بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورأنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدأن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ألاوإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةبدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهذه مناقشة علمية رصينة لقاعدة جديدة من قواعد الحلبي الفاسدة المحدثة غير الناصحة ولا الأمينة، وهي خطير جداً؛ لهدمها منهج السلف الصالح، وفتحها لباب دخول البدع والمبتدعة في صف أهل السنة السلفيين الخلص، مما يشوش ويلبس عليهم دينهم.
فأقول مستعيناً بالله تعالى :
سمى الحلبي كتابه بـ”منهج السلف الصالح في ترجيح المصالح، وتطويح المفاسد والقبائح في أصول “النقد”، و”الجرح”، و”النصائح”.
وكم تمنيت أن يكون عنوان هذا الكتاب لفظاً طابق معناه؛ لكني صدمت بأن العنوان في واد ومضمونه في واد آخر.
فهو لا يمثل منهج السلف الصالح، ولم يطوح بالمفاسد والقبائح، ولا سيما أصول أهل الأهواء الذين يدافع عنهم، وألّف هذا من أجله وأجلهم، ولم يسر على منهج السلف في النقد والجرح والنصائح؛ بل جاء بما لم يخطر ببال أحد من السلف الصالح.
بل جاء ببعض الأصول الفاسدة وجاء بالمغالطات وأمور مستقبحة سيرى القارئ منها القليل الذي يدل على الكثير؛ لأني لا أريد أن أناقشه في كل ما أورد في كتابه من الأباطيل والتلبيسات، ولكن القليل منه يدل على الكثير.
ونعوذ بالله من الحور بعد الكور.
1- قال علي بن حسن الحلبي فيما سماه بـ ” منهج السلف الصالح” (ص102-104):
” المسألةُ التَّاسعةُ: (الجَرْح المُفَسَّر):
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ -اليَوْمَ- مِنَ المَسَائِلِ المفضية إلى النِّزَاعِ، وَالخِصَام، وَالإِلْزَام-بسبب سوء التصوُّر، أو خَلَلِ التصرُّف-!
فَكُلُّ (!) مَنْ جَرَحَ شَخْصاً تَرَاهُ يُلْزِمُ الآخَرِينَ بِهِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّ جَرْحَهُ -لَهُ- مُفَسَّرٌ، وَأَنَّهُ (وَاجِبٌ) قَبُولُ الجَرْحِ المُفَسَّر!!!
مَعَ أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ بِهَذِهِ السُّهُولَةِ(1) -كَمَا قَدْ يَتَصَوَّرُهُ -أَوْ يُصَوِّرُهُ البَعْضُ-!
وَبَيَانُهُ -فِي الرُّواةِ-مَثَلاً-:
(عِكْرِمَة -مَوْلَى ابْن عَبَّاس-):
احْتَجَّ البُخَارِيُّ بِهِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَثْبُت عِنْدَهُ فِيهِ جَرْحٌ.
بَيْنَمَا تَرَكَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ الرِّوايَةَ عَنْه؛ لِكَلاَمِ الإِمَام مَالِك -فِيه-، وَجَرْحِهِ لَهُ.
وَمُسْلِمٌ تِلْمِيذُ البُخَارِي -رَحِمَهُما الله-.
فَهَل اخْتِلافُ هَذَيْنِ الإِمَامَيْنِ الجَبَلَيْنِ فِي هَذَا الرَّاوِي نَاشِئٌ عَنْ (جَرْحٍ مُبْهَم)؟!
وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِك -أصلاً- وَقَدْ قِيلَ فِي (عِكْرِمَة) -هَذَا-: “كَذَّاب”؟!
أَمْ أَنَّهُ اخْتِلافٌ فِي قَبُول -أَوْ رَدِّ- (جَرْح مُفَسَّر=الكَذِب) رَضِيَهُ وَاحِدٌ، وَرَدَّهُ الآخَر؟!
وَلَوْ تَأَمَّلْنَا -مَثَلاً- كِتَابَي الإِمَامِ الذَّهَبِي: «مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَهُوَ مُوَثَّق»، وَ«الرُّواة المُتَكَلَّم فِيهِم بِمَا لاَ يُوجِبُ الرَّدَّ»: لَرَأَيْنَا مِنْ هَذا البَابِ الشَّيْءَ الكَثِيرَ الكَثِير…”.
أقول: أولاً:
1- من هو المعارض دائماً والمخاصم والمنازع والمتهرب من الالتزام بالحق والمحامي عن أهل الباطل والفتن؟
لا يعرف هذا النـزاع والخصام إلا من عصابة آثمة يشجعها دائماً الحلبي.
2- كان عندك أمران:
أ- لا يثبت الجرح إلا بالإجماع، صدر هذا منك غير مرة، انظر على سبيل المثال رد سعد بن فتحي الزعتري المسمى بـ “تنبيه الفطين” (ص25) حيث قال الحلبي:
” ثم موقف عامة الطلبة إذا أجمع أهل العلم على تبديع واحد لا يسعهم أن يخالفوه”.
نسب الزعتري هذا القول إلى شريط مسجل بصوت الحلبي، وقال هذا أمام شيخنا العلامة ربيع المدخلي وأنكر عليه هذه المقالة، وقال هذا عند أخينا الشيخ خالد بن عبد الرحمن المصري، وهو في هذا الكتاب يدندن حول هذه المقالة ويستدل لها.
وبناء على هذه الدعوى يجب إعادة النظر في كل من بدّعه أئمة السنة وسجلوا أسماءهم في كتب الجرح والتعديل وكتب الجرح الخاص وكتب العقائد، فمن وجدناه قد نُسب إلى بدعة لم يَقُمْ عليها إجماع رفضنا هذا التبديع الذي لم تتوفر فيه شروط التبديع ومنها الإجماع الذي يشترطه الحلبي في قبول التبديع.
وإذا بدّع عدد من علماء السنة في هذا العصر شخصاً ولم يُجمعوا على تبديعه فإن هذا التبديع يسقط تلقائياً بناء على هذه القاعدة الحلبية، وتدخل الأمة في دوامة من الفوضى والسفسطة، وإلى الله المشتكى، ومن علامات الساعة: أن توسد الأمور إلى غير أهلها.
ب- وصل بك الاستخفاف بالجرح والتعديل إلى أن قلت: إنه لا أصل له في الكتاب والسنة(2).
ثم اعترفت بأن قولك هذا خطأ لفظي، والآن تخرج من هذه الورطة وتحملها غيرك.
3- أوجب الله على المسلمين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوجب عليهم الصدق والعدل، وحرّم عليهم الكذب والظلم، وأوجب عليهم التعاون على البر والتقوى، وحرّم عليهم التعاون على الإثم والعدوان.
4- خصومنا يتملصون من قبول الحق ويصرون على أباطيلهم ويجدون منكم مظاهراً ونصيراً ودفاعاً وحماية، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان.
5- نحن خاصمنا من يدافع عن أهل الضلال ويؤصل أصولاً فاسدة يحمي بها أهل الضلال؛ مثل:
1- ” نصحح ولا نجرح “.
2- “والسلفيون ليس عندهم تأصيل، والتأصيل عند سيد قطب”.
3- قول: ” لا يلزمني”.
4- “والتثبت التثبت”؛ لإسقاط الحق وأهله.
5- ومن تلكم الأصول: “نريد منهجاً واسعاً أفيح يسع أهل السنة والأمة كلها”، ومِنْ أهل السنة – عند صاحب هذه الأصول ومنها هذا – الإخوان المسلمون وجماعة التبليغ الذين يخالفهم ويضللهم أهل السنة في مشارق الأرض ومغاربها، وعلى رأسهم الإمام ابن باز والإمام الألباني، وآل الشيخ والفوزان واللحيدان والغديان والشيخ النجمي والشيخ زيد وسائر أهل السنة في مكة والمدينة والرياض، ويخرجونهم من أهل السنة.
6- ومن أصولهم رد الحق الذي قامت عليه الحجج والبراهين، وأيده علماء السنة.
7- ومن أصولهم أن أخبار الآحاد تفيد الظن وسرد الشبه الباطلة لنصرة هذا الباطل مع ارتكاب الخيانات في النقل.
كل هذه الأباطيل تجد من ينصر أهلها ويدافع عنهم بناء على أصل لا يلزمني(3) أي لا يلزمني قول الحق وإنكار المنكر ورد الظلم والبغي والعدوان على أهل السنة والتأليف في الجرح وسوق الكلام عن علماء لا يريدون تأييد لا يلزمني ولا يريدون رد الحق بلا يلزمني؛ بل هم يدعون إلى الحق ويردون الإلزام بالباطل من البدع والمنكرات، ويلزمون الناس بالحق الذي شرعه الله.
ثانياً- لم يسلك الحلبي مسلك أهل العلم:
1- لا في العناوين ولا في عرض مسائل الجرح والتعديل؛ مثلاً هل يثبت الجرح والتعديل بواحد أو لابد من اثنين وبيان الراجح منهما.
2- ومثل إذا تعارض الجرح والتعديل بذكر أقوال العلماء وبيان الراجح منها بما ذكره العلماء من محدثين وأصوليين وفقهاء من الأدلة.
فالعناوين غريبة والبحث العلمي الأمين مفقود، والقفز حاضر وموجود.
3- انظر إلى العنوان “الجرح المفسر”، بدل تعارض الجرح والتعديل وأيهما الراجح.
4- وانظر قوله: ” فَكُلُّ (!) مَنْ جَرَحَ شَخْصاً تَرَاهُ يُلْزِمُ الآخَرِينَ بِهِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّ جَرْحَهُ -لَهُ- مُفَسَّرٌ”.
فأين عرض كلام الجارح والمعارض؟
5- والمعروف في المسائل التي يخالف فيها الحلبي مشايخَ أهل السنة أنها قائمة على نقد أقوال ظالمة باطلة ينقلها أهل السنة بنصوص أهلها من كتبهم وأشرطتهم، فهي أقوى وأوضح مما يطلبه أئمة الجرح والتعديل من بيان الجرح المؤثر الذي لا يجوز رده ومعارضته.
وإذا كانت المعارضة تقع في هذه الأمور البدهية المفسَّرة الواضحة في الجرح المؤثر فسلام الله على جهود أهل السنة في نقد وجرح أهل الأهواء، ولْيُقَلْ وداعاً لها ولْيُهَلْ عليها التراب.
6- يقفز الحلبي عن البيان الجلي لمسائل الجرح والتعديل إلى ما قيل في عكرمة من أقوال لم تثبت فيه ولا توجب جرحه ولا رد روايته ليضرب بهذا المثال قواعد الجرح أو الجرح المفسر الذي يقدم عند التعارض.
فالبخاري روى عنه على أساس أن الجرح بالكذب في عكرمة لا يثبت كما وضّح ذلك الحافظ ابن حجر – رحمه الله- في مقدمة فتح الباري (ص448) “لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر يقول ذلك، ويحيى البكاء متروك الحديث، قال ابن حبان: ومن المحال أن يُجرح العدل بكلام المجروح، ثم ذهب يدفع عنه الكذب وأن الكذب يطلقه أهل الحجاز على من يقع في الخطأ، إلى أن قال: والذي أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك”، يعني ما نسب إلى عكرمة من رأي الخوارج.
ثم إن الإمام مسلماً لم يترك الرواية عن عكرمة كما يدّعي ذلك الحلبي، فقد روى عنه مسلم حديثاً واحداً حسب علمي مقروناً مرة بطاووس ومرة بسعيد بن جبير، انظر حديث (1208) من صحيح مسلم، ورمز له كل من الحافظ ابن حجر والذهبي برمز (ع) أي الجماعة، وذكر الذهبي أن مسلماً روى له مقروناً.
وأما الحوالة إلى كتابي الذهبي فرجعت إلى معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يُوجب الرد.
أ- فوجدته لا يدفع بدعة عمن نسب إليها، فهو يذكر ما في صاحب الترجمة من بدعة، ولا يردها، ولا يشير إلى ردها سواء كان شيعياً أو قدرياً أو مرجئاً أو نُسب إلى النصب.
إن الحكم بالتبديع هو موضع النـزاع، والإمام الذهبي لا يدافع عن أهل البدع، حاشاه، فضلا عن أن يؤلف كتابين في الذب عنهم، هذا لن يكون إلا من أهل الأهواء، فانتبه لتلبيسات الحلبي، هذا وللذهبي عدد من المؤلفات في الجرح كـ”الميزان وديوان الضعفاء والمغني”؛ وفيها ألوف المجروحين من مبتدعين وغيرهم، ولو جمعت جروح السلفيين المعاصرين لأهل الأهواء لما بلغوا عشر معشار من جرحهم الذهبي.
دع عنك مؤلفات الأئمة قبله في الجرح الخاص مثل الضعفاء للبخاري والضعفاء والمتروكين للنسائي وكتاب المجروحين لابن حبان والضعفاء للدار قطني وغيرهم وغيرهم.
كل ذلك إنما هو نصح لله ولكتابه ولرسوله ولحماية الدين والمسلمين من شر أهل البدع والمفسدين والضعفاء والكذابين.
وللسلفيين المعاصرين أسوة حسنة في هؤلاء الأئمة الناصحين.
ب- ووجدته يسوق الاختلاف في بعض الرواة ولا يُرجح جانباً على جانب، وقد يرجح أحياناً، وقد يسوق الجرح في الرجل ويسكت.
7- ونسأل الحلبي لماذا لم يذكر لنا الصراع بين أهل السنة في أهل البدع والأهواء؟
الجواب: لأنه يكاد يكون معدوماً هذا الصراع بين أهل السنة بخلاف منهج الحلبي ومناهج العصابة التي يدافع عنها والتي قامت – أصلاً – للدفاع عن أهل البدع ومحاربة أهل السنة والابتعاد بشباب الأمة عن علماء السنة حقاً بعد إسقاط عدد كبير منهم المرة تلو الأخرى ووصف أهل السنة لقيامهم بالحق بأنهم غلاة وغلاة تجريح.
ومن هنا انطلق الحلبي في تأليف هذا الكتاب وغيره.
2- قال الحلبي فيما سماه بـ “منهج السلف الصالح” حاشية2 (ص102):
“قال شيخنا الألباني في “السلسلة الصحيحة” (6/1/30) – في معرِض ذِكْرِهِ بعضَ مناقشاته-: “ولما يئسنا منه [أي المناقَش] قلنا له: إن فرضك على غيرك أن يتبنى رأيك وهو (غير مقتنع به): ينافي أصلاً من أصول الدعوة السلفية، وهو: أن الحاكمية لله وحده”. انتهى كلام الحلبي .
أقول: قال الألباني هذا الكلام لمن يريد أن يفرض باطلاً في نظره على صاحب حق، فكلام الألباني حق، ولو كان هذا المبطل – في نظره – على حق لنصره الألباني ناصر الدين، وألزم مخالفه بإتباع الحق؛ لأن ذلك من تطبيق حاكمية الله.
وعجباً لك أن تترك تطبيقات الألباني الكثيرة للجرح المفسر وتقفز لمثل هذا الكلام زعماً منك أنه يقوي منهجك، وهيهات.
لقد هجر الألباني هذا الرجل من أجل مسألة واحدة فقط، فكيف لو أدرك من يدافع عنهم الحلبي واطلع على مناهجهم الفاسدة وأصولهم الباطلة القائمة على التحريف والكذب والتزييف.
بل كيف لو أدرك الحلبيَّ وهو يكافح عن هؤلاء وينافح عنهم بقواعدهم الفاسدة وبالتهوين وزعزعة الثقة فيما يُعدُ من أعظم أصول أهل السنة ألا وهو الجرح والتعديل والجرح المفسر والتشبث بقاعدة “لا يلزمني”، ولستُ بمقتنع، يدفع بذلك في نحور الحجج الواضحة وضوح الشمس؟
ماذا يعد المنصفون هذا العمل العجيب؟!!
الجرح المفسر بين العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – وعلي الحلبي
تطبيقات الألباني الكثيرة لقاعدة الجرح المفسر عند تعارض الجرح والتعديل
1- قال الألباني -رحمه الله- في الضعيفة (1/13) يرد على من قوَّى رواية عطية العوفي لحديث “اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك” …الحديث، ووثق عطية العوفي.
قال الألباني – رحمه الله – :
” وعلى فرض أنه ثقة كما زعم فلان فهو معارض بتضعيف أحمد وغيره من الأئمة الذين تقدمت أسماؤهم(4) كما أنه يعارض الحقيقة التالية التي خالفها فلان، وهي الحقيقة الأولى أنه من الثابت في علم الحديث أن الجرح – وبخاصة إذا كان مفسراً – مقدم على التعديل، وجرح عطية هنا مفسر بشيئين:
الأول- سوء الحفظ.
والأخر- التدليس”.
واستمر في مناقشة الرجل المخالف له في توثيق عطية العوفي وتقوية الحديث.
2- وقال العلامة الألباني في الضعيفة (1/69) رقم (14) في الكلام على حديث ” إياكم وخضراء الدمن …”الحديث، أثناء تخريج هذا الحديث قال:
” وأورده الغزالي في ” الإحياء ” ( 2 / 38 ) وقال مخرجه العراقي :
رواه الدارقطني في ” الأفراد ” و الرامهرمزي في ” الأمثال ” من حديث أبي سعيد
الخدري ، قال الدارقطني : تفرد به الواقدي و هو ضعيف .
و ذكر نحوه ابن الملقن في ” خلاصة البدر المنير ” ( ق 118 / 1 ) .
قال الألباني : بل هو متروك فقد كذبه الإمام أحمد و النسائي و ابن المديني وغيرهم .
و لا تغتر بتوثيق بعض المتعصبين له ممن قدم لبعض كتبه ، و غيره من الحنفية؛ فإنه على خلاف القاعدة المعروفة عند المحدثين : “الجرح المبين مقدم على التعديل”،
و لذا حكم الكوثري بوضعه كما سيأتي تحت الحديث ( 25 )” .
3- وقال الألباني – رحمه الله – خلال كلامه ونقده لحديث “لما اقترف آدم الخطيئة؛ قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي” حديث رقم (25).
قال –رحمه الله- بعد أن حكم على الحديث بالوضع، وساق أدلته على ذلك، قال: “و مع هذا كله فقد جازف الشيخ الكوثري وصححه مع اعترافه بضعف عبد الرحمن بن زيد”.
4- وناقش الكوثري أيضاً في حديث ” وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم – عليه السلام -“، المروي من طريق محمد بن حميد الرازي الذي وثّقه ابن معين، وأثنى عليه الإمام أحمد والذهلي الذين اعتمد توثيقهم الكوثري.
قال الألباني: ” وتغافل عن تضعيف جمهور الأئمة له ، بل وعن تكذيب كثيرين منهم إياه ، مثل أبي حاتم و النسائي وأبي زرعة وصرح هذا أنه كان يتعمد الكذب ، ومثل ابن خراش فقد حلف بالله أنه كان يكذب ، وقال صالح بن محمد الأسدي : كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه…”.
إلى أن قال الألباني: ” فهذه النصوص تدل على أن الرجل كان مع حفظه كذاباً، والكذب أقوى أسباب الجرح وأبينها ، فكيف ساغ للشيخ تقديم التعديل على الجرح المفسر مع أنه خلاف معتقده؟! علم ذلك عند من يعرف مبلغ تعصبه على أنصار السنة وأهل الحديث، وشدة عداوته إياهم، سامحه الله و عفا عنه”، انظر الضعيفة للألباني (1/88-93).
وقال الذهبي في الكاشف في محمد بن حميد: وثّقه جماعة والأولى تركه، وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الحافظ في التقريب: حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه.
وما قاله الألباني في الكوثري يشبهه ما يفعله اليوم الحزبيون ومن ينافحون عنهم وعن رؤوسهم بالباطل والهوى، ويشتدون في حربهم على أهل السنة.
5- قال -رحمه الله – في الضعيفة (1/108-109) في الكلام على حديث:
“من أذّن فهو يقيم” رقم (35) بعد تخريجه من سنن أبي داود والترمذي وشرح السنة للبغوي من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي:
وقد ذهب إلى توثيق الإفريقي المذكور بعض الفضلاء المعاصرين وبناء عليه ذهب إلى أن حديثه هذا صحيح ؟ وذلك ذهول منه عن قاعدة الجرح مقدم على التعديل إذا تبين سبب الجرح ، وهو بيِّنٌ هنا وهو سوء الحفظ .
وقد أنكر عليه هذا الحديث وغيره سفيان الثوري” .
وذكر له شاهداً وضعّفه، وقال: ” و قد بسطت الكلام على ضعف هذا الحديث في كتابي ” ضعيف سنن أبي داود “( رقم 83 ) “.
فقد قدم الألباني هنا الجرح المفسر على التعديل، واعتبر سوء الحفظ سبباً مفسراً.
والحلبي يدافع عن الكذابين والخونة والباغين على أهل السنة المحاربين لهم والطاعنين في شيوخهم والمسقطين لهم.
قال الذهبي في ابن أنعم في الكاشف: ضعّفوه، وقال الترمذي: رأيت البخاري يقوي أمره ويقول: هو مقارب الحديث.
وقال الحافظ في التقريب: ضعيف في حفظه … وكان رجلاً صالحاً.
هذا وقد وثَّق ابن زياد الإفريقي أحمد بن صالح المصري والعجلي، وضعَّفه عدد من الأئمة، ووثَّقه يحيى بن سعيد القطان مرة، وضعّفه أخرى.
ولكن هذه القاعدة الذهبية العادلة تحكم الجميع.
6- أورد العلامة الألباني في الضعيفة (9/125-130) حديث ” أربع من النساء لا ملاعنة بينهن : النصرانية تحت المسلم ، واليهودية تحت المسلم ، والحرة تحت المملوك ، والمملوكة تحت الحر “، من طريق عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عمرو بن شعيب.
ثم ضعّفه من كل طرقه.
ثم قال في (ص128-130): ” وبالجملة ؛ فكل هذه الطرق إلى عمرو بن شعيب واهية ، وبعضها أوهى من بعض . ولذلك قال البيهقي في “المعرفة” :”وعطاء الخراساني معروف بكثرة الغلط … ونحن إنما نحتج بروايات عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا كان الراوي عنه ثقة، وانضم إليه ما يؤكده، ولم نجد لهذا الحديث طريقاً صحيحاً إلى عمرو” .
ذكره الزيلعي (3/ 248-249) وأقره، وقال الحافظ ابن حجر في “الدراية” (2/ 76) :”ودون عمرو من لا يعتمد عليه” .
وأما قول ابن التركماني :”وعطاء ؛ وثقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما ، واحتج به مسلم في “صحيحه” . وابنه عثمان؛ ذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال : سألت أبي عنه فقال : يكتب حديثه .
ثم ذكر عن أبيه قال : سألت دحيماً عنه فقال : لا بأس به . فقلت : إن أصحابنا يضعفونه ؟ قال : وأي شيء حدّث عثمان من الحديث ؟! واستحسن حديثه . (قال ابن التركماني : فعلى هذا ؛ أقل الأحوال أن تكون روايته هذه متابعة لرواية صدقة ، فتبين أن سند هذا الحديث جيد ، فلا نسلم قول البيهقي : لم تصح أسانيده إلى عمرو” .
قال الألباني: فأقول له : سلّمتَ أو لم تُسلِّم ، فلا قيمة لكلامك ؛ لأنك لا تتجرد للحق ، وإنما لتقوية المذهب ، ولو بما هو أوهى من بيت العنكبوت ؛ فإنك عمدت في تقوية الرجلين – عثمان ابن عطاء وأبيه – إلى أحسن ما قيل من التعديل، وأعرضت عن كل ما قيل فيهما من التجريح، وليس هذا سبيل الباحثين الذين يقيم العلماء لكلامهم وزناً ، وذلك لأنه بهذا الأسلوب المنحرف يستطيع أهل الأهواء أن يصححوا أو يضعفوا ما شاؤوا من الأحاديث بالإعراض عن قواعد هذا العلم الشريف ومنها قاعدة : الجرح مقدم على التعديل ؛ بشرطها المعروف عند العلماء .
فقد أعرض الرجل عن كل ما قيل في عثمان من الجرح ؛ كقول الحاكم – مع تساهله – : “يروي عن أبيه أحاديث موضوعة” . وقول الساجي : “ضعيف جداً” . وغير ذلك مما تراه في “التهذيب” وغيره .
وكذلك فعل في أبيه عطاء ؛ فلم يعرج على ما قيل فيه من الجرح المفسر ؛ كقول شعبة فيه : “حدثنا عطاء الخراساني وكان نسياً” . وقول ابن حبان : “كان رديء الحفظ يخطئ ولا يعلم” ، ولذلك قال الحافظ فيه كما تقدم :”صدوق يهم كثيراً ، ويرسل ويدلس” .
فإن سلم منه فلن يسلم من ابنه؛ لشدة ضعفه. والله سبحانه وتعالى أعلم “.
قلتُ: والشاهد من كلام الألباني:
1- الطعن الشديد فيمن يتهرب من تقديم الجرح المفسر على التعديل بأن هذا العمل ليس من سبيل الباحثين الذين يقيم العلماء لكلامهم وزناً.
2- وأن هذا سبيل منحرف، ومنه تقديم التعديل على الجرح المفسر، وأنه لم يتجرد للحق وإنما لتقوية مذهبه.
هذا قاله العلامة الألباني في حق عالم له وزنه، فكيف لو رأى من يدافع عن أهل الأهواء بالباطل ويميع من أجلهم أصول أهل السنة، ويهوش تهويشاً شديداً على هذه القاعدة العظيمة والميزان الصحيح القائم على العدل والإنصاف.
3- جعل الألباني – رحمه الله – العبارات الآتية من الجرح المفسر:
أ- قول شعبة في عطاء الخراساني: وكان نسياً.
ب- قول ابن حبان: وكان رديء الحفظ يخطئ ولا يعلم.
فأين حال عطاء الخراساني من حال من يتعمد الفجور والكذب والخيانة؟ وأين المدافع عن هذا الصنف مثل الحلبي من علم الألباني وصفاء سريرته وثباته وتجرده وسداد تطبيقه لقواعد العلم وذبه عن السنة وأهلها وصدعه بالحق؟
7- وقال الألباني في الصحيحة (2/219) في الكلام على عباد بن منصور الذي ادعى الشيخ أحمد محمد شاكر أنه ثقة، قال الشيخ الألباني بعد سرد أسماء جماعة من الأئمة الذين جرحوا عباداً، وذكر اختلاف الرواية عن يحيى بن سعيد القطان في توثيق عباد وتضعيفه وترجيح رواية التضعيف على التوثيق، قال:
“2 – أنها تضمنت جرحاً مفسراً, والجرح المفسر مقدم على التعديل عند التعارض كما هو معلوم في ” المصطلح ” .
وثمة وجه آخر : معارضته بأقوال الأئمة الآخرين, فإنها متفقة على تضعيف الرجل مع بيان سبب التضعيف في كثير منها “.
ثم استمر الشيخ الألباني في مناقشة أحمد شاكر في ضبط عباد وتدليسه.
ففي كلام العلامة الألباني:
1- التصريح بتقديم الجرح المفسر على التعديل كما هو معلوم في المصطلح.
2- جعله الألفاظ الآتية من الجرح المفسر:
أ- ” لا يحفظ”.
ب- ” عنده أحاديث فيها نكارة”.
جـ- ” أحاديثه منكرة”.
وللعلامة الإمام الألباني مواقف كثيرة يقدم فيها الجرح المفسر على التعديل منها: انظر الضعيفة (6/558)، والضعيفة (11/281)، والصحيحة (7/1329) القسم الثاني، والضعيفة (6/226)، والضعيفة (11/529).
وسيتبع بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة تكملة مناقشة الحلبي في هذه القاعدة الآثمة.
كتبه حامداً لله وشاكراً لآلائه
ومصلياً على خير عباده
أبو عمر الكندي
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
(1) أي أنه من السهل رفض الجرح المفسر؛ لكن من الصعوبة بمكان قبوله عند طائفة معاصرة معينة، أخذت على عاتقها رد الجرح المفسر الواضح الجلي في أهل الباطل، وذم وحرب من يقوم بهذا الجرح المفسر مهما كثر عددهم ومهما بلغوا من الفضل والعلم والنـزاهة والنصح للإسلام والمسلمين.
(2) وانظر إلى قوله هذا – أيضاً – في “تنبيه الفطين” للزعتري (ص27) قاله خلال تشنيعه على السلفيين الناصحين المناضلين عن المنهج السلفي وأصوله ونكاية لهم.
(3) وغيره من الأصول الفاسدة.
(4) ويبلغ عددهم ستة وعشرين إماماً من المتقدمين والمتأخرين، وقال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن سعد: “وكان ثقة إن شاء الله وله أحاديث صالحة من الناس من لا يحتج به، انظر ترجمته في ” تهذيب التهذيب “، وقال الذهبي في الكاشف: ” ضعّفوه “، وقال الحافظ في التقريب: ” صدوق، يخطئ كثيراً وكان شيعياً مدلساً “.