بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
ففي هذه الحلقة إن شاء الله تعالى سنقف على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين:
فمن الأخطاء : أن بعض الناس هداهم الله للصواب إذا ثبت دخول شهر رمضان أثناء النهار في اليوم الثلاثين من شعبان لا يمسك عن المفطرات بل يستمر في فطره بحجة أنه لا بد من الإمساك قبل الفجر وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أكل وشرب يوم عاشوراء بترك الأكل والشرب وأن يتم صومه.
فعن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم عاشوراء رجلاً من أسلم فنادى في الناس : إن اليوم يوم عاشوراء فمن كان قد أكل وشرب فلا يأكل شيئاً ليُتِمَّ صومه ومن كان لم يأكل ولم يشرب فليتم صومه”
وعن الرُبَيِّع بنت مُعَوذ قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه . قالت : وكنا نصومه ونصومه صبياننا الصغار ويذهب بهم إلى المسجد ويجعل لهم اللعبة من الوهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياه”
قال ناصر الدين الألباني: في هذا الحديث فائدتان:
الأولى:أن صوم يوم عاشوراء كان في أول الأمر فرضاً و ذلك ظاهر في الاهتمام به الوارد فيه والمتمثل في إعلان الأمر بصيامه والإمساك عن الطعام لمن أكل فيه وأمره بصيام بقية يومه فإن صوم التطوع لا يتصور فيه إمساك بعد الفطر.
والأخرى:أن من وجب عليه الصوم نهاراً كالمجنون يفيق والصبي يحتلم والكافر يسلم وكمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين الوجوب ولو بعد أن أكلوا أو شربوا فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه و سلم ” من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له”
فإن قيل : الحديث وارد في صوم عاشوراء والدعوى أعم؟
قلت: نعم وذلك بجامع الاشتراك في الفرضية.
قال المحقق السندي : دل الحديث على شيئين
أحدهما وجوب صوم عاشوراء.
والثاني أن الصوم الواجب في يوم بعينه يصح بنية من نهار والمنسوخ هو الأول ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني ولا دليل على نسخه أيضاً
بقي فيه بحث وهو أن الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوماً من الليل وإنما علم من النهار وحينئذ صار اعتبار النية من النهار في حقهم ضرورياً كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة انتهى .
قلت : واختار هذا القول جمع من أهل العلم منهم ابن تيمية وابن قيم الجوزية والشوكاني وابن سعدي رحمهم الله جميعاً
وأما قضاء ذلك اليوم فلا يلزمهم قال العلامة السعدي : إذا قامت البينة في أثناء النهار برؤية هلال رمضان لزمهم الإمساك قولاً واحداً واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يلزمهم قضاء ذلك اليوم وقوله قوي جداً مبني على أصل وهو أن الأحكام لا تلزم إلا بعد بلوغها فهم أفطروا لِمَا كان في ظنهم . والحكم الظاهر لهم أنه ليس من رمضان فإذا بان أنه من رمضان لزمهم إمساك ما بان لهم ولم يلزمهم قضاء ما لم يبلغهم انتهى
و أما الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” صمتم يومكم هذا ؟ قالوا : لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه ” قال أبو داود يعني يوم عاشورا”
فهو حديث لا يصح ضعفه عبدالحق الإشبيلي وقال: لا يصح هذا الحديث في القضاء ووافقه ابن القطان وكذا ضعفه الألباني
ومن الأخطاء : أن بعض الصائمين لا يبيتون نية الصيام قبل الفجر وهذا خطأ كبير؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له “
و قال صلى الله عليه و سلم ” من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له”
فدل هذان الحديثان على وجوب تبييت نية الصيام قبل طلوع الفجر وأن من لم يبيتها فلا يصح منه الصيام .
قال الميموني قلت لأحمد بن حنبل: نحن نحتاج في رمضان أن نبيت الصيام من الليل؟
فقال الإمام أحمد: إي والله.انتهى
وهنا سؤال مهم يحتاج إليه الصائمون ألا وهو كيف تكون النية؟
فالجواب عن هذا السؤال المهم هو أن يقال: من عزم بقلبه على الصيام غداً فقد حصلت النية المطلوبة شرعاً قال ابن تيمية رحمه الله: من خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى والصائم لمَّا يتعشَ يتعشى عشاء من يريد الصيام ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان انتهى
وأما الجهر بنية الصيام كأن يقول نويت أن أصوم شهر رمضان أو نويت أن أصوم غداً الأربعاء لله ؛ فهو بدعة مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلا يجوز الجهر بالنية في الصيام بل لا يجوز الجهر بالنية في جميع العبادات إذ النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الجهر بلفظ النية ليس مشروعاً عند أحد من علماء المسلمين ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها…
بل النية الواجبة في العبادات كالوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين.
والنية هي: القصد والإرادة والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق العقلاء فلو نوى بقلبه صحت نيته عند الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين من الأولين والآخرين وليس في ذلك خلاف عند من يُقْتدى به ويفتى بقوله
ولكن بعض المتأخرين من أتباع الأئمة زعم أن اللفظ بالنية واجب ولم يقل إن الجهر بها واجب ومع هذا فهذا القول خطأ صريح مخالف لإجماع المسلمين ولما علم بالاضطرار من دين الإسلام عند من يعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه وكيف كان يصلي الصحابة والتابعون فإن كل من يعلم ذلك يعلم أنهم لم يكونوا يتلفظون بالنية ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولا علمه لأحد من الصحابة.
كما أن التلفظ بالنية فاسد في العقل فإن قول القائل: أنوي أن أفعل كذا وكذا بمنزلة قوله أنوي آكل هذا الطعام لأشبع وأنوي ألبس هذا الثوب لأستتر وأمثال ذلك من النيات الموجودة في القلب التي يستقبح النطق بها وقد قال الله تعالى{قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض}
فليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله ورسوله دون ما يشتهيه ويهواه قال الله تعالى{ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله }انتهى
ومن الأخطاء : أن بعض الصائمين ينوي بصيامه في شهر رمضان التطوع لا الفرض وهذا خطأ؛ لأن صيام رمضان فرض واجب فلا بد فيه من نية الفريضة.
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل:سألت أبي عمن صام رمضان وهو ينوي به تطوعاً؟
فقال: لا يفعل هذا إنسان من أهل الإسلام لا يجزئه حتى ينوي ـ أي الفريضة انتهى.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها وهي متعلقة بالنية وهي من المسائل الكبيرة فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول