إفادة المعتني بفوائد تتعلق بدعاء ليلة القدر اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله 
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار 
أما بعد :
فهذه فوائد تتعلق بدعاء ليلة القدر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن تقول اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني 
وأصل هذه الفوائد مجموعة أسئلة وردت علي فأجبت عنها فأحببت جمعها في مكان واحد لتعم الفائدة 
لذا سأضع كل سؤال كالعنوان ثم أضع الجواب 
 
السؤال الأول : (عن صحة الحديث) 
هناك من ضعف الحديث من أهل العلم فهل الحديث ضعيف ؟
الجواب : 
الصحيح بإذن الله تعالى أن الحديث صحيح بمجموع طرقه، وقد كتبت فيه بحثاً علمياً محكماً من سنوات وقد طبع بفضل الله تعالى 
والحديث صححه جماعة من أهل العلم : كالترمذي في السنن (5/499)، والحاكم في المستدرك (1/530)، والنووي في الأذكار (317)، وابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين (4/229)، والألباني في السلسلة الصحيحة (7/2/1008رقم3337) رحمهم الله تعالى 
 
السؤال الثاني : (عن زيادة كريم في الدعاء)
هل زياة “كريم” في دعاء ليلة القدر ثابتة ؟ وما الدليل ؟
والجواب :
أنها زيادة غير ثابتة 
والسنة أن يقال : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني 
والدليل : أنها لم ترد في الرواية أصلاً 
وإنما زادها بعض الطباعين في سنن الترمذي 
وقد نص علی كونها زيادة ليست من الرواية الإمام الألباني رحمه الله 
وقد وقفت بنفسي علی مخطوطة الترمذي فلم أجد فيها هذه اللفظة 
ووردت هذه الزيادة في حديث آخر بسند ضعيف جداً لا يصح 
ومع شدة ضعفه فليس له تعلق بدعاء ليلة القدر 
 
السؤال الثالث : (عن تصحيح الألباني لهذه الزيادة)
يوجد في صحيح سنن الترمذي (رقم3513 ) عن عائشة قالت قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : “قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح 
تحقيق الألباني: صحيح، ابن ماجة (3850) 
فهذا تصحيح الترمذي والألباني له فكيف تقول غير ثابتة ؟
الجواب : 
الجواب عن هذا يعلم بالجواب السابق، وهو أن هذه الزيادة ليست في مخطوطة سنن الترمذي وإنما زادها أهل الطباعة 
بل ولا توجد في طريق من طرق حديث عائشة – رضي الله عنها – أصلاً 
وأنبه هنا إلى أمر مهم : وهو أن الإمام الألباني رحمه الله تعالى يعلق على الكتاب ثم يعطيه المطبعة تطبع تعليقاته، وليس من شأن الإمام الألباني رحمه الله تعالى ضبط نص الكتاب 
ومما يؤكد ما سبق أن الإمام الألباني رحمه الله تعالى من أوائل من نبه على ذلك إن لم يكن أولهم حيث قال في سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/ 1011) : 
(تنبيه) : وقع في “سنن الترمذي ” بعد قوله: “عفو” زيادة: “كريم “! ولا أصل لها في شيء من المصادر المتقدمة، ولا في غيرها ممن نقل عنها، فالظاهر أنها مدرجة من بعض الناسخين أو الطابعين؛ فإنها لم ترد في الطبعة الهندية من ” سنن الترمذي ” التي عليها شرح “تحفة الأحوذي ” للمباركفوري (4/ 264) ، ولا في غيرها “
 
السؤال الرابع : ( ما حكم زيادة كريم في الدعاء )
اسم الكريم من أسماء الله الحسنى فما المانع أن نزيدها في الدعاء ولو لم تثبت في الرواية ؟
الجواب : 
أن الأذكار الواردة على النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يقتصر فيها على اللفظ الوارد ولا يغير فيها شيء 
وإنكار العلماء لهذه الكلمة إنما هو لزيادتها على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكرون الدعاء بها في الدعاء المطلق الذي يدعو به العبد من تلقاء نفسه 
والدليل :
ما أخرجه أحمد في المسند (5/11) عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ” إذا حدثتكم حديثا فلا تزيدن علي وقال: أربع من أطيب الكلام وهن من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم قال: لا تسمين غلامك أفلح، ولا نجيحا، ولا رباحا، ولا يسارا (فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون، فيقول: لا) “
صححه الألباني في الصحيحة (رقم346) 
وقال الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة (1/681) : في الحديث آداب ظاهرة، وفوائد باهرة، أهمها النهي عن الزيادة في حديثه صلى الله عليه وسلم، وهذا وإن كان معناه في رواية حديثه ونقله، فإنه يدل على المنع من الزيادة فيه تعبداً قصداً للاستزادة من الأجر بها من باب أولى، وأبرز صور هذا، الزيادة على الأذكار والأوراد الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فالحديث من الأدلة الكثيرة على رد الزيادة في الدين والعبادة فتأمل في هذا واحفظه فإنه ينفعك إن شاء الله تعالى في إقناع المخالفين، هدانا الله وإياهم صراطه المستقيم انتهى 
دليل آخر : 
وهو ما أخرجه البخاري في الصحيح (رقم5952) ومسلم في الصحيح (رقم2710) عن الْبَرَاء بن عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال إذا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ على شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ اللهم إني أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ ولا مَنْجَا مِنْكَ إلا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ وأجعلهن من آخِرِ كَلَامِكَ فَإِنْ مُتَّ من لَيْلَتِكَ مُتَّ وَأَنْتَ على الْفِطْرَةِ 
قال فَرَدَّدْتُهُنَّ لِأَسْتَذْكِرَهُنَّ فقلت آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الذي أَرْسَلْتَ 
قال صلى الله عليه وسلم ” قُلْ آمَنْتُ بِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ”
قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 943)
: إن الأذكار والأوراد توقيفية؛ لا يجوز الزيادة عليها، كما لا يجوز النقص منها، أو تغيير شيء من ألفاظها، وقد دلَّ على ذلك السنة؛ كما في ” الصحيحين ” من حديث البراء بن عازب قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إذا أتيت مضجعك؛ فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم! أسلمت وجهي إليك ” الحديث، وفيه: ” آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت ” 
قال البراء: فقلت أستذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت 
قال صلى الله عليه وسلم : ” لا ” وفي رواية الترمذي، وصححه (2/240 – طبع بولاق) ، والطحاوي في المشكل (2/45) قال: فطعن بيده في صدري، ثم قال: – وبنبيك الذي أرسلت ” 
قال الحافظ في ” الفتح ” (11/94) : ” وأولى ما قيل في الحكمة في رده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على البراء: أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس؛ فيجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري؛ قال: فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات؛ فيتعين أداؤها بحرفها “
وهذه قاعدة عظيمة يجب مراعاتها في جميع الأذكار والأوراد المروية عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أن لا يزاد فيها ولا ينقص، ولا يتصرف فيها بتغييرأي لفظ؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنكر على من غير لفظ: (النبي) بلفظ: (الرسول) ، مع أنه لم يغير شيئاً من المعنى؛ لما تقرر أن الرسول أعم من النبي، فالرسول نبيٌّ وزيادة، فإذا كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنكر ذلك – وليس فيه إلا استبدال لفظ بلفظ -؛ فلأن ينكر على من زاد زيادة باللفظ والمعنى من باب أولى 
وعليه يدل أيضاً عمل الصحابة: فقد أنكر ابن عمر رضي الله عنه على رجل قال بعد أن عطس: الحمد لله، والصلاة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: وأنا أقول: الحمد لله، والصلاة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” أخرجه الترمذي انتهى
واعلم بارك الله فيك أن انكار العلماء لهذه اللفظة ليس انكاراً لأصل مشروعيتها ؛ قال الإمام الألباني أيضاً في السلسلة الضعيفة (2/ 294) : 
(تنبيه) : إن العلماء إذا أنكروا مثل هذه البدعة، فلا يتبادرن إلى ذهن أحد أنهم ينكرون أصل مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم! بل إنما ينكرون وضعها في مكان لم يضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، أو أن تقترن بصفات وهيئات لم يشرعها الله على لسان نبيه، كما صح عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا عطس فقال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،! قل: الحمد لله رب العالمين أو قال: على كل حال 
فانظر كيف أنكر ابن عمر رضي الله عنه وضع الصلاة بجانب الحمد بحجة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصنع ذلك، مع تصريحه بأنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم دفعا لما عسى أن يرد على خاطر أحد أنه أنكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم جملة! كما يتوهم البعض الجهلة حينما يرو ن أنصار السنة ينكرون هذه البدعة وأمثالها، فيرمونهم بأنهم ينكرون الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، هداهم الله تعالى إلى اتباع السنة انتهى 
وقال أيضاً في التعليق على صحيح الأدب المفرد (345في الحاشية) : قد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما إنكار الزيادة على السنة في العطاس، وبأسلوب حكيم لا يفسح المجال للمخالف أن يتوهم أنه أنكر اصل مشروعية ما أنكر كما يتوهم بعض الناس اليوم من مثل هذا الإنكار فضلاً عن أن يسارع بالإنكار عليه! فقال نافع رحمه الله : عطس رجل إلى جنب ابن عمر، فقال الحمد لله، والسلام على رسول الله، فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله، والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم! علمنا أن نقولك الحمد لله على كل حال 
أخرجه الترمذي وغيره بإسناد صحيح كما هو مبين في ” إرواء الغليل” (3/245) انتهى 
 
 
أخوكم المحب
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
صباح الخميس 15 : 1
رمـــــ29ـــضــ1436هــ ـــان