ما لايصح في الصيام | الحلقة السادسة عشرة ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله


 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يدخل في فمه شيء يمضغه ويظن أنه لا يضر وهذا خطأ؛ لأن هذا الشيء الذي يمضغه لا يخلو من حالتين :
إما أن يكون فيه طعم أو لا
فإن كان فيه طعم فهذا لا يجوز مضغه .
وإن لم يكن فيه طعم فهو مكروه.
قال عطاء : لا يمضغ العلك فإن ازدرد – أي بلع – ريق العلك لا أقول إنه يفطر ولكن ينهى عنه .
وهذا محله في العلك الذي لا طعم فيه؛ قال ابن المنذر : رخص في مضغ العلك أكثر العلماء إن كان لا يتحلب منه شيء فإن تحلب منه شيء فازدرده فالجمهور على أنه يفطر انتهى
وقال الحافظ : العلك : هو كل ما يمضغ ويبقى في الفم كالمصطكى واللبان فإن كان يتحلب منه شيء في الفم فيدخل الجوف فهو مفطر وإلا فهو مجفف ومعطش فيكره من هذه الحيثية انتهى .
ومن الأمور التي يخطئ فيها بعض الصائمين ظنهم أن القُبْلة مطلقاً محرمة وبالعكس يوجد من الصائمين من يظن أن القبلة مطلقاً مباحة ولا شك أن كلا الفريقين على خطأ والصواب أن يقال يختلف حكم القُبلة باختلاف حال المُقَبِّل فلو كان ممن تثير وتحرك شهوته فلا تجوز له وإن كان ممن لا تحرك ولا تثير شهوته فلا حرج عليه.
وكذا الحال بالنسبة للمباشرة دون الفرج فإلى الفريقين أسوق هذه الأدلة مع تعليق أهل العلم عليها:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة”
وعن جابر بن عبد الله قال : قال عمر بن الخطاب ” هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيما قبلت وأنا صائم ؟ قال صلى الله عليه وسلم ” أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم” قلت لا بأس به ! قال صلى الله عليه وسلم “فمه”
أي لا فرق بينهما
وعن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سل هذه – لأم سلمة – فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له”
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يقبلني وهو صائم وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه”
قال أبو عيسى : اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في القبلة للصائم فرخص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للشيخ ولم يرخصوا للشاب مخافة أن لا يسلم له صومه والمباشرة عندهم أشد وقد قال بعض أهل العلم القبلة تنقص الأجر ولا تفطر الصائم ورأوا أن الصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإذا لم يأمن على نفسه ترك القبلة ليسلم له صومه وهو قول سفيان الثوري والشافعي انتهى
وقال المازري : ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه … وأن لم تؤدِ القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة قال ومن بديع ما روى في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عنها ” أرأيت لو تمضمضت” فأشار إلى فقه بديع وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع انتهى
وقال النووي : القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه انتهى
وقال الحافظ: النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشاب والشيخ؛ لأن عائشة كانت شابة نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق انتهى
وقال الألباني : الحديث دليل على جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان.
وقد اختلف العلماء في ذلك على أكثر من أربعة أقوال أرجحها الجواز على أن يراعى حال المُقَبِّل بحيث إنه إذا كان شاباً يخشى على نفسه أن يقع في الجماع الذي يفسد عليه صومه امتنع من ذلك وإلى هذا أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها في الرواية الآتية ” .. وأيكم يملك إربه “
ولكن ينبغي أن يعلم أن ذكر الشيخ ليس على سبيل التحديد بل المراد التمثيل بما هو الغالب على الشيوخ من ضعف الشهوة وإلا فالضابط في ذلك قوة الشهوة وضعفها أو ضعف الإرادة وقوتها.
هذا ما يتعلق بالقُبلة .
وأما المباشرة : فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه
وعن الأسود قال انطلقت أنا ومسروق إلى عائشة رضي الله عنها فقلنا لها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم قالت نعم ولكنه كان أملككم لإربه أو من أملككم لإربه
وعن أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم ؟ فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب.
وعن ابن عباس قال : رخص للكبير الصائم في المباشرة وكره للشاب.
قال الألباني : في الحديث جواز المباشرة من الصائم وقد اختلفوا في المراد منها :قال القاري :قيل هي مس الزوج المرأة فيما دون الفرج.
وقيل : هي القبلة واللمس باليد.
قال الألباني: لا شك أن القبلة ليست مرادة بالمباشرة هنا لأن الواو تفيد المغايرة فلم يبق إلا أن يكون المراد بها إما القول الأول أو اللمس باليد والأول هو الأرجح لأمرين:
الأول حديث عائشة الآخر قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت : وأيكم يملك إربه
فإن المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام فإن اللفظ واحد والدلالة واحدة والرواية واحدة أيضاً.
والأمر الآخر أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد فسرت المباشرة بما يدل على هذا المعنى وهو قولها في رواية عنها:كان يباشر وهو صائم ثم يجعل بينه وبينها ثوباً يعني الفرج .
وفي هذا الحديث فائدة هامة وهو تفسير المباشرة بأنه مس المرأة فيما دون الفرج فهو يؤيد التفسير الذي سبق نقله عن القاري وإن كان حكاه بصيغة التمريض قيل فهذا الحديث يدل على أنه قول معتمد وليس في أدلة الشريعة ما ينافيه بل قد وجدنا في أقوال السلف ما يزيده قوة فمنهم راوية الحديث عائشة نفسها رضي الله عنها روى الطحاوي بسند صحيح عن حكيم قال سألت عائشة : ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم ؟ قالت : فرجها.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
 
 
 
 
 
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول