بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدأن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهذه هي الحلقة الرابعة من سلسلة صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات الحلبي – بحمد الله تعالى – كشفت فيها عن بعض وسوسة الحلبي وتلبيساته في كتابه الذي سماه بـ”منهج السلف الصالح”.
وقد سبق في الحلقة الأولى مناقشة الحلبي في مسألة المنهج والعقيدة. وفي الحلقة الثانية والثالثة مناقشة الحلبي في مسألة الجرح المفسر، وقد لقيت بحمد الله تعالى قبولاً واستحساناً من كثير من أهل العلم وطلاب العلم، فممن أثنى على الحلقة شيخنا ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى وشيخنا محمد بن عمر بازمول حفظه الله تعالى والشيخ خالد بن عبد الرحمن المصري والشيخ عبد الله البخاري وغيرهم.
وفي هذه الحلقة – إن شاء الله تعالى – سأناقش الحلبي في مسألة الموازنات؛ التي أوردها في كتابه المسمى بـمنهج السلف الصالح، وقد خالف الحلبي: الحقَّ في هذه المسألة، وقرر فيها ما يتوصل به إلى ذكر حسنات أهل البدع والأهواء؛ ليبرر موقفه الفاسد ومنهجه الكاسد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فأقولمستعيناً بالله تعالى:
قال الحلبي فيما سماه بـ”منهج السلف الصالح” (ص141-144):
” المسألة الثانية عشرة: (منهج الموازنات) – تفصيلاً- :
ولن أزيد – ها هنا – على أجوبة سماحة أستاذنا الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – (الدقيقة)؛ لمّا سُئل:
(بالنسبة لمنهج أهل السنة في نقد أهل البدع وكتبهم ؛ هل من الواجب ذكر محاسنهم ومساوئهم ، أم فقط مساوئهم) ؟
فأجاب رحمه الله :
( المعروف في كلام أهل العلم نقد المساوئ للتحذير ، وبيان الأخطاء التي أخطأوا فيها للتحذير منها ، أما الطيب معروف ، مقبول الطيب ، لكن المقصود التحذير من أخطائهم ، الجهمية، المعتزلة، الرافضة – وما أشبه ذلك-.
فإذا دعت الحاجة إلى بيان ما عندهم من حق ؛ يُبين ، وإذا سأل السائل : ما عندهم من الحق ؟ ماذا وافقوا فيه أهل السنة ؟ والمسؤول يعلم ذلك ؛ يُبين ، لكن المقصود الأعظم والمهم بيان ما عندهم من الباطل ؛ ليحذره السائل ولئلا يميل إليهم ) .
فسأله آخر : فيه أناس يوجبون الموازنة : أنك إذا انتقدت مبتدعاً ببدعته لتحذر الناس منه يجب أن تذكر حسناته حتى لا تظلمه ؟
فأجاب الشيخ رحمه الله : ( لا ؛ ما هو بلازم، ولهذا إذا قرأت كتب أهل السنة ؛ وجدت المراد التحذير ، اقرأ في كتب البخاري “خلق أفعال العباد” ، في كتاب الأدب في “الصحيح” ، كتاب “السنة” لعبدالله ابن أحمد ، كتاب “التوحيد” لابن خزيمة ، و”رد عثمان بن سعيد الدارمي على أهل البدع” .. إلى غير ذلك . يوردونه للتحذير من باطلهم ، ليس المقصود تعديد محاسنهم .. المقصود التحذير من باطلهم ، ومحاسنهم لا قيمة لها بالنسبة لمن كفر ، إذا كانت بدعته تكفره ؛ بطلت حسناته ، وإذا كانت لا تكفره ؛ فهو على خطر ؛ فالمقصود هو بيان الأخطاء والأغلاط التي يجب الحذر منها ) اهـ.
قلت: ويوضح هذا الكلام – أكثر وأكثر- كلام آخر لسماحته- رحمه الله -:
فقد سُئل – رحمه الله -:
“عندما ننكر الأخطاء والبدع التي يقع فيها من له تأثير على الناس، وتنتشر بدعته -خصوصا العقيدة-، ويغالى فيها، عندما ننكر بدعة يتصدى لها البعض بدعوى أن الحق يتطلب ذكر الحسنات والعيوب، وأن جهاده في الدعوة وقدمه يحول دون نقده علناً. نرجو بيان المنهج الحق. هل يلزم ذكر الحسنات، وهل السابقة في الدعوة تعفي من ذكر أخطائه المشتهرة والمترددة بين الناس؟
فأجاب: الواجب على أهل العلم إنكار البدع والمعاصي الظاهرة بالأدلة الشرعية، وبالترغيب والترهيب والأسلوب الحسن، ولا يلزم عند ذلك ذكر حسنات المبتدع، ولكن متى ذكرها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لمن وقعت البدعة أو المنكر منه، تذكيرا له بأعماله الطيبة، وترغيبا له في التوبة، فذلك حسن، ومن أسباب قبول الدعوة والرجوع إلى التوبة. وفق الله الجميع”.
فهذه ثلاث مسائل؛ تتحصل من كلام سماحة أستاذنا الشيخ ابن باز –رحمه الله-:
1-(جوازُ) ذِكرِ حسناتِ المردودِ عليه – عند الحاجة -.
2-(عدمُ وجوبِ) ذِكرِ الحسناتِ، والإلزام بذلك.
3-(استحسانُ) ذِكرِ حسناتِ المردودِ عليه – إذا كان ذلك بابَ ترغيب له للرجوع إلى الحق-.
قلتُ:
وثمة نقطة رابعة – من باب آخر-؛ وهي:
4-“الواجب على من أراد أن يُقوِّم شخصاً – تقويماً كاملاً- إذا دعتِ الحاجة – أن يذكر مساوئه ومحاسنه-“.
ورحم الله الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي – وهو من أهل الاستقراء التام- إذ يقول في “سير أعلام النبلاء” (20/46):
“نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد. ونبرأُ إلى الله من الهوى والبدع. ونحب السنة وأهلها. ونحبُ العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة. ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ؛ وإنما العبرة بكثرة المحاسن” (1).
انتهى كلام الحلبي بنصه :
أقول:
1- لا أدري لماذا أورد الحلبي منهج الموازنات هنا؟
ولماذا أورده على هذه الصورة المستعجلة(2)؟
وهو موضوع ألفت فيه مؤلفات ما بين مؤيد له وداع إليه محرف لنصوص الكتاب في الاستدلال طاعن فيمن لم يأخذ به بأنه ظالم مجانب للعدل والإنصاف، وما بين مؤلف مبطل لهذه الدعاوى بنصوص الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ولا سيما أئمة الجرح والتعديل في أقوالهم ومؤلفاتهم المتعددة مثل منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف، والنصر العزيز.
وما جاءت أقوال العلماء إلا تأييداً ونصراً لهذا الجهاد العظيم.
2- ولماذا اختار الحلبي كلام العلامة ابن باز وأغفل كلام غيره من كبار علماء السنة ولا سيما كلام شيخه العلامة الألباني الذي دمغ منهج الموازنات ثمان مرات في مجلس واحد بأنه بدعة وضلالة.
ولنا أن نتساءل:
1- لا ندري لماذا لم يسق الحلبي الأدلة من الكتاب والسنة على إبطال ما يتعلق به دعاة منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات.
2- لا ندري لماذا اقتصر الحلبي على فتاوى الشيخ ابن باز، ولم يذكر فتوى الشيخ الألباني الذي وصف مراراً هذا المنهج بأنه مبتدع، فأين تعلقه الكبير والكثير بالعلامة الألباني؟!! كما لم يعرج على فتاوى العلماء الآخرين.
3- لماذا تجاهل منهج السلف المعروف عند أهل السنة بأن أهل البدع إذا انتقدوا فلا تذكر إلا بدعتهم نصيحة للمسلمين وتحذيراً لهم من الوقوع فيها.
4- تجاهل الحلبي إحالة ابن باز على كتب السلف التي لا تذكر إلا مساوئ أهل البدع وتعلق باجتهاد العلامة ابن باز ولم يلتفت إلى قوله؛ لأن القصد التحذير منها مستدلاً بذلك على عدم وجوب ذكر محاسن أهل البدع؛ لأن القصد التحذير والنصيحة، ولو كان الحلبي ناصحاً متجرداً من الهوى لتمسك بمنهج السلف المعروف والمنتشر في عشرات الكتب بدل أن يتعلق باجتهاد العلامة ابن باز الذي نصح وبيّن منهج السلف، وأبطل في ضوئه منهج الموازنات، وبدرت منه كلمة مرجوحة تخالف ما تضمنته كتب السلف التي أشار إليها بنفسه – رحمه الله -.
ونسي الحلبي قاعدة ” إذا خالف الراوي روايته أنه يؤخذ بروايته ولا يؤخذ برأيه”.
ونسي قول السلف: “العالم يحتج له ولا يحتج به”.
ونسي قاعدة السلف “كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم-“.
يتجاهل الحلبي كل هذه الأمور لهوى في نفسه(3).
فيخرج لنا بنتيجة وهي أنه يجوز ذكر حسنات أهل البدع في حال نقدهم؛ بل يستحسن ذلك.
والاستحسان يحتاج إلى دليل من الكتاب والسنة.
ولم يكتف بذلك حتى أضاف وجوب ذكر الحسنات في حال التقويم.
والظاهر أن الحلبي ما جاء في كتابه هذا بمنهج الموازنات إلا انتصاراً لأهل البدع.
ليقول لهم: لكم منافذ إلى ذكر محاسن أهل البدع في حال نقدهم وبدائل:
الأول- جواز ذلك.
والثاني- وهو الأقوى أن ذلك من الأمور الحسنة والمستحسنة.
والثالث- وجوب ذِكر محاسنهم في حال التقويم.
ولعل الحلبي يسبق أهل الأهواء إلى ذلك، فيرغم أنوف أهل السنة بالإشادة بأهل البدع وحسناتهم انطلاقاً من هذه المنافذ.
والدليل على ذلك قال العلامة فلان، وقال العلامة فلان، ونسي أن هذا من التقليد الأعمى الذي يتظاهر الحلبي بالبراءة منه؛ بل يتظاهر بمحاربته والإزراء على أهله.
خذ كلام العلامة الألباني الذي أهمله الحلبي:
1- سُئل الإمام العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في شريط ( رقم 850 ) من سلسلة الهدى والنور وهو بعنوان “الأجوبة الألبانية على أسئلة أبي الحسن الدعوية” السؤال التالي :
( س : الحقيقة يا شيخنا إخواننا هؤلاء أو الشباب هؤلاء جمعوا أشياء كثيرة ، من ذلك قولهم : لابد لمن أراد أن يتكلم في رجل مبتدع قد بان ابتداعه وحربه للسنة أو لم يكن كذلك لكنه أخطأ في مسائل تتصل بمنهج أهل السنة والجماعة لا يتكلم في ذلك أحد إلا من ذكر بقية حسناته، وما يسمونه بالقاعدة في الموازنة بين الحسنات والسيئات، وألفت كتب في هذا الباب ورسائل من بعض الذين يرون هذا الرأي، بأنه لابد منهج الأولين في النقد ولا بد من ذكر الحسنات وذكر السيئات، هل هذه القاعدة على إطلاقها أو هناك مواضع
لا يطلق فيها هذا الأمر ؟ نريد منكم بارك الله فيكم التفصيل في هذا الأمر.
فأجاب الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ :
( التفصيل هو : وكل خير في اتباع من سلف ، هل كان السلف يفعلون ذلك ؟
فقال أبو الحسن المصري: هم يستدلون حفظك الله شيخنا ببعض المواضع، مثل كلام الأئمة في الشيعة مثلاً، فلان ثقة في الحديث ، رافضي خبيث، يستدلون ببعض هذه المواضع ، ويريدون أن يقيموا عليها القاعدة بكاملها دون النظر إلى آلاف النصوص التي فيها كذاب ، متروك ، خبيث ؟
فقال الشيخ الألباني : هذه طريقة المبتدعة ، حينما يتكلم العالم بالحديث برجل صالح وعالم وفقيه، يقول عنه: “سيئ الحفظ”، هل يقول إنه مسلم، وإنه صالح ، وإنه فقيه ، وإنه يرجع إليه في استنباط الأحكام الشرعية ، الله أكبر ، الحقيقة القاعدة السابقة مهمة جداً ، تشتمل فرعيات عديدة خاصة في هذا الزمان.
من أين لهم أن الإنسان إذا جاءت مناسبة لبيان خطأ مسلم ، إن كان داعية أو غير داعية ؛ لازم ما يعمل محاضرة ويذكر محاسنه من أولها إلى آخرها ، الله أكبر ، شيء عجيب والله ، شيء عجيب.
فقال أبو الحسن المصري : وبعض المواضع التي يستدلونها مثلاً : من كلام الذهبي في “سير أعلام النبلاء” أو في غيرها ، تُحمل شيخنا على فوائد أن يكون عند الرجل فوائد يحتاج إليها المسلمون ، مثل الحديث ؟
فقال الشيخ الألباني : هذا تأديب يا أستاذ مش قضية إنكار منكر ، أو أمر بمعروف يعني الرسول عندما يقول: ” من رأى منكم منكراً فليغيره” هل تنكر المنكر على المنكر هذا ، وتحكي إيش محاسنه ؟
فقال أبو الحسن المصري : أو عندما قال : بئس الخطيب أنت ، ولكنك تفعل وتفعل، ومن العجائب في هذا قالوا : ربنا عز وجل عندما ذكر الخمر ذكر فوائدها؟
فقال الشيخ الألباني : الله أكبر ، هؤلاء يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله(4)، سبحان الله ، أنا شايف في عندهم ما عندنا نحن ) اهـ .
2- وقال أيضاً الشيخ الألباني في شريط “من حامل راية الجرح والتعديل في العصر الحاضر” :
( ما يطرح اليوم في ساحة المناقشات بين كثير من الأفراد حول ما يسمى أو حول هذه البدعة الجديدة المسماة ( الموازنة ) في نقد الرجال.
أنا أقول : النقد إما أن يكون في ترجمة الشخص المنتقد ترجمة تاريخية فهنا لا بد من ذكر ما يحسن وما يقبح بما يتعلق بالمترجم من خيره ومن شره ، أما إذا كان المقصود بترجمة الرجل هو تحذير المسلمين وبخاصة عامتهم الذين لا علم عندهم بأحوال الرجال ومناقب الرجال ومثالب الرجال ؛ بل قد يكون له سمعة حسنة وجيدة ومقبولة عند العامة ، ولكن هو ينطوي على عقيدة سيئة أو على خلق سيئ ، هؤلاء العامة لا يعرفون شيئاً من ذلك عن هذا الرجل .. حين ذاك لا تأتي هذه البدعة التي سميت اليوم بـ ( الموازنة ) ، ذلك لأن المقصود حين ذاك النصيحة وليس هو الترجمة الوافية الكاملة ، ومن درس السنة والسيرة النبوية
لا يشك ببطلان إطلاق هذا المبدأ المحدث اليوم وهو ( الموازنة ) لأننا نجد في عشرات النصوص من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر السيئة المتعلقة بالشخص للمناسبة التي تستلزم النصيحة ولا تستلزم تقديم ترجمة كاملة للشخص الذي يراد نصح الناس منه ، والأحاديث في ذلك أكثر من أن تستحضر في هذه العجالة ، ولكن لا بأس من أن نذكر مثالاً أو أكثر إن تيسر ذلك، ( ثم ذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” بئس أخو العشيرة ” ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
“أما معاوية فرجل صعلوك ، وأما أبو جهم فلا يضع العصا على عاتقه” وأنهما دليلان على عدم وجوب الموازنات ، ثم قال : ( ولكن المهم فيما يتعلق بهذا السؤال أن أقول في ختام الجواب :
إن هؤلاء الذين ابتدعوا بدعة الموازنات هم بلا شك يخالفون الكتاب ويخالفون السنة ، السنة القولية والسنة العملية ، ويخالفون منهج السلف الصالح ، من أجل هذا رأينا أن ننتمي في فقهنا وفهمنا لكتاب ربنا ولسنة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى السلف الصالح ، لم ؟ لا خلاف بين مُسلمَيْن فيما اعتقد أنهم أتقى وأورع وأعلم و.. الخ ممن جاؤا من بعدهم.
الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم وهي من أدلة الخصلة الأولى ـ يقصد في الأمثلة التي ذكرها ـ ( متظلم ) ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) فإذا قال المظلوم فلان ظلمني ، أفيقال له :
اذكر له محاسنه يا أخي ؟ والله هذه الضلالة الحديثة من أعجب ما يطرح في الساحة في هذا الزمان .
وأنا في اعتقادي أن الذي حمل هؤلاء الشباب على إحداث هذه المحدثة واتباع هذه البدعة هو حب الظهور ، وقديماً قيل: (حب الظهور يقصم الظهور) وإلا من كان دارساً للكتاب ودارساً للسنة ولسيرة السلف الصالح ، هذه كتب أئمة الجرح والتعديل ، حينما يترجم للشخص يقول فيه ضعيف يقول فيه كذاب وضاع سيئ الحفظ ، لكن لو رجعت إلى ترجمته التي ألمحت إليها في ابتداء جوابي لوجدت الرجل متعبداً زاهداً صالحاً ، وربما تجده فقيهاً من الفقهاء السبعة ، لكن الموضوع الآن ليس موضوع ترجمة هذا الإنسان ، ترجمة تحيط بكل ما كان عليه من مناقب أو من مثالب كما ذكرنا أولاً.
لذلك باختصار أنا أقول ولعل هذا القول هو القول الوسط في هذه المناقشات التي تجري بين الطائفتين : هو التفريق بين ما إذا أردنا أن نترجم للرجل فنذكر محاسنه ومساويه ، أما إذا أردنا النصح للأمة أو إذا كان المقام يقتضي الإيجاز والاختصار فنذكر ما يقتضيه المقام من تحذير من تبديع من تضليل وربما من تكفير أيضاً إذا كان شروط التكفير متحققة في ذاك الإنسان ، هذا ما أعتقد أنه الحق الذي يختلف فيه اليوم هؤلاء الشباب .
وباختصار أقول :
إن حامل راية الجرح والتعديل اليوم في العصر الحاضر وبحق هو أخونا الدكتور ربيع ، والذين يردون عليه لا يردون عليه بعلم أبداً ، والعلم معه وإن كنت أقول دائماً وقلت هذا الكلام له هاتفياً أكثر من مرة أنه لو يتلطف في أسلوبه يكون أنفع للجمهور من الناس سواء كانوا معه أو عليه ، أما من حيث العلم فليس هناك مجال لنقد الرجل إطلاقاً إلا ما أشرت إليه آنفاً من شيء من الشدة في الأسلوب ، أما أنه لا يوازن فهذا كلام هزيل جداً لا يقوله إلا أحد رجلين : إما رجل جاهل فينبغي أن يتعلم ، وإلا رجل مغرض ، وهذا لا سبيل لنا عليه إلا أن ندعو الله له أن يهديه سواء الصراط .
هذا هو جواب السؤال ، وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين ) اهـ .
أقول:
ما الذي جعل الحلبي يتهرب من كلام العلامة الألباني – رحمه الله-؟
الجواب: لأنه وصف منهج الموازنات بأنه بدعة وأنه ضلالة وأنه مخالف للكتاب والسنة.
قال – رحمه الله -:
1- “هذه طريقة المبتدعة… ، الله أكبر ، شيء عجيب والله ، شيء عجيب”.
2- وقال: ” هؤلاء يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله”.
3- وقال: ” هذه البدعة الجديدة المسماة ( الموازنة ) في نقد الرجال”.
4- وقال: ” …حين ذاك لا تأتي هذه البدعة التي سميت اليوم بـ ( الموازنة )”.
5- وقال: ” لا يُشَكُّ ببطلان إطلاق هذا المبدأ المحدث اليوم وهو ( الموازنة )”.
6- وقال – رحمه الله -: ” إن هؤلاء الذين ابتدعوا بدعة الموازنات هم بلا شك يخالفون الكتاب ويخالفون السنة ، السنة القولية والسنة العملية ، ويخالفون منهج السلف الصالح”.
7- وقال: ” والله هذه الضلالة الحديثة من أعجب ما يطرح في الساحة في هذا الزمان”.
8- وقال – رحمه الله – : ” وأنا في اعتقادي أن الذي حمل هؤلاء الشباب على إحداث هذه المحدثة واتباع هذه البدعة هو حب الظهور ، وقديماً قيل: (حب الظهور يقصم الظهور)…الخ.
هذه الصواعق التي صبها العلامة الألباني على بدعة الموازنات هي التي جعلت علياً الحلبي يهرب عن نقل إجابات الألباني التي دمغت هذا المنهج الباطل وأهله وألقمتهم أحجاراً.
والحلبي لا يريد أن يجرح مشاعرهم، ولا يريد أن يعكر على النتائج التي قدمها خدمة لأهل هذا المنهج الباطل.
لقد نسي الحلبي هنا شيخه الذي يلهج به شيخنا شيخنا، وتهرب عن ذكره، ولو كان للألباني كلام يوافقه لطار به ولما رضي به بديلا.
3 – قال الإمام العلامة محمد بن صالح بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في “لقاء الباب المفتوح” (61ـ70 ) (ص153) :
( عندما نريد أن نقوم الشخص ، فيجب أن نذكر المحاسن والمساوئ ، لأن هذا هو الميزان العدل وعندما نحذر من خطأ شخص فنذكر الخطأ فقط ، لأن المقام مقام تحذير ، ومقام التحذير ليس من الحكمة فيه أن نذكر المحاسن ، لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً ، فلكل مقام مقال ) اهـ.
4 – سئل الإمام محمد بن صالح بن عثيمين في شريط “الأسئلة السويدية” :
ما تقولون في منهج الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات والحسنات والسيئات فإن بعض الناس يقولون بالموازنة مطلقا حتى في أهل البدع على اختلاف مراتبهم ويقولون إذا ذكرت بدعة شخص للتحذير منها والنصيحة فإن لم تذكر وتعدد محاسنه فإنك تكون قد ظلمته ، فما هو قولكم حفظكم الله ؟
فأجاب الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : ( قولنا في هذا إذا كان الإنسان يتكلم عن الشخص تقويماً له يعني ليقيمه كما يقولون فالواجب ذكر الحسنات والسيئات وحينئذ إما أن تطغى السيئات على الحسنات فيكون من قسم أهل الذم والقدح وإما أن يكون بالعكس فيكون من قسم أهل المدح .
هذا إذا أردت أن تقوم الرجل أما إذا أردت أن ترد عليه بدعته فليس من المستحسن إطلاقاً أن تذكر حسنه ، فإن ذكر الحسنة له في مقام الرد عليه يوهن الرد ويضعفه ، ويقول المخاطب أو القارئ يقول إذاً هذا يقابل
هذا والحمد لله ، فلكل مقام مقال .
فالتقويم له شيء أو له حال وحكم والرد على الباطل له حال وحكم …
ثم قال السائل : إذا يعني في موضع البيان بيان أوهام الشخص أو أخطاءه أو بدعه في موضع التحذير والنصيحة لا يلزم الموازنة ؟
فقال الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : ولا يحسن أيضاً كما قلت لك ، لأنك لو ذكرت حسنات له أوهن جانب الرد على باطله ولهذا نجد العلماء الذين يردون على أهل البدع وغيرهم لا يذكرون محاسنهم ، لكن إذا أردت أن تقوم الرجل فهذا لابد من ذكر الحسنات والسيئات ثم تنظر وعلى هذا درج المحدثون أيضاً في كتب الرجال) اهـ .
5- سئل الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شريط “أقوال العلماء في إبطال قواعد عدنان عرعور” (شريط رقم 1) :
( يقول إنه من العدل والإنصاف عند النصيحة والتحذير من البدع وأهلها أن نذكر حسناتهم إلى جانب سيئاتهم.
الجواب : أقول لك لا لا لا هذا غلط .
السائل : طبعا يا شيخ تبعا لهذه القاعدة يقول : إنك إن ذكرت محاسن أهل السنة من العدل والإنصاف أن تذكر مساويهم إلى جانب حسناتهم .
الشيخ : اسمع يا رجل في مكان الرد لا يحسن أن تعد محاسن الرجل . إذا ذكرت محاسن الرجل وأنا أرد عليه ضعف ردي .
السائل : حتى من أهل السنة ياشيخنا ؟
الشيخ: أهل السنة وغير أهل السنة . كيف أرد عليه وأنا أمدحه هذا معقول ؟ )(5) اهـ .
أقول:
وأيضاً ما الذي جعل الحلبي يتهرب من نقل إجابات ابن عثيمين أو بعضها، واختطف فقرة واحدة فقط من كل هذه الإجابات؟ هذه الفقرة هي كما تقدم: ” الواجب على من أراد أن يُقوِّم شخصاً – تقويماً كاملاً- إذا دعتِ الحاجة – أن يذكر مساوئه ومحاسنه-“(6).
والجواب: أن الحلبي لا يطيق ذلك.
لقد جاء في إحدى إجابات هذا الإمام على قول السائل: “إنه من العدل والإنصاف عند النصيحة والتحذير من البدع وأهلها أن نذكر حسناتهم إلى جانب سيئاتهم”.
فجاءت إجابة الشيخ: “لا لا، لا، هذا غلط” .
فراجعه السائل كما ترى.
فقال: ” اسمع يا رجل في مكان الرد لا يحسن أن تعد محاسن الرجل . إذا ذكرت محاسن الرجل وأنا أرد عليه ضعف ردي”.
فراجعه السائل كما ترى.
فقال: ” كيف أرد عليه وأنا أمدحه هذا معقول ؟ “.
وفي بعض إجاباته: ” لو ذكرت حسنات له أوهن جانب الرد على باطله”.
تأمل إجابات هذا العلامة كلها جيداً لتعرف لماذا تهرب الحلبي من ذكرها أو بعضها التي قمعت دعاة منهج الموازنات كما قمعتهم فتاوى إخوانه من كبار العلماء.
6- قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ في كتابه “الأجوبة المفيدة على أسئلة المناهج الجديدة” (31رقم10) إجابة على سؤال : هل يلزمنا ذكر محاسن من نحذر منهم ؟
فأجاب الشيخ : ( إذا ذكرت محاسنهم فمعناه أنك دعوت لاتباعهم ، لا ، لا تذكر محاسنهم ، اذكر الخطأ الذي هم عليه فقط ؛ لأنه ليس موكولاً إليك أن تزكي وضعهم ، أنت موكول إليك ، بيان الخطأ الذي عندهم من أجل أن يتوبوا منه ، ومن أجل أن يحذره غيرهم ، والخطأ الذي هم عليه ربما يذهب بحسناتهم كلها إن كان كفراً أو شركاً ، وربما يرجح على حسناتهم ، وربما تكون حسنات في نظرك ولست حسنات عند الله ) اهـ.
7- قال فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان ـ حفظه الله ـ عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية جواباً على سؤال : هل من منهج أهل السنة والجماعة في التحذير من أهل البدع والضلال ذكر محاسن المبتدعة والثناء عليهم وتمجيدهم بدعوى الإنصاف والعدل ؟
فأجاب الشيخ : ( وهل كانت قريش في الجاهلية وأئمة الشرك ، لا حسنة لأحدهم ؟ !
هل جاء في القرآن ذكر حسنة من حسناتهم ؟ !
هل جاء في السنة ذكر مكرمة من مكارمهم ؟ !
وكانوا يكرمون الضيف ، كان العرب في الجاهلية يكرمون الضيف ، ويحفظون الجار ومع ذلك لم تذكر فضائل من عصى الله جل وعلا.
ليست المسألة مسألة تعداد المحاسن والمساوئ ، وإنما مسألة تحذير من خطر.
وإذا أراد الإنسان أن ينظر ، فلينظر إلى أقوال الأئمة كأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وشعبة.
هل كان أحدهم إذا سئل عن شخص مجروح وقال : كذاب.هل قال : ولكنه كريم الأخلاق ، جواداً في بذل المال، كثير التهجد في الليل ؟ !
وإذا قالوا مختلط. إذا قالوا : أخذته الغفلة. هل كانوا يقولون : ولكن فيه .. ولكن فيه .. ولكن فيه؟! لا ..
لماذا يطلب من الناس في هذا الزمن ، إذا حذر شخص أن يقال : ولكنه كان فيه .. وكان فيه .. وكان فيه ؟!
هذه دعايات من يجهل قواعد الجرح والتعديل ، ويجهل أسباب تحقيق المصلحة ، والتنفير من ضياعها ) . انتهى من شريط “سلامة المنهج دليل الفلاح”.
8- قال فضيلة الشيخ العلامة عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ جواباً على سؤال:
هل من منهج السلف : أني إذا انتقدت مبتدعاً ليحذر الناس منه يجب أن أذكر حسناته لكي لا أظلمه ؟
فأجاب الشيخ : ( لا .. لا ما يجب إذا حذرت من بدعة وذكرت البدعة وحذرت منها ، فهذا هو المطلوب
ولا يلزم أنك تجمع الحسنات وتذكر الحسنات ؛ إنما للإنسان أن يذكر البدعة ويحذر منها وأنه لا يُغتر بها ) انتهى من درس “سنن النسائي” شريط رقم (18942) تسجيلات المسجد النبوي .
9- وقال أيضاً الشيخ عبد المحسن العباد جواباً على سؤال : هل في قول النبي صلى الله عليه وسلم عن معاوية :”صعلوك لا مال له ، وأبى جهم : لا يضع العصى على عاتقه” دلالة على عدم وجوب ذكر الحسنات في باب النقد ؟
فقال الشيخ : ( نعم فيه دلالة ؛ لأن القضية ما هي قضية معرفة جميع ما له وما عليه ؛ لأن المهم من هذه النقاط التي تبعث على الانصراف عنه والعدول عنه ، لأنه هذا هو المقصود ، ما هو المقصود أنه لا يذكر أحد
إلا بعد ما يبحث عن حسناته ، وهل له حسنات أو ليس له حسنات .. لا .
يعني الكلام استشير في شخص هذه المشورة تتعلق بكونه صالح لأن يعامل هذه المعاملة أو أن الأولى للإنسان أن لا يعامله ، وما هو السبب الذي يجعل الإنسان لا يعامل ، فهو بحاجة إلى سبب عدم التعامل ، وأما كونه يبحث عن حسناته ويقول فيه صفات طيبة ، وفيه صفات كذا .. وفيه صفات كذا.. يعني هذا الحديث يدل على أنه ليس بلازم ؛ لأن المهم في الأمر ما يبعث على الرغبة.. إن كان ما فيه شيء أو يبعث على العدول عنه إذا كان فيه شيء لا يصلح ولا ينبغي ) انتهى من شريط رقم (19782) تسجيلات المسجد النبوي .
وأقف هنا عن اختصار كلام شيخنا الوالد العلامة ربيع المدخلي حفظه الله حول الكلام على مسألة الموازنات ومن أراد التوسع في الموضوع فليرجع لأصل الكتاب وهو بعنوان “منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف” وخصوصاً الطبعة الثالثة ، وكتاب “المحجة البيضاء في حماية السنة الغراء من زلات أهل الأخطاء وزيغ أهل الأهواء”.
ملاحظة : كل من العلامة الألباني والعلامة ابن عثيمين يريان أنه في حال النقد لا تذكر حسنات المنتقد، وإنما يجوز أن تذكر في حال التقويم؛ كما قال ابن عثيمين، وفي حال الترجمة كما قال الألباني.
ذلك بأن ذكر حسنات المنتقد؛ ولو كان من أهل السنة فيه إضعاف لحجة الناقد.
ومن هنا فرّ الحلبي عن ذكر فتاواهما.
وأما بقية العلماء كالفوزان واللحيدان والعباد فأطلقوا المنع من ذكر محاسن أهل البدع ولم يستثنوا حالة التقويم ولا غيرها اعتماداً على القرآن والسنة ومنهج السلف الصالح.
والواقع أن إيجاب ذكر الحسنات مع السيئات في حال التقويم وحال الترجمة واعتبار ذلك من العدل يحتاج إلى أدلة من كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم-.
والموجود في القرآن من قصص المشركين على مدار التاريخ وقصص اليهود والنصارى إنما هو ذمهم وبيان كفرهم وشركهم وإبطال دعاواهم ويجد اللعنات والوعيد لهم بالعذاب الشديد والخلود في النار.
وبالنسبة للمؤمنين المستقيمين والثابتين على دين الله الحق والسالكين صراط الله المستقيم لا نجد إلا مدحهم وذكر محاسنهم والوعود العظيمة بالجنة التي أعدها الله لهم دون ذكر أخطائهم.
ولو كان من العدل ذكر المحاسن والمساوىء في حال التقويم لوجدت في القرآن ذكر محاسن الكفار إلى جانب مساوئهم، ولوجدت فيه ذكر مساوىء المؤمنين إلى جانب حسناتهم.
ولكن ذلك لا يوجد؛ بل لا نجد إلا ذكر مضاعفات حسنات المؤمنين الصادقين وإحباط حسنات الكافرين والمشركين.
مثل قوله تعالى: ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً )، وذلك كله من العدل.
يؤكد هذا أنه لا يجوز لنا البحث عن مثالب الصحابة بكل حال، كما لا يلزمنا البحث عن مساوئ فضلاء التابعين في حال الترجمة أو حال التقويم قياماً بالعدل.
ولا يلزمنا البحث عن أخطاء أئمة الإسلام وفضلائهم، لا في حال الترجمة ولا في حال التقويم بحجة أن هذا من العدل.
كما لا يلزمنا بحال البحث عن محاسن رؤوس أهل الضلال والبدع من الروافض والخوارج والمعتزلة وغيرهم في حال الترجمة لهم أو حال التقويم.
ومن قال غير هذا فعليه أن يقيم الأدلة والبراهين من كتاب الله ومن سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )، وقال تعالى: ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله).
غاية ما في الأمر أنه قد يذكر بعض أهل العلم شيئاً من حسنات بعض أهل البدع إلى جانب مساوئهم تسامحاً منه لا أنه من باب العدل وأن ذلك من الواجبات.
ومثل هذا يُتسامح فيه إذا لم يؤدِ إلى مفسدة أو إلى اغترار الناس بهذا المدح والممدوح، وأما إذا أدى إلى هذا فلا.
وأخيراً:
رد الحلبي على الحلبي :
علق الحلبي على قول الأوزاعي الذي ذكره أبو بكر الطرطوشي في الحوادث والبدع (149- بتحقيق الحلبي) :” بلغني أن من ابتدع بدعة، خلاَّه الشيطان والعبادة، وألقى عليه الخشوع والبكاء لكي يصطاد به”.
فعلق الحلبي بقوله :” فليحذر الناس كثيراً من ذوي البدع الذين يغتر بظاهرهم…فإنها مصايد”. انتهى .
ومن رد الحلبي على الحلبي :
قوله في كتابه رؤية واقعية في المناهج الدعوية في معرض رده على من يلمع أهل البدع ويثني عليهم :” الواجب الذي لا حق سواه: بيان حقائق هؤلاء، والكشف عن واقعهم المخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونهج سلف الأمة، حتى لا يغرر بهم أحد، وحتى لا يغتر فيهم أحد!
وأما تاريخهم المشهود وتراثهم المكتوب: فهو مثقل بألوان المخالفات العقدية والفقهية والفكرية …حتى السياسية!!
فاختاروا لكم سلفاً غيرهم .. وتخيروا لأنفسكم قدوة سواهم .. وانظروا لدعوتكم أسوة عداهم.
ها هو النهج بين أيديكم، فـ”عضوا عليه بالنواجذ”. انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ الحواشي ــــــــــــــــــــــ
(1) أقول أنا أحمد بازمول: لم ينطلق الذهبي في كلامه هذا من منهج الموازنات ولا من باب التقويم، وإنما هي خاطرة سنحت له، ثم أين هي المحاسن التي عددها؟
(2) لم يُطِل الحلبي كعادته في غالب المسائل التي أوردها في منهجه المسمى بمنهج السلف حتى جاءت مقدمة الكتاب (5-186).
فأوهم الحلبي بقوله (141) :” المسألة الثانية عشرة: (منهج الموازنات) – تفصيلاً-: ولن أزيد ها هنا على أجوبة سماحة أستاذنا عبد العزيز بن باز رحمه الله الدقيقة” انتهى
أقول أوهم الحلبي: القارئ الكريم أن خلاصة أقوال العلماء حاصلة في ما جاء في هذا المبحث.
وتأمل تدليسه وتلبيسه في قوله (تفصيلاً)!
أي الخلاصة هنا فلا تحتاجون للمراجعة من بعدي.
والحلبي يعلم أن هذه المسألة أكبر من ذلك؛ فقد قال عن معرفته بمنهج الموازنات فيما سماه بـمنهج السلف (43) حاشية رقم (1) :” َنَحْنُ عَارِفُونَ بِمَدَارِكِ هَذَا (المَنْهَج)، خَبِيرُونَ -وَالحَمْدُ لِلَّـهِ- بِمَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لاَ يَجُوز “انتهى.
(3) لم يرد الحلبي أن تظهر هذه الأمور؛ لأنها تكشف باطله، وتكون كالدامغة لمقالته، وكالفاضحة لأفعاله وأقواله، ولقد صدق وكيع حين قال :” أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم”. أخرجه الدارقطني في السنن (1/26) عن وكيع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (7) :” وصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم تارة بخلاً به وتارة اعتياضاً عن إظهاره بالدنيا وتارة خوفاً أن يحتج عليهم بما أظهروه منه.
وهذا قد ابتلى به طوائف من المنتسبين إلى العلم فإنهم تارة يكتمون العلم بخلاً به وكراهة أن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه وتارة اعتياضاً عنه برياسة أو مال ويخاف من إظهاره انتقاص رياسته أو نقص ماله وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم”.
(4) وهكذا يفعل اليوم الحلبي، وقد أكثر وأكثر.
(5) ألقم العلامة ابن عثيمين والعلامة الألباني دعاة منهج الموازنات وإيجابها على الناس أحجاراً، وجعلاهم يعلنون تراجعهم عن هذا الإيجاب المفترى، وانخنسوا عن تسميته عدلاً وأن تركه ظلم، فشكر الله للشيخين هذا الموقف الحاسم.
وفي قول الشيخ ابن عثيمين رد صريح وواضح على قول الحلبي في جلسة له :” إذا كان المردود عليه من أهل السنة فينبغي ذكر حسناته لأننا نريد له الخير. نريد أن نذكره بما عنده من خير. حتى يترك ما خالف ذلك الخير” اهـ.
(6) ومع تقديري لهذا الإمام أقول: إن هذا أمر لا يقدر عليه إلا الله علام الغيوب، فالإنسان لا يستطيع أن يُقوِّم نفسه تقويماً كاملاً، ولهذا لا يستطيع أحد أن يقيم الأدلة على هذا القول، وستأتي تكملة لهذا.
محبكم
أحمد بن عمر بازمول