إتباع السنة وتمييزها من البدعة ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
 
 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
 
 
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
 
 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
 
 
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
 
 
أما بعد
 
 
فإن الله عز وجل جعلنا نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام آخر الرسل والأنبياء فلا نبي بعده ولا رسول . وقد أمرنا بإتباع هديه وسنته ، وأمرنا بالاقتداء به في أقواله وأفعاله ، وأوجب علينا التسليم لما جاء به وطاعته . قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}.
 
 
وقال تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}
 
 
وأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن طاعته طاعة لله كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ “: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ “.
 
 
وأخرج أحمد في المسند عن سَالِم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ قَالُوا بَلَى نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ قَالُوا بَلَى نَشْهَدُ أَنَّهُ مَنْ أَطَاعَكَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَأَنَّ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ طَاعَتَكَ قَالَ فَإِنَّ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَنْ تُطِيعُونِي”.
 
 
وأخبر أن من أطاعه دخل الجنة ونجا من هلاك محقق كما أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :” كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ! قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟ قَالَ :”مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى”.
 
 
وأخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :” إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ”.
 
 
ونهانا سبحانه وتعالى عن معصيته ومخالفة أمره ، وحذرنا من الافتراق عما جاء به {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
 
 
وقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
 
 
وفي صحيح البخاري عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا “.
 
 
والخير كل الخير في أفعاله وأقواله عليه الصلاة والسلام قال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}
 
 
وأخرج أحمد في المسند ومسلم في الصحيح عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو قال قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَنَا فَقَالَ :” إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ”.
 
 
والشر كل الشر في مخالفة أمره وفي الابتداع في الدين بعمل شيء أو قول شيء لم يأتِ به النبي عليه الصلاة والسلام إذ أن نبينا الكريم لم يقصر في شيء فقد بلغ كل ما أمره به ، وأشهد عليه الصلاة والسلام أصحابه وأمته على إبلاغه رسالة ربه سبحانه وتعالى فكان يقول ويكرر ألا هل بلغت اللهم فاشهد .
 
 
بل بين سبحانه وتعالى أن الدين كامل ليس بناقص فلا يحتاج إلى زيادة مخترع ولا محدث {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}
 
 
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير عن أبي ذر الغفاري قال :” تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علماً وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم “.
 
 
فهذا الحديث النبوي الشريف فيه بيان واضح جداً :
 
 
بأن كل ما يقرب إلى الجنة قد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم .
 
 
وكل ما يباعدنا عن النار قد بينه لنا رسولنا الكريم .
 
 
فمن جاء بشيء لم يبينه الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقبل منه ؛ لأننا كلنا نجزم ونعتقد أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد علمنا جميع ما نحتاجه .
 
 
ونعم ما قال ابن مسعود :” اتبعوا ولا تبدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة “.
 
 
أي اتبعوا سنة نبيكم وهديه في أقواله وأفعاله ، ولا تبتدعوا شيئاً لم يأتِ به النبي عليه الصلاة والسلام !
 
 
لماذا ؟
 
 
لأن رسولنا الكريم قد كفانا فيما جاءنا به ولا نحتاج إلى زيادة من غيره ، فمن عمل بعمل لم يأتِ به الرسول عليه الصلاة والسلام فكأنه يقول : ما جاء به الرسول ليس يكفيني ! وكأنه يقول : إن الرسول لم يبلغ جميع ما أمر به ؟
 
 
وكفى بسماع هذا القول شناعة تدل على بطلانه .
 
 
قال الإمام مالك : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً”.
 
 
فكل عمل بلا اقتداء ومتابعة لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعداً فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره لا بالآراء والأهواء .
 
 
إن كل أمر محدث من أفعال وأقوال لم يأتِ به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، أو لم يكن عليه سلفنا الصالح من الصحابة ومن سار على دربهم إلى يوم الدين : فهو مردود على أصحابه ولا يقبل منهم أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:” مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ “.
 
 
وفي لفظ لمسلم :” مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ”.
 
 
وقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : ” لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا ” أي أَمْر الدِّين .
 
 
قال الشوكاني : وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
 
 
وقال الإمام الأمة ناصر الدين والسنة الألباني رحمه الله تعالى : هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه صريحٌ في رد وإبطال كل البدع والمحدثات “.
 
 
وقال النووي :”هَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنَى بِحِفْظِهِ وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ كَذَلِكَ .
 
 
وفي هذا الحديث رَدّ الْمُحْدَثَات لِأَنَّها كُلّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَمْر الدِّين فَيَجِب رَدّهَا”.
 
 
وقد حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام من البدعة فقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يكثر فِي خُطْبَتِهِ ومجالسه أن يقول :” إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ”.
 
 
وفي حديث العرباض بن سارية قال صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم :”أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ”.
 
 
فالعمل الصالح هو الذي يكون خالصاً لوجه الله عز وجل ويكون متابعاً فيه ومقتدياً برسول الله عليه الصلاة والسلام .
 
 
ولا بد أن يكون على الأمر الذي فهمه سلفنا الصالح من أصحاب رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}
 
 
وأخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :”افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ”. قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم :”الْجَمَاعَةُ”.
 
 
وفي لفظ :”ما أنا عليه اليوم وأصحابي”.
 
 
قال الإمام أحمد :”أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة ضلالة”.
 
 
وقال الأوزاعي :”اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم”.
 
 
وسأذكر لكم آثاراً سلفية عظيمة تدل ما ذكرت لكم من أن العمل إذا كان لم يشرعه النبي عليه الصلاة والسلام لا يقبل ولو كان ظاهره الصلاح والخير : فقد أخرج الترمذي في السنن عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ “.
 
 
أو ليس السلام على رسول الله خير ؟
 
 
فهل يقول عاقل إن ابن عمر ينهى عن السلام على رسول الله ؟
 
 
ينهى عن أمر طيب ؟
 
 
لا !
 
 
إنَّما نهى ابن عمر عن فعل أو قول أمر لم يعلمناه رسولنا الكريم .
 
 
وأخرج الدارمي في المسند عن عَمْرُو سلمة قَالَ : كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ : أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ ؟
 
 
قُلْنَا : لَا !
 
 
فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ ؟ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا .
 
 
قَالَ : فَمَا هُوَ ؟
 
 
فَقَالَ : إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ ! قَالَ : رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً !!!
 
 
قَالَ : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟
 
 
قَالَ : مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ !!!
 
 
قَالَ : أَفَلا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ !
 
 
ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ !
 
 
فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ ؟
 
 
قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ !!!
 
 
قَالَ : فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ !
 
 
وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ !!!
 
 
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ !
 
 
قَالُوا : وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلا الْخَيْرَ !
 
 
قَالَ : وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ “.
 
 
فهل ابن مسعود ينهى عن الذكر والاجتماع في المساجد ؟
 
 
أم أنه ينهى عن أمر لم يفعله رسولنا الكريم ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين .
 
 
ورأى سعيد بن المسيب رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه !
 
 
فقال : يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة ؟
 
 
قال لا ! ولكن يعذبك على خلاف السنة”
 
 
فتأملوا رحمنا الله وإياكم قول ذاك الرجل : أيعذبني على الصلاة ؟
 
 
وهذا سؤال وجيه : الصلاة خير فهل أعذب لأني صليت ؟
 
 
فأجاب الإمام سعيد بن المسيب بأن الله يعذبه على مخالفة السنة “.
 
 
لذلك قال ابن مسعود :” كل بدعة ضلالة وإن راها الناس حسنة”.
 
 
فسبيل النجاة وطريقها : هو إتباع ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام ، والتمسك به ولزومه ، والبعد عن الشبهات والشهوات .
 
 
ولا سعادة للمرء إلا بإتباع سنة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام قال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
 
 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
 
 
وصلى الله وسلم على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين .