بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فأحببت أن أقدم بين يدي هذه الحلقة قول عَائِشَة رضي الله عنها ” نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لم يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّينِ”
فلا حياء في تعلم أحكام الشرع، ولا استحياء فلا بد للمسلم أن يتفقه في دين الله تعالى
وسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا أكل وشرب وهو صائم في نهار رمضان ظن أن عليه القضاء أو تحرج من أكله وشربه وظن أنه ليس كمن لم يأكل ولم يشرب وهذا خطأ لأن من أكل وشرب ناسياً لا قضاء عليه ولا كفارة بل هو رزق من الله عليه لقوله صلى الله عليه و سلم ” من نسي وهو صائم فأكل و شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه “
وقال صلى الله عليه وسلم ” من أفطر ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة “
وقال صلى الله عليه وسلم ” من أكل أو شرب ناسياً فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله”
وعن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم فقال صلى الله عليه وسلم “أطعمك الله وسقاك”
ومن المستظرفات ما رواه عمرو بن دينار ” أن رجلاً جاء إلى أبي هريرة فقال أصبحت صائماً فنسيت فطعمت قال لا بأس قال ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت قال لا بأس الله أطعمك وسقاك ثم قال دخلت على آخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة أنت إنسان لم تتعود الصيام”
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أن من جامع في نهار رمضان ناسياً أن عليه القضاء والكفارة وهذا خطأ؛ لأن من جامع ناسياً فهو في حكم من أكل وشرب ناسياً لا فرق قال الشيخ السعدي رحمه الله : الصحيح أن المجامع ناسياً أو مكرهاً أنه لا فطر عليه ولا كفارة؛ لأنه إذا كان الأكل الذي هو أصل المفطرات قد عفي فيه عن النسيان فالجماع كذلك و لأن الله عفا عن الناسي والمخطئ مطلقاً ولأن فعل المحظور في العبادة نسياناً لا يؤثر في إبطالها انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : جميع المفطرات لا يفطر بها الإنسان إلا بشروط ثلاثة : الأول: أن يكون عالماً أي أنه مفطر .
الثاني : أن يكون ذاكراً أي لصومه .
الثالث : أن يكون مختاراً أي غير مكره انتهى .
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية واللجنة الدائمة برئاسة علم الأمة العلامة البصير السلفي ابن باز رحمهم الله جميعاً .
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا أراد أن يجامع زوجته في نهار رمضان أفطر قبله بأكل أو شرب ثم يجامع أو يجامع ثم يسافر ويظن بهذا أنه لا كفارة له وهذا خطأ بل تجب عليه الكفارة؛ لأن أكله و شربه حيلة غير شرعية.
قال ابن قيم الجوزية المجامع في نهار رمضان إذا تغدى أو شرب الخمر أولاً ثم جامع قال بعض أهل العلم لا تجب عليه الكفارة ! وهذا ليس بصحيح فإن إضمامه إلى إثم الجماع إثم الأكل والشرب لا يناسب التخفيف عنه بل يناسب تغليظ الكفارة عليه ولو كان هذا يسقط الكفارة لم تجب كفارة على واطئ اهتدى لجرعة ماء أو ابتلاع لبابة أو أكل زبيبة فسبحان الله هل أوجب الشارع الكفارة لكون الوطء لم يتقدمه مفطر قبله أو للجناية على زمن الصوم الذي لم يجعله الله محلاً للوطء أفترى بالأكل والشرب قبله صار الزمان محلاً للوطء فانقلبت كراهة الشارع له محبة ومنعه إذناً هذا من المحال وأفسد من هذا قولهم الحيلة في إسقاط الكفارة أن ينوي قبل الجماع قطع الصوم فإذا أتى بهذه النية فليجامع آمناً من وجوب الكفارة ولازم هذا القول الباطل أنه لا تجب كفارة على مجامع أبداً وإبطال هذه الشريعة رأساً فإن المجامع لا بد أن يعزم على الجماع قبل فعله وإذا عزم على الجماع فقد تضمنت نيته قطع الصوم فأفطر قبل الفعل بالنية الجازمة للإفطار فصادفه الجماع وهو مفطر بنية الإفطار السابقة على الفعل فلم يفطر به فلا تجب الكفارة فتأمل كيف تضمن الحيل المحرمة مناقضة الدين وإبطال الشرائع انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا أفطر بجماع في نهار رمضان لا يكفر عن ذلك الفعل وهذا خطأ إذ الواجب عليه أن يكفر :
– بعتق رقبة .
– فإن لم يستطع فبصيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما بفطر .
– فإن لم يستطع فبإطعام ستين مسكيناً .
كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال صلى الله عليه وسلم ما لك ؟
قال وقعت على امرأتي وأنا صائم !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها ؟
قال لا
قال صلى الله عليه وسلم فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟
قال لا
فقال صلى الله عليه وسلم فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟
قال لا .
قال فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر – والعَرَق المكتل – .
قال صلى الله عليه وسلم أين السائل ؟
فقال أنا .
قال صلى الله عليه وسلم خذ هذا فتصدق به
فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها – يريد الحرتين – أهل بيت أفقر من أهل بيتي
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال صلى الله عليه وسلم أطعمه أهلك”
و الحكمة من إيجاب الكفارة على من وطئ في نهار رمضان لما فيها من مصلحة جبر وهن الصوم وزجر الواطئ وتكفير جرمه واستدراك فرطه وغير ذلك من المصالح التي علمها من شرع الكفارة وأحبها ورضيها.
وهنا لا بد من التنبيه على الأمور التالية:
أولاً : إذا جامع زوجته نهاراً في رمضان مرة أو مرات في يوم واحد و لم يكفر عن الأولى فعليه كفارة واحدة .
وإذا جامع في أيام من رمضان نهاراً فعليه كفارات على عدد الأيام التي جامع فيها.
ثانياً : يجب على المجامع في نهار رمضان القضاء والكفارة ولو كان جاهلاً.
ثالثاً : لا يجوز دفع الفلوس بدلاً عن الإطعام ولا يجزئه ذلك.
رابعاً : الكفارة الإطعام هي نصف صاع لكل مسكين من بر أو تمر أو غيرهما من قوت البلد.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا طلع الفجر عليه وهو يجامع استمر في فعله حتى يقضي غرضه وهذا خطأ بل الواجب عليه أن يمسك عن فعله.
قال الإمام البيهقي في الكبرى :باب من طلع الفجر وهو مجامع أخرجه من ساعته وأتم صومه ثم أورد بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول : لو نودي بالصلاة والرجل على امرأته لم يمنعه ذلك أن يصوم إذا أراد الصيام قام واغتسل ثم أتم صيامه.
وقال ابن قيم الجوزية : من طلع عليه الفجر وهو مجامع الواجب عليه النزع عيناً ويحرم عليه استدامة الجماع واللبث وإنما اختلف في وجوب القضاء والكفارة عليه على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره :
أحدها عليه القضاء والكفارة وهذا اختيار القاضي أبي يعلي .
والثاني لا شيء عليه وهذا اختيار شيخنا وهو الصحيح .
والثالث عليه القضاء دون الكفارة .
وعلى الأقوال كلها فالحكم في حقه وجوب النزع فلو طلع الفجر على الصائم وهو مجامع وأخرجه مكانه كان على صومه فإن مكث بغير إخراجه أفطر ويكفر والمفسدة التي في حركة النزع مفسدة مغمورة في مصلحة إقلاعه ونزعه انتهى
وهنا مسألة لا بد من بيانها وهي أن الصائم إذا كان يشكو من خروج السائل المنوي أثناء الصيام بدون احتلام أو ممارسة للعادة السرية وكذا إذا خرج من بعد البول سائل غليظ يشبه المني وهو المعروف بالودي فصومه صحيح إن شاء الله ولا قضاء عليه.
قلت : ولو قبل أو لمس أو تكرر النظر فأمذى فهل يفطر ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يفطر واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يفطر فقال : ولا يفطر بمذي بسبب قبلة أو لمس أو تكرار نظر وهو قول أبي حنيفة و الشافعي وبعض أصحابنا انتهى
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول