ما لايصح في الصيام | الحلقة الرابعة عشرة ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله


 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء أن بعض الصائمين يظن أنه لا يجوز له التدهن وهو صائم وهذا خطأ فمن دهن رأسه أو جسده وهو صائم فهذا أمر لا يفسد الصيام سواء لعلاج أو لغير علاج.
قال ابن مسعود : إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهيناً مترجلاً.
وقال شيخ الإسلام : الادهان لا يفطر بلا ريب انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أن الكحل لا يجوز استعماله في نهار رمضان وهذا خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَ الصائم عن استعماله ولم ينقل عنه فيه شيء إلا أحاديث ضعيف لا يصح منها شيء بل جاء عن السلف ما يدل على جوازه فعن أنس بن مالك أنه كان يكتحل وهو صائم.
وقال الحسن: لا بأس بالكحل للصائم.
وقال الأعمش : ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر.
وقال البخاري : لم يرَ أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأساً .
واختار شيخ الإسلام أن الكحل لا يفطر الصائم.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين ظنهم أنه لا يجوز وضع الحناء للصائم وأن من وضع الحناء فقد أفطر وهذا خطأ فإن وضع الحناء في نهار رمضان لا يفطر ولا يؤثر على الصائم شيئاً كالكحل والطيب.
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أن استعمال الطيب وشم الروائح الجميلة لا يجوز للصائم وهذا خطأ؛ لأن الطيب لا خلاف في جوازه وإنما اختلفوا في كراهته للصائم والصواب أنه لا يكره للصائم لأنه لم يأتِ دليل يحرمه على الصائم والأصل الجواز.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : شم الروائح الطيبة لا بأس به للصائم انتهى .
ومما ينبغي أن يعرف أن المتطيب يكون عنده من النشاط وسمو النفس ما لا يخفى وهذا يؤثر في نشاط الصائم.
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أن البخور لا يجوز للصائم والصواب أنه يجوز استعمال البخور للصائم ولا حرج عليه لكن الأفضل أن لا يتسعط به أو يستنشقه لأن له جِرماً .
قال شيخ الإسلام :الأحكام التي تعم بها البلوى لابد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً ولابد أن تنقل الأمة ذلك فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تَعُم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره فلما لم يبين ذلك علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد أجساماً والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وإدهانه وكذلك اكتحاله انتهى
ومما يتعلق بما سبق قول بعض المدخنين إذا كان البخور يجوز شمه وهو دخان فيجوز لي أن أدخن السيجارة في نهار رمضان!
وهذا كلام من قائله خطير جداً والعياذ بالله فأقول مناقشاً هذا المدخن الذي أصدر هذه الفتوى :
أولاً : أنت لا تخلو من حالتين إما أن تكون من طلاب العلم وقد ابتليت بالتدخين نسأل الله السلامة والعافية وإما أن تكون عامياً لا تفقه شيئاً .
فإن كنت من المشتغلين بالعلم الشرعي وأنت تدخن فأقول لك اتقِ الله و استتر في بيتك ولا تفضح نفسك ولا تكن من المجاهرين بالمعاصي وتب إلى الله منه واستغل شهر رمضان لتتخلص منه واستعن بالله في تركه.
فوا أسفي على حالك أيها الهالك لا تكتفي بارتكابك للمعصية حتى تزينها للناس ثم تجوزها في نهار رمضان و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإن المصاب ليعظم إذا كان هذا القائل من العلماء أو من أئمة المساجد وإني بهذه المناسبة أنبه القائمين على شئون المساجد أن يتقوا الله في تعيينهم للأئمة والمؤذنين أن يكونوا من أصحاب المعاصي أو من أهل البدع والخرافات لأنهم يدعون بحالهم ومقالهم إلى المعاصي والبدع والأمر خطير جداً فتأملوا هذا لأنكم مسئولون أمام الله يوم القيامة عن هذه الأمانة .
واعلم أيها المبيح للتدخين في نهار رمضان أن قولك إن الدخان مثل البخور لا يفطر باطل من وجوه:
أولاً : البخور حلال بالإجماع وأما الدخان فهو حرام على الصواب من قول أهل العلم.
ثانياً : أن البخور القصد منه التطيب لطيب رائحته وأما الدخان فشاربه يقصد الشرب له والتلذذ به وتطعمه. فهل يصح منك أن تقيس الخبيث على الطيب وهل رائحة الدخان العفنة المستقذرة عندك بمنزلة رائحة البخور الطيبة.
ثالثاً : أن جرم الدخان ثقيل بخلاف جرم البخور فإنه خفيف.
وإن كان هذا القائل عامياً جاهلاً فأقول له اتقِ الله في نفسك ولا تحشر نفسك فيما لا يخصك ولا تقف ما ليس لك به علم.
أنت عليك أن تسكت وتأخذ بفتوى أهل العلم الموثوق بهم أما أن تتكلم في دين الله وأنت جاهل فأنت حينها داخل في من تقول على الله الكذب هذا حلال وهذا حرام. فأنت مسئول ومحاسب على ما تقول فقد كان كبار الصحابة يتورعون عن الفتوى ويخافون منها وأنت أسهل ما عليك الفتوى لا شك أن هذا فعل من لا خلاق له والعياذ بالله فأقصر عما أنت عليه وتب إلى الله واستغفره وإن استطعت أن تتبرأ من كل فتوى فافعل لعلك تنجو من التبعة والمسئولية يوم القيامة.
وإني بهذه المناسبة أنبه على ما نراه اليوم من بعض المسلمين هداهم الله للصواب من قبولهم الفتوى من كل أحد فمن لم يقرأ القرآن ويدرس الحديث ويأخذ العلم عن أهله لا يُقتدى به في علمنا فمن تكلم على شيء من هذا مع جهله بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو داخل فيمن يفتري على الله الكذب وفيمن يقول على الله ما لا يعلم .
قال ابن رجب الحنبلي : يا لله العجب لو ادعى رجل معرفة صناعة من صنائع الدنيا ولم يعرفه الناس بها ولا شاهدوا عنده آلاتها لكذبوه في دعواه ولم يأمنوه على أموالهم ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما شوهد قط يكتب علم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجالس أهله ولا يدارسه ؟
فيالله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه ويحكمونه في دينهم يفسده عليهم بدعواه الكاذبة فلا يقبل مدعٍ بلا برهان انتهى
و مما يحتاج إليه الصائمون أن يعلموا أن الغبار لا يضر صومهم قال ابن قيم الجوزية: من تمام الاعتدال في الصوم التفريق بين ما يمكن الاحتراز منه وبين ما لا يمكن الاحتراز منه فلم يفطر بالاحتلام ولا بالقيء الذارع كما لا يفطر بغبار الطحين وما يسبق من الماء إلى الجوف عند الوضوء والغسل انتهى
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين . 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول