بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يتخذون اليوم الرابع عشر والسابع والعشرين من ليالي رمضان عيدين وهذا خطأ أما اليوم الرابع عشر فلا نعلم له أصلاً من جهة تخصيصه دون بقية ليالي شهر رمضان وكذا ليلة السابع والعشرين تخصيصها بعيد لا نعلم له أصلاً وهذا من البدع لكن من اجتهد في ليلة السابع والعشرين متحرٍ ليلة القدر فلا ينكر عليه ولكن المسلم يتحرى ليلة القدر في ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان فإن لها فضلاً.
قلت : وكذلك ما يفعله بعض الناس من تخصيص بعض ليالي رمضان للاحتفال فيها كمن يحتفل بمعركة بدر فهذا من البدع ولا نعلم له أصلاً فاتخاذ موسم غير المواسم الشرعية هو من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين إمساكهم عن الكلام مطلقاً وهذا لا شك أنه لا يجوز قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الصمت عن الكلام مطلقا في الصوم أو الاعتكاف أو غيرهما فبدعة مكروهة باتفاق أهل العلم لكن هل ذلك محرم أو مكروه فيه قولان في مذهبه وغيره
وفى صحيح البخاري أن أبا بكر الصديق دخل على امرأة من أحمس فوجدها مصمتة لا تتكلم فقال لها أبو بكر” إن هذا لا يحل إن هذا من عمل الجاهلية “
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال صلى الله عليه وسلم ” من هذا” ؟ فقالوا هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال صلى الله عليه وسلم ” مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه” فأمره صلى الله عليه وسلم مع نذره للصمت أن يتكلم كما أمره مع نذره للقيام أن يجلس ومع نذره أن لا يستظل أن يستظل وإنما أمره بأن يوفى بالصوم فقط .
ومن فعلها على وجه التعبد بها والتقرب واتخاذ ذلك ديناً وطريقاً إلى الله تعالى فهو ضال جاهل مخالف لأمر الله ورسوله ومعلوم أن من يفعل ذلك من نذر اعتكافاً ونحو ذلك إنما يفعله تديناً ولا ريب أن فعله على وجه التدين حرام فإنه يعتقد ما ليس بقربة قربة ويتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه الله وهذا حرام لكن من فعل ذلك قبل بلوغ العلم إليه فقد يكون معذوراً بجهله إذا لم تقم عليه الحجة فإذا بلغه العلم فعليه التوبة
وجماع الأمر في الكلام قوله صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” فقول الخير – وهو الواجب أو المستحب – خير من السكوت عنه وما ليس بواجب ولا مستحب فالسكوت عنه خير من قوله ولهذا قال بعض السلف لصاحبه “السكوت عن الشر خير من التكلم به” فقال له الآخر “التكلم بالخير خير من السكوت عنه”
ويجب أن تحب ما أحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتبغض ما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتبيح ما أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحرم ما حرمه الله ورسوله انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً : التحقيق في الصمت أنه إذا طال حتى يتضمن ترك الكلام الواجب صار حراماً كما قال الصديق وكذا إن بعد بالصمت عن الكلام المستحب والكلام الحرام يجب الصمت عنه وفضول الكلام ينبغي الصمت عنه انتهى
وكذا من الأخطاء ظن بعضهم أنه إن أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا عذر أن عليه صيام ثلاثين يوماً بدلاً عنه ومن أفطر يومين فعليه أن يصوم ستين يوماً وهكذا يعوض عن كل يوم بصيام ثلاثين يوماً ! و هذا من البدع .
قلت : وأصل هذه البدعة حديث مكذوب موضوع لا يصح أخرجه الدارقطني في السنن ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يوماً ومن أفطر يومين كان عليه ستون ومن أفطر ثلاثاً كان عليه تسعون يوماً”
وفي لفظ ” من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر فعليه صيام شهر “
قال الدارقطني : لا يثبت هذا الإسناد ولا يصح انتهى
وقال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.
وموضوع أي مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم
قلت : ومن الأحاديث الضعيفة المكذوبة ما أخرجه الدارقطني في السنن ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات من حديث جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أفطر يوماً من شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعاً من تمر للمساكين “
قال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
وقال الذهبي : هذا حديث باطل انتهى
وقال الألباني : موضوع انتهى
قلت ومن الأحاديث الضعيفة المنكرة ما أخرجه الدارقطني في السنن من حديث أبي هريرة “أن رجلاً أكل في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً”
وهذا حديث لا يصح في إسناده راوٍ ضعيف والمتن فيه نكارة قال الحافظ في الدراية : فيه أبومعشر وهو ضعيف انتهى
ومن الأخطاء ظن بعضهم أنه إذا صام ثلاثة أيام بلياليها تكون بدلاً عن ثلاثين يوماً وهذا خطأ لم يقل به أحد من أهل العلم ولأن الليل ليس محلاً للصوم ومن فعله يعتبر مخالفاً للشرع المطهر وآتياً بما لم يشرعه الله ومفطراً في رمضان بغير عذر في بقية الأيام من رمضان ولأن الله أوجب على المكلفين أن يصوموا رمضان كله فلا بجزيء صوم بعضه.
ومن الأخطاء ظن بعضهم أن الشهر لا بد أن يكون ثلاثين يوماً وهذا خطأ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً وقد يكون ثلاثين يوماً فقال صلى الله عليه وسلم “الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين فإذا رأيتموه فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة”
وقال صلى الله عليه وسلم ” أتاني جبريل عليه السلام فقال : الشهر تسع وعشرون يوماً”
وقال ابن مسعود رضي الله عنه ” لَـمَا صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين”
فإن قيل: إذا كان تسعة وعشرين يوماً فهو ناقص في الأجر ؟
فالجواب أن أهل العلم ذكروا من معاني قوله صلى الله عليه وسلم ” شهرا عيد لا ينقصان” أنهما لا ينقصان في الأجر والثواب وإن كان رمضان تسعاً وعشرين فهو كامل في الأجر.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بازمول