بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدأن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةبدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهذه هي الحلقة السادسة من سلسلة صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات الحلبي – بحمد الله تعالى – والتي كشفت فيها عن بعض وسوسة الحلبي وتلبيساته في كتابه الذي سماه بـ”منهج السلف الصالح”.
وقد سبق في الحلقة الخامسة مناقشة الحلبي في طعنه في بعض علماء السلفية الذين لا يشك أحد في علمهم وورعهموتقواهم بأسلوب ماكر، فهو لم يذكرهم بأسمائهم ولكن ذكر أموراً يعرف كل سلفي أنهالهم، وأخذ يفسرها ويهول فيها على خلاف الحق.
وقد لقيت بحمد الله تعالى قبولاً واستحساناً من كثير من العلماء وطلاب العلم، وقد انتفع بها كثير ممن كان مغتراً بالحلبي محسناً الظن به، فظهر حاله وانكشف أمره – بفضل الله أولاً وآخراً – ثم بفضل العلماء السلفيين الذين علمونا المنهج السلفي الصحيح، وحفظوه لنا من التبديل أو التحريف أو التعطيل جزاهم الله عنَّا جميعاً خيراً .
وفي هذه الحلقة – إن شاء الله تعالى – استكمل شيئاً من طعن الحلبي في العلماء السلفيين!
ولعلك أخي القارئ الكريم تسأل : لماذا يطعن الحلبي في العلماء السلفيين؟
وجوابه: أن الحلبي إنما طعن في هؤلاء العلماء السلفيين؛ ليصرف الشباب السلفي عن سماع الحق وقبوله، وعن كشف ما وقع فيه من المخالفة للمنهج السلفي، قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله تعالى – كما في محاضرات في العقيدة والدعوة (3/125) :” ما يريد الأعداء من المسلمين يرون أن يفصلوا العامة عن العلماء ويريدون أن يفصلوا شباب الأمة عن العلماء بحيث لا يتعلمون العلم من العلماء، وعند ذلك تسنح لهم الفرصة ؛ لتقطيع جسم الأمة والسطو عليه؛ لأنه لا يقف في وجوههم إلا العلماء فإذا حالوا بين العلماء وبين الشباب وبين عامة الناس وعزلوا بعضهم عن بعض حينئذٍ سنحت الفرصة لأعداء الله ورسوله للانقضاض على أمة المسلمين وما كان يقف في وجوه الظلمة وما كان يقف في وجوه الكفار والزنادقة والمنافقين إلا أهل العلم يبطلون شبهاتهم ويدمغون أقوالهم بالكتاب والسنة يوقفونهم عند حدهم ويردون عليهم الشبهات” انتهى.
وأسوق لك أخي القارئ كلام الحلبي الذي يطعن فيه على علماء الأمة:
قال الحلبي فيما سماه بـمنهج السلف الصالح (ص71) :”
المسألةُ السابعةُ: البدْعَةُ والتَّبْدِيع:
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مِنْ أَهَمِّ المَسَائِل وأَدَقِّها.
وَقَدْ تَنَبَّهْتُ لخَطَرِ (البدع) و(المبتدعة) -قَدِيماً -وَلِلَّـهِ الحَمْدُ-، وَأَلَّفْتُ فِي ذَلِك: «عِلْمَ أُصُولِ البِدَع»، وَحَقَّقْتُ: «الحَوادِثَ وَالبِدَع» -لِلطُّرْطُوشِي-…
وَالخَلَلُ الأَهَمُّ -فِي تَطْبِيقِ هَذا الأَصْلِ -اليَوْم- كَامِنٌ فِي تَسَلْسُلِ الحُكْمِ بِالبِدْعَةِ عَلَى مَنْ خَالَفَ غَيْرَهُ فِي الحُكْمِ عَلَى (فُلاَن) أَوْ (عِلاَّن) بِأَنَّهُ: مُبْتَدِع!
نَعَم؛ بَعْضُهُم (!) يُنْكِرُ ذَلِكَ (قَوْلاً)، وَلكِنَّهُ يُواقِعُهُ (مُمَارَسَةً)، وَ(حَالاً)!!
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ -حَقًّا- تَبْدِيعٌ؛ فتَراهُ يَسْتَعْمِلُ فِي مُخالِفِهِ عِبَاراتٍ شَدِيدَةً، وَأَلْفاظاً قَاسِيَةً؛
(تَكادُ) تَكُونُ -أَحْياناً- مِثْلَ التَّبْدِيعِ -بل أَشَدَّ-!
فتَرَاهُم (!) يَقُولُون -لِلمُنْتَقَد-:
سَاقِطٌ! مُمَيِّع! ضَائِع! مُتَهَاوِن! لاَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ! مَتْرُوك! مُتَفَلْسِف!!
… وَأَشْبَاهُ هَذِهِ العِبَارَاتِ الغَلِيظَات!….) انتهى
أقول مستعيناً بالله تعالى :
1- هذه المسألة لا شك أنها “مِنْ أَهَمِّ المَسَائِل وأَدَقِّها”؛ لذلك يجب أن يعمل فيها بمنهج السلف الصالح؛ لأنه كله مصالح ! ولا تصلح فيها الاستحسنات العقلية، ولا المصالح الشخصية وإن سميت بـ(مراعاة المصالح).
2- ومع أهمية المسألة فهل سلك الحلبي فيها مسلك السلف الصالح، وسار فيها على نهجهم القويم، وامتثل نصحهم الأمين! أقول:- للأسف الشديد – الحلبي من أبعد الناس عن سلوك منهج السلف الصالح في هذه المسائل، كما سبق بيانه في مسألة (العقيدة والمنهج) وفي مسألة (الجرح المفسر) وفي مسألة (منهج الموازنات) وسيظهر لك أخي القارئ جلياً بإذن الله تعالى في هذه الحلقة شيء من ذلك .
3- يزعم الحلبي أنه تنبه لخطورة هذه المسألة من القديم فشارك في هذه المسألة بكتابين أحدهما تأليفاً وهو كتاب علم أصول البدع. والثاني : تحقيقاً: وهو كتاب الحوادث والبدع لأبي بكر الطرطوشي([1])! لكن هذا التنبه ليس تاماً فقد خالف الحلبي منهج السلف من القديم في تعامله مع بعض المخالفين لمنهج السلف والثناء عليهم.
سأل أبو طالب: الإمامَ أحمد عمن أمسك فقال: لا أقول: (ليس هو مخلوقًا) إذا لقيه في الطريق وسلم أيرد عليه السلام ؟ فقال الإمام أحمد : لا تسلم عليه! ولا تكلمه! كيف يعرفه الناس إذا سلمت عليه! وكيف يعرف هو أنك منكر عليه! فإذا لم تسلم عليه عرف الذل وعرف أنك أنكرت عليه وعرفه الناس”. أخرجه الآجري في الشريعة (1/530رقم191).
ومع ذلك فهذان الكتابان وغيرهما من كتبه المنهجية تدينه وترد على منهجه المحدث الجديد الذي خالف فيه منهج السلف الصالح؛ فليست المسألة بالتمني ولا بالتحلي، بل لا بد من موافقة القول للعمل، فمن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه.
4- واعتبر الحلبي أن موطن الخلل الأهم هو ” -فِي تَطْبِيقِ هَذا الأَصْلِ -اليَوْم- كَامِنٌ فِي تَسَلْسُلِ الحُكْمِ بِالبِدْعَةِ عَلَى مَنْ خَالَفَ غَيْرَهُ فِي الحُكْمِ عَلَى (فُلاَن) أَوْ (عِلاَّن) بِأَنَّهُ: مُبْتَدِع!”.
وهذا كلام في غاية السوء؛ لأن الحلبي يريد أن يقول : إن بعض المشايخ السلفيين، لم يطبقوا منهج السلف في مسألة البدعة؛ حيث اعتبروا أموراً بأنها بدعة وليست هي بدعة، ولم يكتفوا بجهل التطبيق لمعنى البدعة، حتى تسلسلوا بتبديع من ليس بمبتدع، ثم بدعوا من لم يبدع من بدعوه .
5- فإذا قال قائل للحلبي : اتقِ الله المشايخ يعرفون قواعد البدعة والتبديع ويؤصلونها في دروسهم وفتاواهم!
يجيبك الحلبي مباشرة بما قاله في كتابه هذا :” نَعَم؛ بَعْضُهُم (!) يُنْكِرُ ذَلِكَ (قَوْلاً)، وَلكِنَّهُ يُواقِعُهُ (مُمَارَسَةً)، وَ(حَالاً)!!” انتهى
وهذا ما صرح به الحلبي من بداية الكتاب حيث قال (ص9) حاشية رقم(1) لما بيَّن موقفه ممن ينقل عنه :” إن كثيراً من هذه النقول إنما هو على وجه الإلزامات لما خالف أفعال هؤلاء ما صدر عنهم من مقولات !
فكم رأينا ولا حول ولا قوة إلا بالله من يخالف فعله قوله!!!
ويكأنه يستروح التطبيق الجائر لقاعدة (القول مقدم على الفعل) فيتعمدها )”.
سبحان الله هذه مجرد دعوى منك يا حلبي كل واحد يقدر عليها، وأنت تدعي أنك أبو الحجج والبراهين، ولكن القضية هي أنك تغالط في هذه المسألة مغالطة بَيِّنة فتمدح وتزكي وتدافع عن أهل البدع مثل (عدنان عرعور والمغراوي والمأربي ومحمد حسان وغيرهم- وستأتي مناقشتك في ثنائك على بعضهم -) وتؤصل لهم أصولاً وتحدث لهم مخارج فلما ردَّ عليك بعض مشايخ السلفية بخطورة ما أنت عليه من التمييع والضياع والتفلسف بقلب الحقائق والمغالطة في الاستدلال والكلام عندها ثارت ثائرتك أيها الحلبي ورفضت الحق وأخذت تشغب على الأصول السلفية وعلى العلماء السلفيين الذين يصدق عليهم قول الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/82) :” نحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل لكن هم أكثر الناس صواباً وأندرهم خطأ وأشدهم إنصافاً وأبعدهم عن التحامل”.
وأما قولك أيها الحلبي (ويكأنه يستروح التطبيق الجائر لقاعدة (القول مقدم على الفعل) فيتعمدها )”. انتهى .
فهو قول منكر؛
إذ هذه قاعدة من قواعد الترجيح يوردها علماء الأصول عند تعارض فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله إذا لم يمكن الجمع،
فهي خاصة بالمعصوم عليه الصلاة والسلام،
وهذه من دسائسك لأنك تريد أن تقول: هم يدعون العصمة،
وأما قولك (يستروح … فيتعمدها)
فهذه تهمة شديدة لهؤلاء المشايخ -المعروفين بالعلم والعمل والتقوى والورع عند العلماء الكبار – بأنهم لا يخافون الله ولا يراقبونه . فالله حسيبك.
ودعواك يا حلبي أنهم يفعلون ما لا يقولون لا شك أنها طعنة شديدة وقدح في هؤلاء العلماء السلفيين الذين شهد لهم كبار علماء عصرهم بالعلم والتقوى والورع بل ووصفوهم بأنهم مجاهدون لأهل البدع والأهواء، ويشهد لهم واقعهم ومؤلفاتهم ومواقفهم.
وقد أكثر الحلبي في كتابه من رمي العلماء السلفيين بهذه التهمة :
من ذلك ما أورده الحلبي في كتابه المسمى بمنهج السلف الصالح (116-117) عن الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى أنه
قال :«نُحَذِّرُكُم مِن الظُّلْم، وَارْتِكَابِ البَهْت، وَانْتِهَاكِ أَعْرَاضِ مَن تُخَاصِمُونَهُم بِحَقّ -لَوْ كُنْتُم عَلَى حَقّ-، فَضْلاً عن أَنْ تَرْتَكِبُوا كُلَّ هَذا فِي حَقِّ مَنْ تُخَاصِمُونَهُم بِالبَاطِل؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلى عِبَادِه …. إلى أن قال الشيخ ربيع : وَإِنَّنِي لأَخَافُ عَلَى كثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ العَوَاطِفِ العَمْيَاءِ، وَالتَّبَعِيَّةِ البَلْهَاءِ أَنْ يَقَعُوا فِي اسْتِحْلاَلِ أَعْرَاضِ الأَبْرِيَاءِ مِنْ دُعاةِ السُّنَّةِ وَالحَقِّ -فَضْلاً عَنْ غَيْرِهِم مِنَ الأَبْرِياء-».
فعلق الحلبي على كلام الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى (ص117) حاشية رقم(2) بقوله (نريد من أنفسنا مصداقية هذه الكلمات العاليات على أرض الواقع، حتى لا نقع في الفارق السحيق بين النظرية والتطبيق) انتهى
أقول مستعيناً بالله تعالى :
الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى لم يخالف هذا الكلام ولا مصداقيته! فهو ثابت عليه سابقاً ولاحقاً إن شاء الله تعالى .
لكنك أنت لم توضح للقراء كلام الشيخ ربيع المدخلي فيمن قاله ولمن وجهه؟!!
فالشيخ ربيع المدخلي وجه هذا الكلام لأناس يحاربون السلفيين، ويخالفون منهجهم ويظلمونهم في خصوماتهم! كما تفعل أنت الآن يا حلبي وأتباعك فيما سميته منتدى (كل السلفيين) مع الأسف.
ولا تستطيع أنت ولا غيرك إثبات مخالفة الشيخ ربيع المدخلي وإخوانه العلماء الخفيفة فضلاً عن السحيقة لأقوالهم بأفعالهم إلا بالدعاوى الظالمة؛ لقصد التشويه كما يفعله خصوم الدعوة السلفية سابقاً ولاحقاً .
هذا يا حلبي طعن شديد ظالم فاتقِ الله.
وما أظنك تقول مثل هذا الطعن الشديد فيمن يرتكب المخالفات للمنهج السلفي وأهله! بل ما نراك إلا محامياً لهم، مؤصلاً للدفاع عنهم وعن مخالفاتهم مهوناً جداً من شأنها وآثارها وتدعي أنك تخاف الله فيهم !؟
فما بالك لا تخاف الله في أهل الحق والسنة .
ثم : هل المشايخ الذين تتكلم عنهم أصحاب عواطف عمياء، ويطعنون في الأبرياء! أثبت ذلك أيضاً وإلا فأنت الذي تطعن في أعراض الأبرياء.
وعلق الحلبي في (ص222) رقم (1) على كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم :” وَلَيْسَت هَذِهِ المَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِمِن الأَئِمَّة؛ بَلْكُلُّأَحَدمِنالنَّاسيُؤْخَذُمِنقَوْلِهِ وَيُتْرَك…”.
علق الحلبي بقوله :” وَلاَ يَكْفِي -كَمَا لاَ يَخْفَى- تَأْصِيلُ هَذا الكَلاَمِ المُحَقَّقِ بِـ (لِسَان المَقَال)! -كما هو شأنُ (البعض!)- مَعَ مُخالَفَتِهِ وَمُناقَضَتِهِ بِـ (لِسَان الحَال) -كَثِيراً أَوْ قَلِيلاً-!
وَمَنْ فَعَلَ -أَوْ فُعِلَ بِهِ، أو مَعَهُ!-؛ فَلْيَرْجِع، وَلْيُرَاجِع” انتهى .
أقول لقد أصبحت أيها الحلبي أبا الدعاوى الفارغة لا الحجج.
فأثبت لنا قضية خالفوا فيها الحق، وخالف فيها قولهم فعلهم بتعمد وهوى ! ولكن أنت أصبحت خاوياً من العلم والحجج فأصبحت تقذف بالباطل على الحق؛ فيدمغك ولا يؤثر في الحق وأهله – بإذن الله – شيئاً.
وقال الشيخ ربيع المدخلي كما في النصيحة التي بنى الحلبي عليها كتابه المسمى بـمنهج السلف الصالح (ص276-277)
قال الشيخ ربيع المدخلي في النصيحة (277) :” وَكَذَلِك: صَلَاةُ الصَّحَابَةِ وَرَاءَ عُثْمَان وَهوَ يتِمُّ في صَلَاةٍ كَانَ يَقْصُرُهَا رَسُولُ الله ﷺ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، لَيْسَت مِن بَابِ التَّنَازُلِ عَن سُنَّةٍ أَو عَمَلٍ فَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا مِن بَابِ (دَرْءِ المَفَاسِدِ الكُبْرَى)”.
فعلق عليه الحلبي حاشية (3) : أين فقه هذا التأصيل السلفي في هذا الزمان؟!
وأين العامل به في ذا الأوان ؟!”.انتهى
أقول : هكذا ينفي الحلبي عن المشايخ السلفيين الفهم الصحيح للتأصيل السلفي قولاً وعملاً في هذا الزمان أي الذي كتب فيه رسالته هذه.
مع أن حال هؤلاء المشايخ الذين يطعن فيهم الحلبي هو نفس حالهم أيام الألباني وابن باز وابن عثيمين، ويصدقهم على حالهم لسان مقال أولئك المشايخ الذين أثنوا عليهم ووصفوهم بالعلم والورع والتقى والجهاد لأهل الأهواء.
لكن: هل حالك أيها الحلبي وأقوالك الآن هي نفس حالك أيام حياة الألباني ؟!
إن كان الجواب: بلا : فقد صدقت واعترفت بالتغير والتحول عن الحق
وإن كان الجواب : بنعم حالي هو، هو : سيرد عليك الكثير ويكذبونك في هذا الجواب لكن أتدري أول من يرد عليك : صوتياتك وكتبك.
بل ذكرت يا حلبي أنك تغيرت عما كنت عليه قبلُ في حاشية (ص307).
وقد ذكرت أمثلة كثيرة في أثناء الردود عليك بقولي : رد الحلبي على الحلبي .
بل صرحت أيها الحلبي بذلك في كتابك المسمى بمنهج السلف الصالح (ص16) حاشية رقم (2) بقولك :” وأقول منصفاً نفسي ومعترفاً بتجاوزي!-: لئن تقدم منى قبلاً يد سبق في شيء من هذا الغلو وأربابه؛ فإني أرجو ربي أن يكون لي قدم صدق في رد الحق إلى نصابه، وتحرير هديه وصوابه ….” انتهى.
فها أنت اليوم تزري بما كنت عليه في السابق من السير على منهج السلف فترى ما كنت عليه من الخير تجاوزاً وغلواً !!
وترى حالك الجديدة القائمة على الدفاع عن أهل الباطل والمحامات عن أهل البدع ومناهجهم الفاسدة رداً للحق إلى نصابه !!
فنعوذ بالله من الحور بعد الكور : قال الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان :” اعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكره وأن تنكر ما كنت تعرفه وإياك والتلون فإن دين الله واحد”. أخرجه معمر في الجامع (11/249رقم20454) وغيره من طرق عن أبي مسعود عن حذيفة.
6- وانتقل الحلبي إلى القضية الخطيرة وهي تهمة المشايخ السلفيين بعدم تقواهم وخوفهم من الله إذ أنهم من غير تطبيق علمي للقواعد السلفية وخلوهم من الحجج يرمون من خالفهم بألفاظ شديدة قاسية فيها تبديع بل أشد من التبديع حيث قال الحلبي :” فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ -حَقًّا- تَبْدِيعٌ؛ فتَراهُ يَسْتَعْمِلُ فِي مُخالِفِهِ عِبَاراتٍ شَدِيدَةً، وَأَلْفاظاً قَاسِيَةً؛ (تَكادُ) تَكُونُ -أَحْياناً- مِثْلَ التَّبْدِيعِ -بل أَشَدَّ-! فتَرَاهُم (!) يَقُولُون -لِلمُنْتَقَد-: سَاقِطٌ! مُمَيِّع! ضَائِع! مُتَهَاوِن! لاَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ! مَتْرُوك! مُتَفَلْسِف!!
… وَأَشْبَاهُ هَذِهِ العِبَارَاتِ الغَلِيظَات!….) انتهى
أقول : اتقِ الله أيها الحلبي ألأجل الدفاع عن نفسك وعن أهل الباطل: ترمي المشايخ بمثل هذه التهم، هذا لو وقع عليك من المشايخ – خطأ – تنزلاً – ما كان ينبغي لك أن تتعامل مع ورثة الأنبياء الذين جاوزت أعمارهم الستين والسبعين بل بعضهم جاوز الثمانين.
فكيف وهم وصفوك وغيرك بما أنتم عليه وبما تستحقون وبما يليق بحالكم بل والله تورعوا معك كثيراً وما كان هذا منهم إلا بعد نصحهم لك سنوات طويلة، وصبرهم عليك علك ترجع إلى الحق، وتؤوب إلى رشدك، وقد وجهوك إلى منهج السلف الصالح وأقاموا عليك الحجج مع قيامها من قبل عليك فمثلك – صاحب المؤلفات في المنهج السلفي – لا تخفى عليه مثل هذه الأمور ولكن الهوى يصرف عن الحق.
ثم هات الأدلة على هذه الدعوى العريضة! فها أنت وإخوانك تقفون إلى جانب كل من أثار فتنة على السلفيين تنافحون عنهم مثل عدنان عرعور والمغراوي وأبي الحسن المصري المأربي ومحمد حسان وغيرهم.
ولم يبدعك أحد من السلفيين لا من العلماء ولا من الطلاب، وهذا منك على امتداد ما لا يقل عن عشر سنوات فأي حلم وأي صبر يفوق هذا الذي قام به من ترميهم بتديع من لا يبدع.
هذا مع أن المشايخ السلفيين لو بدعوك لوجدوا لهم أسوة في منهج السلف الصالح، قال ابن عون :” من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع “. أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/473رقم486).
وقال الفضيل بن عياض :”من جلس مع صاحب بدعة فاحذره”. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (8/103) وابن بطة في الإبانة (2/459رقم437).
وقال البربهاري في شرح السنة (112رقم145) :” إذا رأيت الرجل جالس مع رجل من أهل الأهواء فحذره وعرفه فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه فإنه صاحب هوى”.
7- علق الحلبي على قول (متفلسف) بقوله :
والرميُ بـ(التَّفَلْسُف!) -بغير حقٍّ- قديمٌ:
فقد نَقَلَ النَّسائيُّ عن ابن مَعِينٍ قولَهُ في (أحمد بن صالح المصري): «كَذَّاب يَتَفَلْسَف!».
فقال الذهبيُّ في «الميزان» (1/241):
«آذى النَّسائيُّ نفسَه بكلامِه فيه»!
وقال العلَّامةُ المُعَلِّمِيُّ في «التنكيل» (1/113) -في (أحمد بن صالح)-:
«معروفٌ بالصِّدْق؛ لا شأنَ له بالتَّفَلْسُف»!
وقال العِراقيُّ في «شرح التبصرة والتذكرة» (2/327):
«لعلّ ابن مَعِين لا يدري ما الفلسفة! فإنَّه ليس مِن أهلِها»!
قلتُ:
فواللـهِ؛ لا أعرفُ الفلسفةَ، وليسَ لي بها أدنى صلة؛ إلَّا النَّقْدَ والرَّدَّ -بحمدِ الله-.
بَل ليَ تحت الطَّبْع -بتوفيقِ المولى -سبحانه- رسالةٌ بعُنوان: «النقد السلَفي للفكر الفلسَفي».
ثم يأتي (البعضُ!)، فيتَّهِمُنِي بها (!) وأنا أنْقُدُها!!
هذا -كُلُّه- مع اتِّفاقِ الجميع على أصول المنهج السَّلَفِيّ، وأُسس الاعتِقاد السَّلَفِيَّة!!
(إن هذا لشيء عجاب)…. انتهى
أقول مستعيناً بالله تعالى :
أولاً : وقعت فيما فررت منه أيها الحلبي فكلامك هذا هو عين ما وصفك به الشيخ عبيد الجابري كما سبق نقله فأنت تغالط: فلسفةً، وفسرت كلام الشيخ عبيد بغير مراده، فليس المراد من كلامه أنك من أهل الفلسفة بل المراد أنك أشبهت أهل الفلسفة في بعض طرائقهم من الجدل العقيم وقلب الحقائق وتصوير الباطل في صورة الحق ورد الحق بالعبارات الجدلية المزخرفة المبهرجة
وهذا ظاهر كلام الشيخ عبيد الجابري لكل من وقف على كلامه كما في أجوبته على أسئلة رائد المهداوي، وقد وافقني بذلك الشيخ عبيد الجابري حينما كلمته.
فأنت يا حلبي: تهول وتضخم الأمور ! وتبني من الحبة قبة شأن من يدافع عن الباطل ! ثم ألم يكفك قول الشيخ عبيد الجابري عنك وخطابه معك بغير خطاب أهل البدع؛ إذ يقول في أكثر من موضع (أخونا الشيخ علي).
قلت: وقد جاء في أبجد العلوم (2/414-415) :” علم الفلسفيات : العلوم الفلسفية أربعة أنواع رياضية ومنطقية وطبيعية وإلهية فالرياضية على أربعة أقسام …
والثاني العلوم المنطقية: وهي خمسة أنواع
الأول: انولوطيقيا وهو معرفة صناعة الشعر
الثاني بطوريقا وهو معرفة صناعة الخطب
الثالث بوطيقيا وهو معرفة صناعة الجدل
الرابع الولوطيقي وهو معرفة صناعة البرهان
الخامس سوفسطيقا وهو معرفة المغالطة”. انتهى
أقول : ينطبق على طريقة الحلبي في تقرير مسائله المحدثة المخالفة لمنهج السلف النوع : الثالث والرابع والخامس.
فمن وقع في المغالطة والجدل وقلب الحقائق شابه أهل الفلسفة في أساليبهم ولا يلزم من التشبيه المطابقة والموافقة في جميع الأمور كما قرر ذلك علماء البلاغة.
وقد استخدم أهل العلم كلمة الفلسفة لهذا المعنى:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (12/244) لما ذكر قول الفلاسفة في كلام الله :” وهذا من جنس قول فيلسوف قريش الوليد بن المغيرة {إن هذا إلا قول البشر}”. انتهى .
مع أن الوليد بن المغيرة ليس بفيلسوف ولا يعرف الفلسفة.
وأنت أيها الحلبي استعملت هذه الكلمة مع غير المتفلسفة :
حيث قلت: في رؤية واقعية في المناهج الدعوية (72) :” ولا تغوينكم عن سداد المنهج حذلقات خطيب مصقع، أو فلسفات محاضر مفوه أو زخارف صحفي بليغ!!”.
مع أنًّ أولئك المحاضرين لم يصلوا إلى فلسفتك في رد الحق وتزيين الباطل.
وعلقت على من يرد خبر الآحاد في إغاثة اللهفان (1/118) :” وهي فلسفة أخذها عنهم بعض ضُلال حزبيي هذا العصر، وطاروا بها؛ ينافحون عنها، ويردون بها السنن والعقائد …”.
وقلت في كتابك “العقلانيون” (168) :” ولا يعطل على أي من هذه الأدلة المنثورة بحجج الحق تلاعب لفظي من متفاصح يعبث بوجوه الكلام، ويدلس بالألفاظ والمرامي…”.
ونقلت في نفس الكتاب (170) قول ابن الوزير في العواصم :” فإياك والاغترار بذلك؛ فإن أكثر المعاني المشوهة تستر بالعبارات المموهة”.
وثانياً : سبحان الله يا حلبي لا تزال تطعن في الأئمة لتخرج نفسك من مأزق وقعت فيه، فالنسائي وابن معين بريئان من رمي أحمد بن صالح المصري بالفلسفة؛ فالنسائي نقل كلام ابن معين ظناً ولم يرمِ أحمد بن صالح بالتفلسف وكلام ابن معين الذي نقله النسائي ليس في أحمد بن صالح المصري الحافظ، بل في رجل آخر وافق أحمد بن صالح في اسمه واسم أبيه وفي كنيته وهو ما يعرف في مصطلح الحديث بالمتفق والمفترق: وهو أن يتفق اسم الراوي واسم أبيه فصاعداً وتختلف أشخاصهم كما يعرفه صغار طلاب الحديث.
قال الحافظ في هدي الساري (386) :”قال ابن حبان ما رواه النسائي عن يحيى بن معين في حق أحمد بن صالح فهو وهم وذلك أن أحمد بن صالح الذي تكلم فيه ابن معين هو رجل آخر غير ابن الطبري وكان يقال له الأشمومي وكان مشهوراً بوضع الحديث( [2] ) وأما ابن الطبري فكان يقارب ابن معين في الضبط والإتقان انتهى
وهو في غاية التحرير ويؤيد ما نقلناه أولاً عن البخاري أن يحيى بن معين وثق أحمد بن صالح بن الطبري …”.
وقال الحافظ أيضاً في التقريب (91رقم48) :” أحمد بن صالح المصري أبو جعفر ابن الطبري ثقة حافظ تكلم فيه النسائي بسبب أوهام له قليلة( [3] ) ونقل عن ابن معين تكذيبه وجزم ابن حبان بأنه إنما تكلم في أحمد بن صالح الشمومي( [4] ) فظن النسائي أنه عنى ابن الطبري”.
ووافقه السخاوي في فتح المغيث (4/366).
والحلبي وقف على هذا الفرق بين الرجلين يقيناً فقد نقل كلمة المعلمي من التنكيل وفي نفس الموطن من التنكيل قال المعلمي :” … زعم ابن حبان أن أحمد بن صالح الذي كذبه ابن معين رجل آخر غير ابن الطبري يقال له الأشمومي كان يكون بمكة ، ويقوي ذلك ما رواه البخاري من تثبيت ابن معين لابن الطبري وأن ابن الطبري معروف بالصدق لا شأن له بالتفلسف ، وقد تقدم في القواعد في أوائل القاعدة السادسة أمثلة للخطأ الذي يوقع فيه تشابه الأسماء” انتهى .
فلا أدري بعد هذا الأمر الواضح هل الحلبي يوافق الكوثري في صنيعه حين كان يطعن في الرواة الثقات بنقل كلام جارح فيمن وافقهم في الاسم وفارقهم في الشخص.
وستأتي موافقة أخرى من الحلبي للكوثري في بعض قواعده الباطلة في مسألة الراوي المختلف فيه.
فلا أدري : ما هذه الكوثريات التي تلطخ بها الحلبي !!
8- وكرر الحلبي في كتابه ما وصفه به الشيخ عبيد الجابري من التمييع والتفلسف والضياع؛ ليطعن به عليه، وسأسوق لك أخي القارئ كلامه :
قال الحلبي فيما سماه بمنهج السلف الصالح (ص107) :” وَفِي «تَهْذِيب التَّهْذِيب» (9/131) عَن أَبِي عَلِيٍّ النِّيسَابُورِيّ، قَال: «قُلْتُ لابْنِ خُزَيْمَة: لَوْ حَدَّثَ الأُسْتَاذُ عَنْ مُحَمَّد بن حُمَيد؛ فَإِنَّ أَحْمَد قَدْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْه؟!
فَقَال: إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْه؛ وَلَو عَرَفَهُ -كَمَا عَرَفْنَاه-مَا أَثْنَى عَلَيْهِ-أَصْلاً-».
قُلْتُ:
فَلَمْ يَقُل -أَوْ يُقَلْ!- عَنْ الإمام أَحْمَد -في هذا – مع الإقرار بالفارق! -: مِسْكِين، ضَايِع، مَايِع، مُتَفَلْسِف، مُدافع عن أهل البدع!!) انتهى
أقول مستعيناً بالله تعالى :
– يستدل الحلبي بهذه الحكاية على أن الشيخ عبيد الجابري الذي رد عليه ووصفه بهذه الصفات ليس عنده عدل ولا منهج موافق للسلف؛ لأن الإمام أحمد قد أثنى على رجل مطعون فيه، فلم يصفه ابن خزيمة بأنه ضايع أو مايع.
– ولم يفهم الحلبي القصة أو أنه فهمها لكنه لبَّس؛ لأن في القصة ما يرد على الحلبي وينقض استدلاله، فجواب ابن خزيمة رحمه الله تعالى :” إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْه؛ وَلَو عَرَفَهُ -كَمَا عَرَفْنَاه-مَا أَثْنَى عَلَيْهِ-أَصْلاً-“، ينقض عليه استدلاله، لأن الشيخ عبيد الجابري وإخوانه يقولون : من أثنى على مبتدع ولم يعلم حاله، فهذا لا يبدع ولا يضلل، بل يعرف ويعلم، فإن أثنى عليه بعد ذلك لحق به كما هو منهج السلف. فقد سأل أَبُو دَاوُد الإمام أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ :” أَرَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَتْرُكُ كَلَامَهُ ؟ فقَالَ : لَا أَوْ تُعْلِمُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْته مَعَهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَإِنْ تَرَكَ كَلَامَهُ فَكَلِّمْهُ، وَإِلَّا فَأَلْحِقْهُ بِهِ” أخرجه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/160).
– فالمنكر عليك أيها الحلبي ثناؤك على المبتدعة الذين تعرف حالهم وتعلم حقيقتهم ولكنك تدافع وتتمحل عنهم بالباطل.
– وعلق الحلبي على قول ابن خزيمة (ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه) بقوله :” وقد لا يفعلُ!”انتهى.
– يريد الحلبي : أن الإمام أحمد قد لا يقبل الجرح المفسر الذي يبلغه عن ابن حميد؛ لأن الإمام أحمد لم يقتنع بالجرح، ولكن ما فعله الإمام أحمد بن حنبل خلاف ما ظنه الحلبي وذلك أنه لما بلغهالجرح المفسر في ابن حميد قبله كما أخرج ابن حبان في المجروحين (2/303) أن ابن وارة سأل الإمام أحمدبقوله : يا أبا عبد الله رأيت محمد بن حميد قال نعم قال كيف رأيت حديثه قال إذا حدثعن العراقيين يأتي بأشياء مستقيمة وإذا حدث عن أهل بلده مثل إبراهيم بن المختاروغيره أتى بأشياء لا تعرف لا تدري ما هي قال فقال أبو زرعة وابن وارة صح عندنا أنهيكذب قال فرأيت أبي بعد ذلك إذا ذكر ابن حميد نفض يده”. ثم قولك عن الإمام أحمد بن حنبل (قد لا يفعل) أي قد يقوم الإمام أحمد بالمعارضات والاعتراضات والشغب على من ينتقد محمد بن حميد الرازي! فهل تظن يا حلبي أن الإمام أحمد على منهج الحلبي في العناد والمكابرة ورد الحق !! حاشا الإمام أحمد وأهل السنة في السابق واللاحق من هذا المنهج الباطل المعارض لأصول السلف.
– وعلق الحلبي على كلمة (مسكين) بقوله :” أرجو اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُه- أنْ يُحْيِيَنِي مِسكيناً، وأنْ يُمِيتَنِي مِسكيناً، وأنْ يَحْشُرَنِي في زُمْرَةِ المَساكينِ……. وَإِنْ كَانَ (البَعْضُ) يُطْلِقُ هَذِهِ الكَلِمَةَ نَبْزاً وَغَمْزاً -عَلَى وَجْهٍ آخَرَ-!) انتهى.
أقول: هؤلاء البعض هم من حملة الجرح والتعديل في هذا العصر، وقد قالها فيك بحق وعدل وإنصاف، لا لمزاً وغمزاً كعادة أهل الفسق ومن لا يخشى الله عز وجل ولكنك يا حلبي مسكين في العلم والحجة قد أفلست وخلت جعبتك من العلم والحجج فعمدت إلى الطعن المبطن لرد الحق، ولكن هيهات العقيق.
– وعلق الحلبي على كلمة (مايع) بقوله :” وَقَد انْتَقَد ابْنُ الجَوْزِي فِي «المُنْتَظَم» (8/267) الخَطِيبَ البَغْدَادِيَّ بِـ «الجَرْي عَلَى عَادَةِ عَوامّ المُحَدِّثِين فِي (الجَرْح وَالتَّعْدِيل)!»؛ مُعَلِّلاً ذَلِكَ بِقَوْلِه: «…فَإِنَّهُم يُجَرِّحُونَ مَا لَيْسَ بِجَرْحٍ..». قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ عِنْدَ ابن الجوزيِّ -سَواءٌ أَخَطأَ فِي نَقْدِهِ أَمْ أَصَابَ!- إِلاَّ بِسَبَبِ الاخْتِلافِ فِي قَبُولِ (الجَرْحِ المُفَسّر)، أَوْ رَدِّه…” انتهى .
أقول: سبحان الله يا حلبي لم يسلم منك الخطيب البغدادي فأوردت طعن ابن الجوزي فيه لتدفع عن نفسك الباطل الذي وقعت فيه، وقد ذب ذهبي العصر المعلمي عن الخطيب البغدادي حيث قال في التنكيل (1/141) :” أقول : رحمك الله يا أبا الفرج ! لا أدري أجاوزت الحد في غبطة الخطيب على مصنفاته التي أنت عيال عليها كما يظهر من مقابلة كتبك بكتبه ، فدعتك نفسك إلى التشعيث منه والتجني عليه ؟ أم أردت التقرب إلى أصحابك الذين دخل في قلوبهم من يومك المشهود الذي لم ير مثله غم عظيم ؟ أم كنت أنت المتصف بما ترمي به المحدثين من قلة الفهم؟) انتهى.
أقول : وهذا عين ما وقعت فيه أيها الحلبي أوردت ذاك الطعن؛ لتدافع عن نفسك وعن أصحابك من أهل الباطل. فالله حسيبك.
وقال الحلبي فيما سماه بمنهج السلف (ص128) معلقاً على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : «فَالثَّبَاتُ وَالاسْتِقْرَارُ فِي أَهْلِ الحَدِيثِ وَالسُّنَّة أَضْعَافُ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا هُوَ عِنْد أَهْلِ الكَلاَمِ وَالفَلْسَفَة…
وَأَيْضاً؛ تَجِدُ أَهْلَ الفَلْسَفَةِ وَالكَلاَمِ أَعْظَمَ النَّاسِ افْتِراقاً وَاخْتِلافاً مَعَ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُم أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ حَقٌّ مَقْطُوعٌ بِهِ قَامَ عَلَيْهِ البُرْهَان! ) انتهى.
أقول مستعيناً بالله :
– وصف ابن تيمية أهل الحديث والسنة بالثبات والاستقرار أضعاف أضعاف أضعاف أهل الكلام والفلسفة. وهذا الوصف ينطبق على علماء السنة السلفيين المعاصرين الثابتين المستقرين على منهج السلف. فلو كنت منصفاً لما طعنت فيهم، ولسقت كلام شيخ الإسلام هذا لمدحهم ونصرتهم؛ للرد على خصومهم أهل الفرقة والتفرق والفتن، ولكن مع الأسف تسوق مثل هذا الكلام لنصرة نفسك! وللطعن فيهم مع الفارق الكبير بين حالك وحال السلفيين السابقين واللاحقين فأنت تنزع بشدة إلى التأرجح والتغيير واقعاً وقولاً، ومن هذا الواقع قولك في مجلس (لا نستطيع أن نطبق منهج الإمام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم الرازي اليوم، ومن ادعى ذلك فهو مخطئ بل جاهل) انتهى وقد شهد بذلك عليك جماعة من طلاب العلم ! فهذا من أوضح الشواهد على عدم ثباتك واستقرارك على منهج السلف! وقد سبق نقل كلامك الصريح على تغيرك من حال إلى حال ! فمن الذي يستحق وصف عدم الاستقرار والثبات أليس أنت أيها الحلبي وأمثالك.
– وعلق الحلبي على قول شيخ الإسلام ابن تيمية :” تَجِدُ أَهْلَ الفَلْسَفَةِ وَالكَلاَمِ أَعْظَمَ النَّاسِ افْتِراقاً وَاخْتِلافاً مَعَ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُم أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ حَقٌّ مَقْطُوعٌ بِهِ قَامَ عَلَيْهِ البُرْهَان!” انتهى بقوله :” وَهَذِهِ دَعْوَى -بَلْ دَعَاوَى!- نَسْمَعُها مِنْ (بعض!) إِخْوَانِنا السَّلَفِيِّين (!) فِي مَسَائِلِ النِّزَاع، وَمَواضِعِ الخِلاَف! فَتَرَاهُم -بَعْدُ- يُقِيمُونَ الفِتَن، وَيُؤَجِّجُونَ الصُّدُورَ، وَيُوغِرُونَ القُلُوبَ، وَيُشَتِّتُونَ الكَلِمَة!! … فَهَل هَذا -هَكَذا- مِنَ الحَقِّ فِي شَيْء؟!!”. انتهى
أقول : الفتن وتأجيج الصدور هي أقرب لحالك وحال من تدافع عنهم، وسل من شئت من العلماء وطلبة العلم من عشرات السنين، من يقف وراءها ومن يدافع عن أهلها، ويحامي عنهم، هل نسيت حالك أيها الحلبي أم أنك تكابر وترمي غيرك ببلائك. وإذا كان المتكلمون والفلاسفة مع تفرقهم واختلافهم وضلالهم يرون أن ما هم عليه حق مقطوع به! فلا يستغرب أن يدعي أهل الفتن الشاغبون على أهل السنة من أمثالك وأمثال من تدافع عنهم : أنهم على حق مقطوع به وما أكثر الدعاوى الباطلة.
– علق الحلبي على قول شيخ الإسلام (أهل الكلام والفلسفة) بقوله :” وَصَفَ (البَعْضُ!) شَيْئاً مِنْ كَلاَمِي العِلْمِيّ-بغض النظر عن صوابي أو خطئي فيه- أَنَّهُ (فَلْسَفَة)!! وَ(قَواعِدُ فَلْسَفِيَّة)!! وهذا -واللـهِ- بعيدٌ عنِّي، وليس منِّي…فلماذا هذا هكذا؟!”. انتهى .
أقول: سبق بيان أن من وصف الحلبي بالفلسفة مراده بطريقتهم في الجدال والتقعيد الباطل لا بكل معنى علم الفلسفة. فقولك عن كلامك أنه بعيد عن الفلسفة صحيح بالنسبة كعلم ولكن كبعض طرق الفلسفة في الجدال غير صحيح لأنك شابهت طريقتهم. وأما تساؤلك لماذا يصفونك بذلك؛ فهذا كما يردده الشيخ الألباني كثيراً (قال الجدار للوتد لم تشقني قال سل من يدقني) فكلامهم بناء على طريقتك وجدالك بالباطل.
– وعلق الحلبي على قول شيخ الإسلام ابن تيمية ( تَجِدُ أَهْلَ الفَلْسَفَةِ وَالكَلاَمِ أَعْظَمَ النَّاسِ افْتِراقاً وَاخْتِلافاً) بقوله :” فالمُتَّهِمون غيرَهم بـ(الفلسفة) -وما يترتَّبُ على ادِّعاءاتِهم مِن فتن!- هُم أقربُ (واقعاً) إلى أنْ يُتَّهَمُوا (بالحقِّ) بما رَمَوْا به غيرَهم (بغيرِ حَقّ)…” انتهى .
أقول: لقد اعتديت وتجاوزت في سؤء الأدب كثيراً أيها الحلبي!! فلئن رماك بالفلسفة بالعدل والصدق والإنصاف فما كان لك أن ترميه بالفلسفة الباطلة بالظلم والعدوان والبهتان فأنت تقول: من رماني بالفلسفة من السلفيين هم أهل فرقة واختلاف فحالهم كحال أهل الفلسفة الذين وصفهم ابن تيمية بأنهم (أعظم الناس فرقة واختلافاً) لكن أنت هنا تصفهم بالفلسفة التي لا يجوز لك أن تصفهم بها إلا إن وقعوا في نفس باطل أهل الفلسفة وحالهم – وحاشاهم من ذلك -. فانظر أخي القارئ الكريم إلى أي مستوى من الهوس وصل إليه حال هذا الحلبي والله وحده حسيبه في اعتدائه وغمزه وطعنه على الشيخ عبيد الجابري. وأما رميه للعلماء السلفيين بالفرقة والاختلاف فسيأتي نقاشه فيها بإذن الله تعالى . ثم أي حق عندك أنكروه وعدوه باطلاً كما تفعل أنت !!
– وجاء في كتاب الحلبي الذي سماه بمنهج السلف الصالح (ص198-النصيحة) (قَالَ العَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّحْمنِ المُعَلِّمِيُّ في مُقَدِّمَةِ «الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ» (صفحة:ج): «وَقَد كَانَ مِن أَكَابِرِ المُحَدِّثِين وَأَجَلِّهِمْ مَنْ يَتَكَلَّمُ في الرُّوُاةِ؛ فَلا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ». انتهى
– فعلق عليه الحلبي في حاشية رقم (1) بقوله (وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَبَباً -قَطُّ- لِأَنْ يُقَالَ فِي أَحَدٍ مِنْهُم: (مَائِع)، أَو: (ضَائِع)، أَو: (مِسْكِين)، أو: (مُتَفَلْسِف)!! … إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الكَلِمَاتِ الشَّنِيعَة -وَالتَّصَرُّفَاتِ المُرِيعَة- الَّتِي لَمْ نَرَ لَهَا نَظَائِرَ -فِي مِثْلِ مَا قِيلَت فيهِ -حديثاً- فِي تَارِيخِ (عِلْمِ الحَدِيث) -قَدِيماً-!) انتهى .
– أقول : إنما لم يُطعن فيمن رد جرحه؛ لأنهم ترجح عندهم التعديل المعتبر على الجرح غير المعتبر.
بينما المستنكر عليك أيها الحلبي أنك قدمت التعديل غير المعتبر على الجرح المفسر المعتبر بلا مرجح إلا السفسطة والمغالطة، وخالفت منهج السلف في بعض المسائل بالهوى.
والعجب منك يا حلبي تنكر على أهل العلم أنهم قدموا التعديل على الجرح غير المعتبر!! وأنت تنادي وتولول أين تقديم التعديل على التجريح فهذا منه! فلِمَ الإنكار ولمَ النوح.
واعتبارك ما قاله فيك الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى كلمات شنيعة وتصرفات مريعة هو من تهويلك للأمور ومحاولة بائسة منك للطعن في الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى !
ويا حلبي إن كنت سلفياً كما تدعي فأيهما أفظع وأشنع: وصفك بما تستحق أم طعناتك الغادرة في السلفيين وثناؤك العاطل على أهل الباطل!!
محبكم
أحمد بن عمر بازمول
([1]) مع العلم بأن الكتاب مطبوع من قبل طبعة الحلبي، فليس هو أول من نشره، كما نبه هو عليه في مقدمته للكتاب.
([2]) انظر: المجروحين (1/163) والثقات (8/25) لابن حبان والضعفاء والمتروكين (277رقم57) للدارقطني والميزان (1/105) للذهبي ولسان الميزان (1/484) للحافظ وتعليق المعلمي على الفوائد المجموعة (269) للشوكاني.
([3]) انظر : الكامل لابن عدي (1/180) ومحاسن الاصطلاح للبلقيني (657) وهدي الساري (386) للحافظ وفتح المغيث (4/365-367) للسخاوي والتنكيل (1/112) للمعلمي.
([4]) قال المعلمي في حاشية الأنساب (1/278):” أحسب (الشمومي) مخففاً عن (الأشمومي) والله أعلم” انتهى.
ووقع في بعض المصادر (الأشموني) وهو خطأ قال السخاوي في الضوء اللامع (11/184) :” (الأشمومي): بضم أوله ومعجمة وميمين – وإن كان على لسان العامة بنون آخره – بل هو الذي عند السمعاني فهو غلط ويقال لها أشموم طناج وأشموم الرمان وهي علي النيل الشرقي قصبة كورة الدهقلية”. انتهى.