تنبيه الصائل بأن الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
 
 
أما بعد
 
 
فالملاحظ على بعض طلاب العلم أنهم يقعون في الخطأ ومخالفة الصواب، وهذا لا عيب فيه إذا رجعوا للحق ووافقوه، ولم يتمادوا في باطلهم، إذ من طبيعة البشر الخطأ إلا من عصمه الله من الأنبياء والرسل فعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون “. رواه الترمذي وابن ماجه.
 
 
فالراجعون إلى الحق نقول لهم جزاكم الله خيراً وأصلح الله حالنا وحالكم
 
 
ولكن العيب كل العيب أنه إذا تبين له الخطأ يصر على خطئه وباطله، ويدافع عنه وينافح، ويرد النصوص الشرعية، ويرد منهج السلف الصالح؛ لأجل إصراره على موقفه.
 
 
فإلى هؤلاء المصرين على باطلهم أكتب هذه المقالة رجاء أن ينفعني الله وإياهم بها وأقول لهم ولنفسي .
 
 
قد قال عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
 
 
قال العلامة السعدي :” { وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، الذين أقوالهم صدق، وأعمالهم، وأحوالهم لا تكون إلا صدقاً خلية من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة”.
 
 
وقال عز وجل {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
 
 
قال العلامة السعدي بعد بيانه لأوامر الله التي سبقت هذه الآية :” لما أمر تعالى بهذه الأوامر الحسنة، ووصى بالوصايا المستحسنة، وكان لا بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك، أمر الله تعالى بالتوبة، فقال: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ } لأن المؤمن يدعوه إيمانه إلى التوبة ثم علق على ذلك الفلاح، فقال: { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهراً وباطناً، إلى: ما يحبه ظاهراً وباطناً، ودل هذا، أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة، لأن الله خاطب المؤمنين جميعاً، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ } أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة” انتهى.
 
 
وعن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :”إذا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ”. متفق عليه .
 
 
 
وقد اشتملت هذه النصوص على مسائل عظيمة، ومن أهمها مسألتان :
 
 
المسألة الأولى: أن العبد المسلم غير معصوم من الخطأ تعمداً كان أو سهواً وغفلة.
 
 
والمسألة الثانية: أن على العبد المسلم أن يتوب إلى الله ويرجع للحق إذا تبين له خطؤه.
 
 
والرجوع إلى الحق دأب السلف الصالح، وحال العلماء الأتقياء:
 
 
قال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :” قَدِمَ عُيَيْنَةُ بن حِصْنِ بن حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ على ابن أَخِيهِ الْحُرِّ بن قَيْسٍ وكان من النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وكان الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أو شُبَّانًا فقال عُيَيْنَةُ لابن أَخِيهِ يا ابن أَخِي لك وَجْهٌ عِنْدَ هذا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لي عليه قال سَأَسْتَأْذِنُ لك عليه قال ابن عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ له عُمَرُ فلما دخل عليه قال هِيْ يا بن الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ ما تُعْطِينَا الْجَزْلَ ولا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حتى هَمَّ بِهِ فقال له الْحُرُّ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عن الْجَاهِلِينَ} وَإِنَّ هذا من الْجَاهِلِينَ والله ما جَاوَزَهَا عُمَرُ حين تَلَاهَا عليه وكان وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ” أخرجه البخاري
 
 
قال ابن تيمية :” كان عمر بن الخطاب وقافاً عند كتاب الله وكان أبو بكر الصديق يبين له أشياء تخالف ما يقع له كما بين له يوم الحديبية ويوم موت النبي ويوم قتال مانعي الزكاة وغير ذلك وكان عمر بن الخطاب يشاور الصحابة فتارة يرجع إليهم وتارة يرجعون إليه … وربما يرى رأياً فيذكر له حديث عن النبي فيعمل به ويدع رأيه وكان يأخذ بعض السنة عمن هو دونه في قضايا متعددة وكان يقول القول فيقال له أصبت فيقول والله ما يدرى عمر أصاب الحق أم أخطأه” انتهى.
 
 
وقال عمر بن الخطاب في رسالته إلى أبي موسى الأشعري في القضاء وآدابه :” لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم وإن الحق لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل”.
 
 
قال عبد الرحمن بن عمر يقول قلت لأبي يوسف في المسجد الحرام : واختصم إليك رجلان في امرأة ليس بينهما بينة كيف القول في ذلك أو كيف تقضي ؟
 
 
قال : أنظر فإذا رأيت أنها لأحدهما دفعتها إليه .
 
 
قلت : فإنك دفعتها إليه فبات معها فلما كان الغد رأيت أنها للآخر .
 
 
قال : آخذها فأدفعها إلى الآخر .
 
 
قلت : فإنك رددتها إلى الآخر فلما كان الغد رأيت أنها للأول .
 
 
قال : أردها إليه إذا رأيت ذلك .
 
 
قلت: فما حجتك في ذلك قال كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري قال :” فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل”.
 
 
قلت له : يا معتوه وهذا هكذا الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل هو أن يقضي الحاكم بالرأي ثم يتبين له ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيرجع إليه.
 
 
وأما قولك هذا فهو الرجوع من الباطل إلى الباطل” انتهى.
 
 
وكان أهل العلم يعتبرون الرجوع عن الباطل إلى الحق دليل على ديانة الرجل:
 
 
قال حذيفة :” بحسب المرء من العلم أن يخشى الله عزوجل وبحسبه من الكذب أن يقول استغفر الله وأتوب إليه ثم يعود”.
 
 
وقال مسروق :” بحسب الرجل من العلم أن يخشى الله عز وجل، وبحسب الرجل من الجهل أن يعجب بعلمه”.
 
 
وقال الحافظ أبو نصر ومما يدل على ديانة نعيم – هو: ابن حماد المروزي – وأمانته رجوعه إلى الحق لما نبه على سهوه وأوقف على غلطه فلم يستنكف عن قبول الصواب إذ الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل والمتمادي في الباطل لم يزدد من الصواب إلا بعداً” انتهى.
 
وهذا ابن تيمية على جلالة قدره وعظيم منزلته بين أهل العلم وطلابه: يرجع إلى الحق ويصرح بأنه كان يفتي بخلاف الحق حيث قال :” فإن قيل فقد روي في الحديث إن كان جامداً فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم وإن كان مائعاً فلا تقربوه رواه أبو داود وغيره.
 
 
قيل: هذه الزيادة هي التي اعتمد عليها من فرق بين المائع والجامد واعتقدوا أنها ثابتة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا في ذلك مجتهدين قائلين بمبلغ علمهم واجتهادهم وقد ضعف محمد بن يحيى الذهلي حديث الزهري وصحح هذه الزيادة لكن قد تبين لغيرهم أن هذه الزيادة وقعت خطأ في الحديث ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
 
 
وهذا هو الذي تبين لنا ولغيرنا ونحن جازمون بأن هذه الزيادة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك رجعنا عن الإفتاء بها بعد أن كنا نفتي بها أولاً فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل” انتهى.
 
 
والمحبة التامة تستلزم ترك الباطل، والعمل بالحق، والملامة على مخالفة الحق أمر محمود؛ لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل:
 
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :” المحبة التامة مستلزمة لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه وولايته وعداوته فمن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بد أن يبغض أعداءه ولا بد أن يحب ما يحبه من جهادهم كما قال تعالى {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}.
 
 
والمحب التام لا يؤثر فيه لوم اللائم وعذل العاذل بل ذلك يغريه بملازمة المحبة كما قد أكثر الشعراء في ذلك وهؤلاء هم أهل الملام المحمود وهم الذين لا يخافون من يلومهم على ما يحب الله ويرضاه من جهاد أعدائه فإن الملام على ذلك كثير .
 
 
وأما الملام على فعل ما يكرهه الله أو ترك ما أحبه فهو لوم بحق وليس من ذلك المحمود الصبر على هذا الملام بل الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
 
 
وبهذا يحصل الفرق بين الملامية الذين يفعلون ما يحبه الله ورسوله ولا يخافون لومة لائم في ذلك وبين الملامية الذين يفعلون ما يبغضه الله ورسوله ويصبرون على الملام في ذلك” انتهى.
 
 
ولزوم الباطل من الصفات المذمومة عند أهل العلم :
 
 
قال ابن قيم الجوزية:” كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه؛ لأن أحكام الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشبهات، فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيراً فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق، ولا سيما إذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة ويثور الهوى فيخفى الصواب وينطمس وجه الحق وإن كان الحق ظاهراً لا خفاء به، ولا شبة فيه، أقدم على مخالفته! وقال: لي مخرج بالتوبة!
 
وفى هؤلاء وأشباههم قال تعالى {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات}، وقال تعالى فيهم أيضاً {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتيهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}، فأخبر سبحانه أنهم أخذوا العرض الأدنى مع علمهم بتحريمه عليهم وقالوا سيغفر لنا وإن عرض لهم عرض آخر أخذوه فهم مصرون على ذلك وذلك هو الحامل لهم على أن يقولوا على الله غير الحق فيقولون هذا حكمه وشرعه ودينه وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خلاف ذلك أو لا يعلمون أن ذلك دينه وشرعه وحكمه! فتارة يقولون على الله مالا يعلمون، وتارة يقولون عليه ما يعلمون بطلانه” انتهى.
 
 
وقال ابن حجر الهيتمي :” لَمَّا كانت أَنْدِيَةُ التَّحْقِيقِ بِأَعْيَانِ الْأَفَاضِلِ لم تَزَلْ حَافِلَةً وَمَغَانِيهَا بِغَوَانِي الْفَضَائِلِ آهِلَةً كان الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرًا من التَّمَادِي في الْبَاطِلِ وَالتَّحَلِّي بِحِلْيَةِ أَهْلِ الصِّدْقِ خَيْرًا من التَّحَلِّي بِكُلِّ وَصْفٍ زَائِلٍ وَجِدَالٍ ليس تَحْتَهُ من طَائِلٍ وَتَفَيْهُقٍ بِمَا لَا يُجْدِي من التَّلْفِيقَاتِ وَتَمَشْدُقٍ بِمَا لَا يَصِحُّ من الْعِبَارَاتِ” انتهى.
 
 
وجاء في مناهل العرفان :” إنما العار الجارح لكرامة البشر أن يجمد الإنسان فلا يجتهد وهو أهل للاجتهاد أو يجمد المجتهد على رأيه وإن كان عظيماً بعد أن يستعلن له خطؤه مع أن الرجوع إلى الحق فضيلة والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل والكمال المطلق لله وحده” انتهى.
 
 
ومن ضنائن العلم الرجوع إلى الحق، قال عبد الله بن بريدة :” من ضنائن العلم الرجوع إلى الحق”.
 
ومن الأسباب المؤدية إلى البعد عن الحق والوقوع في العصبية صعوبة الرجوع إلى الحق لقوله بخلافه كما ذكره الشوكاني
 
 
ثم شرحه الشوكاني بقوله :” صعوبة الرجوع إلى الحق الذي قال بخلافه
 
 
ومن آفات التعصب الماحقة لبركة العلم أن يكون طالب العلم قد قال بقول في مسألة كما يصدر ممن يفتي أو يصنف أو يناظر غيره ويشتهر ذلك القول عنه فإنه قد يصعب عليه الرجوع عنه إلى ما يخالفه وإن علم أنه الحق وتبين له فساد ما قاله
 
 
ولا سبب لهذا الاستصعاب إلا تأثير الدنيا على الدين فإنه قد يسول له الشيطان أو النفس الأمارة أن ذلك ينقصه ويحط من رتبته ويخدش في تحقيقه ويغض من رئاسته.
 
 
وهذا تخيل مختل وتسويل باطل فإن الرجوع إلى الحق يوجب له من الجلالة والنبالة وحسن الثناء ما لا يكون في تصميمه على الباطل بل ليس في التصميم على الباطل إلا محض النقص له والإزراء عليه والاستصغار لشأنه فإن منهج الحق واضح المنار يفهمه أهل العلم ويعرفون براهينه ولا سيما عند المناظرة فإذا زاغ عنه زائغ تعصباً لقول قد قاله أو رأي رآه
 
 
فإنه لا محالة بكون عند من يطلع على ذلك من أهل العلم أحد رجلين
 
 
إما متعصب مجادل مكابر إن كان له من الفهم والعلم ما يدرك به الحق ويتميز به الصواب
 
 
أو جاهل فاسد الفهم باطل التصور إن لم يكن له من العلم ما يتوصل به إلى معرفة بطلان ما صمم عليه وجادل عنه وكلا هذين المطعنين فيه غاية الشين.
 
 
وكثيراً ما تجد الرجلين المنصفين من أهل العلم قد تباريا في مسألة وتعارضا في بحث فبحث كل واحد منهما عن أدلة ما ذهب إليه فجاءا بالمتردية والنطيحة على علم منه بأن الحق في الجانب الآخر وأن ما جاء به لا يسمن ولا يغني من جوع .
 
 
وهذا نوع من التعصب دقيق جداً يقع فيه كثير من أهل الإنصاف ولا سيما إذا كان بمحضر من الناس وأنه لا يرجع المبطل إلى الحق إلا في أندر الأحوال وغالب وقوع هذا في مجالس الدرس ومجامع أهل العلم” انتهى.
 
 
وبوب الخطيب البغدادي في الكفاية باباً عنون له بقوله :” باب فيمن رجع عن حديث غلط فيه وكان الغالب على روايته الصحة أن ذلك لا يضره :
 
قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا عن عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وعبد الله بن الزبير الحميدي
 
الحكم في من غلط في رواية حديث وبين له غلطه فلم يرجع عنه وأقام على رواية ذلك الحديث أنه لا يكتب عنه وإن هو رجع قبل منه وجازت روايته وهذا القول مذهب شعبة بن الحجاج أيضاً
 
 
وأورد فيه عن شعبة فيمن يترك حديثه قوله :” … ومن يخطئ في حديث مجتمع عليه فيقيم على غلطه فلا يرجع … وليس يكفيه في الرجوع أن يمسك عن رواية ذلك الحديث في المستقبل حسب بل يجب عليه أن يظهر للناس أنه كان قد أخطأ فيه وقد رجع عنه”.
 
 
وأورد فيه عن هارون قال:” كان يزيد بن هارون يقول في مجلسه الأعظم غير مرة حديث كذا وكذا أخطأت فيه”.
 
 
وأورد فيه عن العلاء بن الحسين قال ثنا سفيان بن عيينة حديثاً في القرآن فقال له عبد الله بن يزيد ليس كما هو حدثت يا أبا محمد قال وما علمك يا قصير قال فسكت عنه هنية ثم قام إلى سفيان فقال يا أبا محمد أنت معلمنا وسيدنا فإن كنت أوهمت فلا تؤاخذني قال فسكت سفيان هنية ثم قال يا أبا عبد الرحمن قال لبيك وسعديك قال الحديث كما حدثت أنت وأنا أوهمت”.
 
 
وأورد عن يحيى بن معين أنه قال: حضرت نعيم بن حماد بمصر فجعل يقرأ كتاباً من تصنيفه قال فقرأ منه ساعة ثم قال ثنا ابن المبارك عن ابن عون فحدث عن ابن المبارك عن ابن عون أحاديث !
 
 
قال يحيى: فقلت له ليس هذا عن ابن المبارك فغضب !! وقال: ترد عليَّ ؟؟
 
 
قلت: إي والله أريد زينك ! فأبى أن يرجع !
 
 
قال فلما رأيته هكذا لا يرجع قلت لا والله ما سمعت أنت هذا عن ابن المبارك ولا سمعها ابن المبارك من ابن عون قط فغضب وغضب كل من كان عنده من أصحاب الحديث
 
 
وقام نعيم فدخل البيت فأخرج صحائف فجعل يقول وهى بيده أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث نعم يا أبا زكريا غلطت وكانت صحائف فغلطت فجعلت اكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون وإنما روى هذه الأحاديث عن ابن عون غير ابن المبارك فرجع عنها”.
 
 
وأورد فيه عن ابن عمار أنه قال رددت على المعافى بن عمران حرفاً في الحديث فسكت فلما كان من الغد جلس في مجلسه من قبل أن يحدث وقال إن الحديث كما قال الغلام قال وكنت حينئذ غلاماً أمرد ما في لحيتي طاقة
 
 
وأورد فيه عن السهمي أنه قال :” سألت أبا الحسن الدارقطني عمن يكون كثير أخطأ قال إن نبهوه عليه ورجع عنه فلا يسقط وإن لم يرجع سقط” انتهى.
 
 
وجاء في معجم الأدباء :” … وذكر لي أبو عبد الله محمد بن سعيد الذهبي وذكره في أخبار النحويين الواسطيين أنه توفي في سنه اثنتين وعشرين وأربعمائة فذاكرته بما قاله الجوزي فقال الرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل الذي ذكره الجوزي هو الحق أنا وهم” انتهى.
 
 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه