بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فهذه هي الحلقة الثالثة بفضل الله تعالى من مقالي الذي بعنوان ( هذا بعض بياني لمخالفات الشيخ سالم الطويل لمن يعظم الحق لا الخلق )
وقد فرح السلفيون بهذا المقال وأثنوا عليه خيراً لِمَا اشتمل عليه من نصرة للحق ورد للباطل بالحجج والأدلة القوية وهذا من فضل الله أولاً وآخراً ثم من فضل مشايخنا السلفيين فجزاهم الله عنا خير الجزاء .
وقبل الدخول في الموضوع أحببت التنبيه على مسألة أثارها بعض الناس وهي أن سالم الطويل يحذر من جمعية إحياء التراث فلماذا تشنعون عليه بها ؟
وهذه المسألة قد أجبت عنها في الحلقة الثانية .
ومن باب زيادة المبنى؛ لإيضاح المعني أقول مستعيناً بالله تعالى :
لتظهر لك القضية بجلاء أضرب لك مثالاً آخر :
القاتل عمداً ؟
حكمه شرعاً القصاص إذا طالب أولياء المقتول بدمه وتوفرت الشروط وانتفت الموانع .
فلو قال القاضي للقاتل :
أنت مجرم !
أنت سفاح !
أنت عديم الشعور !
لا أحد من الناس يكلمه !
الرجال لا يصاحبه ولا يروح عنده !!!
هل يكفي هذا ؟
الجواب : لا !
لا يكفي .
إذن ما الحكم في حقه !!!
الجواب : القتل قصاصاً .
طيب : لو قيل : القاضي شتمه وحذر منه !
فالجواب : أن الواجب فيه شرعاً القتل !
وهذا الشتم لا يكفي !
لابد من القصاص !!
كذا موقف سالم الطويل من جمعية إحياء التراث الإسلامي !
مثل موقف ذاك القاضي الذي لم يحكم على القاتل بالحكم الشرعي المناسب له.
إذ الواجب : أن يكون الصادر من سالم الطويل : التبديع والتضليل لهذه الجمعية ولا يكتفي بمجرد التحذير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع .
أما مجرد السب والشتم والتحذير : فلا يكفي !
آمل أن يكون هذا المثال واضحاً لمن أراد الحق ولم يعاند ويرد الحق لهواه ومشتهاه .
ولا بد من التنبيه على أمر مهم : ألا وهو أن سالم الطويل الذي يحذر من جمعية إحياء التراث لا يراهم مبتدعين بل يراهم من أهل السنة .
فما فائدة التحذير إذن .
بل كما سبق في الحلقة الثانية : سالم الطويل له علاقات طيبة مع بعض رجالات جمعية إحياء التراث الإسلامي وله رد برفق على بعضهم !
عود على بدء :
وفي هذه الحلقة الثالثة – بإذن الله تعالى – أكمل تهذيبي وترتيبي لتفريغ المكالمة التي أشرت لها في الحلقة الأولى مع زيادات تظهر الحق وتنصره وتكشف الباطل وتدحره !
فأقول مستعيناً بالله تعالى :
قد استشكل المتصل – وفقه الله تعالى – عبارات صدرت من الدكتور فلاح مندكار في تلك الجلسة !
وكذا استشكلها كل من سمع كلامه من السلفيين !!
وحق لهم أن يستشكلوا تلك الجمل التي صدرت من الدكتور فلاح مندكار !!
لأنها لا تتفق مع المنهج السلفي !
وهو المنهج الذي ينتمي إليه الدكتور فلاح مندكار نفسه – حفظه الله تعالى –!!
وقد وقفت بعد تلك الجلسة على صوتيتين للدكتور فلاح مندكار – حفظه الله تعالى – لم يتراجع فيها عن كلامه السابق ! وإن خَفَّت حِدَّته لكن لا زال يردد بعض العبارات بل زاد جملاً – غير متوقعة من مثله – لم يذكرها في الجلسة الأولى !!
فكيف وقع الدكتور فلاح مندكار حفظه الله في خلاف المنهج السلفي الذي ينتمي إليه ! ؟
الذي يظهر لي أن سبب ذلك يعود إلى مجالسة المخالفين للحق والمخذلين لأهله !
ولا شك أن “مجالسة من لا تؤمن فتنته، وتفسد القلوب صحبته” لها أثر على السلفي السني كما نبه على ذلك ابن بطة في الإبانة (1/390) .
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله :
(( إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء : كحامل المسك ونافخ الكير :
فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة !
ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة))
فلما كان الأمر كذلك !! استعنت بالله تعالى في بيان الحق في القضايا التي أثارها الدكتور فلاح مندكار حفظه الله تعالى .
وقبل المناقشة أقدم قول الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى – في كتابه الحكم الجديرة بالإذاعة (33-37) : الواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم، ويأمرهم بإتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم الأمة، فإن أمر الرسول r أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ.
ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد لا بغضاً له بل هو محبوب عندهم، معظم في نفوسهم لكن رسول الله r أحب إليهم، وأمره فوق كل أمر مخلوق. فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول r أولى أن يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفوراً له، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول ﷺ بخلافه، بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة أمر الرسول r إذا ظهر أمره بخلافه انتهى .
فمن تلك العبارات التي صدرت من الدكتور فلاح مندكار حفظه الله تعالى :
قول الدكتور فلاح مندكار حفظه الله تعالى
(( أنا سمعت هذا لكن قبل ما أتكلم حقيقة في الموضوع لعلي أقدِّم بمقدمة : يعني-أنا-انشغلتُ اليوم كثير.. انزعجت..))
التعليق :
– انزعج الشيخ فلاح – حفظه الله تعالى – بسبب الكلام في سالم الطويل وكأن الكلام في سالم الطويل جديد ليس معروفاً من قبل أن سالماً الطويل له أقوال غير سديدة بل مخالفة لمنهج السلف الصالح !
– ومع ذلك : فالموقف السلفي يقتضي النظر في حجة المتكلم إن كانت حقاً قبلت وإن كانت باطلاً ردت وبين عدم صوابها .
لأننا لا ندعي العصمة لأحد بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
لذا قال ابن مسعود – رضي الله عنه – كلمته المشهورة التي تعتبر قاعدة سلفية ((من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة))
– ثم أنت يا دكتور فلاح لم تنزعج من مخالفات سالم الطويل للمنهج السلفي ! ولم تنزعج من مواقفه السيئة مع إخوانه السلفيين ولم تصدر فيه كلمة واحدة فيما أعلم .
بل الذي وجدناه لك الدفاع المستميت المتكرر عن الطويل .
وقد بينت في الحلقة الثانية شيئاً من مخالفات سالم الطويل باختصار .
ولو شئت أنت ومن يدافع عن سالم الطويل أن أوضح تفاصيل مخالفات سالم الطويل للمنهج السلفي لبينته بعون الله وتوفيقه .
– ثم يا دكتور فلاح – للأسف الشديد – لم تنزعج من حال عبد الله الشريكة وهو أسوأ حالاً من سالم الطويل ! مع أنك وقفت على بعض ما عنده من مخالفات وضلالات حيث أوقفك بعض إخواننا السلفيين على ذلك .
وسأفرد حلقة – بإذن الله تعالى – لبيان شيء من مخالفاته .
– والسؤال يا دكتور فلاح : ما موقفك من مخالفات الطويل ومخالفات الشريكة بعد بيانها وكشفها لك .
هل ستنزعج منها وتقف منها موقف الغاضب لانتهاك حدود الله .
فالسلفيون يأملون منك موقفاً واضحاً !
خاصة والمعروف أن الأخوة في الكويت أوقفوك على ذلك !!!
– ودعني يا دكتور فلاح أكن معك صريحاً فالسلفيون منزعجون من كلامك في تلك الجلسات بل متحيرون من موقفك هذا حتى يكاد الواحد لا يصدق أن هذا المتكلم هو الدكتور فلاح مندكار المعروف بالسلفية .
فالله المستعان .
– وأيضاً : إذا كنت منزعجاً فكان حقك أن تسكت ولا تحكم بين طرفين وأنت غضبان امتثالاً للهدي النبوي حتى تستطيع أن تحكم بعدل وإنصاف ولا يصدر منك كلام تندم عليه.
فعن أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان” .
وقال عمر بن الخطاب في رسالته لأبي موسى الأشعري في القضاء وآدابه :” إياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ”
قال ابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين (2/175) :” هذا الكلام يتضمن أمرين:
أحدهما : التحذير مما يحول بين الحاكم وبين كمال معرفته بالحق وتجريد قصده له فإنه لا يكون خير الأقسام الثلاثة إلا باجتماع هذين الأمرين فيه والغضب والقلق والضجر مضاد لهما فإن الغضب غول العقل يغتاله كما تغتاله الخمر ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان والغضب نوع من الغلق والإغلاق الذي يغلق على صاحبه باب حسن التصور والقصد .
والأمر الثاني : التحريض على تنفيذ الحق والصبر عليه وجعل الرضا بتنفيذه في موضع الغضب والصبر في موضع القلق والضجر والتحلى به واحتساب ثوابه في موضع التأذي فإن هذا دواء ذلك الداء الذي هو من لوازم الطبيعة البشرية وضعفها فما لم يصادفه هذا الدواء فلا سبيل إلى زواله هذا مع ما في التنكر للخصوم من إضعاف نفوسهم وكسر قلوبهم وإخراس ألسنتهم عن التكلم بحججهم خشية معرة التنكر ولا سيما أن يتنكر لإحد الخصمين دون الآخر فإن ذلك الداء العضال” .
وتأمل يا دكتور فلاح الأمرين !
تجد أنك وقعت فيما حذر منه ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى !!
فحكمت وأنت غضبان وتنكرت لأحد الخصمين !!!
– بل تعدى الأمر لتأصيل بعض القواعد التي لا تتمشى مع منهج السلف بل تخالفه تماماً كما سأبينها في مواضعها من التعليق بإذن الله تعالى .
قال الدكتور فلاح مندكار حفظه الله تعالى
(( كنا نقرأ ويعني ننظر في كلام أهل البدع والأهواء في بعض المسائل، وأذكر مسألة المسيح الدجال، وكيف النصوص جاءت توضح أوصاف المسيح، وأنه كذا: آية في القبح، والشكل ما هو راكب، واللون ما هو راكب، والشعر على الجسد ما هو راكب! يعني من جميع الجوانب! والقبح في المَنظر، وأيضًا مكتوب بين عينيه: (كافر) .
هذا جانب، والجانب الآخر أنه يقول لهم: (أنا ربكم)! فيطيعونه، (اسجدوا لي) يسجدون له!
هذه المسألة -حقيقة- جعلت كثير جداً من أصحاب المدارس العقلية -قديمًا وحديثًا-ما زالوا- يُنكرون أحاديث الدجال،
والتشنيع عليهم كثير جدًّا-قديمًا وحديثًا-: كيف تنكرون أحاديث جاءت في “الصحيحين”، وأحاديث في الصحاح وأحاديث و..ما تركب لأن المسألة إيش؟، ما تركب..
كيف هذا بهذه الصورة، والناس تتبعه، ويُصدقون أنه هو الرب، ويستحق العبادة، ويسجدون له!؟
الحقيقة اليوم.. أنا أقول؛ هذا كلامي أنا؛ أقول: لعلهم يُعذرون، يعني: أهل البدع يعذرون؛ لأنهم كانوا -فعلًا- أصحاب عقول.
الناس هكذا راح حتى المستوى العقلي راح ينزل، وهذا بلغناه الآن!
الناس اليوم حتى العقول ما فيها شيء.. ما فيه عقول!
لذلك لأنه المستوى العقلي سينزل ينزل ينزل، حتى يجي وقت الدجال وإذا الناس ما عندها عقول؛ لذلك يسجدون له ويتبعونه، ويتابعونه في كل ما يقول! الناس ما عاد عندها عقول!
هذه الأمور نحن نراها الآن!))
إلى أن قال الدكتور فلاح حفظه الله تعالى (( لذلك أنا أقول: يُعذر أولئك الذين كان عندهم مستوى عقلي عالي فأنكروا أحاديث الدجال لأنها ما تستقيم في العقول))
التعليق :
هذا الكلام شنيع وخطير جداً ما كنت أتوقع أن يصدر من الدكتور فلاح مندكار وهو أستاذ العقيدة وينتمي للمنهج السلفي .
ولكن تقديس الأشخاص والخلق وتقديمهم على الحق يوقع المرء في مثل هذه المزالق ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقد تضمن هذا الكلام عدة أمور خطيرة :
منها : تعرض الدكتور فلاح مندكار لأحاديث الدجال وأن ما جاء فيها لا يوافق عليها أصحاب العقول العالية !
وعللها من جهتين
الأولى : أن شكل الدجال غير مقبول !
الثاني : أنه مع هذا الشكل يتابعه الناس .
وأن هاتين جهتين جعلت أهل البدع أصحاب العقول العالية لا يتقبلون أحاديث الدجال بل ينكرونها وأن لهم وجهاً في ذلك فالأحاديث لا تتقبلها العقول المستقيمة !!!
ومنها : تعرض الشيخ فلاح مندكار لأهل البدع وأنهم في نظره يعذرون في إنكارهم لأحاديث الدجال
ومنها : تعرض الشيخ فلاح مندكار لأهل البدع ووصفهم بأنهم أصحاب عقول عالية !!
ومنها : علل سبب اتباع الدجال أن الناس لا عقول لهم .
ومنها : رمى الناس اليوم بأنهم لا عقول لهم .
وهذه الأمور التي تعرض لها الدكتور فلاح مندكار حفظه الله جانب فيها الصواب وبيانها في الأوجه التالية :
– الوجه الأول : أن الأنبياء حذروا أممهم من المسيح الدجال : ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ومكتوب بين عينيه ك ف ر “.
فالأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم وبما فيهم أولى العزم حذروا أمتهم من المسيح الدجال !
ولم يستنكروا قصة المسيح الدجال بل آمنوا بما أنزل عليهم من ربهم !
– الوجه الثاني : أن الصحابة سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره وقال ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمته أنذره نوح والنبيون من بعده وإنه يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم ثلاثا إن ربكم ليس بأعور وإنه أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ” .
فالصحابة رضوان الله عليهم سمعوا هذا التحذير في مناسبات عدة ومنها حجة الوداع التي حج فيها معه عليه الصلاة والسلام الجم الغفير من كل فج عميق !!
ولم يستنكر أحد منهم قصة المسيح الدجال !
بل آمنوا وأقروا بها وسلموا !!!
أفليس هؤلاء أكمل الخلق عقلاً وفطرة واستقامة وإيماناً بعد الأنبياء والرسل ؟ !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/41) :” ما أخبر به الرسول عن ربه فإنه يجب الإيمان به سواء عرفنا معناه أو لم نعرف لأنه الصادق المصدوق فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه ” .
– الوجه الثالث : أن أحاديث الدجال صحيحة وثابتة مخرجة في الصحيحين وغيرهما بل هي متواترة عند أهل العلم ومنصوصة في كتب العقائد والسنة فالواجب الإيمان بها والتسليم لها وعدم معارضتها بالأهواء الفاسدة والعقول الكاسدة ! قال العلامة محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم159) : أحاديث الدجال كثيرة جداً، بل هي متواترة عند أهل العلم بالسنة. ولذلك جاء في كتب العقائد وجوب الإيمان بخروجه في آخر الزمان”.
– الوجه الرابع : وليس شكل الدجال الوارد في الأحاديث منافياً للعقول السليمة والقلوب المؤمنة المطمئنة المصدقة لخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل شكله المنافي لدعواه الربوبية سبب لثبات أهل الحق والتوفيق على هدايتهم ومن ينجو من فتنته فبتوفيق من الله لا بعقله العالي ! قال القاضي عياض كما نقله مسلم في شرح مسلم (18/58) في معرض كلامه عن الدجال :” لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الالهية وهو فى نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن ازالة العور الذى فى عينيه وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة رغبة فى سد الرمق أو تقية وخوفاً من أذاه لأن فتنته عظيمة جداً تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره فى الأمر فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ودلائل الحدوث فيه والنقص فيصدقه من صدقه فى هذه الحالة ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ونبهوا على نقصه ودلائل ابطاله وأما أهل التوفيق فلا يغترون به ولا يخدعون لما معه لما ذكرناه من الدلائل المكذبة له مع ما سبق لهم من العلم بحالة ولهذا يقول له الذى يقتله ثم يحييه ما ازددت فيك إلا بصيرة “. انتهى .
– الوجه الخامس : أن من يتابع الدجال لا لمجرد قلة العقل بل لضعف إيمانه وفتنته بالدنيا وعدم علمه بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم . وكلام عياض السابق يؤيد هذا الأمر .
كما أن النجاة منه ليس بسبب العقل بل بالإيمان بالله والاستعاذة وبحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وبالابتعاد عنه ولا يتعرض له إلا إن كان يعلم من نفسه أنه لن يضره لثقته بربه ومعرفته بعلاماته التي وصفه النبي صىلى الله عليه وسلم بها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : “من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات”
انظر : قصة المسيح الدجال (32-35) للألباني .
وبهذا يتبين أن سبب ضلال وانحراف أتباع الدجال ليس قلة العقول ! بل الفتنة به مما معه من الشبهات مع عدم العلم والإيمان .
بخلاف ما ادعاه أو أوهمه كلام الدكتور فلاح مندكار !
– الوجه السادس : من عارض أحاديث الدجال فإنما قدم الهوى والعقل على الشرع والنقل فخاب وخسر وهلك وتردى في أودية الضلال نسأل الله العفو والعافية . فهؤلاء قلوبهم وأبصارهم عمياء عن الحق عميه وصدق الله إذ يقول {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
– الوجه السابع : الواجب أن لا نستوحش من شيء دل عليه الكتاب والسنة قال العلامة العثيمين رحمه الله عند كلامه عن صفة الكلام في شرح العقيدة السفارينية (1 / 327) :” هذا هو الحق وهذا هو المعقول وينبغي لنا نحن في العقيدة أن لا نستوحش من شيءٍ دل عليه الكتاب والسنة لا تستوحش ولا تتهيب الوحشة كل الوحشة أن تحرف نصوص الكتاب والسنة من أجل عقيدةٍ تعتقدها وهي خطأ هذه هي الوحشة ، أما شيءٌ دل عليه ظاهر الكتاب والسنة فلا بد لك من قوله “.
– الوجه الثامن : وأما كون أن أهل البدع يعذرون فهذا مخالف لمنهج السلف قال الحسن كما في تفسير ابن أبي حاتم :” يعذر من حاج بعلم، ولا يعذر من حاج بالجهل”!
وقال ابن أبي زيد القيرواني في كتاب الجامع (121) :” من قول أهل السنة: أنه لا يعذر من أداه اجتهاده إلى بدعة لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا”
وأهل البدع يخاصمون ويجادلون بالهوى والجهالات والضلالات والفلسفيات لا بالعلم .
قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (217) :” الواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولا أو نحمله شبهة أو شكا أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم “.
وقولك يا دكتور فلاح (( الحقيقة اليوم.. أنا أقول؛ هذا كلامي أنا؛ أقول: لعلهم يُعذرون، يعني: أهل البدع يعذرون؛ لأنهم كانوا -فعلًا- أصحاب عقول((
أقول : لا أملك إلا أن أقول لك كما شيخ الإسلام ابن تيمية : كُلُّ قَوْلٍ يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَلَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ , فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطَأً , كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَك فِيهَا إمَامٌ .
– الوجه التاسع : بل من منهج السلف تضليلهم وتبديعهم والأمر بهجرهم بل هجر من يصاحبهم ويماشيهم ويدافع عنهم، قال البغوي في شرح السنة (1/224-227) :” قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة وظهور الأهواء والبدع فيهم وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلاً يتعاطى شيئاً من الأهواء والبدع معتقداً أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه ويتركه حياً وميتاً، فلا يسلم عليه إذا لقيه ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق والنهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة دون ما كان ذلك في حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا…. وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم ” .
بل هذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح !
فهل يقال بعد ذلك : يعذرون !
إن القول بمعذرتهم فيه اتهام للمنهج السلفي بالشدة والظلم !!
ولا إخالك تقول بذلك !!!
ولا إخالك تقول كقول المميعة بأن السلفيين حدادية !!!!
– الوجه العاشر : أنك أخطأت في تحديد العقلاء فالعاقل كما قال وكيع بن الجراح :”العاقل من عقل عن الله U أمره، وليس من عقل تدبير دنياه”.
أخرجه ابن أبي الدنيا في العقل وفضله (51رقم40)
فليس العقلاء هم أصحاب البدع والأهواء هؤلاء عند العلماء سفهاء ساقطون.
– الوجه الحادي عشر : أن أصحاب العقول هؤلاء الذين تتمدحهم ارتكبوا أربع عظائم قال ابن قيم الجوزية في الصواعق المرسلة (3/988) :” إن هؤلاء المعارضين للوحي بعقولهم ارتكبوا أربع عظائم :
إحداها : ردهم لنصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .
الثانية : إساءة الظن به وجعله منافياً للعقل مناقضاً له .
الثالثة : جنايتهم على العقل بردهم ما يوافق النصوص من المعقول فإن موافقة العقل للنصوص التي زعموا أن العقل يردها أظهر للعقل من معارضته لها .
الرابعة : تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم لمن خالفهم في أصولهم التي اخترعوها وأقوالهم التي ابتدعوها مع أنها مخالفة للعقل والنقل فصوبوا رأي من تمسك بالقول المخالف للعقل والنقل وخطأوا من تمسك بما يوافقهما وراج ذلك على من لم يجعل الله له نوراً ولم يشرق على قلبه نور النبوة “.
فكيف تمدح عقولهم وتوصف بالمستقيمة سامحك الله يا دكتور العقيدة !
– الوجه الثاني عشر : أن هؤلاء العقلاء متحيرون متشككون لا يعرفون الحق !
قال ابن قيم الجوزية في إغاثة اللهفان (1/44) عن طريقة المتكلمين: كتب الناس وآرائهم ومعقولاتهم : بين علوم لا ثقة بها وإنما هي آراء وتقليد وبين ظنون كاذبة لا تغني عن الحق شيئا وبين أمور صحيحة لا منفعة للقلب فيها وبين علوم صحيحة قد وعروا الطريق إلى تحصيلها وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل وأحسن ما عند المتكلمين وغيرهم فهو في القرآن أصح تقريرا وأحسن تفسيرا فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد …
فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الشبه والشكوك والفاضل الذكي يعلم أن الشبه والشكوك زادت بذلك ومن المحال أن لا يحصل الشفاء والهدى والعلم واليقين من كتاب الله تعالى وكلام رسوله ويحصل من كلام هؤلاء المتحيرين المتشككين الشاكين الذين أخبر الواقف على نهايات إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم ”
– الوجه الثالث عشر : أن الآفة في عقولهم الفاسدة لا في النصوص الشرعية قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/490) :” يأخذ المسلمون جميع دينهم من الاعتقادات والعبادات وغير ذلك من كتاب الله وسنة رسوله وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها وليس ذلك مخالفا للعقل الصريح فان ما خالف العقل الصريح فهو باطل وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل ولكن فيه الفاظ قد لا يفهمها بعض الناس أو يفهمون منها معنى باطلا فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة “.
– الوجه الرابع عشر : وأما رميك للناس اليوم بأنهم لا عقول لهم، فعدم العقول من علامة هلاك الناس فأخشى أن تدخل فيما رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم”
– قال أبو إسحاق – أحد رواة الحديث – : لا أدري أهلكهم بالنصب أو أهلكهم بالرفع “
– الوجه الخامس عشر : آمل من الدكتور فلاح مندكار وهو ممن لقي الألباني ويحبه أن يستفيد من رد الإمام الألباني على من تعرض لأحاديث الدجال بالتحريف والتأويل كما في قصة المسيح الدجال (9-25) فيعرف الموقف العلمي والسلفي من أمثال هؤلاء أن يفضح أمرهم لا أن يمجدوا ويمدحوا !
ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أخوكم المحب
أحمد بن عمر بازمول
السبت 10 : 4 قبيل صلاة الفجر
27 ذو القعدة 1433هـ