بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يظن إن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم أنه لا يجوز له الفطر إلا إذا دخل عليه رمضان وهو مسافر وهذا لا شك أنه خطأ مخالف لفعل النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضوان الله عليهم جميعاً فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء فيه شراب فشربه نهاراً ليراه الناس ثم أفطر حتى دخل مكة قال ابن عباس رضي الله عنهما فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر”
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله : في المسألة قول شاذ جداً لا يلتفت إليه وهو إنه إن دخل عليه الشهر وهو مقيم ثم سافر في أثنائه لم يجز له الفطر ولا يفطر حتى يدخل عليه رمضان مسافراً وهذا قول عبيدة السلماني وأبى مجلز وسويد بن غفلة وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الفتح في رمضان فصام وأفطر انتهى
وقال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله : إذا نوى حاضر ـ أي مقيم ـ صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر على الصحيح ولا يلزمه إتمام ذلك اليوم في السفر انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يظن أن السفر المبيح للفطر هو السفر الشاق وأننا في هذه الأيام مع نعمة المواصلات برية وبحرية وجوية وسهولة الطر ق لا يجوز لنا الفطر لأنه لا توجد مشقة علينا وأنه ما دام مستطيعاً للصوم فيجب عليه أن يصوم ! وهذا خطأ؛ لأن الشارع أباح الفطر في السفر مطلقاً ولم يقيد ذلك بنوع من المركوب ولا بخشية التعب أو الجوع أو العطش فيجوز للمسافر سفر قصر أن يفطر في سفره سواء كان ماشياً أو راكباً وسواء كان ركوبه بالسيارة أو الطائرة وغيرهما وسواء تعب في سفره تعباً لا يتحمل معه الصوم أم لم يتعب وسواء اعتراه جوع أو عطش أم لم يصبه شيء من ذلك.
قال شيخ الإسلام العلامة الفهامة ابن تيمية رحمه الله :الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين سواء كان سفر حج أو جهاد أو تجارة أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله ورسوله
فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة.
ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة سواء كان قادراً على الصيام أو عاجزاً وسواء شق عليه الصوم أو لم يشق بحيث لو كان مسافراً في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر ومن قال إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وكذلك من أنكر على المفطر فإنه يستتاب من ذلك.
ومن قال إن المفطر عليه إثم فانه يستتاب من ذلك فان هذه الأحوال خلاف كتاب الله وخلاف سنة رسول الله وخلاف إجماع الأمة انتهى
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أنه لا يجوز له الفطر إلا إذا كان خارج البنيان في طريق السفر وهذا خطأ؛ لأنه يجوز له إذا نوى السفر أن يفطر وهو في المدينة فعن محمد بن كعب أنه قال أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة قال سنة ثم ركب.
وعن جعفر بن جبر قال كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداه قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال اقترب قلت ألست ترى البيوت قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعفر في حديثه فأكل.
قال الترمذي : قد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقالوا للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج وليس له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية وهو قول إسحاق بن إبراهيم الحنظلي انتهى
وقال إسحاق بن منصور للإمام أحمد بن حنبل : إذا خرج مسافراً متى يفطر؟
فقال الإمام أحمد : إذا برز عن البيوت .
فقال إسحاق بن راهويه : بل حين يضع رجله فله الإفطار كما فعل أنس بن مالك وسن النبي صلى الله عليه و سلم وإذا جاوز البيوت قصر انتهى
وقال ابن قيم الجوزية : كان الصحابة رضوان الله عليهم حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت ويخبرون أن ذلك من سنته وهديه صلى الله عليه و سلم وهي آثار صريحة في أن من أنشأ السفر في أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنه أن الصوم في السفر أفضل من الفطر وبعض الصائمين يظن أن الفطر في السفر أفضل من الصوم فيعيب المفطر على الصائم والصائم على المفطر وهذا خطأ فكلٌ مصيب له أجره ولم يخالف السنة
فعن حميد قال سئل أنس رضي الله عنه عن صوم رمضان في السفر فقال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تَعِب على من صام ولا على من أفطر قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر
وعن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم قالا سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصوم الصائم ويفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض.
وعن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم “صم إن شئت وأفطر إن شئت”
و الفطر أفضل من السفر خاصة لمن به ضعف والصوم أفضل لمن وجد قوة :عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه”
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال “كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن”
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يصوم في السفر والصوم عليه شاق فيتضرر منه ! وهذا لا شك أنه خطأ وفي مثل حاله يكون صومه في السفر ليس من البر إذ الفطر في السفر جائز لكنه يتأكد إذ شق عليه الصوم لشدة حر أو وعورة طريق أو بعد شقة وتتابع سير
فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ناساً مجتمعين على رجل فسأل فقالوا رجل أجهده الصوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليس من البر الصيام في السفر”
وفي لفظ جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء فقال صلى الله عليه وسلم ما بال صاحبكم هذا ؟ قالوا يا رسول الله صائم فقال صلى الله عليه وسلم “إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها “
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول