ما لايصح في الصيام | الحلقة الثامنة ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله


 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين.
فمن الأمور التي تخالف السنة ويقع فيها بعض الصائمين أنهم يتعجلون السحور ولا يأخرونه إذ السنة تأخير السحور :
فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ” تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية”
وعن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذن بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كلوا واشربوا حتى يؤذن بن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر” قال القاسم : ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال ” كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم”
وعن حذيفة قال ” تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع”
فدلت هذه الأحاديث على أن السنة في السحور تأخيره لا تعجيله بعد العشاء مباشرة أو قبل الفجر بوقت طويل.
ومن الأخطاء : التي يقع فيها بعض الصائمين مخالفين سنة سيد المرسلين تركهم السحور بالكلية بعضهم يترك السحور تعبداً وهذا لاشك أنه من المبدع وهو من فعل أهل الكتاب وبعضهم يتركه لعلة واهية كمن يتركه لتخفيف الوزن ونحوه.
وهؤلاء قد حرموا أنفسهم خيراً عظيماً كبيراً فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين”
الله أكبر ما أعظمها من نعمة ويا حسرة من فاتته هذه النعمة لبدعة أو لغرض دنيوي.
كما أن من ترك السحور فقد حرم نفسه البركة الحاصلة من السحور فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” تسحروا فإن في السحور بركة”
و قد نهى صلى الله عليه و سلم من ترك السحور :
فعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فقال صلى الله عليه وسلم ” إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه”
والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي أتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام
ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالغداء المبارك
فعن العرباض بن سارية قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان فقال “هلم إلى الغداء المبارك”
ومن ترك السحور فقد شابه اليهود و النصارى لأنهم لا يتسحرون
فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر”
ولعل قائلاً يقول : وكيف يحصل السحور؟
والجواب هو أن السحور يحصل بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب بل لو شرب ماءاً بنية السحور أجزأه وليس الأكل الكثير شرطاً في السحور:
فعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين”
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” نعم سحور المؤمن التمر”
ومن الأخطاء التي نراها من بعض الصائمين إذا سمعوا الأذان وفي فم أحدهم لقمة أو في يد أحدهم ماء إخراجهم ما في فمهم من طعام أو ماء ظناً منهم أنه لا يجوز لهم ذلك وهذا لا شك أنه ظن خاطئ مخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه “
فدل هذا الحديث على جواز هذا الأمر وأنه لا يضر فعله الصيام.
ومن الخطأ أيضاً أن بعضهم يمسك الماء إلى حين يؤذن المؤذن عندها يشرب، فلا شك أن هذا ليس موافقاً للحديث السابق، وإنما الحديث السابق فيمن يشرب الماء مع الأذان دون تعمد تأخيره إلى الآذان .
كما دلنا هذا الحديث على خطأ آخر أشنع منه ألا وهو أن بعض الصائمين يمسك قبل وقت الإمساك بما يقارب عشر دقائق احتياطاً منهم للصيام فيما زعموا وكذا ما في بعض التقاويم من تحديد وقت احتياطي للإمساك قبل الفجر بما يقارب ثلث ساعة وهذا لاشك أنه تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام فالإمساك قبل الوقت هو بدعة مخالف لفعله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه رضوان الله عليهم جميعاً .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخَّروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة فلذلك قَلَّ عنهم الخير وكثر فيهم الشر انتهى
وقال ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى : الإمساك عن الطعام قبل أذان الصبح بدعة انتهى
وهذا الخطأ جرَّ بعض المؤذنين إلى أن يؤذنوا الأذان الثاني قبل دخول الوقت فإذا أذنوا قبل دخول الوقت وصلى النساء أو المعذورون عن الجماعة صلاة الفجر عند سماع أذانه فقد صلوا قبل الوقت وهذا خطأ عظيم جرهم إليه مخالفتهم للسنة ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وأما التقاويم فهي من باب الحساب الفلكي ولا يجوز الاعتماد على الحساب الفلكي؛ لأن الحساب يخطئ كثيراً.
ولم يأمرنا الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم بالرجوع إليه بل أمرنا بالرجوع إلى رؤية الفجر الصادق كما قال تعالى{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}
وعن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذن بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كلوا واشربوا حتى يؤذن بن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر”
وهنا مسألة لا بد من بيانها وهي إذا أكل و شرب يظنه ليلاً ثم تبين أن الفجر قد طلع فما حكمه؟
فالجواب أن صيامه صحيح و لا يلزمه القضاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر كما كان بلال يؤذن قبل طلوع الفجر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم “إن بلالاً يؤذن بليل” فلا بأس بالأكل والشرب بعد ذلك بزمن يسير
وإن شك هل طلع الفجر أو لم يطلع فله أن يأكل ويشرب حتى يتبين الطلوع ولو علم بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر ففي وجوب القضاء نزاع والأظهر أنه لا قضاء عليه وهو الثابت عن عمر وقال به طائفة من السلف والخلف .
وهذا القول أشبهها بأصول الشريعة ودلالة الكتاب والسنة وهو قياس أصول أحمد وغيره فإن الله رفع المؤاخذة عن الناسي والمخطئ وهذا مخطئ وقد أباح الله الأكل والوطء حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر واستحب تأخير السحور ومن فعل ما ندب إليه وأبيح له لم يفرط فهذا أولى بالعذر من الناسي والشاك في طلوع الفجر يجوز له الأكل والشرب والجماع بالاتفاق ولا قضاء عليه إذا استمر الشك والله أعلم انتهى .
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول