نقض القبائح وتطويح المفاسد بذكر ما في الهجر من مصالح ​​لفضيلة د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،
 
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
 
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله،
 
وخير الهدي هدي محمد،
 
وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
 
أما بعد:
 
“فالحمد لله الذي جعل في كل زمان ومكان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم
 
يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى
 
ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه،
 
وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم.
 
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين،
 
الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة،
 
فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب،
 
يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم!
 
يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، 
 
فنعوذ بالله من فتن المضلين”.
لذا دلت النصوص الشريعة على التحذير من أهل البدع والأهواء ومن مجالستهم،
 
فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أهل البدع جميعاً فقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن أم عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ :” تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :”فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ “.
 
وجاء كلام السلف الصالح محذراً منهم ومن مجالستهم وموجباً لهجرهم ومبيناً لفوائد هجرهم ومجانبتهم :
 
أخرج الدارمي في السنن عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا :”لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم”.
 
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن الإمام مالك أنه قال :”لا تحمل العلم عن أهل البدع كلهم”.
 
وأخرج الفسوي في المعرفة عن الإمام مالك أنه قال :” لا يؤخذ العلم من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه “.
 
وقد نقل الإجماع على هجر أهل البدع الإمام البغوي في شرح السنة بقوله :”قد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا، مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم”.
 
والسلف لم يحذروا فقط من مجالسة أهل البدع أنفسهم بل من كان لا يعرف ببدعة وجالسهم حذروا منه إن لم يقلع عن مجالستهم بعد تنبيهه :
 
أخرج اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة عن الفضيل بن عياض أنه قال :” من جلس مع صاحب بدعة فاحذره …”.
 
وأخرج ابن بطة في الإبانة عن ابن عون أنه قال :” من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع”.
 
وسأل أَبُو دَاوُد الإمام أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ :” أَرَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَتْرُكُ كَلَامَهُ ؟
 
فقَالَ : لَا أَوْ تُعْلِمُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْته مَعَهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَإِنْ تَرَكَ كَلَامَهُ فَكَلِّمْهُ، وَإِلَّا فَأَلْحِقْهُ بِهِ”.
 
وقال البربهاري :” إذا رأيت الرجل جالس مع رجل من أهل الأهواء فحذره وعرفه
 
فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه فإنه صاحب هوى” انتهى
 
بل حتى الرجل من أهل السنة لو رد على أهل البدع بغير طريق السلف بطريقة أهل البدع لا يجالس
 
قال الإمام أحمد كما في الإبانة لابن بطة :” لا تجالس صاحب كلام ، وإن ذب عن السنة ، فإنه لا يئول أمره إلى خير”.
 
ولمجانبة أهل البدع مصالح وفوائد عديدة أذكر في هذه العجالة بعضها :
 
1- هجر أهل البدع فيه إكرام للدين:
 
أخرج ابن وضاح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :” من أحب أن يكرم دينه فليعتزل مجالسة أصحاب الأهواء؛ فإن مجالستهم ألصق من الجرب”.
 
2- مصلحة حفظ الدين بإحياء السنن وإماتة البدع :
 
قال المعلمي صدع الدجنة :” قد تدبرت أنواع الفساد، فوجدت عامتها نشأت عن إماتة السنن، أو إقامة البدع، ووجدت أكثر المسلمين يبدو منهم الحرص على إتباع السنن واجتناب البدع، ولكن التبس عليهم الأمر، فزعموا في كثير من السنن أنه بدعة، وفي كثير من البدع أنه سنة.
 
وكلما قام عالم فقال: هذا سنة، أو هذا بدعة، عارضه عشرات، أو مئات من الرؤساء في الدين الذين يزعم العامة أنهم علماء، فردوا يده في فيه، وبالغوا في تضليله والطعن فيه، وأفتوا بوجوب قتله، أو حبسه، أو هجرانه، وشمروا للإضرار به وبأهله وإخوانه، وساعدهم ثلاثة من العلماء، عالم غال، وعالم مفتون بالدنيا، وعالم قاصر في معرفة السنة، وإن كان متبحراً في غيرها”.
 
3- مصلحة المهجور نفسه بأن تخمد فتنته ويرتدع عما هو عليه من باطل.
 
أخرج الآجري في الشريعة عن أيوب أنه قال :” لست براد عليهم أشد من السكوت”.
 
4- مصلحة المهجور نفسه بأن لا يكثر أتباعه على باطله فيبوأ بإثمهم جميعاً.
 
أخرج العقيلي في الضعفاء عن أبي صالح الفراء قال حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن ؟
 
فقال ذاك يشبه أستاذه يعنى الحسن بن حيي
 
قالت قلت ليوسف أما تخاف أن تكون هذه غيبة
 
فقال لِمَ يا أحمق أنا خير لهؤلاء من أمهاتهم وآبائهم أنا أنهي الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتبعتهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضر عليهم”.
 
5- مصلحة المهجور نفسه بأن لا يغتر بما عنده من البدع بكثرة أتباعه أنه على الحق فيستمر على باطله.
 
6- مصلحة الهاجر نفسه بأن يحمي نفسه وقلبه من أفكار وضلالات أهل البدع.
 
أخرج الآجري في الشريعة عن ابن عباس أنه قال :” لا تجالس أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلوب”.
 
وأخرج ابن أبي زمنين في أصول السنة عن مصعب بن سعد أنه قال :” لا تجالس مفتوناً، فإنك منه على إحدى اثنتين: إما أن يفتنك فتتبعه، وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه”.
 
وأخرج الدارمي عن أبي قِلَابَةَ أنه قال :” لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ ولا تُجَادِلُوهُمْ فَإِنِّي لَا آمَنُ أن يَغْمِسُوكُمْ في ضَلَالَتِهِمْ أو يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ ما كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ”.
 
وأخرج ابن سعد في الطبقات أنه دخل رَجُلَانِ من أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ على بن سِيرِينَ فَقَالَا يا أَبَا بَكْرٍ نُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ قال لَا قالا فَنَقْرَأُ عَلَيْكَ آيَةً من كِتَابِ اللَّهِ قال لَا لِتَقُومَانِ عَنِّي أو لَأَقُومَنَّ قال فَخَرَجَا فقال بَعْضُ الْقَوْمِ يا أَبَا بَكْرٍ وما كان عَلَيْكَ أن يقرأ عَلَيْكَ آيَةً من كِتَابِ اللَّهِ تعالى قال إني خَشِيتُ أن يقرأ عَلَيَّ آيَةً فَيُحَرِّفَانِهَا فَيَقِرُّ ذلك في قَلْبِي”.
 
قال الآجري في الشريعة :” إن قال قائل فإن كان رجل قد علمه الله – تعالى – علماً فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين ينازعه فيها ويخاصمه ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة ويرد عليه قوله ؟
 
قيل له هذا الذي نهينا عنه وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين !
 
فإن قال فماذا نصنع ؟
 
قيل له إن كان الذي يسألك مسألته مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة فأرشده بألطف ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة وقول الصحابة وقول أئمة المسلمين رضي الله عنهم
 
وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك فهذا الذي كره لك العلماء فلا تناظره واحذره على دينك كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعاً
 
فإن قال فندعهم يتكلمون بالباطل ونسكت عنهم ؟
 
قيل له سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم
 
كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين “.
 
أخرج ابن بطة في الإبانة عن مفضل بن مهلهل أنه قال :” لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته، وفررت منه، ولكنه يحدثك بأحاديث السنة في بدو مجلسه، ثم يدخل عليك بدعته، فلعلها تلزم قلبك، فمتى تخرج من قلبك”
 
7- مصلحة الهاجر نفسه بأن لا يكون فتنة لغيره بدلالته على أهل البدع بتكثير سوادهم.
 
في الشريعة للآجري : سأل أبو طالب الإمام أحمد عمن يقول في القرآن (ليس هو مخلوقاً) إذا لقيه في الطريق وسلم أيرد عليه السلام ؟
 
فقال الإمام أحمد : لا تسلم عليه! ولا تكلمه! كيف يعرفه الناس إذا سلمت عليه! وكيف يعرف هو أنك منكر عليه! فإذا لم تسلم عليه عرف الذل وعرف أنك أنكرت عليه وعرفه الناس”.
 
وقال قوام السنة الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة :” ترك مجالسة أهل البدعة ومعاشرتهم سنة لئلا تعلق بقلوب ضعفاء المسلمين بعض بدعتهم وحتى يعلم الناس أنهم أهل البدعة ولئلا يكون مجالستهم ذريعة إلى ظهور بدعتهم”.
 
وسئل الشيخ ابن باز – رحمه الله – كما في شرح فضل الإسلام : الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم هل يلحق بهم؟
 
فأجاب سماحته: نعم ما فيه شك من أثنى عليهم ومدحهم وهو داع إليهم، هو من دعاتهم نسأل الله العافية”.
 
8- مصلحة الهاجر نفسه بأن يسلم من أذاه :
 
أخرج ابن أبي زمنين في أصول السنة عن مصعب بن سعد أنه قال :” لا تجالس مفتوناً، فإنك منه على إحدى اثنتين: إما أن يفتنك فتتبعه، وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه”.
 
9- مصلحة عامة الناس بأن يبتعدوا عن أهل البدع .
 
قال ابن رجب في الفرق بين النصيحة والتعيير :” أهل البدع والضلال ومن تشبه بالعلماء وليس منهم، فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم “.
 
وهناك مصالح أخرى
 
ومفاسد من مخالطتهم ومجالستهم. وفي هذا القدر كفاية
 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
 
 
 
أخوكم أحمد بازمول