ما لايصح في الصيام | الحلقة الحادية عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء العظيمة الكبيرة التي يقع فيها بعض المسلمين هداهم الله الفطر في نهار رمضان من غير عذر شرعي كمرض أو سفر أو حيض أو نفاس ونحوه.
فمن أفطر متعمداً متهاوناً فقد ارتكب إثماً عظيماً وذنباً كبيراً بانتهاكه حرمة رمضان وهو على خطر كبير بتركه الصيام فإن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام لقوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} وقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان”
ومما يدل على تحريم الفطر لمن لا عذر له الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا لي اصعد حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا أنا بصوت شديد فقلت ما هذه الأصوات قال هذا عواء أهل النار ثم انطلق بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً فقلت من هؤلاء ؟ فقيل هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم”
وقوله (تحلة صومهم) أي يفطرون قبل وقت الإفطار
فإذا كان من أمسك نهار رمضان ثم أفطر قبل موعد الفطر توعد بهذا العذاب فقل لي بربك كيف يكون عذاب وعقاب من أفطر كل اليوم أو من لم ينوِ الصوم أصلاً فيا ويل من أفطر في رمضان بلا عذر شرعي .
وليس على من أفطر في نهار رمضان بغير عذر شرعي قضاء في أصح قولي العلماء لأن جريمة فطره أكبر من أن يجبرها القضاء ولأن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها بدون عذر فإن الله لا يقبلها منه وعلى هذا فلا فائدة من قضائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولا يقضي متعمد بلا عذر صوماً ولا صلاة وتصح منه انتهى
ويجب على من أفطر متعمداً أن يستغفر الله ويتوب إليه توبة نصوحاً والإكثار من الأعمال الصالحة من النوافل وعليه أن يحافظ على شرائع الدين من صلاة وصوم وحج وزكاة وغير ذلك ويجب عليه العزم الصادق على أن لا يفطر في رمضان مرة أخرى.
وأما الحديث الضعيف المشتهر بين الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه ” أخرجه أبوداود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن خزيمة والبيهقي
فهو حديث ضعيف لا يصح ضعفه البخاري وابن خزيمة وقال”إن صح الخبر” والحديث ضعفه البغوي والمنذري وأبوالحسن القرطبي والذهبي و ابن حجر .
ومن الأمور التي يقصر فيها بعض الأولياء أنهم لا يعودون أولادهم الصغار على الصيام إذا كان لا يضره.
وهذا خلاف ما كان يفعله الصحابة زمن النبي صلى الله عليه وسلم
فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياه عند الإفطار
وفي لفظٍ : ونصنع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم
قال النووي ” في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ولكنهم ليسوا مكلفين قال القاضي وقد روى عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم وهذا غلط مردود بالحديث الصحيح “رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يحتلم وفي رواية يبلغ” والله أعلم انتهى
قال ابن حجر : في الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام لأن من كان في مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف وإنما صنع لهم ذلك للتمرين و هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فما فعلوه إلا بتوقيف والله أعلم انتهى
أما إذا كان الصيام يضره فإنه يمنع من الصيام برفق ولين لا بقسوة.
وتقييده بالصغار لا يخرج الكبار بل يدخلهم من باب الأولى.
ورفع إلى عمر بن الخطاب رجل سكران شرب الخمر في رمضان فلما دنا منه جعل يقول “للمنخرين والفم ويحك وصبياننا صيام” ثم أمر به فجلد ثمانين سوطاً ثم سيره إلى الشام”
ويزداد الأمر خطورة عندما يبلغ الصغير والصغيرة ويلزمهما أهلهما بترك الصلاة وبعدم الصيام في رمضان بحجة المشقة وأنه لا يطيق ذلك لصغره ونحو ذلك ولا شك أن هذا ناشئ من جهلهم بدينهم إذ كيف يليق بأولياء أمورهم وهم مسلمون أن يلزموهم بترك الصلاة والصيام إذا بلغوا وهم قادرون على الصيام.
ولا يجوز لولي أمر الأولاد إذا بلغوا أن يتركهم يستمرون على ترك الصلاة والصيام لقوله صلى الله عليه وسلم ” مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع” وقال صلى الله عليه وسلم ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” وقال تعالى{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} وقال تعالى {وأمر أهلك بالصلاة}
فيجب على والدي الأولاد الصغار إذا بلغوا أن يأمروهم ويلزموهم بالصلاة والصيام وغير ذلك من الواجبات كما يجب عليهم أن ينهوهم ويمنعوهم من المحرمات ويرغبوهم في الأعمال 
الصالحة .
أما إذا كان البالغ الصغير لا يستطيع الصوم ويشق عليه وأفطر خشية الضرر فله أن يفطر وعليه قضاء ما أفطر؛ لأن البالغ مكلف وكذا البالغة مكلفة.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول