بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد
فلا شك أن المرء عن نفسه مسؤل، قبل سؤاله عن غيره، والحرص على مصلحة المبتدع ليس بأحرى من الحرص على مصلحة الهاجر نفسه
فكيف يعرض المسلم دينه للبلاء والمخاطرة حرصاً منه على دين غيره !!!
فحفظ دين الهاجر أولى من حفظ دين المهجور ؛ إذ أن الهاجر سليم والمهجور قد أجرب
قال ابن بطة في الإبانة الكبرى :” إياك والتكلف لما لا تعرفه ، وتمحل الرأي ،
والغوص على دقيق الكلام ، فإن ذلك من فعلك بدعة ، وإن كنت تريد به السنة ،
فإن إرادتك للحق من غير طريق الحق باطل ، وكلامك على السنة من غير السنة بدعة ،
ولا تلتمس لصاحبك الشفاء بسقم نفسك ، ولا تطلب صلاحه بفسادك ،
فإنه لا ينصح الناس من غش نفسه ، ومن لا خير فيه لنفسه لا خير فيه لغيره ،
فمن أراد الله وفقه وسدده ، ومن اتقى الله أعانه ونصره .
سمعت جعفرا القافلائي يقول سمعت المروذي يقول سمعت أبا بكر بن مسلم الزاهد رحمه الله يقول وقد ذكر يوماً المخالفين وأهل البدع
فقال :” قليل التقوى يهزم العساكر والجيوش”. انتهى كلامه رحمه الله تعالى
وبهذا يظهر جلياً لكل ذي لب وعقل
أن حفظ السلفيين من الانحراف أولى من محاولة إرجاع وهداية أهل البدع
لأن من المسلمات لذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة أن حفظ رأس المال خير من الربح غير المضمون
خصوصاً أن من عاند الحق وأصر ووقع في البدع وضل ، قلَّ ما يعود إلى الحق إلا أن يشاء الله
ولسنا بأحرص من السلف الذين حافظوا على دينهم وحذورا من أهل البدع ومجالسهم
ولسنا بأقوى من السلف علماً وورعاً وتقوى، ومع ذلك خافوا على أنفسهم من الفتنة
وكم من عالم وطالب علم اغتر بمجالسة أهل البدع فقال بقولهم وانحرف بضلالهم
قال مغيرة :” خرج محمد بن السائب، وما كان له هوى فقال : اذهبوا بنا حتى نسمع قولهم،
فما رجع، حتى أخذ بها، وعلقت قلبه”.
أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/462، 470، 471رقم449، 479، 480) من طريقين عن أبي بكر بن عياش عن مغيرة
تأمل هذه الحادثة كيف كان تأثر بضلالهم ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وما قصة ابن عقيل الحنبلي وابن الجوزي وغيرهما وتأثرهما بمجالسة أهل البدع مع تحذير أهل السنة لهم من مجالستهم ببعيدة منا فهي معروفة .
فإن قيل : كيف نوفق بين كلامك هنا وبين كلام أهل العلم باعتبارهم مصلحة المهجور ؟
فالجواب : أن كلامهم خرج مخرج ما إذا كان المهجور مبتلى ببدعة غير داعٍ إليها، وبأن يكون الهاجر عنده العلم الكافي لدعوته ونصيحته وتوجيهه .
ولا يعني كلام أهل العلم أن الهاجر إذا خالطه يسمع منه كلامه المنحرف، أو أن العامة يخالطون أهل البدع .
هذا لا يقوله عالم من أهل السنة أبداً
وتأمل كلام علمائنا في هذه المسألة تجده خرج هذا المخرج .
وهناك مخارج أخرى يزول معها إلتباس الأمر في مسألة حصر الهجر على المصلحة
التي لو قيل به – أي بقصر الهجر على مصلحة المهجور – لأدى لإنحراف كثير من الناس
ليس العوام فقط ولا طلاب العلم بل حتى لا يؤمن على أهل العلم
فكم رأينا من السلفيين المنافحين والمدافعين عن منهج السلف الصالح
وقد كتب الكتب وألَّف الرسائل في الرد على أهل البدع
إذا هو اليوم معهم في أحضانهم
بل ويؤلف في تقبيح السلفيين وفعالهم
وفي الدفاع عن أهل البدع وأذنابهم
فيمدح جمعية حاربت السنة وأهل السنة وانحراف أتباعها واضح لكل منصف يتقي الله عزوجل
وليته اكتفى بالمدح بل قال عنها إنها جمعية سلفية
فقل لي بربك بعد هذا فتنة هذا المفتون في دينه كيف تأمن على نفسك
وكيف لو فتح الباب لضعاف النفوس بمخالطة أهل البدع والانحراف
فإلى الله وحده المشتكى من تأصيلات هذا المفتون
وللأسف اغتر بعض إخواننا السلفيين بإطلاق العلماء مراعاة مصلحة المهجور بأن القضية معلقة على هذا الأمر فقط
فظن أن قولهم بمراعاة مصلحة المهجور هو علة المسألة ، يدور الحكم معها وجوداً وعدماً
وما درى المسكين أن قولهم هذا من باب الحكمة المراعاة لا العلة التي يتعلق بها الحكم
وبينهما فرق
فالهجر مصلحته لا تتعلق فقط بالمهجور بل هناك فوائد عديدة للهجر ، وهذا ما سيكون مقالي في سحاب إن شاء الله تعالى قريباً
محبكم أحمد بن عمر بازمول