الموقف الحق من المخالف بعض المبتدعة بأسمائهم ثم قال : ” … مع أني أشهدكم : لو أرادوا زيارتي ما مكنتهم من زيارتي والله لا يدخلون بيتي إن شاء الله – مستعد أن أمكن حمير آبائهم ولا أمكنهم من زيارة بيتي !!! )) انتهى
أقول مستعيناً بالله تعالى :
– الحلبي يحاول ضرب أقوال العلماء بعضها ببعض، متلاعباً بعقول القراء، موهماً لهم أن هذا الكلام بينه تناقض ! وإنما التناقض في عقل الحلبي الركيك أو في مقصده الفاسد .
– فليس بين كلام الشيخ ربيع المدخلي والشيخ عبيد الجابري تخالف أو تناقض، ولكن كما سبق تقريره، فلكلٍ مقامه ولكلٍ ما يناسبه .
– فمن كان يرجى قبوله للحق يناصح ويبين له الحق، ومن عرف عنه التلاعب والغموض والإصرار على الباطل يهجر .
– وكلام الشيخ عبيد الجابري كان في مقام من ظهر منه التلاعب وعدم قبول الحق حتى حذَّر منه العلماء لا فيمن ترجى توبته وقبوله للحق .
– وكلام الشيخ عبيد الجابري واضح لكن الحلبي حذف منه جملاً تظهر خلاف مراده، ولم يشر إلى الحذف تدليساً وتلبيساً !!! وإليك نص كلامه كاملاً: فقد قال الشيخ عبيد الجابري ( …. مَع أَنَّهُأُشْهِدُكُم لَو أَرَادُوا زِيَارَتِي مَا مَكَّنْتُهُم مِنْ زِيَارَتِي، وِاللهِلاَ يَدْخُلُون بَيْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَاللهِ أُبْغِضُهُم فِي ذَاتِاللهِ وَلا أُبَالِي هَذَا دِينٌ أَدِينُ اللهِ بِهِ فَلَو اسْتَزَارُونِي مَازُرْتُهُم وَلَو طَلَبُوا زِيَارَتِي فِي بَيْتِي وَاللهِ مَا مَكّنتُهُم،مُسْتَعِدّ أَنْ أُمَكِّنَ حَمِيرَ آبائِهِم وَلاَ أُمَكِّنهم مِنْ زِيَارَةِ بَيْتِي انتهى .
والعجيب أنك يا حلبي نقلت كلاماً للشيخ عبيد فيه أنه لا مانع من مناصحة أهل البدع إذا كانت النصيحة تفيدهم وتؤثر فيهم إلا أنك لم تستفد منه أو أردت التلبيس حيث قلت فيما سميته بـمنهج السلف الصالح (ص283) حاشية رقم (1) ( قالَ الشيخُ عبيدٌ الجابريُّ -وَفَّقَهُ الله- في «أصولٌ وقواعِدُ في المنهجِ السَّلَفِيِّ»:
«النصيحةُ لها حدٌّ محدودٌ؛ فالشّخصُ المبتدعُ: إذا رأيتَ أنَّ قُرْبَكَ يُؤَثِّرُ فيه، ويكسرُ حِدَّتَهُ في البِدعة، ويقرِّبُهُ إلى السَّلَفِيَّةِ: فعليكَ به؛ كُن معه.
لكنْ؛ إذا لم يكنْ نُصحُك نافعاً له، ولا مُفيداً؛ فانفُض يديك منه، ثم -بعد ذلك- عامِلْهُ بما يستحقُّ: قد يُهجَر، وقد لا يُهجَر، ولكنَّهُ يُحَذَّرُ مِن أفكارِه.
هذا أمرٌ راجعٌ إلى (قاعدةِ النَّظَر في المفاسدِ والمصالحِ) المترتِّبةِ على ذلك». انتهى
وإليك جواباً واضحاً للشيخ عبيد الجابري في تأكيد ما سبق حيث سئل كما في ضوابط معاملة السني للبدعي (1-2) : ما حكم مخالطة وبالأخص مجالسة أهل البدع والأهواء من الإخوان والتبليغ والحزبيين على نوعَيهم المكفّرون وغير المكفرون. نعم؟
فأجاب حفظه الله تعالى : يجب على السني أن يفاصل أهل البدع وأن يبتعد منهم وأن يحذرهم، هذه القاعدة العامة في أهل البدع سواء كانوا مكفّرين أو غير مكفرين، لكن مناصحة أفراد من أهل البدع سواء كانوا إخوانيين أو تبليغيين أو سروريين، تبليغيين أو غيرهم، مناصحة أفراد منهم جُرِّب نفعها وعلى هذا فإنه في مجالسة أهل الأهواء التفصيل الآتي:
أولا: عدم مجالسة الجماعة المتميزة في أهل البدع وعدم مخالطتهم في مراكزهم ومنتدياتهم.
ثانيا: جواز مخالطة عدد يسير منهم جرب أنهم يستفيدون من المجالسة.
ثالثا: إذا كان هذا المجالس وهذا المخالط من العَلَم أو من الأعلام في السنة فإنه يجب أن يبتعد منهم ولا يأتيهم، حيث تجمعاتهم لأن يغتّربه كثير من الناس، إذا جلس إليهم الرجل العلَم في السنة المعروف بالذب عن السنة ومناصرتها فإنهم أهل البدع يلبّسون به ويتكسبون به، يلبسون به على الناس ويغرون به الناس ويتكسبون به وفي مخالطته إياهم تنفى الصبغة الشرعية، فلهذا نقول لا يجوز له، لكن إنسان أقل منه ليس بمشهور لا مانع أن يخالط قلّة قليلة يستزيرهم أو يزورهم ليبذل النصح لهم فإذا جرّب النفع وظهرت الثمار واستبان لهم الحق يستمر معهم، وإلا فليرفع يديه عنهم وليتركهم ولا يدوم معهم مداومة يتقوَّون بها، المعروف أن أهل البدع سواء كانوا قليلين أو كثيرين إذا داوم السني معهم الخلطة فإنه يغتر به غيره، وهم يتقوون به، هم يتقوون به، نعم هذا هو الأصح. انتهى.
وقال الشيخ عبيد الجابري في جناية التمييع على المنهج السلفي :
السؤال السابع:يمضي بعض الناس السنين والشهور في منا صحة أهل الأحزاب كالإخوان المسلمين والتبليغ مع مجالستهم، والحجة لمناصحتهم،فهل هذا كان عليه عمل السلف؟
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : المناصحة لابد أن تنتهي إلى شيءوهي إما قبول المنصوح نصيحة الناصح ورجوعه إلى الحق وسلوكه سبيل المؤمنين وانتهاج السنة; أو العناد والإصرار، لابد أن تنتهي إلى شيء، وهذا الأمر لا يستدعي التطويل أبداً، بل يظهر في جلسات هذا في الغالب، وإنمالوساغ التطويل فهونادر في حق أناس يظهر منهم اللين ويظهر منهم شيء من القرب، لكن عليهم غبش، فهؤلاءيحتاجون إلى شيء من التعاهد، أما مجالسة جميع أهل أهواء أو في مجلس يغلب عليه أهل أهواء، مجالسة ممازجة ومخالطة يعني على الدوام فهذا ليس عليه عمل السلف فيما علمناه حتى الساعة انتهى .
وبهذا ظهر أنه لا تناقض بين أقوال العلماء ومنهج السلف الصالح .
وأورد الحلبي كلام الشيخ العلامة ربيع المدخلي (30) : ” … وَانْظُرُوا إِلَى الأَعْدَاءِ فَرِحين! فَإِنَّ الدَّعْوَةَ السَّلَفِيَّةَ تَوَقَّفَت، وَضُرِبَت… ))
فعلق عليه الحلبي في الحاشية رقم (2) بقوله :
(( نعم والله فلم يبقَ للسلفيين شغل شاغل إلا تجريح بعضهم بعضاً فآلوا {كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً})) انتهى .
أقول مستعيناً بالله تعالى :
– الحلبي يتهم السلفيين عموماً – كما هو ظاهر كلامه وقد سبق ما يؤيد هذا الظاهر من كلامه مع رده في الحلقة السابعة – بأنهم أهل تجريح حتى آل الأمر بعد أن بدعوا غيرهم إلى أن رجع بعضهم إلى بعض فجرح بعضهم بعضاً …
– وكلام العلامة ربيع المدخلي حفظه الله تعالى في مخالفة بعض المنتسبين للمنهج السلفي لمنهج السلف، ووقوعهم في أمور أضرت بالدعوة السلفية بخلاف ما يوهمه كلام الحلبي من حمل كلام الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى على غير مراده حيث حمله على معنى أن الشيخ ربيع المدخلي يذم السلفيين الذين يردون على من خالف الحق متعمداً ولو كان سلفياً، ولا شك أن هذا من تحميل الكلام ما لا يحتمله ومواقف الشيخ ربيع المدخلي وأقواله شاهدة بخلاف هذا المعنى قال الإمام ربيع السنّة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ورعاه في المحجّةالبيضاء في حماية السنّة الغرّاء : إذا جرح العالم الناقد من يستحق الجرح ببدعة، وحذر من بدعته؛فهذا من أهل العدل والنصح للإسلام والمسلمين، وليس بظالم، بل هو مؤدٍ لواجب.
فإن سكت عمن يستحق الجرح والتحذير منه فإنه يكون خائناً، غاشاً لدين الله وللمسلمين فإن ذهب ذاهب إلى أبعد عن السكوت،من الذب والمحاماة عن البدع وأهلها فقد أهلك نفسه، وجَرَّمن يسمع له إلى هوة سحيقة، وأمعن بهم في نصر الباطل ورد الحق .وهذه من خصائص وأخلاق اليهود، الذين يصدون عن سبيل الله وهم يعلمون انتهى .
– وهذه الآية للحلبي منها نصيب في منهجه الجديد ! فهو الذي تغير وتبدل، وسيأتي مزيد بيان لمطابقة حال الحلبي بما جاء ذمه في الآية .
أخوكم
أحمد بن عمر بازمول
الثلاثاء بعد الفجر
6 / شعـ8ـبان / 1430هـ