بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله على خطأ يقع فيها بعض الصائمين ألا وهو أنهم لا يستغلون هذا الشهر الذي تسلسل فيه الشياطين في التوبة والرجوع إلى الله والإقلاع عن المحرمات والمعاصي بل للأسف الشديد نراهم يزدادون في المعاصي والمحرمات وكأن شياطينهم لم تسلسل وهؤلاء ما أبعدهم عن رحمة الله وأخشى أن يدخلوا تحت قول جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم لما صعد صلى الله عليه وسلم المنبر فلما رقي عتبة قال آمين ثم رقي عتبة أخرى فقال آمين ثم رقي عتبة ثالثة فقال آمين ثم قال أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قلت آمين قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله قلت آمين فقال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين فقلت آمين “
وقوله صلى الله عليه وسلم ” رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر “
وهؤلاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه من الصلاة والصيام فكثير من هؤلاء الجهال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام، و كثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان فيطول عليه ويشق على نفسه مفارقتها لمألوفها فهو يعد الأيام والليالي ليعودوا إلى المعصية، ومنهم من لا يصبر على المعاصي فهو يواقعها في رمضان .
ومتى يتوب من لم يتب في رمضان ومتى يعود إلى الله من لم يعد في رمضان.
والتوبة تعني صلاح الحال من الإقلاع عن الذنب وصلاح الماضي من الندم على فعل الذنب وصلاح المآل من العزم على عدم العودة إلى الذنب ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له والله يتوب على من تاب .
فبلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه قال ابن رجب ” كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ، و مؤمل غداً لا يدركه إنكم لو أبصرتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل و غروره.
من رحم في رمضان فهو المرحوم ، ومن حرم خيره فهو المحروم ، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم .
كم ينادي حي على الفلاح وأنت خاسر، كم تدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر
فمن أراد الله به خيراً حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان فصار من الراشدين ، ومن أراد به شر خلى بينه وبين نفسه فاتبعه الشيطان فحبب إليه الكفر والفسوق والعصيان فكان من الغاوين .
فالحذر الحذر من المعاصي فكم سلبت من نعم، وكم جلبت من نقم ، وكم خربت من ديار ، وكم أخلت دياراً من أهلها فما بقي منهم ديار،كم أخذت من العصاة بالثار ، كم محت لهم من آثار .
أين حال هؤلاء الحمقى من قوم كان دهرهم كله رمضان ليلهم قيام و نهارهم صيام .
قال بعض السلف : صم الدنيا ـ أي عن المعاصي ـ واجعل فطرك الموت.
فالدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم و استهلوا عيد فطرهم .
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته ، ومن تعجل ما حرم عليه قبل وفاته عوقب بحرمانه في الآخرة و فواته ، و شاهد ذلك قوله تعالى ” أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ” الآية ، و قول النبي صلى الله عليه و سلم ” من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ” انتهى
الله أكبر يا لها من مصيبة لمن يدركه شهر رمضان وهو شاغل وقته بالمعاصي مضيع ليله ونهاره أمام التلفاز أمام الصور الخليعة والمشاهد الخبيثة أمام كلمات الفحش والحرام مضيع نفسه بسماع الأغاني الشبابية الداعية للاختلاط والإباحية.
وإني بهذه المناسبة أذكر إخواني المسلمين وأخواتي المسلمات أن الطبق الفضائي المعروف بالدش يخشى أن ضيع أجر كثير من المسلمين وجعل شهر الصيام والطاعة شهر معصية .
نعم يا مسلمون أفيقوا من غفلتكم هذه !
متى كان شهر الصيام شهر مسلسلات وتمثيليات وشهر حفلات وشهر أغاني !
متى كان شهر رمضان شهر حرب لله ولدين رسول الله صلى الله عليه وسلم !
أيها المسلمون يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كيف تشاهدون في هذا الطبق الفضائي من يدعي أنه يعلم الغيب يعلم مستقبلكم يعلم أسعداء أم أشقياء وما سيحصل لهم!
وكيف تقرؤون في الجرائد تلك الأبراج التي يدعي أصحابها أن مواليد كل برج يستطيع أن يعلم مستقبله منها !
وهذه والله إحدى المصائب التي انطلت وسرت على كثير من المسلمين لبعدهم عن دينهم لأن ادعاء علم الغيب كفر بالله وتكذيب بالقران أما قال الله تعالى {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} ثم يأتي بعض المسلمين ويسألون هذا العراف الكاهن عن مستقبلهم وما سيحصل لهم.
فهذا الرجل الذي يأتي في الدش ويتصل به الناس بل للأسف يتصل به المسلمون من البقاع الإسلامية ويسألونه ما سيحصل لهم ! هو في الحقيقة دجال مشعوذ كاهن عراف مدعٍ لعلم الغيب قال صلى الله عليه وسلم ” من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ” و في رواية ” من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم “
و هذا الحديث عظيم جداً خالفه أولئك الذين يتصلون بذاك العراف.
فإن قال قائل : نحن نتصل ولا نصدقه فلا ندخل في الوعيد الذي في الحديث ؟
فالجواب أن هذا خطأ لأن الوعيد في الحديث مرتب على مجيئه وسؤاله سواء صدقه أو شك في خبره فإن في بعض روايات الصحيح ” من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة”
والعراف : هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل والذي يخبر عما في الضمير.
فقل لي بربك هذا الرجل الذي يأتي في الدش أما يفعل هذا !
أما يدعي معرفة الغيبيات ويخبر بما في الضمائر !
ألا فلنتقِ الله في أنفسنا ونبعد ونحترس ونحارب هؤلاء الكذابين العرافين .
كيف يا أمة الإسلام نشاهد في الدش البرامج التي تتكلم عن المسيحية أو النصرانية والرسول صلى الله عليه وسلم غضب من عمر – الفاروق الرجل الصلب في إيمانه صاحب الموافقات القرآنية – فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر لما رآه حاملاً لكتاب لبني إسرائيل .
فعن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال صلى الله عليه وسلم “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني”
أيها الناس : إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى ، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم جنة عرضها السموات والأرض ، ألا ترون إنكم في أسلاب الهالكين وسيرثها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، و في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله فتودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد ، قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب ، غنياً عما خلف فقيراً إلى ما أسلف!
فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته ، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي ولكن أستغفر الله وأتوب إليه .
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول