بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد:
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله على خطأٍ كبير ظاهر منتشر بين الناس والوقوع فيه له أثر عظيم على الصيام هذا الخطأ هو عدم تعلم الصائم أحكام الصيام وما يتعلق به من آداب وسنن و الأمور التي يجب على الصائم تجنبها كالمفطرات والغيبة والنميمة وغير ذلك.
فتجد الواحد منهم يصوم على غير بصيرة وعلم فيقع في أمر يخالف صيامه وهو لا يشعر بسبب جهله أحكام الصيام وما يتعلق به ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:”رب صائم حظه من صيامه الجوع و العطش”(حديث صحيح:أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي).
وهذا حديث عظيم يغفل عنه كثير من الصائمين .
هذا الحديث يبين أن بعض الصائمين حظه من صيامه وأجره : العطش والجوع نفسه فقط ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والسؤال هنا : لماذا يكون حظه ونصيبه من صومه الجوع والعطش فقط ؟
والجواب عن هذا السؤال هو لأنه خالف أحكام الصيام ووقع فيما يخالفه ويضيع ثمرته فتراه يقع في الحرام من الغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والسباب ولا يحفظ جوارحه عن الآثام !
و للأسف الشديد أيها الأخوة الكرام هذا الخطأ الكبير والظاهرة الخطيرة من عدم تعلم أحكام الصيام ليست فقط في رمضان بل هي في جميع أحكام الدين في الطهارة والصلاة والزكاة والحج و النكاح و الطلاق فتجد كثيراً من الناس يجهلون أحكام دينهم فيخالفونها بدون علم ولو أنهم تعلموها لم يخالفوها.
والعجب أننا نرى هؤلاء إذا أراد أحدهم أن يشتري شيئاً من متاع الدنيا الزائل نجده يسأل عنه وعن كيفية استعماله وعن ما يحتاج إلى صيانة ولا يقبل قول أي أحد بل لا بد أن يكون خبيراً مجرباً عندها يطمئن ويرضى قبل أن يشتريه.
أما في أمور دينه وأحكامه التي يحتاج إليها فنجده يعمل بلا بصيرة ولا علم و يعمل كما يعمل عامة الناس!
فالواحد منهم للأسف في أمور الدنيا عالم فاهم وفي أمور آخرته و دينه جاهل متخبط يمشي بلا علم.
والله عز وجل أمرنا أن نسأل أهل العلم إذا جهلنا الحكم فقال تعالى{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وأهل الذكر هم أهل العلم فالله أمرنا أن نسأل أهل العلم ولم يأمرنا أن ننظر إلى ما يفعله عامة الناس.
وقال صلى الله عليه وسلم “إنما شفاء العي السؤال”
وقال صلى الله عليه و سلم “طلب العلم فريضة على كل مسلم”
و هذا حديث عظيم يدل على وجوب تعلم أمور الدين فيما يلزم المسلم في خاصة نفسه وذلك “لما تقرر و ثبت أنه لا يجوز لأحد أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه فهذه من فروض الأعيان لا يحملها أحد عن أحد”
ويدل على أن الذي لا يتعلم أمور دينه التي يحتاج إليها : آثم؛ لأنه مقصر ومفرط.
وعامة الناس مثله في عدم العلم إلا ما رحم الله ولذلك جهل كثير من الناس أحكام دينهم فطرأ و حصل التغير وقد لاحظ هذا التغير الصحابي الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه لاحظ التغيير و النقص في الصلاة وهي تؤدى خمس مرات في اليوم والليلة كما روت ذلك أم الدرداء حيث قالت دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ ومراد أبي الدرداء رضي الله عنه أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة وهو أمر نسبى لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان اهـ أي القرن التاسع
قلت : فكيف في هذا القرن الخامس عشر لكن لا شك أن هناك طائفة باقية على الحق متمسكة بهديه صلى الله عليه وسلم داعية إليه والله المستعان .
و نحن في هذه الأيام المباركة أيام رمضان نحتاج لمعرفة أحكام الصيام.
ولعلك أخي الكريم تقول كيف أتعلم أحكام الصيام ؟
فالجواب : هو أنك يمكنك أن تتعلم أحكام الصيام عن عدة طرق:
الطريقة الأولى: هي أن تجلس في حلق العلم فتسمع وتتعلم وتعمل.
الطريقة الثانية: هي عن طريق سؤال أهل العلم عن ما تحتاج إليه من أحكام الصيام.
الطريقة الثالثة:عن طريق الاستماع لأشرطة أهل العلم كالشيخ ابن باز والعثيمين رحمهما الله وكالشيخ عبدالعزيز آل الشيخ والفوزان والغديان وغيرهم حفظهم الله التي تتكلم عن الصيام وأحكامه وهي متوفرة ـ بحمد الله ـ .
الطريقة الرابعة:عن طريق المواقع السلفية في الإنترنت التي تخصص في المنتدى ركناً لما يتعلق بالصيام .
الطريقة الخامسة : عن طريق قراءة الكتب التي بينت وتكلمت عن أحكام الصيام.
لكن احرص على أخذ العلم من أهله الموثوق بهم.
أيها الإخوة الأفاضل :
كل واحد منا راعٍ وهو مسئول عن رعيته لقوله صلى الله عليه و سلم ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته”
فيجب علينا أن نعلم أبناءنا وبناتنا ونساءنا أحكام الصيام وما يحتاجون إليه فيه.
ولنعلم جميعاً أن من علم علماً كان له مثل أجر من عمل به لقوله صلى الله عليه وسلم “من علَّم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل”
بل تعليم المسلم للآخرين ينفعه بإذن الله بعد موته قال صلى الله عليه و سلم “أربع من عمل الأحياء تجري للأموات وذكر منها: و رجل علم علماً فعمل به من بعده له مثل أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجر من يعمل به شيء”
أيها المسلمون إن جهلنا بأحكام ديننا قادنا إلى الوقوع في المحرمات والمعاصي وأبعدنا عن ربنا سبحانه وتعالى فتسلط علينا أعداؤنا من اليهود والنصارى أخزاهم الله كما قال صلى الله عليه وسلم ” إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم”
فتأملوا قوله صلى الله عليه و سلم ” حتى ترجعوا إلى دينكم” ما قال حتى تعملوا جماعات أو مظاهرات إنما يرفع الله عنا الذل إذا رجعنا إلى ديننا والرجوع إلى الدين هو الرجوع إلى الكتاب و السنة على فهم الصحابة السلف الصالح رضوان الله عليهم.
أيها الصائمون إذا أردنا العزة من الله تبارك و تعالى وأردنا أن يرفع عنا الذل وينصرنا على عدونا فلا بد من العلم بأحكام الدين ولا بد من العمل بهذا العلم والعمل بالعلم هو بيت القصيد وهذا كما قال تعالى{إن تنصروا الله ينصركم} فهذا أمر من الله للمؤمنين أن ينصروا الله بالقيام بدينه والدعوة إليه وجهاد أعدائه وأن يقصدوا بذلك وجه الله فإنهم إذا فعلوا ذلك نصرهم وثبت أقدامهم أي يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات ويعينهم على أعدائهم.
فهذا وعد من كريم صادق الوعد أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه وييسر له أسباب النصر من الثبات و غيره
وفي ختام هذه الحلقة اسأل الله أن يبصرنا في أمور ديننا وأن يعيننا على صيام رمضان وقيامه وأن لا يجعلنا من الذين حظهم من صيامهم الجوع والعطش، وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الأمين، والحمد لله رب العالمين.
أخوكم المحب
د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول