بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء أن بعض الرجال إذا أراد أن يُفَصِّل ثياباً للعيد لا ينتبه أنها تتجاوز أسفل الكعبين وبعضهم – للأسف – قد يطلب من الخياط أن يجعلها أسفل الكعبين متعمداً وهذا لا شك أنه خطأ كبير؛ لأن إسبال الثوب – أي إطالته تحت الكعبين – حرام وفاعله متوعد بالنار فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار”
فإن كان يطيله متكبراً بطراً فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جَرَّ إزاره بطراً”
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من جَرَّ ثوبه مخيلة لم ينظر الله إليه يوم القيامة”
قال راوي الحديث : فقلت لمحارب أذكر إزاره قال ما خص إزاراً ولا قميصاً.
فليحذر المسلم من إسبال ثوبه ولا يتبع هواه.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه هداه الله للصواب إذا أُمِرَ بمعروف أو نُهِي عن منكر وقيل له اتقِ الله ! قال : عليك بنفسك وهذا خطأ؛ لأن هذا القول يبغضه الله فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن من أحب الكلام إلى الله عز وجل أن يقول العبد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك . وأبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل اتقِ الله فيقول عليك بنفسك”
وقالت ليلى امرأة بشير أخبرني بشير أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : أصوم يوم الجمعة ولا أكلم أحداً ذلك اليوم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها وأما أن لا تكلم أحداً فلعمري لأن تكلم بمعروف وتنهى عن منكر خير من أن تسكت “
الله أكبر الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر خير من السكوت ثم يأتي بعض الناس ويسمون من يفعل هذا الأمر أنه فضولي أو ملقوف ألا ساء ما يقولون لو كانوا يعلمون.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يعملون ويعتقدون في آخر جمعة من رمضان أموراً هي من البدع التي نص عليها أهل العلم والذي أوقعهم في ذلك تزيين علماء السوء والبدعة وبعض الأحاديث المكذوبة الموضوعة المنكرة التي لا تصح عن النبي صلى الله عليه و سلم بل لا أصل لها ولا سند.
فمن ذلك الحديث المشتهر على ألسنة العامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من قضى صلاة من الفرائض في آخر جمعة من شهر رمضان كان ذلك جَابِراً لكل صلاة فاتته في عمره إلى سبعين سنة “
وهذا الحديث المكذوب قال عنه ملا علي قاري : باطل قطعاً لأنه مناقض للإجماع على أن شيئاً من العبادات لا يقوم مقام فائتة سنوات ولا عبرة بمن ذكره من الفقهاء ونحوهم فإنهم ليسوا محدثين ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرجين انتهى
وكذا الحديث المكذوب الموضوع المشتهر على الألسنة الذي لا سند له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من فاتته صلوات ولا يدري عددها فليصل يوم الجمعة أربع ركعات نفلاً بسلام واحد ويقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة آية الكرسي وإنا أعطيناك الكوثر خمس عشرة مرة قال علي بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن فاتته صلوات سبعمائة سنة كانت هذه الصلاة كفارة لها”
فقال الصحابة : إنما عمر الإنسان سبعون سنة أو ثمانون سنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كانت كفارة لما فاته وما فات من الصلوات من أبيه وأمه ولفوائت أولاده”
وهذا حديث مكذوب لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم ولا سند له كما قال ملا علي قاري ووافقه اللكنوي.
وهنا لا بد من وقفة لبيان بعض ما أحدث وابتدع في آخر جمعة من رمضان لتحذروها وتنبهوا من وقع فيها بأن لا يفعلها حتى لا يقع في البدعة .
قلت : فمن البدع اعتقاد بعض الناس أن من صلى آخر جمعة من رمضان كانت كفارة لما سبق من الصلوات التي لم يصلها وكل ذنوبه وللأسف الشديد هذه البدعة منتشرة في أغلب البلاد الإسلامية إلا ما رحم الله فنجد بعض الناس لا يصلون في أيام السنة ظناً منه أنه إذا جاءت الجمعة الأخيرة من رمضان صلى فجبرت وكفرت تلك الصلوات وهذا لا شك أنه أمر خطير ينبغي التفطن له والبعد عنه
ومن البدع ما يفعله بعض الناس بما يعرف عندهم بالقضاء العمري وذلك بأن يصلي في آخر جمعة من رمضان خمس صلوات قضاءً بأذان وإقامة مع الجماعة يجهرون في الجهرية ويسرون في السرية وينوون لها بقولهم نويت أن أصلي أربع ركعات مفروضة قضاء لما فات من الصلوات في تمام العمر مما مضى ويعتقدون أنها كفارة لجميع الصلوات الفائتة فيما مضى من العمر.
ومن البدع : ما يفعله بعض الناس من صلاة أربع ركعات نفلاً مع الجماعة وينوون بقولهم : نويت أن أصلي أربع ركعات تقصيراً وتكفيراً لقضاء ما فات مني في جميع عمري صلاة النفل.
ومن البدع المحدثة ما يفعله بعض الناس بما يعرف عندهم بكتابة حفيظة رمضان وهي قولهم : لا آلاء إلا آلاؤك يا الله إنك سميع عليم محيط به علمك كعسلهون وبالحق أنزلناه و بالحق نزل “
قال السخاوي : هذه ألفاظ اشتهرت ببلاد اليمن ومكة ومصر والمغرب وجملة بلدان أنها حفيظة رمضان تحفظ من الغرق والسرق والحرق وسائر الآفات وتكتب في آخر جمعة فجمهورهم (يكتبها) والخطيب يخطب على المنبر وبعضهم بعد صلاة العصر وهي بدعة لا أصل لها وكان شيخنا رحمه الله ينكرها جداً حتى وهو قائم على المنبر في أثناء الخطبة حين يرى من يكتبها انتهى
وكذا جزم ابن الحاج والزرقاني أن هذه الحفيظة بدعة.
وقال ابن الحاج : وينهى الناس عن كتبهم الحفائظ في آخر جمعة رمضان في حال الخطبة و ذلك يمنع لوجوه :
أحدهما لما احتوت عليه من اللفظ الأعجمي وقد قال مالك لما سئل عنه ـ عن الألفاظ الأعجمية في الأذكار ونحوها ـ و ما يدريك لعله كفر؟
وثانيهما : أن فيه اللغو في حال الخطبة
والثالث : أنه يشتغل بالكتب عن سماع الخطبة
والرابع أنه يشتغل ببدعة ويترك ما اختلف فيه الناس من الإصغاء حال الخطبة هل هو فرض أو سنة مؤكدة
الخامس : ما أحدثوه من بيعها وشرائها في المسجد فينهى عن ذلك ويزجر فاعله وبعض الناس يكتبها بعد صلاة العصر يوم الجمعة وذلك بدعة أيضاً انتهى
وقال العلامة علي محفوظ : ومن البدع المنكرة بلا خلاف كتب الأوراق التي يسمونها حفائظ في آخر جمعة (الجمعة اليتيمة) حال الخطبة لما فيها من الإعراض عن استماع الخطبة بل والتهويش على الخطيب وسامعيه وذلك ممنوع شرعاً كما لا يخفى ولا خير فيه ولا بركة له فإنما يتقبل الله من المتقين لا من المبتدعين وقد يكتب فيها كلمات سريانية قد تكون دالة على ما لا يصح ولم ينقل عن أحد من أهل العلم وظني أن ذلك من بدع الدجالين التي زينوها للبسطاء ولذا لا تقع إلا في القرى المتأخرة انتهى
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بازمول