ما لايصح في الصيام | الحلقة السابعة ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله


 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين.
فمن الأخطاء : التي يقع فيها بعض الصائمين أن بعضهم يفطر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد روى أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله r يقول « بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان ، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعراً، … إلى أن قال : ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم”
وقوله (تحلة صومهم) أي يفطرون قبل وقت الإفطار.
والله عز وجل قال في كتابه الكريم{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} فأمرنا بالإمساك إلى الليل وذلك يكون بغروب الشمس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ” إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم”
وجاء عن أبي سعيد الخدري أنه أفطر حين غاب قرص الشمس
وهنا لا بد من بيان مسألة يحتاج الصائمون إليها ألا و هي أن الصائم إذا شرب وأكل قبل غروب الشمس ظناً منه أن الشمس قد غربت فهل عليه القضاء لأنه في حكم المفطر أم أنه لا قضاء عليه لأنه في حكم من شرب وأكل ناسياً ؟
من أهل العلم من قال لا يقضي مستدلاً بما رواه هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام فأمروا بالقضاء.
قال لا بد من قضاء وقال معمر سمعت هشاماً لا أدري أقضوا أم لا.
قال الحافظ ابن حجر: قوله (بُدّ من قضاء) المعنى لا بد من قضاء.
قوله( وقال معمر سمعت هشاماً يقول لا أدري اقضوا أم لا)
ظاهر هذه الرواية تعارض التي قبلها لكن يجمع بأن جزمه بالقضاء محمول على أنه استند فيه إلى دليل آخر وأما حديث أسماء فلا يحفظ فيه إثبات القضاء ولا نفيه .
قال ابن المنير في الحاشية في هذا الحديث أن المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر فإذا اجتهدوا فأخطئوا فلا حرج عليهم في ذلك انتهى .
قال ابن قيم الجوزية:اختلف الناس هل يجب القضاء في هذه الصورة فقال الأكثرون يجب وذهب إسحاق بن راهويه وأهل الظاهر إلى أنه لا قضاء عليهم وحكمهم حكم من أكل ناسياً
والقياس يقتضي سقوط القضاء ولأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم ولو أكل ناسياً لصومه لم يجب عليه قضاؤه والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي فإن كل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه وأخطأ في فعله وقد استويا في أكثر الأحكام وفي رفع الآثام فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع.
وقد يقال إنه في صورة الصوم أعذر منه فإنه مأمور بتعجيل الفطر استحباباً فقد بادر إلى أداء ما أمر به واستحبه له الشارع فكيف يفسد صومه وفساد صوم الناسي أولى منه لأن فعله غير مأذون له فيه بل غايته أنه عفو فهو دون المخطئ الجاهل في العذر .
وإن أريد أن المخطئ ذاكر لصومه مقدم على قطعه ففعله داخل تحت التكليف لخلاف الناسي فلا يصح أيضاً لأنه يعتقد خروج زمن الصوم وأنه مأمور بالفطر فهو مقدم على فعل ما يعقده جائزاً وخطؤه في بقاء اليوم كنسيان الآكل في اليوم فالفعلان سواء فكيف يتعلق التكليف بأحدهما دون الآخر
والسبب الذي دعاه إلى الفطر غير منسوب إليه في الصورتين وهو النسيان في مسألة الناسي وظهور الظلمة وخفاء النهار في صورة المخطئ فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان وهذا أطعمه الله وسقاه بإخفاء النهار ولهذا قال صهيب هي طعمة الله ولكن هذا أولى فإنها طعمة الله إذناً وإباحة وإطعام الناسي طعمته عفواً ورفع حرج فهذا مقتضى الدليل.
قال شيخنا – أي شيخ الإسلام ابن تيمية – وحجة من قال لا يفطر في الجميع أقوى ودلالة الكتاب والسنة على قولهم أظهر فإن الله سبحانه سوى بين الخطأ والنسيان في عدم المؤاخذة ولأن كل واحد منهما غير قاصد للمخالفة وقد ثبت في الصحيح أنهم أفطروا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ولم يثبت في الحديث أنهم أمروا بالقضاء ولكن هشام بن عروة سئل عن ذلك فقال لا بد من قضاء وأبوه عروة أعلم منه وكان يقول لا قضاء عليهم وثبت في الصحيحين أن بعض الصحابة أكلوا حتى ظهر لهم الخيط الأسود من الأبيض ولم يأمر أحداً منهم بقضاء وكانوا مخطئين
قال شيخنا وبالجملة فهذا القول أقوى أثرا ونظرا وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس انتهى
قلت : وهذا الذي اختاره الشيخ السعدي رحمه الله
ومن الأمور التي يقع فيها بعض الصائمين وهي خلاف السنة :
أنهم لا يعجلون الفطر بل يؤخرونه حتى يصلوا المغرب و يصلوا السنة ثم من بعد ذلك يفطرون وهذا خلاف السنة الصحيحة فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي المغرب وهو صائم حتى يفطر ولو على شربة من ماء”
وعن أبي عطية قال : دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقال لها مسروق رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلاهما لا يألو عن الخير أحدهما يعجل المغرب والإفطار والآخر يؤخر المغرب والإفطار فقالت من يعجل المغرب والإفطار قال عبد الله فقالت ” هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع “
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر”
أي مدة فعلهم ذلك امتثالاً للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها.
قال النووي:معناه لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير محافظين على هذه السنة وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه انتهى
وقال صلى الله عليه وسلم ” لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون “
وظهور الدين مستلزم لدوام الخير و تأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم انتهى .
وقال ابن دقيق العيد في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم ولعل هذا هو السبب في وجود الخير بتعجيل الفطر لأن الذي يؤخره يدخل في فعل خلاف السنة انتهى
وقال الترمذي: الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : استحبوا تعجيل الفطر انتهى
قلت يؤيده ما رواه عمرو بن ميمون أنه قال ” كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعجل الناس إفطاراً وأبطأهـم سحوراً”
قال الحافظ: اتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بأخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح انتهى
ومن الأخطاء أيضاً أن بعض المؤذنين يؤخر أذان المغرب مع أن الشمس قد غربت بحجة الاحتياط وهذا من البدع المنكرة.
قال الحافظ : من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من أن المؤذنين صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخروا الفطر وخالفوا السنة فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر والله المستعان انتهى .
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
 
 
أخوكم
د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول